الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إجزاؤه
(1)
، فأما حلُّ التأخير فلا.
قال القاضي
(2)
: ولأنه دمٌ أخَّره عن وقت وجوبه، فلا يجب بتأخيره دم، كسائر الدماء الواجبات من الحِلاق وتقليم الأظفار وقتل الصيد. ولأن تأخير العبادة الموقَّتة عن وقتها إذا شُرِع قضاؤها لا يوجب إلا القضاء، بدليل تأخير الصوم والصلاة.
والرواية الثالثة: إن أخَّره لعذرٍ لم يلزمه إلا هدي واحد، وإن أخَّره عمدًا فعليه هديانِ
. قال حرب: قيل لأحمد: رجل حجَّ وعليه دم، فدفع نفقته إلى [ق 309] رجل وغاب الرجل، فلم يكن معه ما يذبح حتى رجع إلى بلاده؟ قال: يبعث بدمٍ، إذا كان له عذر رجوتُ أن يجزئ عنه دم واحد، ويُروى عن بعضهم أنه قال: عليه دمان، وهذا إذا لم يكن له عذر، قيل له: فإن لم يقدر أن يبعث بدم؟ قال: لا أدري، وكأنه أوجبه عليه إذا وجد.
وقال في رواية حرب
(3)
في متمتع رجع إلى بلاده ولم يُهدِ: يُجزئ عنه دم واحد إذا كان له عذر، وبعضهم يقول: عليه دمان، وهذا إذا لم يكن له عذر.
قال القاضي
(4)
: العذر مثل أن تضيق النفقة ولا يجد ما يشتري. وقال أبو الخطاب
(5)
: العذر مثل أن تضيع النفقة. وذكر ابن عقيل: العذر مثل النسيان ونحوه.
(1)
في المطبوع: «أجزاه» خطأ.
(2)
في «التعليقة» (1/ 294).
(3)
كما في المصدر السابق (1/ 289).
(4)
في المصدر السابق (1/ 289).
(5)
في «الهداية» (ص 201).
قال ابن أبي موسى
(1)
: لو سها عن الهدي إلى أن وصل إلى بلده لزمه إنفاذُ هديٍ يُنْحر بالحرم، لا يجزئه غير ذلك.
وهذا لأن العبادات الموقَّتة إذا أُخِّرت عن وقتها لعذْرٍ
(2)
وشُرِع قضاؤها لم تحتج إلى شيء آخر، مثل الصوم إذا أفطر لمرض أو سفر، والصلاة إذا أخّرها لنوم أو نسيان، بخلاف من أخَّرها تأخيرًا محرمًا، فإنه يأثم بذلك فيحتاج إلى كفارة ماحية. والعذر هنا مثل النسيان ونحوه مما لا يُسقِط وجوب الهدي
(3)
. فأما ضِيق النفقة وضياعها أو عَدم النَّعم ــ كما ذكره القاضي وأبو الخطاب ــ فهذا يمنع وجوب الهدي، ويجعل فرضَه الصومَ، فإذا لم يصم فهي المسألة الآتية، وإن صام فليس عليه شيء آخر إلا أن يكون واجدًا حين أحرم بالحج، فترك الصوم لذلك، فلما كان وقت الذبح ضاعت النفقة أو عُدمت النَّعم، أو كان قد ابتاع هديًا فضلَّ
(4)
، فهنا هو معذور بترك الصوم والذبح.
وبكل حالٍ إذا وجب عليه الهدي ولم يُهدِ
(5)
سواء كان موسرًا أو معسرًا بعد ذلك؛ لأن الهدي قد استقرَّ في ذمته.
وأما الصوم صومُ الثلاثة إذا فوَّته بعد وجوبه ــ وفواتُها أن لا يصومها قبل النحر في رواية، وفي رواية: أن لا يصومها إلى أن تنقضي أيام التشريق ــ
(1)
في «الإرشاد» (ص 167).
(2)
في المطبوع: «تعذر» ، تحريف.
(3)
«وجوب الهدي» ساقطة من المطبوع.
(4)
في النسختين والمطبوع: «فظل» تحريف.
(5)
كذا في النسختين. ولعل صواب العبارة: «وبكل حال وجب عليه الهديُ إذا لم يُهدِ» وبه يستقيم المعنى.
فعن أحمد
(1)
: أنه يتعين عليه الهدي ولا يجزئه الصوم بحال، كما تقدم عنه في رواية المرُّوذي: إذا صام فأفطر يوم عرفة فإن عليه دمين. وكذلك نقل يعقوب بن بُخْتان في المتمتع إذا لم يصم قبل يوم النحر، قال: عليه هديانِ يبعث بهما إلى مكة.
