الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني
أن ما تقدم فيه حكمُ حاكمين
(1)
من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو على ما حكما، لا يحتاج إلى استئناف حكم ثانٍ
؛ قال في رواية أبي النضر
(2)
: ما حكم فيه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجزاء فعلى ما حكموا؛ لأنهم أعدلُ مَن يحكم فيه. ولو حكموا بخلاف حكمهم فلا يترك حكمهم لقول من بعدهم. ولو أن رجلًا أصاب صيدًا لم يكن فيه عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حكمٌ، جاز أن يقول القاتلُ الصيدِ لرجلٍ آخر معه أن يحكما
(3)
في ذلك، فيكون هو الحاكم وآخر معه.
قال في رواية الشالنجي
(4)
: إذا أصاب صيدًا فهو على ما حكم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلُّ ما يُسمَّى
(5)
فيه شيء فهو على ذلك، وفي الضبع شاة.
وقال في رواية أبي داود
(6)
في الذي يصيب الصيد: يتبع ما جاء، قد حُكِم فيه وفُرغ.
وقال في رواية أبي النضر
(7)
: ما حكم فيه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا
(1)
في النسختين: «حاكمان» . وفي هامش ق: «لعله حاكمين» .
(2)
كما في «التعليقة» (2/ 327) باختصار، وفيه:«أبي النصر» . والصواب بالضاد كما في «تاريخ بغداد» (6/ 282).
(3)
في النسختين: «أن يحكمان» .
(4)
كما في «التعليقة» (2/ 304).
(5)
في المطبوع: «سمي» خلاف النسختين.
(6)
في «مسائله» (ص 176).
(7)
كما في «التعليقة» (2/ 327).
يحتاج أن يُحكم عليه مرة أخرى.
وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في الضبع يصيبه المحرم بكبش، ومعلوم أنه لم يقض به على محرم بعينه فكان عامًّا.
وأيضًا [ق 294] فلو لم يقض إلا في قضية خاصة، فإذا حدثت قضية أخرى فلو قضى فيها بغير ما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لكان خطأ؛ لأن المثل هنا هو من جهة الخلقة والصورة، وذلك حكم بالمماثلة بين نوع ونوع، وأنواع الحيوان لا تختلف نسبة بعضها إلى بعض باختلاف الأعصار والأمصار.
وأيضًا فإن الصحابة لما قضوا في أنواع من الصيد بأمثال معروفة كان ذلك قضاء في مثل تلك القضايا؛ لأن ذلك القضاء لا يختلف باختلاف قاتل وقاتل، ولا باختلاف الأوقات والأزمنة، وإذا كان قضاء في نوع تلك القضايا لم يجز نقضه ولا مخالفته.
فأما ما حكم فيه التابعون ومن بعدهم ....
(1)
.
وما لم يحكم فيه الصحابة أو لم يبلغنا حكمهم: فلا بدَّ من استئناف حكم حاكمين، ويجب أن يكونا عدلين كما قال تعالى:{يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} . والمعتبر العدالة الظاهرة؛ وهو أن لا يُعرف [بفسقٍ]
(2)
.
ولا بد أن يكونا من أهل الخبرة والاجتهاد في معرفة [المماثلة]
(3)
،
(1)
بياض في النسختين.
(2)
هنا بياض في النسختين، والمثبت يقتضيه السياق.
(3)
زيادة ليستقيم المعنى، كما سيأتي.
وهل يكونا
(1)
فقيهين؟ قال أبو بكر: لا بد أن يكونا جميعًا من أهل العلم والمعرفة بالمماثلة
…
(2)
.
ويجوز أن يكون أحدهما هو القاتل للصيد، نصّ عليه
(3)
. وكذلك إن كانا جميعًا قتلاه، ذكره القاضي
(4)
وأصحابه وغيرهم، مثل الشريف أبي جعفر وأبي الخطاب في «خلافه» ؛ فإن كل واحد من الحكمين ركن في الحكم، فما جاز في أحدهما جاز في الآخر. وذلك لما روى سفيان بن عيينة، ثنا مخارق، عن طارق
(5)
قال: خرجنا حُجَّاجًا، فأوطأ رجل منا ــ يقال له أربدُ بن عبد الله ــ ضَبًّا ففَزَرَ ظهره
(6)
، فلقي عمر فأخبره، فقال: احكُمْ فيه يا أربد، قال: أنت خير مني وأعلم، فقال: إنما آمرك أن تحكم ولم آمرك أن تزكّيني، قال: فيه جَدْي قد جمع الماء والشجر، فقال: ذلك فيه. رواه سعيد
(7)
.
وقثنا أبو الأحوص، ثنا مخارق، عن طارق، قال: خرجنا حُجَّاجًا، حتى إذا كنا ببعض الطريق أوطأ رجل منّا ضبًّا وهو محرم فقتله، فأتى الرجل عمر يحكم عليه، فقال له عمر رحمه الله: احكم معي، فحكما: فيه جَدْي قد جمع
(1)
كذا بحذف النون على تقدير: «وهل يشترط أن يكونا» .
(2)
بياض في النسختين.
(3)
كما في «التعليقة» (2/ 316).
(4)
في المصدر السابق.
(5)
بعدها في النسختين: «بن شهاب» ، وعليه علامة الحذف.
(6)
أي كسر ظهره.
(7)
ورواه أيضًا الشافعي في «الأم» (3/ 499) وعبد الرزاق في «المصنف» (8221) عن ابن عيينة به. وإسناده صحيح.
الماء والشجر، ثم قال عمر: بإصبعه {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ}
(1)
.
ولا يُعرف له مخالف في الصحابة.
وأيضًا فقوله
(2)
: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} يعمُّ القاتلَ وغيرَه، بخلاف قوله:{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2]، فإن المُشْهِد غير المُشْهَد؛ لأن الفاعل غير المفعول، وهنا لم يقل: حَكِّموا فيه ذوي عدل، وإنما قال:{يَحْكُمُ بِهِ} ، والرجل قد يكون حاكمًا على نفسه إذا كان الحقّ لله، لأنه مؤتمن على حقوق الله، كما يُرجع إليه في تقويم قيمة المثل إذا أراد أن يخرج الطعام، وفي تقويم عروض التجارة، والدليل على ذلك ما احتج به أبو بكر من قوله:{كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النساء: 135]، فأمر الله الرجل أن يقوم بالقسط ويشهد لله على نفسه.
قال القاضي وابن عقيل: وهذا إنما يكون إذا قتله خطأً أو عمدًا لمخمصة. فأما إن قتله عمدًا فلا يصح حكمه
(3)
؛ لأنه فاسق، بخلاف تقويم عروض التجارة فإن صاحبها يقوّمها وإن كان فاسقًا؛ لأنه لم ينصّ على عدالته.
ووجهُ هذا أن قتل الصيد من الكبائر؛ لأن الله توعَّد عليه بقوله: {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} [المائدة: 95]، ولأن الله سمَّى محظورات الإحرام فسوقًا في قوله:{فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ} [البقرة: 197]، لكن هذا
(1)
رواه أيضًا ابن أبي شيبة (15859) عن أبي الأحوص سلّام بن سليم به.
(2)
في المطبوع: «قوله» .
(3)
«حكمه» ساقطة من المطبوع.