الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجمرة الكبرى، وهذا من العلم العام.
الفصل الرابع
أنه يستقبل القبلة عند رمي الأُولَيينِ
، هكذا ذكره أصحابنا الذين قالوا: يستدبر القبلة في جمرة العقبة، والذين قالوا: يستقبلها. وقد تقدم الكلام في جمرة العقبة. قالوا: ويجعل الجمرة الأولى عن يَسْرته، والثانية والثالثة عن يمينه؛ لأن الرمي من الطريق، ومتى رمى من الطريق كانت الأولى عن يسرته والأُخريان
(1)
عن يمينه.
وفي حديث ابن عمر: أنه كان إذا رمى الوسطى أخذ ذات الشمال فيُسْهِل
(2)
.
الفصل الخامس
أنه إذا رمى الأولى والثانية تقدَّم قليلًا إلى ناحية الكعبة حيث لا يصيبه الحصى، فاستقبل القبلة، ووقف يدعو الله سبحانه؛ لما روي عن سالم عن ابن عمر: أنه كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصياتٍ، يكبِّر على إِثْر كل حصاة، ثم يتقدم حتى يُسْهِل، فيقوم مستقبلَ القبلة، فيقوم
(3)
طويلًا، ويدعو ويرفع يديه، [ثم يرمي الوسطى، ثم يأخذ ذات الشمال فيُسهِل ويقوم مستقبل القبلة، فيقوم طويلًا ويدعو، ويرفع يديه]
(4)
ويقوم طويلًا، ثم الجمرة ذات
(1)
في النسختين والمطبوع: «والأخرتان» تحريف.
(2)
أخرجه البخاري (1751، 1752). وسيأتي شرح الإسهال.
(3)
في المطبوع: «قيامًا» خلاف النسختين والبخاري.
(4)
زيادة من البخاري ليستقيم السياق، ولعله سقط لانتقال النظر.
العقبة من بطن الوادي، ولا يقف عندها، ثم ينصرف، ويقول: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله. رواه أحمد والبخاري
(1)
.
أسْهلَ: إذا صار إلى الأرض السهل المنخفضة عما فوقها، كما يقال: أنْجدَ وأتْهمَ وأعْرقَ وأشأمَ.
وفي لفظٍ للبخاري
(2)
عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رمى الجمرة التي تلي مسجدَ منًى يرميها بسبع حصياتٍ، يكبِّر كلما رمى بحصاة، ثم تقدَّم أمامها، فوقف مستقبل القبلة رافعًا يديه يدعو، وكان يُطيل الوقوف، ثم يأتي الجمرة الثانية فيرميها بسبع حصياتٍ، يكبِّر كلما رمى بحصاة، ثم ينحدر ذات اليسار مما يلي الوادي، فيقف مستقبل القبلة رافعًا يديه يدعو، ثم يأتي الجمرة التي عند العقبة فيرميها بسبع حصياتٍ، يكبِّر عند كل حصاة، ثم ينصرف، ولا يقف عندها. قال: وكان ابن عمر يفعله.
وقد تقدَّم ذكر قيام النبي صلى الله عليه وسلم وتضرُّعه في حديث عائشة، وأنه كان يطيل القيام بين الجمرتين.
وأما مقدار هذا القيام فقال حرب: قلت لأحمد: كم يقوم الرجل بين الجمرتين؟ قال: يقوم ويدعو ويبتهل، ولم يوقّت وقتًا.
وقال في رواية المرُّوذي: فإذا كان من الغد وزالت الشمس رميتَ الجمرة الأولى بسبع حصياتٍ، تكبِّر مع كل حصاة، وتقول بين كل
(1)
أحمد (6404) والبخاري (1751)، واللفظ له.
(2)
رقم (1753).
تكبيرتين: «اللهم اجعله حجًّا مبرورًا، وذنبًا مغفورًا، وسعيًا مشكورًا، وعملًا متقبَّلا، وتجارةً لن تبور» ، ثم امشِ قليلا حتى تأتي موضعَ يقام عن يسار الجمرة التي رميتَ مستقبل القبلة، وتدعو بدعائك بعرفة، وتزيد:«وأتمِمْ لنا مناسكنا» ، ثم تأتي الجمرة الوسطى كذلك، ثم ترمي جمرة العقبة ولا تقف عندها، وكلّ ما دعوتَ به أجزأك. ويستحبُّ طولُ القيام عند الجمار في الدعاء.
وكذلك قال في رواية عبد الله
(1)
.
فصل
والسنة أن يمشي من منزله إلى الجمار ويرميها واقفًا، ويرجع إلى منزله
…
(2)
؛ لما روي عن ابن عمر أنه كان يأتي الجمار في الأيام الثلاثة بعد النحر ماشيًا ذاهبًا وراجعًا، ويخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك. رواه أحمد، وأبو داود وهذا لفظه، والترمذي
(3)
وقال: حديث حسن صحيح، ولفظ أحمد:«أنه كان يرمي الجمرة يوم النحر راكبًا، وسائر ذلك ماشيًا، ويخبرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك» .
