الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدِمَ مكة أتى الحجر فاستلمه، ثم مشى على يمينه، فرمَلَ ثلاثًا، ومشى أربعًا» . رواه مسلم.
مسألة
(1)
: (يرمُلُ في الثلاثة الأُوَل من الحجر إلى الحجر، ويمشي في الأربعة)
.
الأصل في ذلك: ما رُوي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان
(2)
إذا طاف بالبيت الطوافَ الأول خَبَّ ثلاثًا ومشى أربعًا، وكان يسعى ببطن المسيل
(3)
إذا طاف بين الصفا والمروة
(4)
.
وفي رواية: رملَ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحجر إلى الحجر ثلاثًا، ومشى أربعًا
(5)
.
(6)
متفق عليهن.
وقد تقدّم مثل ذلك في حديث جابر في صفة حجة الوداع، وهي آخر نُسكٍ فعله النبي صلى الله عليه وسلم. وفي رواية: «رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم رملَ من الحجر
(1)
انظر «المستوعب» (1/ 499) و «المغني» (5/ 217) و «الشرح الكبير» (9/ 90) و «الفروع» (6/ 35).
(2)
«كان» ساقطة من المطبوع.
(3)
في النسختين: «الوادي» . والمثبت من هامشهما بعلامة ص. وهو الموافق لما في الصحيحين.
(4)
أخرجه البخاري (1644) ومسلم (1261/ 230).
(5)
أخرجها بهذا اللفظ مسلم (1262) وعند البخاري (1604) بمعناه.
(6)
أخرجها البخاري (1616) ومسلم (1261).
الأسود حتى انتهى إليه، ثلاثةَ أطواف». رواه مسلم
(1)
.
وأصل ذلك: ما روى ابن عباس قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقال المشركون: إنه يَقْدَمُ عليكم وقد
(2)
وَهَنَتْهم حمَّى يثرب، وأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرمُلوا الأشواط الثلاثة، وأن يمشوا ما بين الركنين، ولم يمنعه [أن يأمرهم]
(3)
أن يرمُلُوا الأشواطَ كلها إلّا الإبقاءُ عليهم. متفق عليه. وهذا لفظ البخاري
(4)
.
ولفظ مسلم
(5)
: «لما قدِمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وقد وَهَنَتْهم حمَّى يثرب قال المشركون: إنه يقدَمُ عليكم غدًا قوم قد وهنَتْهم الحمّى، ولَقُوا منها شدّةً، فجلسوا مما يلي الحجر، وأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرمُلوا ثلاثةَ أشواط، ويمشوا ما بين الركنين، ليرى المشركون جَلَدَهم، فقال المشركون: هؤلاء الذين زعمتم أن الحمّى قد وهنَتْهم، هؤلاء أجلدُ من كذا وكذا. قال ابن عباس: ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرمُلوا الأشواطَ كلها إلا الإبقاءُ عليهم.
وفي رواية عنه: «إنما رمَلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليُرِيَ المشركين قوتَه» . متفق عليه
(6)
.
(1)
رقم (1263/ 235).
(2)
في المطبوع: «وفد» .
(3)
زيادة من البخاري.
(4)
رقم (1602، 4256).
(5)
رقم (1266/ 240).
(6)
البخاري (1649، 4257) ومسلم (1266/ 241) وعند البخاري ذكر السعي فقط دون الرمل.
فكان أول الرمَل هذا، ولذلك لم يرمُلوا بين الركنين اليمانيين؛ لأن المشركين كانوا من ناحية الحِجْر عند قُعَيْقِعَان لم يكونوا يرون مَنْ بين الركنين.
وكان هذا في عمرة القضية، ثم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك عمرة الجِعرانة ومكةُ دار إسلام، ثم حجَّ حجة الوداع وقد نفى الله الشرك وأهله، ورمل من الحَجَر إلى الحجر، فكان هذا آخر الأمرين منه، فعُلِم أن الرمل صار سنةً.
