الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قدماه في بطن الوادي، حتى إذا صعِدَتا مشى، حتى أتى المروة، ففعل على المروة كما فعل على الصفا، حتى إذا كان آخرُ طوافِه على المروة قال:«لو أني استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ لم أسُقِ الهديَ، وجعلتُها عمرةً، فمن كان منكم ليس معه هديٌ فليحِلَّ وليجعلْها عمرةً» ، فقام سراقة بن جُعْشُم فقال: يا رسول الله، ألعامِنا هذا أم لأبدٍ؟ فشبَّك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه واحدة في الأخرى، وقال:«دخلتِ العمرةُ في الحج» مرتين، «لا، بل لأبد الأبد» ، وذكر الحديث، رواه مسلم
(1)
وغيره
…
(2)
.
مسألة
(3)
: (ثم يخرج إلى الصفا من بابه، فيأتيه فيرقَى عليه، ويكبِّر الله ويهلِّله ويدعوه، ثم ينزِل فيمشي إلى العَلَم، ثم يسعى إلى العلم الآخر، ثم يمشي إلى المروة، فيفعل كفعله على الصفا
، ثم ينزل فيمشي في موضع مَشْيه، ويسعى في موضع سَعْيه، حتى يكمل سبعة أشواط، يحسب بالذهاب سعيةً
(4)
وبالرجوع سعية، يفتتح بالصفا ويختم
(5)
بالمروة).
أما خروجه من باب الصفا، وهو الباب الأعظم الذي يواجه الصفا
…
(6)
.
(1)
رقم (1218).
(2)
بياض في النسختين، وفي هامش ق:«بياض مقدار أربعة أسطر» .
(3)
انظر «المستوعب» (1/ 503، 504) و «المغني» (5/ 234) و «الشرح الكبير» (9/ 125) و «الفروع» (6/ 43، 44).
(4)
في المطبوع: «سبعة» ، تحريف.
(5)
في المطبوع: «يختتم» خلاف النسختين.
(6)
بياض في النسختين.
وأما [ق 331] رُقِيُّه على الصفا فلأن في حديث جابر: «أن النبي صلى الله عليه وسلم رَقِيَ عليه حتى رأى البيت، واستقبل القبلة» . ولهذا قال أصحابنا
(1)
: إنه يرقَى على الصفا حتى يرى البيت ويستقبل القبلة، إلا أن هذا كان لما كانت الأبنية منخفضةً عن الكعبة. فأما الآن فإنهم قد رفعوا جدار المسجد، وزادوا فيه ما بينه وبين الصفا، حتى صار المسعى يلي جدار المسجد، وكان قبل ذلك بين المسجد والمسعى بناءٌ للناس، فاليوم لا يرى أحدٌ البيتَ من فوق الصفا، ولا من فوق المروة، نعم قد يراه من باب المسجد إذا خفض.
فالسنة أن يكون على الصفا بحيث يتمكَّن من رؤية البيت لو كان البناء على ما كان.
وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فرغ من طوافه أتى الصفا، فعلَا عليه حتى نظر إلى البيت، ورفع يديه
(2)
فجعل يحمد الله، ويدعو ما شاء أن يدعو. رواه مسلم وأبو داود
(3)
.
ويُستحبُّ أن يرفع يديه، ويُسَنُّ أن يستقبل البيت في حال وقوفه على الصفا وعلى المروة، وكذلك في حال وقوفه بعرفة وبمزدلفة وبمنًى وبين الجمرتين؛ لأن في حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم:«فاستقبل القبلة» .
وعن عروة قال: من السنة أن يصعد على
(4)
الصفا والمروة، حتى يبدوَ
(1)
انظر المصادر المذكورة.
(2)
في النسختين: «يد» . والتصويب من مصادر التخريج.
(3)
مسلم (1780/ 84) وأبو داود (1872). وكان ذلك في فتح مكة، والنبي صلى الله عليه وسلم يومئذٍ حلالٌ غيرُ محرمٍ بعمرة.
(4)
«على» ساقطة من المطبوع.
له البيت فيستقبله
(1)
. وعن عطاء أنه كان يقول: استقبل البيت من الصفا والمروة، ولا بدَّ من استقباله
(2)
. رواهما أحمد.
