الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأمتي عن الخطأ والنسيان»
(1)
، بخلاف حقوق الآدميين، فإنهم لم يُعفَوا عن حقوقهم.
وأما الفرق بين اللباس والحلق فسيأتي.
الفصل الثاني
أنه إذا قتل الصيد ناسيًا أو جاهلًا فعليه الكفارة، كما على العامد
. هذا أشهر الروايتين عنه نقلها صالح، وعبد الله، وحنبل، والأثرم، وأبو طالب، وابن القاسم
(2)
.
وروى عنه صالح
(3)
أيضًا: لا كفارة في الخطأ والناسي والجاهل بالتحريم، وذلك لأن الله سبحانه قال:{لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} الآية إلى آخرها. وهذا يدلّ على أنه لا جزاء في الخطأ من وجوه.
أحدها: أن الله نهى المحرم عن قتل الصيد، والناسي والمخطئ غير مكلَّف، فلا يكون منهيًّا، وإذا لم يكن منهيًّا لم يكن عليه جزاء؛ لأن القتل المضمون هو القتل المنهي عنه، كما دل عليه سياق الآية.
الثاني: أنه قال: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} فقد نصّ على وجوب الجزاء على المتعمد، فيبقى المخطئ بريء الذمة، فلا يجوز أن يوجب عليه الشيء لبراءة ذمته.
(1)
سبق تخريجه.
(2)
كما في «التعليقة» (2/ 298).
(3)
المصدر نفسه.
الثالث: أنه خصّ المتعمد بإيجاب الجزاء بعد أن تقدم ذكر القتل الذي يعمُّ المتعمدَ وغيره، ومتى ذُكرت الصفة الخاصة بعد الاسم العام كان تخصيصها بالذكر دليلًا قويًّا على اختصاصها بالحكم، أبلغَ مِن لو ذُكرت الصفة مبتدأة، إذ لو لم يختصّ بالحكم كان ذِكر المتعمد زيادةً في اللفظ ونقصًا في المعنى، ومثلُ هذا يُعدّ عِيًّا في الخطاب. وهذا المفهوم لا يكاد ينكره من له أدنى ذوقٍ بمعرفة الخطاب.
الرابع: أن المتعمد اسم مشتقّ من العمد مناسب، فكان
(1)
ما منه الاشتقاق علةَ الحكم، فيكون وجوب الجزاء لأجل التعمُّد، فإذا زال التعمُّد زال وجوب الجزاء لزوال علته.
الخامس: أنه أوجب الجزاء ليذوق وبالَ أمره، والمخطئ ليس عليه وبالٌ، فلا يحتاج إلى إيجاب الجزاء.
وأيضًا فضمان الصيد ليس حقًّا لآدمي، وإنما هو حقٌّ لله. وما حرَّمه الله إذا فعله ناسيًا أو مخطئًا لا مؤاخذة عليه ولا جزاء.
فعلى هذه الرواية: لو تعمَّد رمْيَه بآلةٍ تقتل غالبًا أو لا تقتل
(2)
، ولم يقصد قتله= فهو متعمد أيضًا؛ لأنه فعل ما لا يحلّ له، وهو مؤاخَذ بذلك. ويحتمل كلامه أنه ليس بعمد.
ولو قتل صبي أو مجنون صيدًا في الحرم، أو قتله الصبي وهو محرم
…
(3)
.
(1)
في النسختين: «كان» . ولعل الصواب ما أثبته.
(2)
«أو لا تقتل» ساقطة من المطبوع.
(3)
بياض في النسختين.
ووجه الأول
…
(1)
، وعن ابن جريج: قلت لعطاء: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} ، قلت له: فمن قتله خطأً أيُغرم، وإنما جعل الغرم على من قتله متعمدًا
(2)
؟ قال: نعم، يُعظّم بذلك حرمات الله، ومضت به السنن
(3)
. ولئلا يدخل الناس في ذلك، فإنه لو لم يُجعل على قاتل الصيد حرامًا خطأً غُرمٌ، أوشَكَ
(4)
الذي يقتله عمدًا يقول: إنما قتلته خطأ. قال
(5)
: ولذلك قال: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} .
قال
(6)
: وقال عمرو بن دينار: رأيتُ الناس أجمعين يُغرِّمون في الخطأ.
وعن عُقيل عن ابن شهاب أنه سئل عن قتل المحرم الصيد خطأً، فقال: زعموا أن كفارة ذلك خطأً سنةٌ
(7)
، وكفارة العمد في القرآن
(8)
. رواهن
(1)
بياض في النسختين. واستدلَّ أبو يعلى في «التعليقة» (2/ 298) بحديث جابر مرفوعًا: «الضبع صيدٌ إذا أصابه المحرم ففيه الجزاء كبشٌ مُسِنٌّ، ويُؤكل» . وقال: ولم يفرق بين العمد والخطأ.