فعلى هذا: إن كان قد فات وقت الذبح أيضًا فعليه هديان، ويجيء فيهما الروايتان الأُخريانِ
(2)
. وإن كان وقت الذبح باقيًا فعليه الذبح إن قلنا: المتمتع لا يصوم أيام التشريق، وإن قلنا: يصومها لم يفُتْ إلا بفوات الذبح، اللهم إلا أن يكون قد بقي يوم
(3)
من أيام التشريق فإنه يمكن الذبح، ولا يمكن صوم الثلاثة بحال.
وظاهر كلامه أن عليه هديَيْن بكل حال؛ وذلك لما رُوي عن سعيد بن المسيّب قال: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال: يا أمير المؤمنين، إني تمتعتُ فلم أصم الثلاثة الأيام في الحج، قال: وجب عليك الهدي، قال: لا أجده، قال: فسَلْ في قومك، قال: ما أرى هاهنا أحدًا من قومي، فقال عمر: يا مُعيقِيب
(4)
، أعْطِه ثمنَ شاة. رواه سعيد عن هُشَيم عن حجّاج عن عمرو بن شعيب عنه
(5)
.
(1)
انظر «المغني» (5/ 364).
(2)
في المطبوع: «الأخرتان» .
(3)
في المطبوع: «يومًا» .
(4)
في المطبوع: «معيقب» خطأ.
(5)
وأخرجه أيضًا الطحاوي في «أحكام القرآن» (1653) و «شرح معاني الآثار» (2/ 248) من طريق حماد بن سلمة عن حجّاج به. وحجّاج هو ابن أرطاة فيه لين.
وعن عكرمة عن ابن عباس قال: الصوم قبل يوم النحر، يقول: فإن لم يصُمْ فعليه الهدي. رواه سعيد بإسناد صحيح
(1)
.
وروي عن أصحابه ــ وهم عطاء، وطاوس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة ــ نحوُ ذلك
(2)
، وقد حكاه أحمد أيضًا عن ابن عباس، ولا يُعرف عن الصحابة والتابعين خلاف ذلك إلا قول ابن عمر وعائشة ومن وافقهما: إنه يصوم أيام منى
(3)
، وذلك اتفاقٌ منهم على أنه لا يصومها بعد أيام منى بحال.
ولأن الله إنما جوّز له الانتقال عن الهدي بأن يصوم ثلاثة أيام في الحج، فإذا لم يصمْها في وقتها لم يُجزئه فعلها في غير وقتها كسائر مناسك الحج، فتعيَّن عليه الهدي؛ لأن وقته قد يكون باقيًا.
ولأنه عبادة مالية من وجه فتأخيرها عن وقتها أقرب.
ولأنه هو الأصل، ولأن الصوم رخصة فلا يستباح مع المعصية.
ولأنه لو خُيِّر بين صوم
(4)
ثلاثة أيام في الحج وبين الهدي وفات وقت الصوم لتعيَّن الهدي، فلَأن يتعيَّن الهدي إذا كان هو الواجب الأصلي أولى وأحرى.
(1)
وأخرجه أيضًا ابن أبي شيبة (13142) مختصرًا دون قوله: «الصوم قبل يوم النحر» .
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (13143، 13148) عن عطاء وطاوس ومجاهد وسعيد بن جبير. ولم أقف عليه عن عكرمة، إلا أنه هو الذي روى ذلك عن ابن عباس.
(3)
سبق تخريج قول ابن عمر وعائشة.
(4)
ق: «صيام» .
ولأن العبادة الموقّتة إذا فاتت، فإن قلنا: لا يجوز القضاء إلا بأمر جديد فليس في قضاء صوم المتعة أمر. وإن قلنا: يقضي فلأن القضاء بدلٌ عن الأداء يسدُّ مسدَّه، وهنا قد أمكن إبدال الهدي الذي هو أصل الصوم، فهو أولى من الاستبدال بصوم.
ولأن البدل إذا كان موقّتًا ففات وقته رجع إلى الأصل؛ كالمسح على الخفين.
ولأن القضاء بدلٌ عن الأداء، فلو شُرِع في الأبدال لكان للبدل بدلٌ، وهذا يحتاج إلى دليل، فإنه لا يثبت بمجرد الرأي.
ولأن الله أمر بثلاثة أيام في الحج وسبعة بعده، ووصفها بأنها كاملة، وهذه الصفة لا تثبت لأيام في غير الحج؛ لأنها لو ثبتت لها لجاز التأخير، وإذا لم تكن تلك
(1)
العشرة كاملة لم يُجزِئْ عنه؛ لأن الله إنما أمر
(2)
بعشرة [ق 310] كاملة.
