الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عبد الله سئل عن المرأة تجعل على نفسها عمرة في شهر مسمًّى، ثم يخلو إلا ليلة واحدة، ثم تحيض، قال: لِتخرُجْ ثم لْتُهِلَّ بعمرة، ثم لتنتظِرْ حتى تطهرَ، ثم لْتطُفْ بالكعبة وتُصلي
(1)
. ولا يُعرَف له مخالف في الصحابة.
ولأن المتمتع إنما وجب عليه الدم لترفُّهِه بسقوط أحد السفرين، وذلك أنه قد كان يمكنه أن يُحرم بالحج فقط، فلما عدلَ عنه إلى الإحرام بعمرة وأتى بالحج أيضًا شُرِع له الهدي. فإذا أهلَّ قبل شوال لم يمكنه الإهلال بالحج؛ لأنه خلاف السنة، فأحرم بالعمرة في وقت تنفرد به، فهو كما لو أحرم لها وطاف قبل شوال.
الشرط الثاني: أن يحجَّ من عامه ذلك
، فلو اعتمر في أشهر الحج، ورجع إلى مصره، أو أقام بالحرم ولم يحجَّ، فليس بمتمتع بالعمرة إلى الحج.
الشرط الثالث: أن لا يسافر بعد العمرة
، فإن سافر ثم رجع إلى مكة فليس بمتمتع؛ لأنه سافر للحج سفرًا كما سافر للعمرة سفرًا، ولم يترفَّه بسقوط أحد السفرين.
وأما حدّ السفر الذي يُخرجه عن التمتع، فقد قال أحمد في رواية أبي طالب: إذا اعتمر في أشهر الحج، ثم سافر سفرًا تُقصر فيه الصلاة فليس بمتمتع. ويعجبني هذا القول، وإنما يكون المتمتع من جاء إلى مكة في شوال أو ذي القعدة، ومن جاء في غير هذه الشهور فإنما هي عمرة، وليس هو متمتعًا. وإذا دخل بعمرة في هذه الشهور ثم انتظر حتى يهلّ بالحج من
(1)
أخرجه أحمد في «مسائله» برواية عبد الله (ص 218) وبرواية ابن هانئ (1/ 155)، والبيهقي في «الكبرى» (10/ 85). وإسناده صحيح.
مكة فهو متمتع، فإن خرج إلى الميقات وأهلَّ بالحج فليس بمتمتع.
وقال في رواية حرب والأثرم
(1)
: من أحرم بعمرة في أشهر الحج فهو متمتع، إذا أقام حتى يحج، فإن خرج
(2)
من الحرم سفرًا تُقصَر في مثله الصلاة، ثم رجع فحجَّ، فليس بمتمتع، ولا هديَ عليه.
وقال في رواية يوسف بن موسى وأحمد بن الحسين
(3)
: إذا أقام فأنشأ الحج من
(4)
مكة فهو متمتع، فإن خرج إلى الميقات فأحرم بالحج فليس بمتمتع.
وقال في رواية عبد الله
(5)
: إذا سافر سفرًا يقصر فيه الصلاة فليس بمتمتع.
واختلفت عبارة أصحابنا في ذلك؛ فقال القاضي في «المجرد» وابن عقيل في بعض المواضع وأبو الخطاب
(6)
وجماعة وغيرهم: إذا خرج إلى الميقات فأحرم منه بالحج، أو خرج إلى موضع بينه وبين مكة ما تُقصر فيه الصلاة، فأحرم منه، فليس بمتمتع. وجعلوا كلَّ واحدٍ من خروجه إلى الميقات وإلى مسافة القصر رافعًا للمتعة؛ لأنه قد نصّ على كل منهما في رواية واحدة، وفي روايات متعددة.
(1)
كما في «التعليقة» (1/ 262).
(2)
في النسختين: «أخرج» . والمثبت من «التعليقة» .
(3)
كما في «التعليقة» (1/ 262).
(4)
في المطبوع: «في» .
(5)
في «مسائله» (ص 219).
(6)
في «الهداية» (ص 173).
ومن هؤلاء من ذكر رواية أخرى: أن الذي يزيل المتعةَ السفرُ إلى مسافة القصر من غير اعتبار الميقات؛ لأنه قد نصّ على ذلك في روايات
(1)
، ولم يذكر الميقات. ومن سلك هذه
(2)
السبيل لزمه أن يحكي رواية ثالثة: بأن الاعتبار بخروجه إلى الميقات من غير اعتبار مسافة القصر؛ لأنه قد نصّ على ذلك في روايات أُخَر
(3)
.
وقال الخرقي
(4)
وابن أبي موسى
(5)
والقاضي
(6)
وأبو الخطاب في «خلافهما» والشريف أبو جعفر وابن عقيل في مواضع: الاعتبار بمسافة القصر خاصةً، فمن سافر سفرًا تقصر فيه الصلاة فليس هو بمتمتع.