ولأنه حالُ مُكْثٍ للذكر والدعاء، فاستُحِبَّ فيها استقبال القبلة كسائر الأحوال، وأوكد.
ولأن الوقوف بالمشاعر نوع من الصلاة، وكذلك قال مجاهد في قوله:{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125]: «إنها عرفة ومزدلفة ومنى ونحوهن»
(3)
، فيُشرَع فيها استقبال القبلة كالصلاة التامة.
ولأن المناسك هي حج البيت، فكان استقبال البيت وقتَ فعْلِها تحقيقًا لمعنى حج البيت وقصده.
ولأن جميع العبادات البدنية الفعلية
(4)
من القراءة والذكر والدعاء والصلاة والاعتكاف وذبح الهدي والأضحية يُسَنُّ استقبال الكعبة فيها، فما تعلَّق منها بالبيت أولى.
وأما التكبير والتهليل والدعاء فقد ذكره جابر وغيره، وهو المقصود لما روت عائشة
…
(5)
.
(1)
عزاه المؤلف إلى أحمد، ولم أجده عنده. وقد أخرجه ابن أبي شيبة (15923).
(2)
لم أجده عند أحمد، وقد أخرجه الأزرقي (2/ 116) والفاكهي (2/ 228).
(3)
أخرجه عبد الرزاق في «تفسيره» (1/ 58) والطبري (2/ 525) وغيرهما بنحوه.
(4)
«الفعلية» ساقطة من المطبوع.
(5)
بياض في النسختين. وقد أخرج حديثها أبو داود (1888) والترمذي (902) مرفوعًا بلفظ: «إنما جُعِل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمْيُ الجمار لإقامة ذِكر الله» . قال الترمذي: حسن صحيح. وفي إسناده عبيد الله بن أبي زياد المكي، متكلم فيه.
وأما صفة ذلك ففي رواية عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا وقف على الصفا يكبِّر ثلاثًا، ويقول:«لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير» ، يصنع ذلك ثلاث مراتٍ ويدعو، ويصنع على المروة مثل ذلك. رواه أحمد والنسائي
(1)
.
وقد تقدَّم في رواية مسلم أنه كان يقول مع هذا التوحيد: «لا إله إلا الله وحده، أنجزَ وعده، ونصر عبده، وهزمَ الأحزاب وحدَه» ، وأنه يدعو بعد ذلك.
وقال أحمد في رواية عبد الله
(2)
: إذا قدِمتَ مكةَ إن شاء الله فإن يحيى بن سعيد ثنا جعفر بن محمد ثنا أبي قال: أتينا جابر بن عبد الله فقال: استلم نبي الله صلى الله عليه وسلم الحجر الأسود، ثم رمل ثلاثةً ومشى أربعةً، حتى إذا فرغ عَمَدَ
(3)
إلى مقام إبراهيم، فصلّى خلفه ركعتين، ثم قرأ:{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} ، ثم استلم الحجر، وخرج إلى الصفا، ثم قرأ:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} ، ثم قال:«نبدأ بما بدأ الله به» . فرقِيَ على الصفا حتى إذا نظر إلى البيت كبَّر، ثم قال:«لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. لا إله إلا الله أنجز وعدَه، وصدقَ عبدَه، وهزم الأحزابَ وحدَه» . ثم دعا، ثم رجع إلى هذا الكلام، ثم دعا، ثم رجع
(1)
أحمد (15171) والنسائي (2972)، وكذا رواه ابن حبان (3842) وغيره، كلهم من طريق مالك ــ «الموطأ» (1/ 372) ــ عن جعفر الصادق عن أبيه عن جابر.
(2)
في «مسائله» (ص 214).
(3)
في النسختين: «عدا» . والتصويب من المسائل.
إلى هذا الكلام، ثم نزل حتى إذا انصبَّت قدماه في الوادي رَمَل، حتى إذا صعدَ مشى حتى أتى المروة، فرقِيَ عليها حتى نظر إلى البيت، فقال عليها مثل ما قال على الصفا، فلما كان السابعُ عند المروة قال:«يا أيها الناسُ لو استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ لم أسُقِ الهديَ ولجعلتُها عمرة، فمن لم يكن معه هديٌ فليحلَّ وليجعلها عمرة» . فحلَّ الناس كلهم.
