الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة
(1)
: (ومن لم يقفْ بعرفة حتى طلع الفجرُ يومَ النحر فقد فاته الحج، فيتحلَّلُ بطواف وسعي، وينحر هديًا إن كان معه، وعليه القضاء)
.
في هذا الكلام فصول:
أحدها
أنه يجب على الرجل إذا أحرم بالحج أن يقصد الوقوف بعرفة في وقته، ولا يجوز له التباطؤ حتى يفوته الحج، فإن احتاج إلى سير شديد ....
(2)
، وإن لم يُصلِّ العشاء إلى آخر ليلة النحر، وخاف إن نزل لها فاته الحج، فقياس المذهب أنه يصلِّي صلاة خائفٍ
(3)
؛ لأن تفويت كل واحدة من العبادتين غير جائز، وفوات الحج أعظم ضررًا في دينه ونفسه من فوت قتل كافر.
فإذا طلع الفجر ولم يُوافِ عرفةَ، فقد فاته الحج، سواء فاته لعذرٍ من مرضٍ أو عدوٍّ، أو ضلَّ الطريق، أو أخطأ العدد، أو أخطأ مسيرَه، أو فاته بغير عذرٍ كالتواني والتشاغل بما لا يعنيه، لا يفترقان إلا في الإثم. وعلى من فاته أن يأتي بعمرة، فيطوف ويسعى ويحلق أو يقصِّر.
وأما الأفعال التي تختصُّ
(4)
الحجَّ من الوقوف بمزدلفة ومنى ورمي الجمار فقد سقطت، هذا هو المعروف في المذهب الذي عليه أصحابنا، وهو المنصوص عن أحمد.
(1)
انظر «المستوعب» (1/ 531) و «المغني» (5/ 424) و «الشرح الكبير» (9/ 299) و «الفروع» (6/ 76).
(2)
بياض في النسختين.
(3)
في المطبوع: «الخائف» .
(4)
في المطبوع: «تخص» .
قال في رواية أبي طالب
(1)
: إذا فاته الحج تحلَّل بعمرة.
وقال في رواية الأثرم
(2)
فيمن قدِمَ حاجًّا فطاف وسعى، ثم مرض فحِيلَ بينه وبين الحج حتى مضت أيامه: يحلُّ بعمرة، فقيل له: يُجدِّد إهلالًا مَنْ
(3)
فاته الحج للعمرة أم يُجزِئه الإهلال الأول؟ فقال: يُجزِئه الإهلال الأول.
وقد حكى ابن أبي موسى
(4)
عنه رواية ثانية: أنه يمضي في حج فاسد، قال: ومن فاته الحجُّ بغير إحصارٍ تحلَّل بعمرة في إحدى الروايتين، وعليه الحج من قابلٍ ودمُ الفوات، فإن كان قد ساق هدْيًا نحرَه ولم يُجزِئْه عن دم الفوات. والرواية الأخرى: يمضي في حج فاسد، ويحجُّ من قابلٍ، وعليه دم الفوات.
وقال أحمد في رواية ابن القاسم
(5)
في الذي يفوته الحج: يفرغ من عمله يعني عمل الحج.
وفسَّر القاضي
(6)
هذا الكلام بأنه الطواف والسعي والحلق الذي يفعله الذي كان واجبًا بالحج، كأحد الوجهين كما سيأتي.
ومن فسَّره بإتمام الحج مطلقًا على ظاهره، قال: لأنه قد وجب عليه
(1)
كما في «التعليقة» (2/ 283).
(2)
كما في المصدر السابق (2/ 290).
(3)
في النسختين: «فيمن» .
(4)
في «الإرشاد» (ص 174).
(5)
كما في «التعليقة» (2/ 284).
(6)
في المصدر السابق.
فعلُ جميع المناسك، ففوات الوقوف بعرفة لا يُسقِط ما أدرك وقته من المناسك، كمن عجز عن بعض أركان الصلاة وقدر على بعض. أكثر ما فيه أن الحج قد انتقض وفسد، فأشبه من أفسده بالوطء، فإنه يمضي في حج فاسد.
