الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في عمرة الحديبية كانوا أكثر من أربع عشرة مائة، فلم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أحدًا
(1)
منهم بالقضاء في العام المقبل، ولم يعتمر معه
(2)
إلا نفر قليل، وقد مات منهم قبل ذلك ناس.
مسألة
(3)
: (ومن كرَّر محظورًا من جنسٍ غيرِ قتل الصيد فكفارة واحدة، إلا أن يكون قد كفّر عن الأول، فعليه للثاني كفارة، وإن فعل محظورًا من أجناسٍ فلكل واحدٍ كفارة)
.
في هذا الكلام فصول:
أحدها
أنه إذا كرَّر محظورًا من جنس واحد غير قتل الصيد، مثل أن يلبس، أو يخلع ثم يلبس، أو يتطيب ثم يتطيب في وقت آخر، أو يجامع ثم يجامع، أو يحلق ثم يحلق ثم يحلق، أو يُقلِّم ثم يُقلِّم= فعليه كفارة واحدة ما لم يكن كفَّر عن الأول، في أشهر الروايتين
(4)
.
قال في رواية ابن القاسم
(5)
وقد حُكِي له قول بعضهم: إذا وجبتْ عليه كفارة في لباسٍ أو طيبٍ ونحو ذلك، ثم كفّر، ثم عاد بمثله= فعليه الكفارة،
(1)
في المطبوع: «واحدا» خلاف النسختين.
(2)
«معه» ساقطة من المطبوع.
(3)
انظر المسألة في: «المستوعب» (1/ 481) و «المغني» (5/ 390، 391) و «الشرح الكبير» مع «الإنصاف» (8/ 423 - 425) و «الفروع» (5/ 538).
(4)
ذكر المؤلف ثلاث روايات فيما يلي.
(5)
كما في «التعليقة» (1/ 453).
وإن لم يكفِّر حتى عاد فليس عليه إلا كفارة واحدة، فقال: هو هكذا إذا لم يكفِّر، فليس عليه إلا كفارة.
وقال في رواية ابن منصور
(1)
فيمن وقع بأربع نسوة ــ وهو محرمٌ ــ في يوم واحد أو أيام متفرقة: فسد حجُّه، وعليه كفارة واحدة ما لم يكفِّر.
والرواية الثانية: إن كان السبب مختلفًا، مثل مرض ثم مرض، أو مرض
(2)
ثم حرّ ثم برد= فعليه كفارات. قال في رواية الأثرم
(3)
في محرم اعتلَّ فلبس جُبَّةً، ثم برأ، ثم اعتلّ فلبس جبَّةً: يكفِّر كفّارتين، فإن اعتلَّ علّة واحدة فلبس عمامة، واحتاج في علته في الغد إلى جبةٍ وبعدَ غدٍ قميصٍ: فإذا كانت علّةً واحدة وكان شيئًا متقاربًا فكفارة، وإن تداوى بأدويةٍ دواءٍ بعد دواءٍ فحكمه حكم اللباس.
ومعنى قوله: «وإن كان متقاربًا» أي فعل أشياءَ من المحظورات متقاربةَ المقصود حتى يكون جنسًا واحدًا؛ مثل العمامة والجبَّة والقميص؛ لأن كل واحد من هذه الأفعال موجب للكفارة بنفسه، فلم تدخل كفارته في غيره كما لو كفَّر عن الأول، لكن إذا كان السبب واحدًا فالفدية تبيح له ما اقتضاه ذلك السبب؛ ولهذا يجوز تقديمها على فعل المحظور، فلا يصير شيء من تلك الأمور محظورًا في حقه، فلا يحتاج إلى فدية ثانية، بخلاف ما إذا تعدَّد السبب، أو فعلَ المحظوراتِ عامدًا.
فعلى هذه الرواية: إذا لبس للبرد في طرفي النهار وبالليل فإنه يخلع
(1)
هو الكوسج في «مسائله» (1/ 584). ونقلها القاضي في «التعليقة» (1/ 453).
(2)
«أو مرض» ساقطة من المطبوع.