فعلى حديث جابر الذي اعتمده أحمد يكبِّر ويهلّل
(1)
على لفظ الحديث، ثم يدعو ثم يكبر ويهلّل، ثم يدعو ثم يكبر ويهلّل
(2)
، فيفتتح
(3)
بالتكبير والتهليل، ويختم به، ويكرِّره ثلاث مرات، والدعاء بينه
(4)
مرتين، ولفظ التكبير في كل مرة ثلاثًا، كما جاء في بعض الروايات، ولفظ التهليل مرتين، مع ما فيه من زيادة الحمد والثناء.
وعلى هذا يكون التكبير تسعًا، والتهليل ستًّا، والدعاء مرتين.
ولفظ «الصحيح»
(5)
: «له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير» .
وفي رواية للنسائي
(6)
عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «نبدأ بما بدأ الله
(1)
في النسختين هنا وفيما يأتي «يهل» . والصواب ما أثبتناه كما في الموضع الثالث، أي يقول:«لا إله إلا الله» .
(2)
في المطبوع: «ويهل» خلاف النسختين.
(3)
س: «فيفتح» .
(4)
في المطبوع: «والدعائين» خلاف النسختين.
(5)
عند مسلم (1218).
(6)
رقم (2961) بإسناد صحيح.
به»، فبدأ بالصفا، فرَقِيَ عليها حتى بدا له البيت، فقال ثلاث مرات:«لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير» ، وكبَّر الله وحمِده، ثم دعا بما قُدِّر له، ثم نزل ماشيًا حتى تصوَّبتْ قدماه في بطن المسيل، [ق 332] فسعى حتى صعدت قدماه، ثم مشى حتى أتى المروة، فصعد فيها، ثم بدا له البيت، فقال:«لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير» ، قال ذلك ثلاث مرات، ثم ذكر الله وسبَّحه وحمِدَه، ثم دعا عليها بما شاء الله، فعلَ هذا حتى فرغ من الطواف.
وفي حديث أبي هريرة المتقدم
(1)
: «أنه رفع يديه، فجعل يحمد الله، ويدعو بما شاء الله أن يدعو» .
فهذا الحمد يمكن
(2)
أن يكون هو الحمد الذي في ضمن التهليل، كما دلَّ عليه الرواية المفسرة، وعليه كلام أحمد، ويمكن أن يكون غيره.
وذكر القاضي وأبو الخطاب وجماعة من أصحابنا: أنه يكبِّر ثلاثًا
(3)
، قال القاضي: يقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر على ما هدانا، الحمد لله على ما هدانا.
وقال أبو الخطاب
(4)
وغيره: يكبِّر ثلاثًا، ويقول: الحمد لله على ما
(1)
(ص 180). وسبق بيان أن ذلك كان في فتح مكة والنبي صلى الله عليه وسلم يومئذٍ حلال.
(2)
في النسختين: «ويمكن» ، والسياق لا يقتضي الواو.
(3)
كما في «المستوعب» (1/ 503) و «الفروع» (6/ 43) وغيرهما.
(4)
في «الهداية» (ص 190).
هدانا، ثم ابتدأ
(1)
: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير. (زاد أبو الخطاب: «وهو حيٌّ لا يموت» ، ومنهم من لم يذكر إلّا «له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير» كما جاء في أكثر الأحاديث)
(2)
لا إله إلا الله وحده (زاد أبو الخطاب: لا شريك له) صدقَ وعدَه، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، لا إله إلا الله، لا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين، ولو كره الكافرون». ثم يلبِّي ويدعو بما أحبَّ من دين ودنيا، ثم يُعيد الدعاء، ثم يلبِّي ويدعو بما أحبَّ من
(3)
دين ودنيا، يأتي بذلك ثلاثًا.
فعلى هذا يكون التكبير والتهليل تسعًا تسعًا، والدعاء ثلاثًا.
ومنهم من لم يذكر إلا التكبير والتهليل ثلاثًا، والدعاء مرةً، ولم يذكر أنه يكرِّر ذلك ثلاثًا منهم [إلا]
(4)
الأثرم وحده
(5)
.
