الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقصِّر ولم يحِلَّ من أَجْلِ الهدي، وأمرَ من لم يكن ساق الهدي أن يطوف وأن يسعى، ويقصِّر أو يَحْلِق. رواه أبو داود
(1)
.
فصل
وأما من ساق الهدي ففيه ثلاث روايات:
إحداهن: لا ينحر هديه، ولا يحلُّ من إحرامه بتقصيرٍ ولا غيره إلى يوم النحر، سواء قدِمَ مكة
(2)
في العشر أو قبله. قال في رواية حنبل
(3)
: إذا قدِمَ في أشهر الحج وقد ساق الهدْيَ لا يحلُّ حتى ينحره، والعشر أوكَدُ، إذا قدِمَ في العشر لم يحلَّ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدِمَ في العشر ولم يحلَّ.
وهذه الرواية هي المشهورة عند أصحابنا، فيُمْنَع من الإحلال والنحر، سواء كان مفرِدًا للحج أو متمتعًا أو قارنًا. وهذا مما استفاض عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تقدَّم ذِكرُ ذلك في حديث ابن عمر وعائشة: «تمتَّع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج وأهدى، فساق معه الهديَ من ذي الحليفة، وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهلَّ بالعمرة، ثم أهلَّ بالحج، وتمتَّع الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج، فكان من الناس من أهدى فساق الهدي، ومنهم من لم يُهْدِ، فلما قدِمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم مكةَ قال للناس: «من كان منكم أهدى فإنه لا يحلُّ من شيء حَرُم منه حتى يقضي حجَّه، ومن لم يكن منكم أهدى فليطُفْ بالبيت وبالصفا والمروة، وليقصِّرْ وليحلِلْ، ثم ليُهِلَّ بالحج،
(1)
رقم (1792). وهو صحيح لغيره عدا قوله: «أو يحلق» فإنه منكر، وقد سبق تخريجه (4/ 301).
(2)
في المطبوع: «من مكة» خطأ.
(3)
كما في «التعليقة» (1/ 310، 311).
فمن لم يجدْ [هديًا] فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله». وذكر الحديث إلى أن قال: ثم لم يحلِلْ من شيء حَرُمَ منه حتى قضى حجَّه، ونحر هدْيَه يوم النحر. متفق عليه
(1)
.
وقد تقدَّمت الأحاديث عن ابن عباس وجابر والبراء وغيرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر جميع أصحابه أن يحِلُّوا إلا من ساق الهدي.
وفي روايةٍ لابن عباس: «أهلَّ النبي صلى الله عليه وسلم بعمرة، وأهلَّ أصحابه بحجٍّ، فلم يحلَّ النبي صلى الله عليه وسلم ولا من ساق الهدي من أصحابه، وحلَّ بقيّتهم، وكان طلحة بن عبيد الله فيمن ساق الهدي فلم يحلَّ» . رواه مسلم.
وعن أسماء قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان معه هديٌ فليُقِمْ على إحرامه، ومن لم يكن معه هديٌ فليحِلَّ» ، ولم يكن معي هديٌ فحللتُ، وكان مع الزبير هديٌ فلم يحلَّ. رواه مسلم.
وعن أبي موسى أنه أهلَّ بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فقدمتُ عليه، فقال:«هل سُقْتَ من هَدْيٍ؟» قلت: لا، قال:«فطُفْ بالبيت وبالصفا و [ق 336] المروة» .
(1)
سبق ذكر هذا الحديث وجميع الأحاديث الآتية، فلا نعيد الإحالة إلى مصادر التخريج.
وكان علي قد أهلَّ بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم وساق الهدي فلم يحلَّ، وقد تقدَّم ذلك.
فهذه الأحاديث نصوصٌ في أن من ساق الهدي لا يحلُّ إلى يوم النحر، سواء كان متمتعًا أو مفردًا أو قارنًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم منع كل من ساق الهدي من الإحلال، وقد كان فيهم المتمتع والمفرد والقارن، ولم يستثنِ المتمتع، ولو جاز الحِلُّ للمتمتع لوجب استثناؤه وبيان ذلك؛ لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.
ولأنه جعل سَوْقَ الهدي هو المانع من الإحلال، ولم يعلِّق المنعَ بغيره، فعُلِم أنه مانع في حق المتمتع كما أنه مانع من الفسخ في حقّ المفرِد والقارن، إذ لو كان هناك مانع آخر لبيَّنه.
ولأن كل من جاز له الفسخ ــ سواء كان خاصًّا في حقّ الصحابة أو عامًّا للمسلمين إلى يوم القيامة ــ بمنزلة المتمتع في جواز الإحلال، فلما منع أصحاب الهدي من الإحلال عُلِم أن سَوْق الهدي مانع من الإحلال، حيث يجوز الحلُّ لغير السائق.