(2)
«قلت له
…
متعمدًا» ساقطة من ق.
(3)
أخرجه الشافعي في «الأم» (3/ 466) ومن طريقه البيهقي (5/ 180).
(4)
في المطبوع: «أو شك» مفصولة في سطرين!.
(5)
الظاهر أن القائل ابن جريج، فإن كلام عطاءٍ انتهى عند قوله:«ومضت به السنن» .
(6)
أي ابن جريج، أخرجه الشافعي في «الأم» (3/ 466) ومن طريقه البيهقي (5/ 180).
(7)
كذا في النسختين، يقصد أنها في السنة.
(8)
أخرجه عبد الرزاق (8178) من رواية معمر عن الزهري بنحوه. وأخرجه الطبري (8/ 678) مِن طريق هشيم قال: أخبرني بعض أصحابنا عن الزهري
…
بنحوه.
دُحَيم
(1)
وغيره.
فقد ذكر هؤلاء التابعون مُضِيَّ السنة والإجماع بالكفارة في الخطأ، والسنة إذا أُطلقت: فإما سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو سنة خلفائه الراشدين، وبكل حالٍ فذلك حجة يجب اتباعه.
والمرسل إذا أُرسل من وجوه مختلفة صار حجةً وفاقًا.
وقد روى جابر عن الحكم أن عمر كتب إلى أهل الأمصار أن قتل الصيد العمد والخطأ سواء. رواه دُحيم والنجَّاد
(2)
، ولفظه: أن عمر كتب: احكُمْ عليه في الخطأ والعمد.
قال أحمد
(3)
: قد روي عن عمر وغيره: أنهم حكموا في الخطأ.
وعن ابن مسعود في رجلٍ أَلقى جُوالقًا على ظَبْي، فأمر بالجزاء. رواه أحمد
(4)
، قال: هذا لا يكون عمدًا، إلا أن [ق 321] هذا شِبهُ عمدٍ إلا أن
(5)
لا يتعمده.
(1)
في النسختين: «ابن دُحَيم» ، فلعل كلمة «ابن» زيدت خطأً. وسيأتي على الصواب بعد خمسة أسطر. ودحيم لقب الإمام الفقيه الحافظ عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي، المتوفى سنة 245.
(2)
عزاه إليه أبو يعلى في «التعليقة» (2/ 299). وأخرجه أيضًا عبد الرزاق (8183، 8187) وابن أبي شيبة (15526).
(3)
كما في «المغني» (5/ 419).
(4)
كما في «التعليقة» (2/ 299). وقد سبق تخريجه (5/ 25) بلفظ: «على يربوع» بدل «ظبي» .
(5)
في المطبوع: «أنه» .
وعن [علي بن] أبي طلحة عن ابن عباس: قوله: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95]، قال: إن قتله متعمدًا أو ناسيًا حُكِم عليه، فإن عاد متعمدًا عُجِّلت له العقوبة إلا أن يغفر الله تبارك وتعالى. رواه جماعة
(1)
.
وأيضًا فإن الله سبحانه أوجب في قتل المعصوم خطأً ديةً وكفارة، والدية حقٌّ لورثته، والكفارة حقّ لله، ولم يسقط ذلك بكونه مخطئًا، فقتلُ الصيد خطأً في معنى ذلك سواء؛ لأنه قتل حيوان معصوم مضمون بكفارة، وكونه معفوًّا عنه لا
(2)
يؤاخذ بالخطأ لا يمنع وجوب الكفارة، كالكفارة في قتل الآدمي، وذلك لأن المتعمد يستحقّ الانتقام من الله، ويجب عليه الكفارة، فالمخطئ قد عُفي له عن الانتقام، أما الكفارة فلا.
وأما تخصيص المتعمد في الآية، فلأن الله ذكر وجوب الجزاء ليذوق وبال أمره، وأنه عفا عما سلف، وأن من عاد انتقم الله منه، وهذه الأحكام مجموعها لا تثبت إلا لمتعمدٍ، وليس في ذلك ما يمنع ثبوت بعضها في حق المخطئ، بل يجب ترتيب هذه الأحكام على ما يقتضيها من تلك الأفعال، فالجزاء بدل المقتول، والانتقام عقوبة القاتل، وهذا كما قال:{وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ} [البقرة: 217]، وقوله:{وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} الآيتين [الفرقان: 68، 69]، وقوله:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ} الآية [النساء: 115]، وقوله:{وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا} الآية [النساء: 14]. وهذا كثير في القرآن والحديث،
(1)
كذا في النسختين. ورواه الطبري (8/ 716) وابن أبي حاتم (4/ 1209) بنحوه.
(2)
في س: «أو لا» .