المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الأول 174 - عن عبد الله بن عبّاسٍ رضي الله - فتح السلام شرح عمدة الأحكام من فتح الباري - جـ ٤

[عبد السلام العامر]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الزكاة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب صدقة الفطر

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌كتاب الصيام

- ‌(باب

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌باب الصوم في السّفر وغيره

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌باب أفضل الصيام وغيره

- ‌الحديث العشرون

- ‌الحديث الواحد والعشرون

- ‌الحديث الثاني والعشرون

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌الحديث الرابع والعشرون

- ‌الحديث الخامس والعشرون

- ‌الحديث السادس والعشرون

- ‌الحديث السابع والعشرون

- ‌باب ليلة القدر

- ‌الحديث الثامن والعشرون

- ‌الحديث التاسع والعشرون

- ‌الحديث الثلاثون

- ‌باب الاعتكاف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌كتاب الحجّ

- ‌باب المواقيت

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب ما يلبس المُحرم من الثياب

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب الفدية

- ‌الحديث السابع

- ‌باب حرمة مكة

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌باب ما يجوز قتله

- ‌الحديث العاشر

- ‌باب دخول مكة وغيره

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌باب التّمتّع

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌الحديث العشرون

- ‌الحديث الواحد والعشرون

- ‌الحديث الثاني والعشرون

- ‌باب الهدي

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌الحديث الرابع والعشرون

- ‌الحديث الخامس والعشرون

- ‌الحديث السادس والعشرون

- ‌الحديث السابع والعشرون

- ‌باب الغسل للمحرم

- ‌الحديث الثامن والعشرون

- ‌باب فسخ الحجّ إلى العمرة

- ‌الحديث التاسع والعشرون

- ‌الحديث الثلاثون

- ‌الحديث الواحد والثلاثون

- ‌الحديث الثاني والثلاثون

- ‌الحديث الثالث والثلاثون

- ‌الحديث الرابع والثلاثون

- ‌الحديث الخامس والثلاثون

- ‌الحديث السادس والثلاثون

- ‌الحديث السابع والثلاثون

- ‌الحديث الثامن والثلاثون

- ‌الحديث التاسع والثلاثون

- ‌باب المُحرم يأكل من صيد الحلال

- ‌الحديث الأربعون

- ‌الحديث الواحد والأربعون

الفصل: ‌ ‌الحديث الأول 174 - عن عبد الله بن عبّاسٍ رضي الله

‌الحديث الأول

174 -

عن عبد الله بن عبّاسٍ رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبلٍ - حين بعثه إلى اليمن -: إنّك ستأتي قوماً أهل كتابٍ ، فإذا جئتهم ، فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلَاّ الله ، وأنّ محمّداً رسول الله. فإنْ هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم: أنّ الله قد فرضَ عليهم خمسَ صلواتٍ في كل يومٍ وليلةٍ ، فإنْ هم أطاعوا لك بذلك ، فأخبرهم: أنّ الله قد فرضَ عليهم صدقةً ، تؤخذ من أغنيائهم فتردّ على فقرائهم. فإنْ هم أطاعوا لك بذلك ، فإيّاك وكرائمَ أموالهم ، واتّق دعوة المظلوم. فإنّه ليس بينها وبين الله حجابٌ. (1)

قوله: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبلٍ حين بعثه) كذا في جميع الطّرق، إلَاّ ما أخرجه مسلمٌ عن أبي بكر بن أبي شيبة وأبي كريبٍ وإسحاق بن إبراهيم ثلاثتهم عن وكيعٍ عن زكرياء بن إسحاق، قال: حدثني يحيى بن عبد الله. فقال فيه: عن ابن عبّاسٍ عن معاذ بن جبلٍ قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فعلى هذا فهو من مسند معاذٍ، وظاهر سياق مسلمٍ أنّ اللفظ مدرجٌ، لكن لَم أر ذلك في غير رواية أبي بكر بن أبي شيبة.

وسائر الرّوايات أنّه من مسند ابن عبّاسٍ ، فقد أخرجه التّرمذيّ عن أبي كريبٍ عن وكيعٍ فقال فيه: عن ابن عبّاسٍ ، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1) أخرجه البخاري (1331 ، 1389، 1425، 2316، 4090، 6937) ومسلم (13) من طريق يحيى بن عبد الله بن صيفي عن أبي معبد عن ابن عباس به.