والصواب هو الأول، لأن الله سبحانه قال:{فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} الآية [البقرة: 198]، فأمرهم بالذكر عقب الإفاضة من عرفات، فمن لم يُفِضْ من عرفات لم يكن مأمورًا بالوقوف بالمشعر الحرام، وما لا يؤمر به من أفعال الحج فهو منهيٌّ عنه، كالوقوف بعرفة في غير وقته.
ولأن الحكم المعلَّق بالشرط معدوم بعدمه، فإذا علِّق الوقوف بالمشعر الحرام بالإفاضة من عرفة اقتضَى عدمَه عند عدم الإفاضة من عرفات.
ولأن الآية تقتضي أنه مأمور بالذكر عند المشعر حينَ الإفاضة وعقِبَها، فإذا بطل الوقت الذي أمر بالذكر عند المشعر
(1)
فيه، وبطل التعقيب، كان قد فات وقت الوقف
(2)
بالمشعر وشرطه، وذلك يمنع الوقوف فيه.
ونظير هذا قوله: {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158]، فإنها دليل على امتناع الطواف بهما من غير الحاج والمعتمر؛ ولذلك لا يُشرَع الطواف بالصفا والمروة إلا في حج أو عمرة، بخلاف الطواف بالبيت، فإنه عبادة منفردة أفردها بالذكر في قوله: {وَطَهِّرْ
(1)
في المطبوع زيادة «الحرام» بعدها، وليست في النسختين.
(2)
في النسختين: «الوقت» . وفي هامشهما: «لعله الوقوف» . والمثبت يناسب الرسم.
بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [الحج: 26]، ثم قال بعد ذلك:{فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ} إلى قوله: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 200 - 203]، فالأمر بالذكر كذكر الآباء والذكر في أيام معدودات هو بعد قضاء المناسك، ومن لم يقفْ بعرفة لم يقضِ مناسكه، فبطل في حقه الذكر المأمور به الذي يتضمَّن التعجُّلَ والتأخُّر، ولا يقال:«واذكروا الله في أيام معدودات» كلام مبتدأ.
وأيضًا فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الحج عرفة، من جاء من ليلة جَمْعٍ قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج»
(1)
. فإذا لم يدرك عرفة فلا حجَّ له، بل قد فاته [ق 382] الحج، ومن لا حجَّ له لا يجوز أن يفعل شيئا من أعمال الحج؛ لأنه يكون في حجٍّ من لا حجَّ له، وهذا لا يجوز، بخلاف المفسد، فإنه في حجٍّ تامّ، لأنه أدرك الوقوف لكن هو فاسد. وغيرُ ممتنعٍ انقسامُ العمل إلى صحيح وفاسد. أما أن يكون في حجٍّ من ليس في حجٍّ، فهذا ممتنع. ولهذا قلنا: إذا فاته الحج لم يفعل ما يختصُّ بالحج من المواقف والرمي، وإنما يفعل ما اشترك فيه الحج والعمرة من المطاوف
(2)
والحلق.
وأيضًا قوله: «من أدركَ معنا هذه الصلاةَ، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلًا أو نهارًا»
(3)
.
(1)
سبق تخريجه.
(2)
في المطبوع: «الطواف» خلاف ما في النسختين. والمطاوف جمع مطاف، مصدر ميمي بمعنى الطواف. وذكر المؤلف «المطاوف والحلق» ليناسب «المواقف والرمي» .
(3)
سبق تخريجه.
وأيضًا فما روى ابن أبي ليلى عن عطاء أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: «من لم يُدرِك
(1)
فعليه دم، ويجعلها عمرة، وعليه الحج من قابل». رواه النجّاد
(2)
.
وهذا وإن كان مرسلًا من مراسيل عطاء، فهو أعلم التابعين بالمناسك، وهذا المرسل معه أقوال الصحابة وقول جماهير أهل العلم وظاهرُ القرآن، وذلك يوجب كونه حجةً وفاقًا بين الفقهاء.