عن ابن عباس قال: رملَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجَّته وفي عُمَرِه كلها، وأبو بكر وعمر والخلفاء. رواه أحمد
(1)
، وقد رواه أبو داود في «مراسيله»
(2)
عن عطاء: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سعى في عُمَرِه كلها بالبيت وبين الصفا والمروة، ثم أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم والخلفاء هَلُمَّ جرًّا يسعَون كذلك. قال:«وقد أُسنِد هذا الحديث، وهذا الصحيح»
(3)
.
وعن عمر أنه قال: «ما لنا وللرمَلِ؟ وإنما راءينا به المشركين وقد أهلكهم الله» . ثم قال: «شيء صنَعه
(4)
رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نحبُّ أن نتركه».
(1)
رقم (1972) من طريق أبي معاوية، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس. وأبو معاوية في روايته عن غير الأعمش اضطراب، وقد خالفه جمع من الثقات فرووا هذا الحديث عن ابن جريج عن عطاء مُرسلًا كما سيأتي.
(2)
رقم (142)، وأخرجه أيضًا الشافعي في «الأم» (3/ 445) وابن أبي شيبة (13729) من طرق عن ابن جريج عن عطاء مُرسلًا.
(3)
لفظه في «المراسيل» : «وقد أُسنِد هذا الحديث ولا يصح، وهذا هو الصحيح» .
(4)
في النسختين: «هي صنعة» . والتصويب من البخاري.
رواه البخاري وابن ماجه
(1)
.
وقد تقدّم عنه وعن ابن عباس في الاضطباع نحو ذلك.
فصل
قال أصحابنا: يُستحبّ للطائف الدنوُّ من البيت في الطواف، إلا أن يؤذي غيره أو يتأذّى بنفسه، فيخرج إلى حيث أمكنه، وكلّما كان أقرب فهو أفضل، وإن كان الأبعد أوسعَ مطافًا وأكثر خُطًى.
فإن لم يمكنه الرمَلُ مع القرب لقوة الازدحام: فإن رجا أن يخفُّ الزَّحْم
(2)
ولم يتأذَّ أحدٌ بوقوفه انتظر ذلك، ليجمع بين قربه من البيت وبين الرمل، فإن ذلك مقدَّم على مبادرته إلى تمام الطواف، وإن كان الوقوف لا يُشرع في الطواف. قال أحمد: فإن لم تقدر أن ترمل فقُمْ حتى تجد مسلكًا ثم ترمل.
فإن لم يُمكِنه الجمعُ بين القرب والرمل، فقال القاضي وغيره: يخرج إلى حاشية المطاف فيرمل
(3)
؛ لأن الرمل أفضل من القرب؛ لأنه هيئة في نفس العبادة، بخلاف القرب فإنه هيئة في مكانها.
وقال ابن عقيل: يطوف قريبًا على حسب حاله؛ لأن الرمل هيئة، فهو كالتجافي في الركوع والسجود، ولا يترك الصف الأول لأجل تعذُّرها، فكذلك هنا لا يترك المكان القريب من البيت لأجل تعذُّر الهيئة.
(1)
البخاري (1605) وابن ماجه (2952)، وهذا لفظ البخاري.
(2)
في المطبوع: «الزحمة» خلاف النسختين.
(3)
«فيرمل» ساقطة من المطبوع.
والأول
…
(1)
؛ لأن الرمل سنة [ق 329] مؤكدة بحيث يُكره تركها، والطواف من حاشية المطاف لا يكره، بخلاف التأخُّر إلى الصف الثاني في الصلاة فإنه مكروه كراهةً شديدة.
والفرق بين الصف الأول وبين داخل المطاف أن المصلّين في صلاة واحدة، ومن سنة الصلاة إتمام الصف الأول، بخلاف الطائفين فإن كل واحد يطوف منفردًا في الحكم، فنظير ذلك أن يصلّي منفردًا في قِبليّ المسجد مع عدم إتمام هيئات الصلاة، فإن صلاته في مؤخَّره مع إتمامها أولى.
وأيضًا فإن تراصَّ الصفِّ وانضمامه سنة في نفسه، فاغْتُفِر في جانبها زوال التجافي، بخلاف ازدحام الطائفين فإنه ليس مستحبًّا، وإنما هو بحسب الواقع.
