الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
متفق عليه
(1)
.
مسألة
(2)
: (ويأتي المشعر الحرام فيقف عنده، ويدعو، ويكون من دعائه: اللهم كما وقَفتَنا
(3)
فيه، وأريتَنا إيّاه، فوفِّقنا لذكرك كما هديتنا، واغفر لنا، وارحمنا
كما وعدتنا بقولك، وقولك الحق:{فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ} » الآيتين إلى أن يُسفِر، ثم يدفع قبل [ق 347] طلوع الشمس).
قال أبو عبد الله في رواية المرُّوذي: فإذا بَرَق الفجر فصلِّ الفجر مع الإمام إن قدرتَ، ثم قفْ مع الإمام في المشعر الحرام، وتقول:«اللهم أنت خير مطلوب منه .. » إلى آخره.
اعلم أن المشعر الحرام في الأصل اسم للمزدلفة كلها، وهو المراد؛ لأن عرفة هي المشعر الحلال، وسُمِّي جمعًا لأن الصلاتين تُجمع بها، كأن الأصل موضع جمعٍ أو ذات جمعٍ، ثم حُذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه.
وروى سعيد بن أبي عروبة في «مناسكه»
(4)
عن قتادة في قوله:
(1)
البخاري (1682) ومسلم (1289).
(2)
انظر «المستوعب» (1/ 509) و «المغني» (5/ 282) و «الشرح الكبير» (9/ 184، 185) و «الفروع» (6/ 51).
(3)
في النسختين: «وقفنا» . والتصويب من متن «العمدة» . ووقف هنا فعل متعدّ، والمعنى: أوقَفْتَنا وجعلتَنا نقف. انظر «المطلع» (ص 197).
(4)
ليس في الجزء المطبوع منه، وقد أخرجه من طريقه الطبريُّ في «تفسيره» (3/ 520).
{فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} قال: هي ليلة جمعٍ، ذُكِر لنا أن ابن عباس كان يقول: ما بين الجبلين مشعر.
وعن عمرو بن ميمون قال: سألت عبد الله بن عمرو بن العاص ونحن بعرفة عن المشعر الحرام، قال: إن اتبعتني أخبرتُك، فدفعتُ معه، حتى إذا وضعت الركابُ أيديَها في الحرم قال: هذا المشعر الحرام، قلت: إلى أين؟ قال: إلى أن تخرج منه. رواه الأزرقي وغيره بإسناد صحيح
(1)
.
ويبيِّن ذلك أن الله أمر بذكره عند المشعر الحرام، فلا بدَّ من أن يُشرع امتثال هذا الأمر، وإنما شُرع من الذكر: صلاة المغرب والعشاء والفجر، والوقوف للدعاء غداة النحر، وهذا الذكر كله يجوز في مزدلفة كلها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«هذا الموقفُ، ومزدلفة كلها موقف»
(2)
، فعُلِم أنها جميعًا تدخل في مسمى المشعر الحرام.
ثم إنه خُصَّ بهذا الاسم قُزَح
(3)
؛ لأنه أخصّ تلك البقعة بالوقوف عنده والذكر، وغلب هذا الاستعمال في عرف الناس حتى إنهم لا يكادون يَعْنُون
(1)
رواه الأزرقي (2/ 191)، ورواه أيضًا ابن أبي شيبة (14982) والفاكهي (2698) والبيهقي في «الكبرى» (5/ 123).
(2)
أخرجه أحمد (525، 564، 613) وأبو داود (1935) والترمذي (885) من حديث علي بن أبي طالب. وقال الترمذي: حسن صحيح. وأخرجه مسلم (1218/ 149) وغيره من حديث جابر بنحوه.
(3)
قال ياقوت في «معجم البلدان» (4/ 341): «هو القرن الذي يقف الإمام عنده بالمزدلفة عن يمين الإمام، وهو الميقدة أي الموضع الذي كانت توقد فيه النيران في الجاهلية، وهو موقف قريش في الجاهلية إذ كانت لا تقف بعرفة» . وقد أقيم عليه اليوم قصر ملكي.
بهذا الاسم إلا نفس قُزَح، وإياه عنى جابر بقوله في حديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم:«ثم ركب القصواءَ حتى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة، فدعا الله وكبَّره وهلَّله ووحَّده، فلم يزل واقفًا حتى أسفر جدًّا، فدفع قبل أن تطلع الشمس، وأردف الفضلَ بن عباس» . رواه مسلم
(1)
.
وكثير
(2)
ما يجيء في الحديث المشعر الحرام يُعنَى به نفس قُزَح. وأما في عرف الفقهاء فهو غالب عليه، ونسبة هذا الجبل إلى مزدلفة كنسبة جبل الرحمة إلى عرفة.