ص: 7

بعث معاذاً. وكذا هو في مسند إسحاق بن إبراهيم - وهو ابن راهويه - قال: حدّثنا وكيعٌ به ، وكذا رواه عن وكيعٍ أحمد في " مسنده " أخرجه أبو داود عن أحمد، وللبخاري عن يحيى بن موسى عن وكيعٍ كذلك.

وأخرجه ابن خزيمة في " صحيحه " عن محمّد بن عبد الله المخرميّ وجعفر بن محمّدٍ الثّعلبيّ، والإسماعيليّ من طريق أبي خيثمة وموسى بن السّدّيّ ، والدّارقطنيّ من طريق يعقوب بن إبراهيم الدّورقيّ وإسحاق بن إبراهيم البغويّ كلهم عن وكيعٍ كذلك.

فإنْ ثبتت رواية أبي بكرٍ فهو من مرسل ابن عبّاسٍ، لكن ليس حضور ابن عبّاسٍ لذلك ببعيدٍ ، لأنّه كان في أواخر حياة النّبيّ صلى الله عليه وسلم. وهو إذ ذاك مع أبويه بالمدينة.

قوله: (لمعاذ بن جبل) أي ابن عمرو بن أوس، من بني أسد بن شاردة بن يزيد - بفتح المثناة الفوقانية - ابن جشم بن الخزرج الخزرجي. يكنى أبا عبد الرحمن، شهد بدراً والعقبة، وكان أميراً للنبي صلى الله عليه وسلم على اليمن، ورجع بعده إلى المدينة، ثم خرج إلى الشام مجاهداً فمات في طاعون عمواس سنة ثماني عشرة.

وللبخاري من حديث عبد الله بن عمرو: استقرئوا القرآن. فذكرَه

وقد أخرج ابن حبان والترمذي من حديث أبي هريرة رفعه " نعم الرجل معاذ بن جبل " كان عقبياً بدرياً من فقهاء الصحابة.

وقد أخرج الترمذي وابن ماجه عن أنس رفعه " أرحم أمتي أبو

ص: 8

بكر - وفيه - وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ " ورجاله ثقات.

وصحَّ عن عمر أنه قال: من أراد الفقه فليأت معاذاً. وعاش معاذ ثلاثاً وثلاثين سنة على الصحيح.

قوله: (حين بعثه إلى اليمن) كان بعثُ معاذٍ إلى اليمن سنة عشرٍ قبل حجّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم.كما ذكره البخاري في أواخر المغازي.

وقيل: كان ذلك في أواخر سنة تسعٍ عند منصرفه صلى الله عليه وسلم من تبوك. رواه الواقديّ بإسناده إلى كعب بن مالكٍ، وأخرجه ابن سعدٍ في " الطّبقات " عنه، ثمّ حكى ابن سعدٍ ، أنّه كان في ربيعٍ الآخر سنة عشرٍ. وقيل: بعثه عام الفتح سنة ثمانٍ.

واتّفقوا على أنّه لَم يزل على اليمن إلى أنْ قدم في عهد أبي بكرٍ ، ثمّ توجّه إلى الشّام فمات بها.

واختلف هل كان معاذٌ والياً أو قاضياً؟.

فجزم ابن عبد البرّ بالثّاني ، والغسّانيّ بالأوّل.

قوله: (إلى اليمن) قال البخاري: سُمِّيت اليمن لأنها عن يمين الكعبة. هو قول أبي عبيدة. قاله في تفسير الواقعة.

وروي عن قطرب ، قال: إنما سمي اليمن يمناً ليُمنه والشام شأما لشُؤمه.

وقال الهمداني في الأنساب: لما ظعنت العرب العاربة أقبل بنو قطن بن عامر فتيامنوا. فقالت العرب: تيامنت بنو قطن. فسمُّوا اليمن ، وتشاءم الآخرون فسُمُّوا شاما.

ص: 9

وقيل: إنما سُميت اليمن بيمن بن قحطان. وسُميت الشام بسام بن نوح. وأصله شام بالمعجمة ثم عرب بالمهملة.