والعمدة الظاهرة إجماع الصحابة والتا [بعين]
(3)
، فعن [يحيى بن سعيد قال: أخبرني سليمان بن يسار]
(4)
أن أبا أيوب بن زيد خرج حاجًّا، حتى إذا كان بالنَّازِية
(5)
أضلَّ رواحلَه فطلبهنّ، فقدِمَ وقد فاته الحج، فسأل عمر، فأمره أن يجعلها عمرة ويحجَّ من عام المقبل، وعليه ما استيسر من الهدي
(6)
.
(1)
كذا في س ومصادر التخريج دون ذكر «عرفة» . وفي ق زيادة «عرفة» ، وكتب فوقها: لعله.
(2)
عزاه إليه القاضي في «التعليقة» (2/ 284) وساق إسناده من طريق عبد الله بن محمد ــ هو ابن أبي شيبة ــ قال: ثنا علي بن هاشم، عن ابن أبي ليلى به. والحديث مخرج في «مصنّف ابن أبي شيبة» (13865).
(3)
مكان المعكوفتين بياض في النسختين.
(4)
بياض في النسختين، والزيادة من مصدر التخريج.
(5)
النازية: عين ثَرَّة على طريق الآخذ من مكة إلى المدينة قرب الصفراء، وهي إلى المدينة أقرب. انظر «مشارق الأنوار» (2/ 62).
(6)
أخرجه مالك في «الموطأ» (1/ 383) ومن طريقه البيهقي (5/ 174). واللفظ الذي ذكره المؤلف رواه أبو بكر النجاد كما في «التعليقة» (2/ 285).
وعن سليمان بن يسار عن هبّار
(1)
بن الأسود: أنه أهلَّ بالحج، فقدِمَ على عمر رضي الله عنه يوم النحر، وقد أخطأ العدد، فقال: أَهِلَّ بعمرةٍ وطُفْ بالبيت وبين الصفا والمروة، وقَصِّرْ أو احلِقْ
(2)
، وحُجَّ مِن قابلٍ، وأهرِقْ دمًا
(3)
.
وعن الأسود عن عمر وزيدٍ قالا في رجل يفوته الحج: يُهِلُّ بعمرة، [و] عليه الحج من قابلٍ
(4)
.
وعن ابن عمر كان يقول: من لم يقف بعرفة إلا بعد طلوع الفجر فقد فاته الحج، ولْيجعلْها عمرة، ولْيحجَّ قابلًا، ولْيُهدِ إن وجد هدْيًا، وإلا فلْيصُمْ ثلاثة أيام في الحج وسبعةً إذا رجع
(5)
.
وعن عطاء عن ابن عباس: من فاته الحج فإنه يُهِلُّ بعمرة، وليس عليه الحج
(6)
. رواهنّ النجّاد
(7)
.
فصل
وقد اتفق أصحابنا على أنه يطوف ويسعى ثم يحلُّ، واختلفت عباراتهم
(1)
في النسختين والمطبوعة: «هناد» تحريف. والتصويب من مصادر التخريج.
(2)
في س: «واحلق» .
(3)
أخرجه بهذا اللفظ أبو بكر النجاد كما في «التعليقة» (2/ 285). وأخرجه بنحوه مالك في «الموطأ» (1/ 383) ومن طريقه البيهقي (5/ 174).
(4)
رواه ابن أبي شيبة (13864) والبيهقي (5/ 175).
(5)
رواه الشافعي في «الأم» (3/ 415) والبيهقي (5/ 174) بنحوه مطولًا.
(6)
ذكره ابن المنذر في «الإشراف» (3/ 388) عن ابن عباس معلَّقا.
(7)
عزاهن إليه القاضي في «التعليقة» (2/ 285، 286).
في هذا العمل:
فقال أكثرهم: يتحلَّل بعمرة، ويخرج من إحرام الحج إلى إحرام العمرة بمنزلة الذي يفسخ الحج إلى العمرة. صرَّح بذلك أبو بكر
(1)
والقاضي
(2)
وأصحابه وغيرهم، وهو المفهوم من كلام أحمد والخرقي
(3)
، قالا: إذا فاته الحج تحلَّل بعمرة. بل هو المنصوص صريحًا عن أحمد
(4)
، لأنه نصَّ على أن من فاته الحج بعد أن طاف وسعى أنه يتحلَّل بعمرة، ولو كان إنما يفعل طواف الحج وسعيه لم يحتجْ إلى سعي ثان.