إذا تبيَّن هذا فإن السنة أن يقف الناس غداةَ جَمْعٍ بالمزدلفة، يذكرون الله سبحانه ويدعونه ــ كما صنعوا بعرفات ــ إلى قبيل طلوع الشمس؛ وهو موقف عظيم ومشهد كريم، وهو تمام للوقوف بعرفة، وبه تُجاب المسائل التي توقفتْ بعرفة، كالطواف بين الصفا والمروة مع الطواف بالبيت وأوكد، قال الله تعالى:{فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198]، ووقف النبي صلى الله عليه وسلم فيه بالناس.
وقد روى عباس بن مرداس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا لأمته عشية عرفة بالمغفرة، فأجيب: قد غفرتُ لهم ما خلا المظالم، فإني آخُذُ للمظلوم منه، قال: أي ربي
(3)
، إن شئتَ أعطيت المظلوم من الجنة وغفرت للظالم، فلم يُجَب عشية عرفة، فلما أصبح بالمزدلفة أعاد الدعاء فأجيب إلى ما سأل،
(1)
رقم (1218).
(2)
في المطبوع: «وكثيرًا» خلاف النسختين.
(3)
ق: «ربّ» . وليس فيها «أي» .
قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم أو تبسَّم، فقال أبو بكر وعمر: بأبي أنت وأمي إن هذه الساعةَ ما كنت تضحك فيها، فما الذي أضحكك، أضحك الله سِنَّك؟ قال:«إن عدوَّ الله إبليس لما علم أن الله قد استجاب دعائي وغفر لأمتي أخذ التراب، فجعل يحثو على رأسه، ويدعو بالويل والثبور؛ فأضحكني ما رأيتُ من جَزَعه» . رواه أبو داود، وابن ماجه، وعبد الله بن أحمد في مسند أبيه، وابن أبي الدنيا
(1)
.
وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان عشية عرفة باهى الله بالحاجِّ فيقول لملائكته: انظروا إلى عبادي شُعْثًا غُبْرًا قد أتوني من كل فجٍّ عميق يرجون رحمتي ومغفرتي، أُشهِدكم أني قد غفرت لهم إلا ما كان من تَبِعاتِ بعضهم بعضًا. فإذا كان غداة المزدلفة، قال الله لملائكته: أُشهِدكم أني قد غفرتُ لهم تبعاتِ بعضهم بعضا، وضَمِنتُ لأهلها النوافل» . رواه ابن أبي داود
(2)
من حديث ابن أبي روَّاد عن نافع عنه.
وعن بلال بن رباح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له غداةَ جَمْعٍ: «يا بلالُ، أَسكِت الناس
(3)
أو أَنصِت الناس»، ثم قال: «إن الله تطاولَ
(4)
عليكم في جَمْعكم
(1)
رواه أبو داود (5234) مختصرًا، وابن ماجه (3013) وعبد الله في مسند أبيه (16207) من طريق عبد الله بن كنانة بن عباس بن مرداس، عن أبيه، عن جدّه. وهذا إسناد ضعيف، عبد الله بن كنانة وأبوه كلاهما مجهول. بل قال البخاري عن الحديث: إنه لم يصحّ. انظر «الضعفاء» للعقيلي (5/ 167).
(2)
ومن طريقه أبو يعلى في «أماليه» (7 - ضمن ستة مجالس من أمالي أبي يعلى)، وإسناده واهٍ، وقد سبق تخريجه (4/ 504).
(3)
س: «النا» ، قال:«لنا» . والتصويب من مصدر التخريج.
(4)
كذا في النسختين. وعند ابن ماجه: «تطوَّل» . وكلاهما صواب في اللغة.
هذا، فوهب مسيئكم لمحسنكم، وأعطى محسنَكم ما سأل، ادفعوا باسم الله». رواه ابن ماجه
(1)
.
فصل
ولا يُفيض الإمام من جمعٍ حتى يُسفِر النهار، فيفيض قبل طلوع الشمس، قال جابر في حديثه الطويل:«فلم يزل واقفًا حتى أسفرَ جدًّا، ثم دفع قبل أن تطلع الشمس» .
وعن عمر بن الخطاب قال: كان أهل الجاهلية لا يُفيضون من جمعٍ حتى تطلع الشمس، ويقولون: أشرِقْ ثَبيرُ، قال: فخالفهم النبي صلى الله عليه وسلم[ق 348] فأفاض قبل طلوع الشمس. رواه الجماعة إلا مسلمًا
(2)
، وقال في رواية أحمد وابن ماجه:«كيما نُغِير» .
وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف بجمعٍ، فلما أضاء كلُّ شيء قبل أن تطلع الشمس أفاض. رواه أحمد
(3)
.
وقد تقدم في حديث عبد الله بن مسعود أنه وقف حتى أسفر، ثم قال:
(1)
رقم (3024) وإسناده ضعيف لجهالة أبي سلمة الحمصي الراوي عن بلال.