قوله: (ستأتي قوماً أهل كتابٍ) هي كالتّوطئة للوصيّة لتستجمع همّته عليها. لكون أهل الكتاب أهل علمٍ في الجملة ، فلا تكون العناية في مخاطبتهم كمخاطبة الجهّال من عبدة الأوثان، وليس فيه أنّ جميع من يقدم عليهم من أهل الكتاب ، بل يجوز أن يكون فيهم من غيرهم، وإنّما خصّهم بالذّكر تفضيلاً لهم على غيرهم.

قوله: (فإذا جئتهم) قيل: عبّر بلفظ إذا تفاؤلاً بحصول الوصول إليهم.

قوله: (فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلَاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله) كذا للأكثر، وفي روايةٍ لهما بلفظ " وأنّي رسول الله " كذا في رواية زكريّا بن إسحاق لَم يختلف عليه فيها.

وأمّا إسماعيل بن أُميَّة. ففي رواية روح بن القاسم عنه " فأوّل ما تدعوهم إليه عبادة الله، فإذا عرفوا الله " وفي رواية الفضل بن العلاء عنه " إلى أن يوحّدوا الله، فإذا عرفوا ذلك ". (1)

ويجمع بينها: بأنّ المراد بعبادة الله توحيده وبتوحيده الشّهادة له بذلك ولنبيّه بالرّسالة ، ووقعت البداءة بهما لأنّهما أصل الدّين الذي لا يصحّ شيءٌ غيرهما إلَاّ بهما ، فمن كان منهم غير موحّدٍ فالمطالبة

(1) رواية روح عن إسماعيل. أخرجه البخاري (1389) ومسلم (19) ، أمّا رواية الفضل بن العلاء عنه. فأخرجها البخاري (6937).

ص: 10

متوجّهةٌ إليه بكل واحدةٍ من الشّهادتين على التّعيين، ومن كان موحّداً فالمطالبة له بالجمع بين الإقرار بالوحدانيّة والإقرار بالرّسالة، وإن كانوا يعتقدون ما يقتضي الإشراك أو يستلزمه ، كمن يقول ببنوّة عزيرٍ أو يعتقد التّشبيه فتكون مطالبتهم بالتّوحيد لنفي ما يلزم من عقائدهم.

واستدل به مَن قال من العلماء: إنّه لا يشترط التّبرّي من كل دينٍ يخالف دين الإسلام خلافاً لمَن قال: إنّ من كان كافراً بشيءٍ وهو مؤمنٌ بغيره لَم يدخل في الإسلام إلَاّ بترك اعتقاد ما كفر به.

والجواب: أنّ اعتقاد الشّهادتين يستلزم ترك اعتقاد التّشبيه ، ودعوى بنوّة عزيرٍ وغيره فيكتفى بذلك.

واستدل به على أنّه لا يكفي في الإسلام الاقتصار على شهادة أن لا إله إلَاّ الله حتّى يضيف إليها الشّهادة لمحمّدٍ بالرّسالة. وهو قول الجمهور.

وقال بعضهم: يصير بالأولى مُسلماً ، ويطالب بالثّانية.

وفائدة الخلاف تظهر بالحكم بالرّدّة.

تنبيهان:

أحدهما: كان أصل دخول اليهوديّة في اليمن في زمن أسعد أبي كرب - وهو تُبَّع الأصغر - كما حكاه ابن إسحاق في أوائل " السّيرة النّبويّة ".

ثانيهما: قال ابن العربيّ في " شرح التّرمذيّ ": تبرّأتِ اليهود في هذه

ص: 11

الأزمان من القول بأنّ العُزير ابن الله ، وهذا لا يمنع كونه كان موجوداً في زمن النّبيّ صلى الله عليه وسلم ، لأنّ ذلك نزل في زمنه واليهود معه بالمدينة وغيرها ، فلم ينقل عن أحدٍ منهم أنّه ردّ ذلك ولا تعقّبه.

والظّاهر أنّ القائل بذلك طائفةٌ منهم لا جميعهم ، بدليل أنّ القائل من النّصارى إنّ المسيح ابن الله طائفةٌ منهم لا جميعهم ، فيجوز أن تكون تلك الطّائفة انقرضت في هذه الأزمان ، كما انقلب اعتقاد معظم اليهود عن التّشبيه إلى التّعطيل ، وتحوّل معتقد النّصارى في الابن والأب إلى أنّه من الأمور المعنويّة لا الحسّيّة، فسبحان مقلب القلوب.