ثم اختلفت عبارة هؤلاء، فقال القاضي
(5)
وأصحابه: يتحوَّل إحرامه بالحج إحرامًا بعمرة. فعلى هذا لا يحتاج إلى قصد وإرادة؛ لأن أحمد قال: يكفيه الإهلال الأول.
وقال أبو بكر: إذا فاته الحج جعله عمرة وعليه دم، قال أحمد: إذا فاته الحج جعلها عمرة.
وقال ابن حامد
(6)
: إحرام الحج باقٍ، ويتحلَّل منه بعمل عمرة، وهو ظاهر كلام المصنف.
(1)
في كتاب «الخلاف» كما ذكره القاضي في «التعليقة» (2/ 283).
(2)
في «التعليقة» (2/ 283).
(3)
في «مختصره» مع «المغني» (5/ 424).
(4)
في رواية أبي طالب، كما في «التعليقة» (2/ 283). وسبق ذكرها فيما مضى.
(5)
في «التعليقة» (2/ 283).
(6)
كما في «التعليقة» (2/ 284). حيث قال: «وهو اختيار شيخنا أبي عبد الله» . وهو ابن حامد.
وذكر القاضي
(1)
أن قول أحمد في رواية ابن القاسم في الذي يفوته الحج: «يفرغ من عمله» إيماءٌ إلى هذا القول؛ وذلك لأن الإحرام بالحج أوجب عليه أفعالها
(2)
كلها، فتعذُّرُ الوقوف وما يتبعه لا يوجب تعذُّرَ الطواف وما يتبعه، فوجب أن يكون هذا الطواف هو الطواف الذي أوجبه إحرام الحج.
ونحن وإن قلنا: إنه يجوز له فسخ الحج إلى العمرة، فإنما ذاك أن يفسخ باختياره، ويأتي بعد ذلك بالحج، وهنا الانتقالُ إلى العمرة يصير واجبًا، ولا حجَّ معه، فكيف يُقاس هذا على فسخ الحج إلى العمرة؟
والأول أصحُّ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«الحج عرفة» وبيَّن أنه
(3)
من لم يُدركها لم يُدرك الحجَّ، فلو كان قد بقي بعض أعمال الحج لكان إنما فاته بعض الحج، ولكان قد أدرك بعضَ الحج، ولم يكن فرقٌ بين قوله:«الحج عرفة» و «الحج الطواف بالبيت» ، لو كان كل منهما يمكن فعله مع فوت الآخر، فلما قال:«الحج عرفة» عُلِم أن سائر أفعال الحج معلَّقة
(4)
به، فإذا وُجِد أمكن أن يُوجد غيره، وإذا انتفى امتنع أن يُوجد غيره.
وأيضًا فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم صرَّحوا بأنه يجعلها عمرة، ومنهم من قال: يُهِلُّ بعمرة. وهذا كله دليل بيِّن في أنه يجعل إحرامه بالحج
(1)
في المصدر السابق.
(2)
كذا في النسختين بتأنيث الضمير، والأولى تذكيره، لأنه للحج. ويمكن توجيهه أن المقصود به مناسك الحج.
(3)
في المطبوع: «أن» خلاف النسختين.
(4)
ق: «متعلقة» .
عمرة ويُهِلُّ بها، كما قد يجعل الرجل صلاة الفرض نفلًا. نعم قد روي في بعض الطرق أن عمر قال لأبي أيوب: اصنعْ كما يصنع المعتمر، وقد حللتَ، فإذا أدركتَ قابل
(1)
فاحججْ، وأهْدِ ما تيسَّر من الهدي. رواه النجّاد
(2)
. وهذا كقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة لما حاضت: «اصْنعي ما يصنعُ الحاجُّ، غيرَ أن لا تطوفي بالبيت» .