ولأن حديث عائشة نص خاص في أن
(1)
المتمتع إذا ساق الهدي لا يحلُّ حتى ينحرَ هدْيَه ويقضي حجَّه
(2)
.
وأيضًا فإن الله سبحانه قال: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} ، والحلق هو أول التحلُّل بمنزلة السلام من الصلاة، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم:«إني لبَّدتُ رأسي وقلَّدتُ هديي، فلا أحِلُّ حتى أنحر» ، وقال لأصحابه: «من
(1)
«أن» ساقطة من المطبوع.
(2)
في المطبوع: «حجته» خلاف النسختين.
ساق الهديَ فلا يحلُّ إلى يوم النحر»، فعُلِم أن الإحلال والنحر لا يكون إلى
(1)
يوم النحر، فعُلِم أنه لا يجوز الإحلال حتى يحلَّ نحْرُ الهدي، ولا يحلُّ نحْرُ الهدي إلى يوم النحر كما بيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم؛ وذلك لأن نحر الهدي من أسباب التحلُّل، وتقليده له وسَوْقه بمنزلة الإحرام للرجل، ونَحْره بمنزلة الإحلال للرجل؛ ولهذا قال تعالى:{ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33]، {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} [الفتح: 25]، {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}. والمَحِلُّ: مشتقّ من الحلّ، وذاك بإزاء الحرم، فعُلِم أنه ذو حرمٍ، وإنما ينقضي الإحرام يوم النحر لأن المتمتع إنما يتمُّ نسكه بالحج.
والرواية الثانية: أن سائق الهدي يحلُّ ليقصِّر من شعر رأسه إن شاء، فأما غير ذلك من محظورات الإحرام فلا. قال في رواية أبي طالب
(2)
في الذي يعتمر قارنًا أو متمتعًا ومعه الهدي: قصِّرْ من شعرك، ولا تمسَّ شاربك ولا أظفارك ولا لحيتك، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فإن شاء لم يفعلْ، وإن شاء أخذ من شعر رأسه وهو حرام.
فقد بيَّن أنه يحلُّ من التقصير فقط، ولا يحلُّ من جميع المحظورات، كما يحلُّ الحاجُّ إذا رمى من بعض المحظورات؛ وذلك لما روى ابن عباس عن معاوية بن أبي سفيان قال: قصَّرتُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمِشْقَصٍ. رواه البخاري
(3)
، ورواه مسلم وأبو داود والنسائي
(4)
عن ابن عباس قال: قال لي
(1)
في هامش ق: «لعله إلا» . والمثبت صواب.
(2)
كما في «التعليقة» (1/ 311).
(3)
رقم (1730).
(4)
مسلم (1246) وأبو داود (1802) والنسائي (2987).
معاوية: إني قصَّرتُ من رأس
(1)
رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المروة بمِشْقَصٍ، فقلت له: لا أعلم هذه إلا حجةً عليك.
وعن ابن عباس أيضًا قال: تمتَّع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات، وأبو بكر حتى مات، وعمر حتى مات، وعثمان حتى مات، وكان أول من نهى عنها معاوية، قال ابن عباس: فعجبتُ منه، وقد حدَّثني أنه قصَّر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمِشْقَصٍ. رواه أحمد والترمذي
(2)
، وقال:«حديث حسن» . وفيه ليث بن [أبي] سُليم.
وعن قيس بن سعد عن عطاء عن معاوية قال: أخذتُ من أطراف شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمِشْقَصٍ كان معي، بعدما طاف بالبيت وبالصفا والمروة في أيام العشر. قال قيس: والناس يُنكِرون هذا على معاوية. رواه النسائي
(3)
، وروى أحمد
(4)
نحوه.
وأيضًا فإن قضاء العمرة يقتضي الإحلال، وسَوْق الهدي يقتضي بقاء الإحرام، فحلَّ بالتقصير خاصةً توفيةً لحقِّ العمرة ولتتميَّزَ عن الحج، وبقي على إحرامه من سائر المحظورات لأجْلِ سَوْقِ الهدي، لا سيما والتقصير متردّد بين النسك المحض وبين استباحة المحظورات.
(1)
«رأس» ساقطة من المطبوع، وهي ثابتة في النسختين وعند مسلم.
(2)
أحمد (2664) والترمذي (822). وهو ضعيف، وقد سبق تخريجه (4/ 299).
(3)
رقم (2989). وإسناده منقطع لأن عطاءً لم يسمع من معاوية رضي الله عنه، وذكر «أيام العشر» فيه شاذ، كما سيأتي في كلام المؤلف قريبًا.
(4)
رقم (16836).