وقد استحبَّ أحمد في رواية المرُّوذي وغيره لما
(6)
روي عن ابن عمر، فقال أحمد: ثم تصعد
(7)
على الصفا، وقِفْ حيث
(8)
تنظر إلى البنيان إن
(1)
في المطبوع: «يبدأ» خلاف ما في النسختين.
(2)
ما بين القوسين جمل معترضة بين ما يقوله الساعي. ولذا وضعناها داخل القوسين حتى لا تختلط بما بعدها من الدعاء.
(3)
«من» ساقطة من س.
(4)
زيادة ليستقيم السياق.
(5)
«منهم [إلا] الأثرم وحده» ساقطة من المطبوع.
(6)
كذا في النسختين، والأولى:«ما» بدون اللام.
(7)
في المطبوع: «اصعد» خلاف النسختين.
(8)
ق: «حتى» .
أمكنك ذلك، وقل: الله أكبر سبع مرات، ترفع بهن صوتك، وتقول: «لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو حيٌّ لا يموت
(1)
، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير. لا إله إلا الله وحده، أنجز وعدَه، ونصر عبدَه، وهزمَ الأحزابَ وحده. لا إله إلا الله، ربّنا وربّ آبائنا الأولين، اللهم اعصِمْني بدينك». وذكر دعاء ابن عمر نحوًا مما يأتي، وفي آخره:«اللهم إنّا قد دعوناك كما أمرتَنا، فاستجبْ لنا كما وعدتَنا، واقضِ لنا حوائج الدنيا والآخرة» .
وقد روى بإسناد في رواية عبد الله
(2)
: قثنا إسماعيل بن إبراهيم، أبنا أيوب، عن نافع قال: كان ابن عمر
(3)
إذا انتهى إلى ذي طُوًى بات به حتى يصبح، ثم يصلّي الغداةَ ويغتسل، ويحدِّث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك، ثم يدخل مكة ضُحًى، ويأتي البيتَ فيستلم الحجرَ ويقول: بسم الله، الله أكبر، فإذا استلم الحجر رمل ثلاثةَ أطوافٍ يمشي ما بين الركنين، وإذا أتى على الحجر استلمه وكبَّر أربعةَ أطوافٍ مشيًا، ثم يأتي المقام فيصلِّي خلفه ركعتين، ثم يرجع إلى الحجر فيستلمه
(4)
، ثم يخرج إلى الصفا من الباب الأعظم، فيقوم عليه، فيكبِّر سبعَ مرات ثلاثًا ثلاثًا، يكبّر ثم يقول: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. لا إله
(1)
«وهو حيّ لا يموت» ساقطة من المطبوع.
(2)
لم أجده فيها، وإنما هو في «المسائل» برواية أبي داود (ص 146 - 147) وإسناده صحيح.
(3)
«عمر» ساقطة من س.
(4)
«ركعتين»
…
فيستلمه» ساقطة من المطبوع.
إلا الله، ولا نعبد إلا إيّاه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون». ثم يدعو يقول: «اللهم اعصِمْني بدينك وطواعيتك وطواعية رسولك. اللهم جنِّبني حدودَك، اللهم اجعلْني ممن يحبُّك ويحبُّ ملائكتك ويحبُّ رسلك، ويحبُّ عبادك الصالحين. اللهم حبِّبني إليك وإلى ملائكتك وإلى رسلك
(1)
، وإلى عبادك الصالحين، اللهم يسِّرني لليسرى وجنِّبني العسرى، واغفِرْ لي في الآخرة والأولى، واجعلْني من أئمة المتقين، واجعلْني من ورثة جنة النعيم، واغفِرْ لي خطيئتي يوم الدين، اللهم إنك قلتَ:{ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]،وإنك لا تُخلِف الميعاد، اللهم إذْ هديتَني للإسلام فلا تنزِعْه مني، ولا تنزِعْني منه حتى تَوفَّاني وأنا على الإسلام، اللهم لا تُقدِّمني لعذاب، ولا تؤخِّرني لسيئ الفتن».ويدعو بدعاء كثير حتى إنه ليُمِلُّنا وإنّا لشباب، وكان إذا أتى على المسعى سعى وكبَّر.