وأيضًا فإن طواف الحج الواجب [لا يصح إلّا]
(3)
بعد التعريف، كما أن الوقوف بمزدلفة لا يصح إلا بعده؛ لأن الله قال:[ق 383]{ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29]. فمن لم يُعرِّفْ كيف يطوف للحج ولم يقْضِ تَفثَه ولم يُوفِ نذرَه؟
وأيضًا فإن العبادة الموقَّتة التي يُشترط الوقت لصحتها إذا فاتت زالت جميعها كالجمعة، ولا يجوز أن يُتمَّم شيء منها على أنه منها بعد خروج وقتها، فكيف يجوز أن يقال: قد فاته الحجُّ ويمضي فيما بقي من أفعال الحج؟
نعم، لما كان الإحرام يوجب عليه إتمامه، وإتمامه إنما يكون في حج أو عمرة، وقد تعذَّر إتمامه لحجة، أتمَّه عمرةً
(4)
؛ لأنه لا يجوز أن يخرج من
(1)
كذا في النسختين و «التعليقة» . والمعنى: عامًا قابلًا أي آتيًا.
(2)
كما عزاه إليه القاضي في «التعليقة» (2/ 286). وفي مطبوعتها تحرّف «النجاد» إلى «البخاري» فعلق عليه المحقق: «لم أقف عليه عند البخاري ولا من عزاه إليه» !
(3)
هنا بياض في النسختين.
(4)
في المطبوع: «لعمرة» خلاف النسختين.
الإحرام إلا بالتحلُّل، ولا يتحلَّل من قدر على البيت إلا بعمرة أو حج، فكان انتقاله إلى ما هو [من] جنس
(1)
العبادة التي تضمَّنتْه العبادة أشبه. وهذا كمن أحرم بالفرض قبل وقته، فإنه يصير نفلًا؛ لأن الصلاة اشتملت على شيئين، فإذا امتنع أحدهما [بقي]
(2)
الآخر، كذلك الحج الأصغر هو بعض الأكبر، فإذا تعذَّر الأكبر بقي الأصغر.
وأيضًا فإن كونه يجوز فسخ الحج إلى العمرة، فإنما ذاك إذا أمكن إتمامه كما أمر الله، فأما إذا لم يمكن إتمامه صار انتقاله إلى العمرة ضرورة، و ....
(3)
غيره. فائدة هذا أنه إذا قلنا: يجعل إحرامه عمرة .... ، وأن يحج كان بمنزلة من أدخل عمرة على إحرامه بالحج قبل أشهر الحج، وأما [إذا] أحرم بعمرة لم يصحَّ على القولين. ولو أراد أن يبقى محرمًا إلى عامٍ قابلٍ يحجّ
(4)
به لم يكن له ذلك.
ولو بقي إلى عامٍ قابلٍ، وطاف وسعى في أشهر [الحج، صار] متمتعًا، ولو كان قارنًا فإنه يفعل عمرةَ الفوات وعمرة القران [التي] للحج، وليس عليه إلا دم واحد. [قال] ابن أبي موسى
(5)
: ومن أهلَّ [بحجةٍ وعمرة وفاتَه] الحجُّ أجزأه دمٌ واحد.
(1)
في المطبوع: «جنسه» خلاف النسختين.
(2)
بياض في النسختين. والمثبت من هامش ق. ويدلُّ عليه السياق.
(3)
بياض في ق، وطمس في س هنا وفي مواضع النقط الآتية إلى نهاية الكتاب. وحاولنا أن نملأ البياض بما يناسب السياق بين المعكوفتين.
(4)
في المطبوع: «فيحج» خلاف النسختين.
(5)
في «الإرشاد» (ص 175). ومنه ما بين المعكوفتين مكان البياض.
فصل
وعليه القضاء من العام المقبل في [أصحّ الروايتين] عند أصحابنا، مع اختيارهم أن المُحْصَر لا قضاء عليه.