ولأن صوم الثلاثة في الحج من المناسك وإن كانت صومًا، كما أن ركعتي الطواف من المناسك وإن كانت صلاة، ولهذا يصومها المتمتع عن غيره، فإن كل عبادة تختصُّ بالحج فإنها من المناسك، والمناسك الموقَّتة تفوت بفوات وقتها كالوقوف والرمي ونحو ذلك، ولا تُقضَى
(3)
بحال، وإذا لم تُقْضَ فمنها ما يجب له بدل وهو الدم.
(1)
«تلك» ساقطة من المطبوع.
(2)
في المطبوع: «أمره» خلافًا للنسختين.
(3)
في المطبوع: «ولا يقضي» .
وعن أحمد
(1)
: أنه يقضيها، وهو المعروف عند أصحابنا
(2)
؛ لأنه صوم واجب، فوجب أن يقضي إذا فات كصوم رمضان والمنذور الموقّت. ولأن الصوم والهدي في التوقيت سواء، فإذا قضى أحدهما قضى الآخر. ويقضيها مع صوم السبعة إن شاء متتابعًا وإن شاء متفرقًا.
وهل عليه دم مع القضاء؟ على ثلاث روايات
(3)
:
إحداهن: عليه دم، وهي اختيار الشريف أبي جعفر
(4)
وغيره، كما تقدم نصه في رواية أبي طالب: إذا لم يكن معه هديٌ ولم يصم حتى جاز أيام النحر صام عشرة إذا رجع، وعليه دمٌ، قد فرَّط.
وقال في رواية ابن الحكم: إذا وجب عليه الهدي من تمتعٍ أو جزاءِ صيدٍ أو كفارةِ ظهارٍ أو زكاة، ففرَّط فيها حتى ذهب ماله، فإن عليه هديَيْن. وإذا فرَّط في الصوم وهو متمتع صام بعدما يرجع إلى أهله، وعليه دم، ويروى عن ابن عباس: عليه هديانِ.
ووجه ذلك: ما تقدم في الهدي. وحكى أبو الخطاب
(5)
أن هذه الرواية خرَّجها شيخه القاضي أبو يعلى من الرواية التي في تأخير الهدي، واختار هو أنه لا يلزمه مع الصوم دم بحال، مع ذكر الروايتين في الهدي؛ لأن الصوم
(1)
هذه الرواية الثانية عنه، وقد سبقت الرواية الأولى (قبل ثلاث صفحات) بأنه يتعين الهدي ولا يجزئه الصوم.
(2)
انظر «المغني» (5/ 364) و «المستوعب» (1/ 548).
(3)
انظر «التعليقة» (1/ 288، 289) و «المستوعب» (1/ 548).
(4)
في «رؤوس المسائل» (1/ 364).
(5)
في «الهداية» (ص 174).
الواجب بأصل الشرع لا يجب بتأخيره عن وقته دم، بخلاف الهدي فإنه من المناسك، وتأخير المناسك في الجملة قد يوجب دمًا.
والصواب طريقة شيخه؛ فقد ذكرنا نصَّ أحمد على هذه الرواية، وقد ذكرها القاضي منصوصةً في «خلافه»
(1)
، وكذلك أبو الخطاب في «خلافه» ، ولعله خرَّجها في كتبه القديمة، ثم وجدها منصوصة، فليس ذلك ببدعٍ من فقهه
(2)
.
والرواية الثانية: الفرق بين المعذور وغيره، كما تقدم عنه في الهدي.
والرواية الثالثة: لا دمَ بحال، قال في رواية ابن القاسم
(3)
: إن لم يصم في الحج فليصم إذا انصرف، ولا يرجع إلى الدم؛ لأن عليه الصيام. وذلك لأن الصوم قد وجب في ذمته فلم يجب عليه غير قضائه، كصوم رمضان وصوم الكفارات كلها.
فعلى هذا إذا أيسرَ في أيام الذبح فهل عليه الانتقال؟ على ما تقدم من الروايتين. ولو أراد على هذه الرواية أن يُهدِي ولا يصوم، فظاهر كلامه أنه لا يجزئه
(4)
؛ لأنه قال: «عليه الصيام» ؛ لأن الذبح قد فات وقته. ويتخرَّج جوازه كما قلنا في الكفارات كلها على ظاهر المذهب.
(1)
أي «التعليقة» (1/ 289).
(2)
في هامش النسختين: طريقة أبي الخطاب أن المعذور ليس عليه شيء سواء في الهدي والصيام، وفي غيره روايتان. وطريقة «المجرد» و «الفصول»: في المعذور روايتان، وأما غيره فعليه دم.
(3)
في «المغني» (5/ 367) برواية المرُّوذي نحوه.
(4)
في المطبوع: «لا يجزئ» .