وأيضًا فإن فضيلة الصف الأول ثبتت بنصوص كثيرة، بخلاف داخل المطاف، على أن المسألة التي ذكرها فيها نظر.
فأما إن خاف إن خرج أن يختلط بالنساء طاف على حسب حاله، ولم يخرج.
مسألة
(2)
: (وكلما حاذى الركن اليماني والحجر استلمهما، وكبَّر وهلَّل، ويقول بين الركنين: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201]، ويدعو في سائره بما أحبَّ).
في هذا الكلام فصول:
(1)
بياض في النسختين. ولعل مكانه: «أولى» أو «الراجح» أو «أصح» ونحو ذلك.
(2)
انظر «المستوعب» (1/ 498، 499) و «المغني» (5/ 227، 228) و «الشرح الكبير» (9/ 96) و «الفروع» (6/ 36).
أحدها
أنه يستلم الركنين اليمانيين خاصة، ويكره استلام [غيرهما]
(1)
. قال أحمد في رواية المرُّوذي
(2)
وذلك لما روي عن ابن عمر قال: «لم أرَ النبي صلى الله عليه وسلم يمَسُّ من الأركان إلا اليمانيين» . رواه الجماعة إلا الترمذي
(3)
. وفي لفظٍ في «الصحيح»
(4)
: «لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلم
(5)
من البيت
…
» وفي لفظ
(6)
: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يستلم إلا الحجر والركن اليماني» .
وعن نافع عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يَدَعُ أن يستلم الركن اليماني والحجر في كل طوفةٍ، وكان عبد الله بن عمر يفعله. رواه أحمد وأبو داود والنسائي
(7)
. وفي لفظ لأحمد
(8)
: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلم هذين
(1)
هنا بياض في النسختين.
(2)
سبق ذكرها.
(3)
أحمد (5338، 5894) والبخاري (166، 5851) ومسلم (1187، 1267) وأبو داود (1772) والنسائي (2950) وابن ماجه (2946).
(4)
البخاري (1609).
(5)
في المطبوع: «استلم» خلاف النسختين.
(6)
عند مسلم (1267/ 244).
(7)
أحمد (4686، 5965) وأبو داود (1876) والنسائي (2947). وصححه ابن خزيمة (2723) والحاكم (1/ 456).
(8)
رقم (6395).
الركنين اليمانيين كلَّما مرَّ عليهما، ولا يستلم الآخَرَين».
وعنه أيضًا قال: «ما تركتُ استلام هذين الركنين اليماني والحجر منذ رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمهما، في شدةٍ ولا رخاءٍ» . متفق عليه
(1)
.
وعن ابن عباس قال: «لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلم غير الركنين اليمانيين» . رواه أحمد ومسلم
(2)
.
وعن عبيد بن عمير أن ابن عمر كان يُزاحم على الركنين، فقلت: يا أبا عبد الرحمن، إنك تزاحم على الركنين زحامًا ما رأيت أحدًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يزاحم عليه، قال: إنْ أفعلْ فإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن مسْحَهما كفارة للخطايا» ، وسمعته يقول:«من طاف بهذا البيت أسبوعًا فأحصاه كان كعتق رقبةٍ» ، وسمعته يقول:«لا يضعُ قدمًا ولا يرفع أخرى إلا حطَّ الله عنه بها خطيئة، وكتب له بها حسنةً» . رواه الترمذي
(3)
وقال: حديث حسن.
وعن ابن عمر أنه قيل له: ما أراك تستلم إلا هذين الركنين، قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
(4)
: «إنّ مسْحَهما يحطُّ الخطيئة» . رواه أحمد
(1)
البخاري (1606) ومسلم (1268).
(2)
أحمد (16858) ومسلم (1269)، واللفظ له.
(3)
رقم (959). ورواه أيضًا أحمد (4462، 5621، 5701) والنسائي (2919) وابن خزيمة (2729، 2730) وابن حبان (3697، 3698) والحاكم (1/ 489) بنحوه مختصرًا ومطوّلًا. والحديث في إسناده عطاء بن السائب وقد اختلط، ولكن هذا من صحيح حديثه، فقد رواه عنه سفيان الثوري (عند أحمد وابن حبان) وحماد بن زيد (عند النسائي) وهما ممن رووا عنه قبل الاختلاط.