قوله: (فإنْ هم أطاعوا لك بذلك) أي: شهدوا وانقادوا، وفي رواية ابن خزيمة " فإن هم أجابوا لذلك ".

وفي رواية الفضل بن العلاء كما في البخاري " فإذا عرفوا ذلك " وعدّى أطاع باللام - وإن كان يتعدّى بنفسه - لتضمّنه معنى انقاد.

واستدل به على أنّ أهل الكتاب ليسوا بعارفين ، وإن كانوا يعبدون الله ويظهرون معرفته ، لكن قال حذّاق المتكلمين: ما عرف الله من شبّهه بخلقه أو أضاف إليه اليد أو أضاف إليه الولد (1) فمعبودهم

(1) قال الشيخ ابن باز (3/ 452): لا شك أنّ من شبّه الله بخلقه أو أضاف إليه الولد جاهلٌ به سبحانه ولَم يقدره حق قدره ، لأنه سبحانه لا شبيه له ، ولَم يتخذ صاحبة ولا ولداً ، وأمّا إضافة اليد إليه سبحانه فمحل تفصيل. فمن أضافها إليه سبحانه على أنها من جنس أيدي المخلوقين فهو مُشبّه ضال ، وأمّا من أضافها إليه على الوجه الذي يليق بجلاله من غير أن يشابه خلقه في ذلك فهو حق ، وإثباتها لله على هذا الوجه واجب كما نطق به القرآن وصحّت به السنة. وهو مذهب أهل السنة ، فتنبّه. والله الموفق.

ص: 12

الذي عبدوه ليس هو الله. وإن سمّوه به.

واستدل به على أنّ الكفّار غير مخاطبين بالفروع. حيث دعوا أوّلاً إلى الإيمان فقط، ثمّ دعوا إلى العمل، ورتّب ذلك عليها بالفاء. وأيضاً فإنّ قوله " فإن هم أطاعوا فأخبرهم " يفهم منه أنّهم لو لَم يطيعوا لا يجب عليهم شيءٌ.

وفيه نظرٌ ، لأنّ مفهوم الشّرط مختلفٌ في الاحتجاج به.

وأجاب بعضهم عن الأوّل: بأنّه استدلالٌ ضعيفٌ، لأنّ التّرتيب في الدّعوة لا يستلزم التّرتيب في الوجوب، كما أنّ الصّلاة والزّكاة لا ترتيب بينهما في الوجوب، وقد قدّمت إحداهما على الأخرى في هذا الحديث ورتّبت الأخرى عليها بالفاء، ولا يلزم من عدم الإتيان بالصّلاة إسقاط الزّكاة.

وقيل: الحكمة في ترتيب الزّكاة على الصّلاة: أنّ الذي يقرّ بالتّوحيد ، ويجحد الصّلاة يكفر بذلك فيصير ماله فيئاً فلا تنفعه الزّكاة.

وأمّا قول الخطّابيّ (1): إنّ ذكر الصّدقة أخّر عن ذكر الصّلاة ، لأنّها إنّما تجب على قومٍ دون قومٍ ، وأنّها لا تكرّر تكرار الصّلاة ، فهو حسنٌ، وتمامه أن يقال: بدأ بالأهمّ فالأهمّ، وذلك من التّلطّف في الخطاب

(1) حمد بن محمد البستي. تقدمت ترجمته (1/ 61).

ص: 13

، لأنّه لو طالبهم بالجميع في أوّل مرّةٍ لَم يأمن النّفرة.

قوله: (خمسُ صلواتٍ) استدل به على أنّ الوتر ليس بفرضٍ.

وقد تقدّم البحث فيه في موضعه.

قوله: (فإنْ هم أطاعوا لك بذلك) والذي وقع في حديث معاذ " فإن هم أطاعوا " وعند بعض رواته كما ذكره ابن التّين (1)" فإن هم طاعوا " بغير ألف.

وقد قرأ الحسن البصريّ وطائفة معه " فطاوعت له نفسه ".

قال ابن التّين: إذا امتثل أمره فقد أطاعه، وإذا وافقه فقد طاوعه.

قال الأزهريّ. الطّوع نقيض الكره، وطاع له انقاد، فإذا مضى لأمره فقد أطاعه. وقال يعقوب بن السّكّيت: طاع وأطاع بمعنى.