فإن كان له عذر فلا بأس بالركوب، قال حرب: قلت لأحمد: فالركوب إلى الجمار؟ قال: للنساء والضعفة.
ولا فرق بين الرمي يوم النَّفْر وقبله.
(1)
«مسائله» (ص 216).
(2)
بياض في النسختين، والسياق يقتضي كلمة «ماشيًا» .
(3)
أحمد (5944) وأبو داود (1969) والترمذي (900) وقد سبق تخريجه.
واختلف أصحابنا في الأفضل، فقال أبو الخطاب
(1)
وجماعة: الأفضل أن يرمي الجمار كلها ماشيًا؛ لأن في حديث ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رمى الجمار مشى إليها ذاهبًا وراجعًا. هذا لفظ الترمذي
(2)
وقال: حديث حسن صحيح.
وقال القاضي في «المجرد» : يرمي يوم النحر وثالث أيام منى راكبًا، واليومين الآخرين راجلًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رمى يوم النحر [ق 357] راكبًا، ولأن يوم النحر يجيء راكبًا من مزدلفة، فيستحبّ له أن يفتتح منًى بالرمي قبل نزوله، ويوم النفر يخرج من منًى، فيستحبّ أن يودّعها بالرمي، ثم يخرج منها وهو راكب لا يحتاج إلى ركوب بعد ذلك
…
(3)
.
الحصبة»
(4)
. متفق عليه.
(1)
في «الهداية» (ص 194). وانظر «المغني» (5/ 293) و «المستوعب» (1/ 511).
(2)
انظر ما سبق.
(3)
بياض في النسختين، وكتب في هامشهما:«سقط هنا قدر ورقة ولم يبيض له» . وقد سقط شرح قوله في «العمدة» : (فإن أحب أن يتعجل في يومين خرج قبل الغروب، فإن غربت الشمس وهو بمنى لزمه المبيت بها والرمي من غدٍ. فإن كان متمتعًا أو قارنًا فقد انقضى حجه وعمرته، وإن كان مفرِدًا خرج إلى التنعيم، فأحرم بالعمرة منه، ثم يأتي مكة، فيطوف ويسعى ويحلق أو يقصّر، فإن لم يكن له شعر استُحبَّ أن يُمِرَّ الموسى على رأسه، وقد تمّ حجه وعمرته). وهذا يقتضي أن هنا سقطًا كبيرًا أكثر من ورقة. والكلام الآتي شرح لما في «العمدة» : (وليس في عمل القارن زيادة على عمل المفرد).
(4)
هذا آخر حديث جابر، وفيه: ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة رضي الله عنها، فوجدها تبكي، فقال:«ما شأنك؟» قالت: شأني أني قد حضتُ، وقد حلَّ الناس ولم أحلِلْ، ولم أطف بالبيت، والناس يذهبون إلى الحج الآن، فقال:«إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم، فاغتسلي ثم أهِلِّي بالحج» . ففعلتْ ووقفت المواقف، حتى إذا طهرتْ طافتْ بالكعبة والصفا والمروة، ثم قال:«قد حللتِ من حجِّكِ وعمرتكِ جميعًا» . فقالت: يا رسول الله، إني أجد في نفسي أنّي لم أطُفْ بالبيت حتى حججتُ، قال:«فاذهبْ بها يا عبد الرحمن، فأَعْمِرْها من التنعيم» . وذلك ليلة الحصبة. أخرجه مسلم (1213). وهو متفق عليه من حديث عائشة بنحوه. انظر البخاري (1556) ومسلم (1211).
فهذا بيان من النبي صلى الله عليه وسلم أن
(1)
عائشة صارت قارنةً بإدخال الحج على إحرام العمرة، وأن طوافها بعد التعريف أجزأها عن الحج والعمرة.
وعن جابر قال: لم يطُفِ النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافًا واحدًا؛ طوافه الأول. رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي
(2)
.
وفي رواية عن الحجاج عن أبي الزبير
(3)
عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرن بين الحج والعمرة، فطاف لهما طوافًا واحدًا. رواه الترمذي
(4)
، وفي رواية لابن ماجه
(5)
: «أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف للحج والعمرة طوافًا واحدًا» .
(1)
في النسختين: «وأن» .
(2)
أحمد (14414) ومسلم (1215، 1279) وأبو داود (1895) والنسائي (2986) من طريق ابن جريج عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنه يقول.
(3)
في المطبوع: «عن الزبير» خطأ.
(4)
رقم (947) وقال: «حديث حسن» أي بمتابعاته وإلا فالحجاج بن أرطاة فيه لين.
(5)
رقم (2973) من طريق أشعث بن سوَّار عن أبي الزبير به. وأشعث ضعيف، ولكنه لم ينفرد برواية الحديث، بل تابعه غير واحد، منهم ابن جريج والحجاج كما في الروايتين السابقتين.
وعن ليث قال: حدثني عطاء وطاوس ومجاهد، عن جابر بن عبد الله وابن عمر وابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يطف هو وأصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافًا واحدًا لعمرتهم وحجهم.
