الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولأن أهل الجاهلية كانوا يُفيضون من عرفات إذا اصفرَّت [الشمس]
(1)
، فسَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم الوقوفَ إلى غروب الشمس مخالفةً لهَدْيِهم، وذلك داخل في امتثاله لأمر الله سبحانه بالحج، وفي تفسيره للحج المجمل في كتاب الله. والفعل إذا خرجَ منه مخرجَ الامتثال والتفسير كان حكمُه حكمَ الأمر، وهو داخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم:«خذوا عنِّي مناسككم» .
وقد روى محمد بن قيس بن مَخْرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يوم عرفة فقال: «هذا يوم الحج الأكبر، إن من كان قبلكم من أهل الأوثان والجاهلية كانوا يُفيضون إذا [رُئيتِ]
(2)
الشمس على الجبال كأنها عمائم الرجال، ويدفعون من جَمْعٍ إذا أشرقت على الجبال كأنها عمائم الرجال، فخالف هَدْيُنا هديَ الشرك». رواه أبو داود في «مراسيله»
(3)
. وفي رواية
(4)
: «كانوا يُفيضون من عرفاتٍ قبل غروب الشمس، فلا تعجلوا فإنا نفيض بعد غروبها» .
وإنما قلنا: ليس بركن، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«ووقفَ بعرفة قبل ذلك ليلًا أو نهارًا» ، ولحديث الذي وقَصَتْه راحلتُه بعرفات
(5)
.
فصل
لا يجوز له أن يُفيض من عرفات قبل غروب الشمس
بلا تردُّد، سواء
(1)
مكانه بياض في النسختين.
(2)
زيادة من «المراسيل» .
(3)
سبق تخريجه.
(4)
أوردها القاضي في «التعليقة» (2/ 96) دون عزو.
(5)
سبق تخريجهما.
فُرِض أن الإمام أخطأ السنة فأفاض قبل ذلك أم لا، أم لم يكن للموسم إمام، فإذا غربت الشمس فالسنة أن لا يفيض قبل الإمام إلا أن يخالف الإمامُ السنةَ، فيقف إلى مغيب الشفق.
قال أحمد في رواية المرُّوذي: إذا دفع الإمام دفعتَ معه، ولا تُفِضْ حتى يدفع الإمام.
فإن أفاض بعد غروب الشمس قبل الإمام
…
(1)
، فقال أبو الحارث
(2)
: سألت أحمد: هل يجوز لأحدٍ أن يُفيض قبل الإمام؟ قال: إذا أفاض الإمام أفاض معه، ويُفيض الإمام إذا غربت الشمس، وعليه السكينة، ويُفيض الناس معه. قلت: فإن أفاض قبل الإمام؟ فقال: ما يُعجِبني، قلت: فما يجب على من دفع قبل الإمام؟ قال: أقلُّ ما يجب عليه دم. ثنا يحيى عن ابن جريج عن عطاء: إذا دفع قبل أن تغيب الشمس فعليه دم. وقال الحسن: يرجع، فإن لم يرجع فعليه بدنة. وقال مالك: إذا دفع قبل أن تغرب الشمس فسد حجه. قال أحمد بن حنبل: إذا دفع قبل غروب الشمس قبل الإمام فعليه دم.
وقال في رواية الأثرم
(3)
وقد سئل عن رجل دَفَعَ قبل الإمام من عرفة بعد ما غابت الشمس فقال: ما وجدتُ أحدًا سهَّلَ فيه، كلُّهم يُشدِّد فيه، وما يُعجِبني أن يدفع قبل الإمام.
وممن قال: إذا دفع قبل الإمام عليه دم: الخرقي
(4)
وأبو بكر.
(1)
بياض في النسختين.
(2)
انظر «التعليقة» (2/ 95).
(3)
كما في «التعليقة» (2/ 99).
(4)
انظر «المغني» (5/ 275).
وقال أكثر المتأخرين من أصحابنا: إنما الدم على من دفع قبل غروب الشمس. وجعل هؤلاء قوله: «دفعَ قبل» بمعنى دفع قبل غروب الشمس؛ لأن الإمام إنما يدفع بعد الغروب.
وحمل القاضي
(1)
رواية الأثرم الصريحة على الاستحباب؛ لأنه قال في رواية حرب
(2)
: إذا دفع من عرفة قبل غروب الشمس يُهرِيق دمًا. وقال أيضًا في رواية الأثرم
(3)
: مالك يقول: إذا دفع قبل غروب الشمس فسدَ حجُّه، وهذا شديد، والذي نذهب: عليه دم.
فإن كان له عذر في الإفاضة قبل غروب الشمس، مثل أن ينسى نفقته بمكان آخر، فقال أبو طالب
(4)
: سألت أحمد عن الرجل يقف بعرفة مع الإمام من الظهر إلى العصر ثم يذكر أنه نسي نفقته بمنى، قال: إن كان قد وقف بعرفة فأحبُّ إليَّ أن يستأذن الإمامَ، يُخبِره أنه نسي نفقته، فإذا أذِنَ له ذهب ولا يرجع، قد وقف:{وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} [النور: 62]، وهم معه على أمرٍ جامع. وإن كان لم يقف بعرفة يرجع فيأخذ نفقته، ويرجع إلى عرفة، فيقف بها، ومن وقف بعرفة من ليلٍ أو نهار قبل طلوع الفجر فقد تمَّ حجه، فهذا يرجع فيقف.
(1)
في «التعليقة» (2/ 99).
(2)
كما في المصدر السابق (2/ 95).
(3)
المصدر نفسه (2/ 95).
(4)
المصدر نفسه (2/ 95).