وقال الأزهريّ أيضاً: منهم من يقول: طاع له يطوّع طوعاً فهو طائع بمعنى أطاع.

والحاصل أنّ طاع وأطاع استعمل كلّ منهما لازماً ومتعدّياً. إمّا بمعنى واحد مثل (بدأ الله الخلق) وأبدأه، أو دخلت الهمزة للتّعدية وفي اللازم للصّيرورة.

أو ضمّن المتعدّي بالهمزة معنى فعل آخر لازم ، لأنّ كثيراً من أهل العلم باللّغة فسرّوا أطاع بمعنى لانَ وانقاد. وهو اللائق في حديث معاذ هنا، وإن كان الغالب في الرّباعيّ التّعدّي وفي الثّلاثيّ اللّزوم.

(1) عبدالواحد بن التين ، سبق ترجمته (1/ 151)

ص: 14

وهذا أولى من دعوى فعل وأفعل بمعنى واحد لكونه قليلاً، وأولى من دعوى أنّ اللام في قوله:" فإن هم أطاعوا لك " زائدة.

وقول البخاري بعد الحديث: " طُعت طِعت وأطعت ": الأوّل بالضّمّ والثّانية بالكسر والثّالثة بالفتح بزيادة ألف في أوّله.

قال ابن دقيق العيد (1): يحتمل وجهين.

أحدهما: أن يكون المراد إقرارهم بوجوبها عليهم والتزامهم لها.

الثّاني: أن يكون المراد الطّاعة بالفعل، وقد يرجّح الأوّل بأنّ المذكور هو الإخبار بالفريضة فتعود الإشارة بذلك إليها.

ويترجّح الثّاني بأنّهم لو أخبروا بالفريضة فبادروا إلى الامتثال بالفعل لكفى ولَم يشترط التّلفّظ بخلاف الشّهادتين، فالشّرط عدم الإنكار والإذعان للوجوب. انتهى

والذي يظهر أنّ المراد القدر المشترك بين الأمرين، فمن امتثل بالإقرار أو بالفعل كفاه أو بهما فأولى، وقد وقع في رواية الفضل بن العلاء بعد ذكر الصّلاة " فإذا صلوا " وبعد ذكر الزّكاة " فإذا أقرّوا بذلك فخذ منهم ".

قوله: (صدقةً) زاد في رواية أبي عاصمٍ عن زكريّا " في أموالهم " كما في البخاري، وفي رواية الفضل بن العلاء " افترض عليهم زكاةً في أموالهم تؤخذ من غنيّهم فتردّ على فقيرهم ".

قوله: (تؤخذ من أغنيائهم) استدل به على أنّ الإمام هو الذي

(1) همحمد بن علي ، سبق ترجمته (1/ 12)

ص: 15

يتولى قبض الزّكاة وصرفها ، إمّا بنفسه وإمّا بنائبه، فمن امتنع منها أخذت منه قهراً.

قوله: (على فقرائهم) استدل به لقول مالكٍ وغيره إنّه يكفي إخراج الزّكاة في صنفٍ واحدٍ.

وفيه بحثٌ كما قال ابن دقيق العيد ، لاحتمال أن يكون ذكر الفقراء لكونهم الغالب في ذلك وللمطابقة بينهم وبين الأغنياء.

وقال الخطّابيّ: وقد يستدلّ به من لا يرى على المديون زكاة ما في يده إذا لَم يفضل من الدّين الذي عليه قدر نصابٍ ، لأنّه ليس بغنيٍّ إذا كان إخراج ماله مستحقّاً لغرمائه.

قال الإسماعيليّ: ظاهر الحديث أنّ الصّدقة تردّ على فقراء مَن أُخذت من أغنيائهم.

وقال ابن المنيّر (1): اختار البخاريّ (2) جوازَ نقل الزّكاة من بلد المال لعموم قوله " فتردّ في فقرائهم " لأنّ الضّمير يعود على المسلمين، فأيّ فقيرٍ منهم ردّت فيه الصّدقة في أيّ جهةٍ كان فقد وافق عموم الحديث. انتهى.

والذي يتبادر إلى الذّهن من هذا الحديث عدم النّقل، وأنّ الضّمير يعود على المخاطبين فيختصّ بذلك فقراؤهم.