(4)
«يقول» ساقطة من س والمطبوع.
والنسائي
(1)
، [وهذا] لفظه.
وذلك لأن البيت لم يُتمَّم على قواعد إبراهيم، فالركنان اللذان يليان الحجر ليسا بركنين في الحقيقة، وإنما هما بمنزلة سائر الجدار، والاستلام إنما يكون للأركان، وإلا لاستُلِم جميع جدار البيت في الطواف.
وأما تقبيل الركن اليماني ففيه ثلاثة أوجه:
أحدها وهو المنصوص عن أحمد: أنه لا يقبِّله؛ قال عبد الله
(2)
: قلت لأبي ما يقبِّل الرجل
(3)
؟ قال: يقبِّل الحجر الأسود، قلت لأبي: فالركن اليماني؟ قال: لا، إنما يستلم، ولا يقبّل إلا الحجر الأسود وحده.
وكذلك قال في رواية الأثرم
(4)
: لا يقبِّل اليماني. وقال في رواية المرُّوذي: ....
(5)
، وهذا قول أكثر أصحابنا مثل القاضي
(6)
وأصحابه: مثل الشريف أبي جعفر
(7)
، وأبي المواهب العكبري، وابن عقيل، وأبي الخطاب في «خلافه» ، وغيرهم.
وقال الخرقي
(8)
وابن أبي موسى: يستلمه ويقبِّله كالحجر، قال ابن أبي
(1)
أحمد (4462) والنسائي (2919)، وانظر التخريج السابق.
(2)
في «مسائله» (ص 232).
(3)
«الرجل» ساقطة من المطبوع.
(4)
كما في «التعليقة» (1/ 494).
(5)
بياض في النسختين.
(6)
في «التعليقة» (1/ 498).
(7)
في «رؤوس المسائل» (1/ 381).
(8)
في «مختصره» بشرحه «المغني» (5/ 225).
موسى
(1)
: يستلمه بفيه إن أمكنه، وإن لم يمكنه فبيده ويقبِّلها، قال: ولا يقبِّل إلا الركنين اليمانيين؛ لما روي عن ابن عباس قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبِّل الركن اليماني، ويضع خدَّه عليه» . رواه الدارقطني
(2)
، ورواه الأزرقي
(3)
عن مجاهد مرسلًا، ومداره على عبد الله بن مسلم بن هرمز عن مجاهد.
وقال أبو الخطاب
(4)
: يستلمه ويقبِّل يده، لما روي عن عمر بن قيس، عن عطاء، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استلم الحجر فقبَّله، واستلم الركن اليماني فقبَّل يده. رواه أبو بكر الشافعي في «الغيلانيات»
(5)
.
والأول أصحُّ؛ لأن الذين وصفوا حجَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعُمَرَه ذكروا أنه كان [ق 330] يستلم الحجر ويقبِّله، وأنه كان يستلم الركن اليماني، ولم يذكروا تقبيلًا، ولو قبَّله لنقلوه، كما نقلوه في الركن الأسود، لا سيما مع قوة اعتنائهم بضبط ذلك، وهذا ابن عمر أتبعُ الناسِ لما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته لم يذكر إلا الاستلام.
(1)
في «الإرشاد» (ص 158).
(2)
(2/ 290). ورواه أيضًا أبو يعلى (2605) والبيهقي (5/ 76) وغيرهما. وقال البيهقي: «تفرد به عبد الله بن مسلم بن هرمز، وهو ضعيف» . وبنحوه قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (3/ 241).
(3)
في «أخبار مكة» (1/ 337 - 338).
(4)
في «الهداية» (ص 188).
(5)
رقم (343) ومن طريقه البيهقي في «الكبرى» (5/ 76) وقال: «عمر بن قيس المكي ضعيف» . قلتُ: بل هو متروك منكَر الحديث.