[و] رواه الطبراني بإسناد صحيح
(2)
، وفي لفظه
(3)
: «وكان يدعو بهذا مع دعاء له طويل على الصفا والمروة وبعرفات وبين الجمرتين وفي الطواف» .
قال أحمد في رواية [عبد الله]
(4)
: يدعو على الصفا بدعاء ابن عمر، وكلُّ ما دعا به أجزأه. وقال في المروة: ويكثر من الدعاء.
(1)
«وإلى رسلك» ساقطة من المطبوع.
(2)
في «مناسكه» كما في «البدر المنير» (6/ 309). ورواه عنه أبو نُعَيم في «حِلية الأولياء» (1/ 308).
(3)
أي الطبراني. وفي المطبوع: «وفي لفظ» خلاف النسختين.
(4)
مكانه بياض في النسختين، والنص في «المسائل» برواية عبد الله (214).
وحديث ابن عمر هذا يحتمل ثلاثة أوجه:
أحدها: أن
(1)
يكبِّر ثلاثًا، ثم يهلِّل، ثم يدعو، يكرِّر ذلك سبع مرات.
والثاني: أن يكبِّر سبع مرات، ثم يهلِّل، ثم يدعو فقط، وهو ظاهر رواية المرُّوذي.
والثالث: أن يكبِّر ثلاثًا ثلاثًا سبع مرات، ثم يهلِّل، ثم يدعو. وهو ظاهر ما رواه أحمد واستحبَّه.
وعلى هذين هل يكرِّر ذلك ثلاثًا؟
…
(2)
.
وإنما استحبَّ هذا لأن ابن عمر رضي الله عنهما كان شديدَ الاقتفاء لأثر رسول الله صلى الله عليه وسلم خصوصًا في النُّسك؛ فإنه كان من أعلم الصحابة بها
(3)
، فالاقتصار على عددٍ دون عددٍ يُشبه أن يكون إنما فعله توقيفًا
(4)
؛ ولأن عدد الأفعال [ق 333] سبع، فاستحبّ إلحاق الأقوال بها.
ومن رجَّح هذا قال: أكثر الروايات في حديث جابر ليس فيها توقيتُ تكبير، ولعل حديث ابن عمر كان في بعض عُمَرِ النبي صلى الله عليه وسلم، أو لعل قول جابر:«كبَّر ثلاثًا» أي ثلاثَ نوباتٍ، ويكون كل نوبةٍ سبعًا.
وأما الدعاء فقد استحبَّ أبو عبد الله دعاء ابن عمر، إذ ليس في الباب مأثورٌ غيره.
(1)
في المطبوع: «أنه» خلاف النسختين.
(2)
بياض في النسختين.
(3)
«بها» ساقطة من المطبوع.
(4)
في المطبوع: «توقيفيا» .
والسنةُ رفعُ الصوت بالتكبير، نصَّ عليه
(1)
؛ لأن جابرًا سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم، ولولا جَهْرُه به لم يسمعوه. ولأنه شَرَفٌ
(2)
من الأشراف، والسنةُ الجهرُ بالتكبير على الأشراف
(3)
.
وأما الدعاء فلا يرفع به صوته؛ لأن سنة الدعاء السِّر، كما قال تعالى:{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55]، وكما قال تعالى:{إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا} [مريم: 3]، ولذلك لم يذكر جابر ولا غيره عن النبي صلى الله عليه وسلم لفظَ دعائه، حيث لم يسمعوه.
وأما جهره بذلك حيث يسمع القريب منه فجائز، كما فعل ابن عمر، فإن كان فيه مقصودٌ صالح وإلا إسراره أفضل.
وأما التلبية على الصفا والمروة في أثناء الذكر والدعاء، فقد استحبَّها القاضي وأبو الخطاب
(4)
وغيرهما
(5)
؛ لأن وقت التلبية باقٍ، وهو موطن ذكرٍ، فاستحبّ فيه التلبية، كما لو علا على شَرَفٍ غيرِ الصفا والمروة وأولى، لامتياز هذين الشَّرَفين بتوكيد الذكر.
ولم يذكر أحمد وأكثر أصحابه مثل الأثرم هنا استحبابَ تلبية. وهذا
(1)
سبق ذكره.
(2)
أي الموضع العالي الذي يُشرِف على ما حوله.