لكن رجّح ابن دقيق العيد الأوّل ، وقال: إنّه وإن لَم يكن الأظهر ،

(1) علي بن محمد الاسكندراني ، سبق ترجمته (2/ 378)

(2)

ترجم عليه البخاري " باب أخذ الصدقة من الأغنياء وترد في الفقراء حيث كانوا "

ص: 16

إلَاّ أنّه يقوّيه أنّ أعيان الأشخاص المخاطبين في قواعد الشّرع الكليّة لا تعتبر، فلا تعتبر في الزّكاة كما لا تعتبر في الصّلاة ، فلا يختصّ بهم الحكم وإن اختصّ بهم خطاب المواجهة. انتهى

وقد اختلف العلماء في هذه المسألة:

القول الأول: أجاز النّقلَ الليثُ وأبو حنيفة وأصحابهما، ونقله ابن المنذر عن الشّافعيّ واختاره.

القول الثاني: الأصحّ عند الشّافعيّة والمالكيّة والجمهور ترك النّقل.

فلو خالف ونقل أجزأ عند المالكيّة على الأصحّ، ولَم يجزئ عند الشّافعيّة على الأصحّ إلَاّ إذا فقد المستحقّون لها، ولا يبعد أنّه اختيار البخاريّ ، لأنّ قوله في الترجمة " حيث كانوا " يشعر بأنّه لا ينقلها عن بلدٍ وفيه من هو متّصفٌ بصفة الاستحقاق.

قوله: (فإيّاك وكرائم أموالهم) وفي روايةٍ لهما " وتوقّ كرائم " بغير تقييدٍ بالصّدقة، وأموال النّاس يستوي التّوقّي لها بين الكرائم وغيرها ، وقيّدها البخاري في التّرجمة بالصّدقة. وهو بيّنٌ من سياق الحديث ، لأنّه ورد في شأن الصّدقة.

قوله: (كرائم) منصوبٌ بفعلٍ مضمرٍ لا يجوز إظهاره. قال ابن قتيبة: ولا يجوز حذف الواو.

والكرائم جمع كريمةٍ. أي: نفيسةٍ، يقال ناقة كريمة. أي: غزيرة اللبن، والمراد نفائس الأموال من أيّ صنفٍ كان.

وقيل له نفيس ، لأنّ نفس صاحبه تتعلق به وأصل الكريمة كثيرة

ص: 17

الخير.

وقيل للمال النّفيس كريم ، لكثرة منفعته ففيه ترك أخذ خيار المال.

والنّكتة فيه. أنّ الزّكاة لمواساة الفقراء فلا يناسب ذلك الإجحاف بمال الأغنياء إلَاّ إن رضوا بذلك.

قوله: (واتّق دعوة المظلوم) أي: تجنّب الظّلم لئلا يدعو عليك المظلوم. وفيه تنبيهٌ على المنع من جميع أنواع الظّلم، والنّكتة في ذكره عقب المنع من أخذ الكرائم الإشارة إلى أنّ أخذها ظلمٌ.

وقال بعضهم: عطف " واتّق " على عامل إيّاك المحذوف وجوباً، فالتّقدير اتّق نفسك أن تتعرّض للكرائم. وأشار بالعطف إلى أنّ أخذ الكرائم ظلمٌ، ولكنّه عمّم إشارةً إلى التّحرّز عن الظّلم مطلقاً

قوله: (فإنه ليس بينها وبين الله حجابٌ) أي: ليس لها صارفٌ يصرفها ولا مانعٌ، والمراد أنّها مقبولةٌ وإن كان عاصياً. كما جاء في حديث أبي هريرة عند أحمد مرفوعاً: دعوة المظلوم مستجابةٌ، وإن كان فاجراً ففجوره على نفسه. وإسناده حسنٌ، وليس المراد أنّ لله تعالى حجاباً يحجبه عن النّاس.

وقال الطّيبيّ (1): قوله " اتّق دعوة المظلوم " تذييلٌ لاشتماله على الظّلم الخاصّ من أخذ الكرائم وعلى غيره، وقوله " فإنّه ليس بينها وبين الله حجابٌ " تعليلٌ للاتّقاء وتمثيلٌ للدّعاء، كمن يقصد دار السّلطان متظلماً فلا يحجب.