وعن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف طوافًا واحدًا لحجه وعمرته.
وعن أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه طافوا لحجهم وعمرتهم طوافًا واحدًا. رواهن الدارقطني
(1)
بأسانيد حسان يصدّق بعضها بعضًا.
فصل
وأما المتمتع
(2)
فلا بدّ له من طوافٍ للعمرة وسعيٍ لها، وهل عليه سعي آخر للحج؟ على روايتين منصوصتين:
إحداهما: عليه سعيان كما عليه طوافان، قال في رواية الأثرم
(3)
: القارن يجزئه طواف واحد وسعي واحد، والمتمتع طوافان وسعيان.
وقال في رواية حنبل
(4)
وقد سئل عن القارن كم يطوف ويسعى بين الصفا والمروة؟ فقال: يجزئه طواف واحد إذا دخل بالحج والعمرة، فإن دخل متمتعًا بعمرة ثم حجَّ فأرى أن يسعى سعيًا للعمرة وسعيًا للحج.
هذا هو المعروف عند أصحابنا.
(1)
(2/ 258، 261). وفي أسانيدها ضعف ينجبر بالمتابعات والشواهد.
(2)
في المطبوع: «التمتع» خلاف النسختين.
(3)
كما في «التعليقة» (2/ 63).
(4)
كما في المصدر السابق (2/ 63).
والرواية الثانية: يكفيه سعي واحد، قال عبد الله بن أحمد
(1)
: قلت لأبي: المتمتع كم يسعى بين الصفا والمروة؟ قال: إن طاف طوافين فهو أجود، وإن طاف طوافًا واحدًا فلا بأس، قال
(2)
: وإن طاف طوافين فهو أعجب إليَّ. واحتجّ بحديث جابر
(3)
: «لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافًا واحدًا؛ طوافه الأول» .
وقال المرُّوذي
(4)
: قال أبو عبد الله: إن شاء القارن طاف طوافًا واحدًا، وإن شاء المتمتع طاف طوافًا واحدًا.
وهذا هو الصواب بلا شك؛ لحديث جابر المذكور، وكذلك عامة الأحاديث المتقدمة
(5)
، فيها أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما طافوا بين الصفا والمروة الطوافَ الأول. ومن قال من أصحابنا: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان متمتعًا، فهذا لازم له؛ لأن الأحاديث الصحيحة لم تختلف أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسْعَ بين الصفا والمروة إلا مرةً واحدة، وأنه لما طاف طواف الإفاضة لم يسْعَ بعده، وهذا بيِّنٌ في حديث ابن عمر، وابن عباس، وعائشة، وجابر، وغيرهم، وقد تقدَّم كثير من ذلك فيما مضى.
وعن جابر قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلِّين بالحج مع النساء
(1)
في «مسائله» (ص 201).
(2)
«قال» ساقطة من المطبوع.
(3)
سبق تخريجه.
(4)
كما في «التعليقة» (2/ 64).
(5)
«المتقدمة» ساقطة من المطبوع.
والولدان، فلما قدمنا مكة طفنا بالبيت وبين الصفا والمروة، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:«من لم يكن معه هدي فليحلِلْ» ، قال: فقلنا: أيُّ الحل؟ قال: «الحلُّ كله» . فأتينا النساء، ولبسنا الثياب، ومَسِسْنا الطيب، فلما كان يوم التروية أهللنا بالحج، وكفانا الطواف الأول بين الصفا والمروة. رواه مسلم وأبو داود
(1)
، وهذا نصٌّ في أنهم تمتّعوا واكتفَوا بطواف واحد بين الصفا والمروة.
فإن قيل: فحديث عائشة
(2)
الذي قالت فيه: «فطاف الذين كانوا أهلُّوا بالعمرة بالبيت وبين الصفا والمروة، ثم حلُّوا، ثم طافوا طوافًا آخر بعد أن رجعوا من منًى لحجهم، وأما الذين جمعوا الحج والعمرة. فإنما طافوا طوافًا واحدا» . وكذلك حديث ابن عباس المتقدم.
ولأنكم قد استحببتم طوافين، وإذا كان الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم قد اقتصروا على طواف واحد، فلا معنى لاستحباب الزيادة عليهم.
قلنا: لعل جابرًا أخبر عن بعض المتمتعين، وعائشة أخبرت عن بعضهم، فإنهم كانوا خلقًا كثيرًا، فأخبر جابر عما فعله هو ومن يعرفه، وأخبرت عائشة عما فعله من تعرفه، والله أعلم بحقيقة الحال، على أن أحاديث [ق 358] جابر وأصحابه مفسَّرة واضحة لا احتمال فيها.
وإنما استحب أحمد الطوافين لحديث ابن عباس وعائشة؛ ولأنه أحوط وأتمّ. وأيضًا فإن المتمتع إنما يفعل عمرة في حجة؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن
(1)
مسلم (1213/ 138) وأبو داود (1788).
(2)
أخرجه البخاري (1556، 1638، 4395) ومسلم (1211).