(3)
كما في «التعليقة» (1/ 453).
وقتَ الحرّ، وكذلك إن لبس لحرٍّ
(1)
وسطَ النهار فإنه يخلع وقت البرد، ويكون البرد
(2)
سببًا واحدًا؛ لأنه شيء واحد له أوقات معلومة، فأشبه المريض مرضًا واحدًا إذا لم يبرأ، ولكن يحتاج إلى اللبس
(3)
في أوقات الحمَّى ونحو ذلك.
وعلى هذه الرواية أيضًا: إذا فعل ذلك دفعةً واحدة مثل إن لبس وتعمَّم واحتذى
(4)
، أو حلق رأسه كله، لم يلزمه إلا كفارة واحدة أيضًا.
والثالثة
(5)
: لكل واحدٍ كفارة مطلقًا، قال في رواية ابن منصور
(6)
وقد سئل عن محرم مسَّ طِيبًا، ولبس ثوبًا، وحلق رأسه، ولبس الخفين وما أشبه ذلك مما لا ينبغي له أن يفعل، قال: عليه كفارة واحدة، وإن فعل ذلك واحدًا بعد واحدٍ فعليه دم لكل واحد.
فقد سوَّى بين الجنس والجنسين؛ لأن الثوب والخفّ من جنس واحد.
والأول أصح؛ لأنها أفعال من جنس واحد لا تتفاوت كفارتها
(7)
بكثرتها، فتداخلت كما لو فعلها متصلةً، وذلك لأن الاتصال والانفصال لا يغيِّر موجب الشيء ومقتضاه، بدليل: قتل الصيد وقتل النفوس ونحو ذلك
(1)
في المطبوع: «للحر» خلاف النسختين.
(2)
«البرد» ساقطة من المطبوع.
(3)
في المطبوع: «اللباس» .
(4)
في النسختين: «يلبس ويتعمم ويحتذي» . والمثبت من هامشهما بعلامة ص.
(5)
أي الرواية الثالثة.
(6)
الكوسج في «مسائله» (1/ 565). وانظر «التعليقة» (1/ 460).
(7)
في المطبوع: «كفاراتها» خلاف النسختين.
لما كانت متباينةً استوى فيها الاتصال والانفصال، فلما كانت هذه الأفعال متداخلةً عند الاتصال وجب أن تكون متداخلةً عند الانفصال.
وأيضًا فإن الكفارات كالحدود تُشرع زاجرةً وماحيةً، فإن الحدود كفارات لأهلها، والكفارات حدود عن المحظورات، فوجب أن تتداخل كالحدود.
وإن كان قد كفَّر عن الأول فعليه للثاني كفارة ثانية، هكذا أطلق أصحابنا.
وهذا ينبغي إذا لم يدخل
(1)
الثاني في كفارة الأول، فإن من أصلنا أنه يجوز تقديم الكفارة على الفعل إذا أبيح؛ فلو مرض فاحتاج إلى اللبس أو الطيب، فافتدى لذلك، ثم لبس بعد ذلك مراتٍ، أو تطيَّب مرات لم يلزمه كفارة ثانية بلا تردد؛ لأن الفدية أباحت اللبس الثاني كما أباحت الأول
(2)
، ولا فرق بينهما. ولهذا أطلق أحمد القولَ بوجوب كفارة واحدة إذا لبس مراتٍ لعلة واحدة، ولم يفرِّق بين أن يكفِّر أو لا يكفِّر، اللهم إلا أن
(3)
ينوي أنه يستبيح اللبس مرةً واحدةً.
ولو كفَّر ثم استدام المحظورَ فعليه كفارة ثانية كما لو ابتدأه، على ما ذكره في رواية ابن منصور
(4)
فيمن لبس قميصًا عشرة [ق 317] أيام ناسيًا عليه كفارة واحدة ما لم يكفِّر.
(1)
في النسختين: «يدل» . والتصويب من هامش ق.
(2)
في المطبوع: «اللبس الأول» خلاف ما في النسختين.
(3)
«أن» ساقطة من المطبوع.
(4)
الكوسج في «مسائله» (1/ 589).