(1) هو الحسن بن محمد ، سبق ترجمته (1/ 23)

ص: 18

قال ابن العربيّ: إلَاّ أنّه وإن كان مطلقاً فهو مقيّدٌ بالحديث (1) الآخر ، أنّ الدّاعي على ثلاث مراتب: إمّا أن يعجّل له ما طلب، وإمّا أن يدّخر له أفضل منه، وإمّا أن يدفع عنه من السّوء مثله. وهذا كما قيّد مطلق قوله تعالى (أم من يجيب المضطرّ إذا دعاه) بقوله تعالى (فيكشف ما تدعون إليه إن شاء).

وفي الحديث أيضاً الدّعاء إلى التّوحيد قبل القتال، وتوصية الإمام عامله فيما يحتاج إليه من الأحكام وغيرها، وفيه بعث السّعاة لأخذ الزّكاة، وقبول خبر الواحد ووجوب العمل به.

وإيجاب الزّكاة في مال الصّبيّ والمجنون لعموم قوله " من أغنيائهم ". قاله عياضٌ (2). وفيه بحثٌ.

وأنّ الزّكاة لا تدفع إلى الكافر لعود الضّمير في فقرائهم إلى المسلمين سواءٌ قلنا بخصوص البلد أو العموم، وأنّ الفقير لا زكاة عليه.

وأنّ من ملك نصاباً لا يعطى من الزّكاة من حيث إنّه جعل المأخوذ منه غنيّاً وقابله بالفقير، ومن ملك النّصاب فالزّكاة مأخوذةٌ منه ، فهو

(1) يشير إلى ما أخرجه الإمام أحمد (11133) من حديث أبي سعيد رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم، ولا قطيعة رحم، إلَاّ أعطاه الله بها إحدى ثلاث ، إما أنْ تعجَّل له دعوته، وإما أنْ يدّخرها له في الآخرة، وإمَّا أنْ يصرفَ عنه من السوء مثلها. قالوا: إذا نكثر؟ قال: الله أكثر " وإسناده حسن. وصحَّحه الحاكم.

وللترمذي (3573) من حديث عبادة رضي الله عنه نحوه. دون الادخار. قال الحافظ في الفتح (11/ 96): حديثٌ صحيحٌ.

(2)

هو القاضي عياض بن موسى اليحصبي ، سبق ترجمته (1/ 103)

ص: 19

غنيٌّ والغنى مانعٌ من إعطاء الزّكاة إلَاّ من استثني.

قال ابن دقيق العيد: وليس هذا البحث بالشّديد القوّة، وقد تقدّم أنّه قول الحنفيّة.

وقال البغويّ: فيه أنّ المال إذا تلف قبل التّمكّن من الأداء سقطت الزّكاة ، لإضافة الصّدقة إلى المال. وفيه نظرٌ أيضاً.

تكميلٌ: لَم يقع في هذا الحديث ذكر الصّوم والحجّ مع أنّ بعث معاذٍ كما تقدّم كان في آخر الأمر.

وأجاب ابن الصّلاح. بأنّ ذلك تقصيرٌ من بعض الرّواة.

وتعقّب: بأنّه يفضي إلى ارتفاع الوثوق بكثيرٍ من الأحاديث النّبويّة لاحتمال الزّيادة والنّقصان.

وأجاب الكرمانيّ (1): بأنّ اهتمام الشّارع بالصّلاة والزّكاة أكثر، ولهذا كرّرا في القرآن فمن ثمّ لَم يذكر الصّوم والحجّ في هذا الحديث مع أنّهما من أركان الإسلام، والسّرّ في ذلك أنّ الصّلاة والزّكاة إذا وجبا على المكلف لا يسقطان عنه أصلاً بخلاف الصّوم فإنّه قد يسقط بالفدية، والحجّ فإنّ الغير قد يقوم مقامه فيه كما في المعضوب، ويحتمل: أنّه حينئذٍ لَم يكن شرع. انتهى

وقال شيخنا شيخ الإسلام: إذا كان الكلام في بيان الأركان لَم يخل الشّارع منه بشيءٍ كحديث ابن عمر " بني الإسلام على خمسٍ " فإذا كان في الدّعاء إلى الإسلام اكتفي بالأركان الثّلاثة الشّهادة والصّلاة

(1) محمد بن يوسف ، سبق ترجمته (1/ 18)

ص: 20

والزّكاة ، ولو كان بعد وجود فرض الصوم والحجّ كقوله تعالى (فإن تابوا وأقاموا الصّلاة وآتوا الزّكاة) في موضعين من براءةٌ ، مع أنّ نزولها بعد فرض الصّوم والحجّ قطعاً. وحديث ابن عمر أيضاً " أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يشهدوا أن لا إله إلَاّ الله ويقيموا الصّلاة ويؤتوا الزّكاة " وغير ذلك من الأحاديث.