(3)
كما في حديث ابن عمر الذي أخرجه البخاري (2995) ومسلم (1344)، وفيه: كان النبي صلى الله عليه وسلم كلما أوفى على ثنية أو فدفدٍ كبَّر ثلاثًا.
(4)
في «الهداية» (ص 190).
(5)
انظر «المستوعب» (1/ 503) و «الإنصاف» (9/ 127، 128).
أجود؛ لأن الذين أخبروا عن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا والمروة ذكروا أنه كبَّر وهلَّل ودعا وحمِدَ الله، وقال بعضهم: سبَّح. ولو كان قد لبَّى لذكروه، فعُلِم أنه لم يُلبِّ، ولو كانت التلبية من سنة هذا الموقف لفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم كما فعل التكبير والتهليل.
وأيضًا فإن التلبية مشروعة في عموم الإحرام، ولهذا المكان ذِكرٌ يختصُّه
(1)
، فلم يزاحم بغيره.
وأيضًا فإن التلبية شعار المجيب للداعي، فشُرِع له ما دام يسير ويسعى إلى المقصد، فإذا بلغ مكانًا من الأمكنة التي دُعِي إليها فقد وصل إلى المقصود
(2)
، فلا معنى للتلبية ما دام فيه، فإذا خرج منه وقصد مكانًا آخر لبَّى. ولهذا لم يُنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لبَّى بالمواقف، وإنما لبَّى حتى بلغ عرفة، فلما أفاض منها لبَّى إلى جَمْع، ثم لم يُنقل أنه لبَّى بها إلى أن رمى جمرة العقبة. فعلى هذا هل تكره التلبية؟
…
(3)
.
وهذا الكلام فيما إذا كان في حجّ أو قرانٍ، فأما إن كان معتمرًا عمرةً مفردة أو عمرةَ تمتُّعٍ، فإنه يقطع التلبية إذا استلم الحجر، فلا يلبِّي بعد ذلك في طوافٍ بالبيت ولا بين الصفا والمروة. وهذا هو
(4)
المذهب المنصوص المشهور.
(1)
في المطبوع: «يخصه» .
(2)
كذا في النسختين. وفي المطبوع: «المقصد» .
(3)
بياض في النسختين.
(4)
«هو» ساقطة من المطبوع.
وذكر القاضي في «المجرد» وأبو الخطّاب وغيرهما التلبيةَ على الصفا والمروة مطلقًا، ثم قالوا بعد ذلك
(1)
: «فإن كان معتمرًا أو متمتعًا» ، و «إن كان مفردًا أو قارنًا» . وقد روى الأزرقي
(2)
بإسناد صحيح عن مسروق، قال: «قدمتُ معتمرًا مع عائشة رضي الله عنها وابن مسعود، فقلتُ: أيَّهما ألزمُ؟ ثم قلت: ألزمُ عبد الله بن مسعود، ثم آتي أمَّ المؤمنين فأسلِّم عليها، فاستلم عبد الله بن مسعود الحجر، ثم أخذ على يمينه، ورمل ثلاثة أطواف ومشى أربعة، ثم أتى المقام فصلّى ركعتين، ثم عاد إلى الحجر فاستلمه، وخرج إلى الصفا، فقام على صَدْعٍ
(3)
فيه فلبَّى. فقلتُ له: يا أبا عبد الرحمن، إن ناسًا من أصحابك ينهون عن الإهلال هاهنا، قال: ولكني آمرُك به، هل تدري ما الإهلال؟ إنما هي استجابة موسى عليه السلام لربه عز وجل، قال: فلما أتى الوادي رَملَ، قال:«ربِّ اغفر وارحَمْ، إنك أنت الأعزُّ الأكرم»
(4)
.
والصوابُ الأول؛ لما تقدَّم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يلبِّي في عمرته حتى يستلم الحجر. وأثر ابن مسعود قد خالفه فيه عدة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ذكره مسروق، وإذا تنازع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت السنة قاضيةً بينهم. وليس هو صريحًا بأن ابن مسعود كان معتمرًا، وإنما الصريح فيه أن
(1)
انظر «الهداية» (ص 191).