(2)
أحمد (275) والبخاري (1684) وأبو داود (1938) والترمذي (896) والنسائي (3047) وابن ماجه (3022).
(3)
رقم (3020) من طريق زمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام عن عكرمة عنه. وهذا إسناد ضعيف، فإن زمعة يروي عن سلمة بن وهرام أحاديث مناكير. ولكن صحّ نحوه عن ابن عباس بوجه آخر عند أحمد (2051) والترمذي (895) وقال:«حديث حسن صحيح» .
[لو] أن أمير المؤمنين أفاض الآن أصاب السنة. رواه البخاري
(1)
.
ولا ينبغي لأحد أن يدعَ الوقوف غداة جمعٍ ويتعجَّل بليل إلا لعذر؛ قال حنبل
(2)
: قال عمي: من لم يقف غداة المزدلفة ليس عليه شيء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدَّم الضعفة، ولا ينبغي له أن يفعل إلا أن يكون معه ضَعَفَةٌ أو غَلَبةٌ
(3)
، وعليه أن يبيت ليلة المزدلفة، فإن لم يبت فعليه دم.
والمعذور يذكر الله عند المشعر الحرام بليل؛ وذلك لما روى سالم أن عبد الله بن عمر كان يقدِّم ضعفةَ أهله، فيقفون عند المشعر الحرام بالمزدلفة بليل، فيذكرون الله ما بدا لهم، ثم يدفعون قبل أن يقف الإمام وقبل أن يدفع؛ فمنهم من يَقْدَم منًى لصلاة الفجر، ومنهم من يَقْدَم بعد ذلك، فإذا قدموا رَمَوا الجمرة، وكان ابن عمر يقول: أرخصَ في أولئك رسول الله صلى الله عليه وسلم. متفق عليه
(4)
، ولفظه لمسلم.
وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخصَ لضَعَفَةِ الناس من المزدلفة بليل. رواه أحمد
(5)
.
وعن عبد الله مولى أسماء ابنة أبي بكر عن أسماء: أنها نزلت ليلةَ جمعٍ عند المزدلفة، فقامت تصلِّي، فصلَّتْ ساعة، ثم قالت: يا بُنيَّ غاب القمر؟
(1)
رقم (1683). وما بين الحاصرتين منه.
(2)
كما في «التعليقة» (2/ 105) باختصار.
(3)
المقصود من «الغلبة» هنا من يكون مغلوبًا على أمره بسبب مرضٍ ونحوه، ولم أجد في المعاجم هذا المعنى. ومنه يقال في العامية:«غَلبان» . ويمكن أن يكون تحريف «غِلمة» .
(4)
البخاري (1676) ومسلم (1295).
(5)
رقم (4892) بلفظ: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَذِن
…
» إلخ. وإسناده صحيح.
قلت: لا، فصلَّت ساعة، ثم قالت: هل غاب القمر؟ قلت: نعم، قالت: فارتحلوا، فارتحلنا، فمضينا حتى رمت الجمرة، ثم رجعت فصلَّت الصبح في منزلها، فقلت: يا هَنْتاه
(1)
، ما أُرانا إلا قد غَلَّسنا؟ قالت: يا بُنيَّ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذِنَ للظُّعُنِ. متفق عليه
(2)
.
وعن أم حبيبة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثَ بها من جمعٍ بليل. رواه أحمد ومسلم والنسائي
(3)
.
وعن ابن عباس قال: أنا ممن قدِمَ النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة في ضَعَفة أهله. رواه الجماعة إلا الترمذي
(4)
.
وعن الفضل بن عباس قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ضَعَفة بني هاشم أن يتعجَّلوا من جمعٍ بليل. رواه أحمد والنسائي
(5)
.
فهذا الترخيص دليل على أن غيرهم ليسوا
…
(6)
، لما أذِن لضَعَفة
(1)
أي يا هذه.
(2)
البخاري (1679) ومسلم (1291).
(3)
أحمد (26776) ومسلم (1292) والنسائي (3035).
(4)
أحمد (1920) والبخاري (1678) ومسلم (1293) وأبو داود (1939) والنسائي (3032، 3033) وابن ماجه (3026).
(5)
أحمد (1811) والنسائي (3034) من طريق مُشاشٍ عن عطاء عن ابن عباس عن أخيه الفضل. ذكره الترمذي عقب الحديث (893) وقال: «وهذا حديث خطأ، أخطأ فيه مُشاشٌ وزاد فيه: عن الفضل بن عباس. وروى ابن جريج وغيره هذا الحديثَ عن عطاء عن ابن عباس، ولم يذكروا فيه: عن الفضل بن عباس» .
(6)
بياض في النسختين، ولعل المحذوف:«مثلهم» .