والرواية [الثانية:] يلزمه الهدي، ولا يلزمه القضاء؛ لأنه امتنع إتمام حجه [بتفريطٍ] من جهته، فلم يلزمه القضاء كالمُحصَر، وذلك لأن المفوِّت قد .... العمرة ما بقي عليه من أعمال الحج كا .... مقام أفعال.
[فعلى] هذه الرواية يجب عليه الهدي، [ولا يجب عليه القضاء].
[والراجح هو القول الأول، لأمور:]
الأول: أن الله سبحانه قال: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196]، فأوجب الإتمام على كل أحد غيرِ المُحْصَر، وحَجة المفوِّت
(1)
لا تتمُّ إلا بالقضاء، فوجب أن يلزمه ذلك.
وأيضًا ما تقدَّم من الحديث المرسل وأقوال الصحابة مثل عمر وزيد وابن عمر، وإفتائهم بذلك مثلَ أبي أيوب
(2)
وهبَّار بن الأسود وغيرهم من الصحابة، ولم يُنكره منكر في ذلك الوقت، فصار إجماعًا. وإنما خالف فيه ابن عباس، ولم يكن ذلك الوقتَ من أهل الفتيا.
(1)
في المطبوع: «الفوت» خلاف النسختين.
(2)
«مثل أبي أيوب» لم تظهر في نسخة س بسبب الورقة التي أُلصقت على الصفحة الأخيرة، فاختفت بها كلمات كثيرة في عدة أسطر من يمين الصفحة. وقد أثبتنا بعضها من نسخة ق.
ولأنه أخَّر العبادة الواجبة عليه عن وقتها، فلزمه قضاؤها، كما لو فوَّت الصلاةَ والعباداتِ المنذورة عن أوقات معيَّنة؛ وذلك لأنه لما أحرم بالحج فقد وجب عليه شرعًا أن يفعله في عامه، كما تجب الصلوات والصيام في مواقيتها المحدودة، بخلاف المُحصَر فإنه لم يجب عليه إتمام الحج والعمرة، بل جاز له الخروج من الإحرام قبل الوقت، فهو نظير من جاز له ترك الجمعة والجماعة، أو ترك بعض [هيئات] الصلاة لعذر.
وقد علَّله بعض أصحابنا
(1)
بأنه لم يكمل أفعال الحج [بتفريطٍ منه]، فوجب عليه القضاء كالمفسد للحج.
وهذا ضعيف، لأن المريض ونحوه لا تفريط من جهته. ولكن أحسنُ من هذا [أن يقال: حصل منه] تركٌ [في ا] لعام للحج مع وصوله إلى المشاعر، فلزمه القضاء
…
سد بالحج؛ وهذا لأن الحج في الأصل هو قصد المشاعر وإتيانها، [وقد وُقِّت] بوقتٍ مثل الشرط لهذا المقصود والتكملة له، كأوقات [الصلوات]، فإذا تمكّن من إتيان المشاعر ولم يتمّ الحج وجب عليه القضاء، [كمن دخـ]ـل رمضانَ فلم يصُمْ، أو دخل وقتَ الصلاة فلم يُصلِّ. وإذا [لم يتمكنّ من الوصول] إلى المشاعر فقد تعذَّر أصل الحج في حقه، فصار بمنزلة [من لم يستطع] إليه سبيلا، أو بمنزلة من لم يُدرك شهرَ رمضان ولا وقتَ [الصلاة].
[هذا، ولأن الاستطاعة شرطٌ في وجوب الحج، والوقت شرط لصحته،
(1)
مثل القاضي في «التعليقة» (2/ 292).
و] إذا لم يستطع الوصول إليه فقد فات شرطُ الوجوب، وإذا [فات] وقتٌ فقد [فاتت الصحة، و] الصحة مع الانعقاد سبب الوجوب
(1)
.
مسألة
(2)
:
(1)
في ق بعدها: «فصل» .
(2)
بها تنتهي النسختان. وقد بقي شرح قول ابن قدامة في «العمدة» : (وإن أخطأ الناس العدد فوقفوا في غير يوم عرفة أجزأهم ذلك، وإن فعل ذلك نفر منهم فقد فاتهم الحج. ويستحب لمن حج زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه رضي الله عنهما).