قال القاضي
(7)
: إذا رجع المتمتع إلى الميقات بعد الفراغ من العمرة لم يسقط عنه دم المتعة، وإن رجع إلى موضع تُقصَر فيه الصلاة سقط عنه دم [ق 312] المتعة. قال: وقول أحمد «فإن خرج إلى الميقات فأحرم بالحج فليس بمتمتع» محمول على أن بين الميقات وبين مكة مسافة القصر.
وعند هؤلاء أن معنى كلام أحمد يرجع إلى هذا.
(1)
بعدها في المطبوع: «متعددة» ، وليست في النسختين.
(2)
في المطبوع: «هذا» خلاف النسختين. والسبيل يذكّر ويؤنّث، والتأنيث أكثر. انظر «تاج العروس» (سبل).
(3)
في المطبوع: «أخرى» خلاف النسختين.
(4)
في «مختصره» مع «المغني» (5/ 351).
(5)
في «الإرشاد» (ص 167).
(6)
في «التعليقة» (1/ 262).
(7)
المصدر السابق.
واعلم أن هذا الاختلاف لا يرجع إلى اختلاف في الحكم، وذلك لأن المواقيت كلَّها بينها وبين مكة مسافة القصر؛ فإن ذا الحليفة بينها وبين مكة عشر مراحل من ناحية الساحل، والجحفة بينها وبين مكة ثلاثة أيام، وسائر المواقيت بينها وبين مكة يومان قاصدان. فكل من خرج إلى ميقات فقد خرج إلى مسافة القصر، وقد يخرج إلى مسافة القصر من ناحية المدينة والشام، ولا يصل إلى الميقات. فإذن كلا
(1)
الطريقين جيدة، وإن كان الضابط في الحقيقة
(2)
السفر إلى مسافة القصر.
لكن من اعتقد في المسألة روايتين [و] توهَّم أنه يخرج إلى الميقات من لا يبلغ مسافة القصر، ليجعل المسألة على روايتين، أو تناول كلام أحمد في بعض المواضع، أو يقول: إنه لا يسقط عنه دم
(3)
المتعة بالخروج إلى ميقاته، أو يعتقد أن كلًّا منهما شرط
(4)
على انفراده= فقد غلط غلطًا مستنده عدم العلم بالمسافة، وهذا واقع
(5)
في كلام طائفة من أصحابنا، وهو مخالفة واضحة لكلام أحمد؛ فإنه قد نصّ على أن الخروج إلى الميقات مُسقِط من غير تقييد، وهو جهلٌ
(6)
بمسافات المواقيت.
وإنما اعتبره أحمد لأنه إذا سافر بعد العمرة إلى مسافة القصر فأحرم
(1)
كذا في النسختين بدل «كلتا» . وهذا من الأسلوب المعروف للمؤلف فيما وصل إلينا بخطه. انظر «جامع المسائل» (2/ 205).
(2)
في المطبوع: «الخفين» تحريف.
(3)
«دم» ساقطة من المطبوع.
(4)
في النسختين: «شرطا» .
(5)
س: «وقع» .
(6)
«وهو جهل» ساقطة من المطبوع.
منها بالحج من ناحية ميقاته أو غيرها، لم يترفَّهْ بسقوط أحد السفرين، بل سافر للحج سفرًا صحيحًا، فزال معنى التمتع في حقه، وإن لم يرجع إلى مصره أو لم يبلغ الميقات، فإن الموجب للدم سقوط أحد السفرين، بدليل وجوبه على القارن لما جمع بين النسكين في سفرة واحدة في أشهر الحج. ولو كانت العلة أنه لم يُحرِم من الميقات لم يجب على القارن دم.
وقد تقدَّم أن المتمتع في لسان الصحابة والتابعين هو أن يجمع بين العمرة والحج في أشهره بسفرة واحدة، فإن سافر بينهما إلى مسافة القصر، ثم رجع فأحرم بالحج من مكة، أو أحرم به من دون مسافة القصر، فعليه دم لإحرامه دون ميقاته؛ لأن ميقات من أنشأ
(1)
الحج من دون المواقيت من موضعه، وليس عليه دم متعة، كما لو رجع إلى مصره ثم دخل مكة بغير إحرام. ولهذا أطلق أحمد القول بسفرٍ تقصر فيه الصلاة، ولم يشترط إحرامه منه في كونه غير متمتع.
واشترط أبو الخطاب
(2)
وغيره من أصحابنا: أن يحرم بالحج من مسافة القصر.
وقال بعضهم: إذا سافر وأحرم من مكة فليس بمتمتع.
وإن رجع إلى مكة غير قاصدٍ للحج مُحِلًّا، ثم بدا له الحج فأحرم منها، فعليه أيضًا دم كما تقدم.
وإن سافر قبل التحلل من العمرة إلى ما تُقصر فيه الصلاة ورجع حرامًا،
(1)
في المطبوع: «إن شاء» تحريف.
(2)
في «الهداية» (ص 170).