(2)
(2/ 117 - 118). ورواه أيضًا الفاكهي (1391) والطحاوي في «أحكام القرآن» (1363) والبيهقي (5/ 95) وقال: «هذا أصح الروايات في ذلك عن ابن مسعود» .
(3)
أي الشَّقّ.
(4)
في النسختين: «الأكبر» . والتصويب من مصدر التخريج.
مسروقًا كان هو المعتمر؛ لكن الظاهر أنه كان معتمرًا أيضًا، لأنهم إذ ذاك إنما كانوا يُحرِمون بعمرة في غير
(1)
أشهر الحج
(2)
، كما كان عمر قد أمرهم به. وظاهره أن أكثر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا ينهون عن الإهلال على الصفا مطلقًا في الحج والعمرة، كما تقدم.
فصل
وأما كون الطواف بالصفا والمروة سبعًا، وأن يحسب بالذهاب مرةً وبالعود مرةً، فيفتتح بالصفا ويختم به
(3)
؛ فيكون وقوفه على الصفا أربع مرات، وعلى المروة أربعًا= فهي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المنقولة نقلًا عامًّا مستفيضًا، كما تقدّم أنه طاف سبعًا ختم بالمروة، وعليها كان التقصير والإحلال، [ق 334] وعندها أمر أصحابه بالإحلال من إحرامهم.
وأما صفة السعي بين الصفا والمروة، ففي حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم:«ثم نزلَ يعني من الصفا، حتى إذا انصبَّتْ قدماه في بطن الوادي رمَلَ، حتى إذا صعِدتا مشى حتى أتى المروة، ففعل على المروة كما فعل على الصفا، حتى إذا كان آخرُ طوافٍ على المروة» . رواه مسلم
(4)
وغيره.
وفي رواية للنسائي
(5)
: «ثم نزل ماشيًا، حتى تصوَّبتْ قدماه في بطن
(6)
(1)
«غير» ساقطة من المطبوع.
(2)
«الحج» ليست في س. والمثبت من ق، وفي هامشها: لعله. أي أنه الصواب.
(3)
كذا في النسختين. وهو سهو، والصواب:«بالمروة» كما سيأتي.
(4)
رقم (1218).
(5)
رقم (2974).
(6)
«بطن» ساقطة من المطبوع.
المَسِيل، فسعى حتى صعدتْ قدماه، ثم مشى حتى أتى المروةَ فصعِدَ فيها، ثم بدا له البيتُ».
وتقدَّم حديث ابن عمر: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا طاف بالبيت الطوافَ الأول خبَّ ثلاثًا ومشى أربعًا، وكان يسعى ببطنِ المَسِيل إذا طاف بين الصفا والمروة» . متفق عليه
(1)
، ولفظ البخاري:«بطنَ المسيل» .
وعن علي أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يسعى بين الصفا والمروة في المسعى، كاشفًا عن ثوبه قد بلغ إلى ركبتيه. رواه أحمد
(2)
.
وعن صفية بنت شيبة [عن امرأةٍ منهم أنها رأت النبي صلى الله عليه وسلم من خَوْخَةٍ
(3)
وهو يسعى في بطن المسيل، وهو يقول:«لا يُقطع الأبطحُ إلا شَدًّا» ]
(4)
.
وذكر أصحابنا القاضي ومَن بعده أنه يسعى ببطن المسيل سعيًا شديدًا. ولفظ أحمد
(5)
: «وامْشِ حتى تأتي العَلَم الذي في بطن الوادي، فارمُلْ من
(1)
البخاري (1617، 1644) ومسلم (1261).
(2)
كذا في النسختين وفي بعض نسخ «المسند» ، والصواب أنه من زيادات عبد الله على «المسند» (597). انظر تعليق المحققين على «المسند» ط. الرسالة.
(3)
كُوَّة في البيت، أو باب صغير.
(4)
ما بين المعكوفين بياض في الأصل، والحديث أخرجه أحمد (27281) والنسائي (2980) بإسناد صحيح. ورواه أيضًا أحمد (27280، 27367، 27463) وابن ماجه (2987) وابن خزيمة (2764) والحاكم (4/ 70) على أوجه مختلفة في إسناده، وسيأتي لفظ بعضها (ص 371). وانظر «علل الدارقطني» (4117).
(5)
في رواية المرُّوذي التي سبق ذكرها.
العَلَم إلى العَلَم». وكذلك قال الأثرم: يسعى بين الميلين الأخضرين أشدَّ من الرَّمَل قليلًا، ويقول في رَمَله:«ربِّ اغفرْ وارحمْ، إنك أنت الأعزُّ الأكرم» .
وقد حدَّد الناس بطنَ الوادي الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يسعى فيه بأن نصبوا في أوله وآخره أعلامًا، وتُسمَّى أميالًا، ويُسمَّى واحدها المِيْل الأخضر؛ لأنهم ربما لطخوه بلون خُضرةٍ ليتميز لونه للساعي، وربما لطخوه بحمرة.
فأول المسعى حدُّ الميل المعلَّق بركن المسجد، هكذا ذكر كثير من المصنفين، وآخره الميلان المتقابلان؛ أحدهما بفِناء المسجد بحِيال دار العباس، هكذا في كثير من الكتب المصنفة؛ لأنه كان
(1)
كذلك في ذلك الوقت. واليومَ هي أربعة أميال: ميلان متقابلان أحمران أو أخضران عليهما كتابة، ثم ميلان أخضران. والدار المذكورة هي اليوم خَرِبةٌ؛ لكن الأعلام ظاهرة معلَّقة لا يَدْرُس عَلَمُها.
وقد ذكر القاضي وأبو الخطاب
(2)
وجماعة من أصحابنا أن أول المسعى من ناحية الصفا قبل أن يصل إلى الميل بنحوٍ من ستة أَذْرُع، وآخره محاذاة الميلين الآخرين. ولفظ أحمد:«ارمُلْ من العَلَم إلى العَلَم» كما ذكره الشيخ، وهكذا ذكر
…
(3)
.
فصل
ويُستحبُّ أن يذكر الله في السعي بين الصفا والمروة، قال أحمد في رواية
(1)
«كان» ساقطة من المطبوع.
(2)
في «الهداية» (ص 190).
(3)
بياض في النسختين.
المرُّوذي: ثم انحدِرْ من الصفا، وقلْ:«اللهم استعمِلْني بسنة نبيك، وتوفَّني على ملَّته، وأعِذْني من مُضِلَّات الفتن» ، وامْشِ حتى تأتي العَلَم الذي ببطن الوادي، فارمُلْ من العَلَم إلى العَلَم، وقُلْ في رَمَلك:«ربِّ اغفر وارحمْ، وتجاوزْ عما تعلم، واهدِني للتي هي أقوم، إنك أنت الأعزُّ الأكرم. اللهم نَجِّنا من النار سِراعًا سالمين، وأدخِلْنا الجنة بسلام آمنين» ، وامشِ حتى تأتي المروةَ، فتصعد عليها، وتقف منها حيثُ تنظر إلى البيت، ثم تكبِّر أيضًا، وتدعو بما دعوتَ به على الصفا، ثم تقول:«اللهم إني أعوذ بك من الفواحش ما ظهر منها وما بطن» . وما دعوتَ به أجزأك، تفعلُ ذلك ثلاث مرات.
وقال أحمد
(1)
: كان عبد الله بن مسعود إذا سعى بين الصفا والمروة قال: «رب اغفر وارحم، وأنت الأعزُّ الأكرم» . وقد تقدَّم ذلك عن ابن مسعود، وتقدَّم عن ابن عمر أنه كان إذا أتى على المسعى سعى وكبَّر.
فصل
وليس على النساء سعيٌ بين العَلَمين، ولا صعودٌ على الصفا والمروة، كما أنه ليس عليهن في الطواف رَمَلٌ ولا اضطباع؛ لأن المرأة مأمورة بالستر ما أمكن، وفي رَمَلِها ورُقِيِّها تعرُّضٌ لظهورها. فإن فعلتْ ذلك
…
(2)
.
ومن أهلَّ بالحج من أهل مكة لم يكن عليه سعيٌ بين العَلَمين، كما لا رمَلَ عليه في الطواف. قاله ابن أبي موسى
(3)
.
(1)
كما نقل عنه أبو داود في «مسائله» (ص 161).
(2)
بياض في النسختين.
(3)
في «الإرشاد» (ص 160).