قال: والحكمة في ذلك أنّ الأركان الخمسة: اعتقاديٌّ وهو الشّهادة، وبدنيٌّ وهو الصّلاة، وماليٌّ وهو الزّكاة. اقتصر في الدّعاء إلى الإسلام عليها لتفرّع الرّكنين الأخيرين عليها، فإنّ الصّوم بدنيٌّ محضٌ والحجّ بدنيٌّ ماليٌّ.

وأيضاً فكلمة الإسلام هي الأصل وهي شاقّةٌ على الكفّار والصّلوات شاقّةٌ لتكرّرها ، والزّكاة شاقّةٌ لِمَا في جبلة الإنسان من حبّ المال، فإذا أذعن المرء لهذه الثّلاثة كان ما سواها أسهل عليه بالنّسبة إليها. والله أعلم.

ومن فوائده الاقتصار في الحكم بإسلام الكافر إذا أقرّ بالشّهادتين، فإنّ من لازم الإيمان بالله ورسوله التّصديق بكل ما ثبت عنهما والتزام ذلك، فيحصل ذلك لمن صدّق بالشّهادتين.

وأمّا ما وقع من بعض المبتدعة من إنكار شيء من ذلك فلا يقدح في صحّة الحكم الظّاهر؛ لأنّه إن كان مع تأويل فظاهر، وإن كان عناداً قدح في صحّة الإسلام، فيعامل بما يترتّب عليه من ذلك كإجراء أحكام المرتدّ وغير ذلك.

ص: 21

وفيه قبول خبر الواحد ووجوب العمل به.

وتعقّب: بأنّ مثل خبر معاذ حفّته قرينة أنّه في زمن نزول الوحي فلا يستوي مع سائر أخبار الآحاد.

وفيه أنّ الكافر إذا صدّق بشيءٍ من أركان الإسلام كالصّلاة مثلاً يصير بذلك مسلماً، وبالغ مَن قال: كلّ شيء يكفّر به المسلم إذا جحده يصير الكافر به مسلماً إذا اعتقده.

والأوّل أرجح كما جزم به الجمهور.

وهذا في الاعتقاد ، أمّا الفعل لو صلَّى فلا يحكم بإسلامه وهو أولى بالمنع؛ لأنّ الفعل لا عموم له، فيدخله احتمال العبث والاستهزاء.

وفيه وجوب أخذ الزّكاة ممّن وجبت عليه، وقهر الممتنع على بذلها ولو لَم يكن جاحداً، فإن كان مع امتناعه ذا شوكة قوتل، وإلَّا فإن أمكن تعزيره على الامتناع عزّر بما يليق به.

وقد ورد عن تعزيره بالمال حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جدّه مرفوعاً ولفظه " ومن منعها - يعني الزّكاة - فإنّا آخذوها وشطر ماله. عزمة من عزمات ربّنا " الحديث. أخرجه أبو داود والنّسائيّ وصحَّحه ابن خزيمة والحاكم.

وأمّا ابن حبّان فقال في ترجمة بهز بن حكيم: لولا هذا الحديث لأدخلته في " كتاب الثّقات ".

وأجاب من صحَّحه ولَم يعمل به: بأنّ الحكم الذي دلَّ عليه منسوخ ، وأنّ الأمر كان أوّلاً كذلك ، ثمّ نسخ.

ص: 22

وضعّف النّوويّ هذا الجواب ، من جهة أنّ العقوبة بالمال لا تعرف أوّلاً حتّى يتمّ دعوى النّسخ ، ولأنّ النّسخ لا يثبت إلَاّ بشرطه كمعرفة التّاريخ ولا يعرف ذلك.

واعتمد النّوويّ ما أشار إليه ابن حبّان من تضعيف بهز ، وليس بجيّدٍ؛ لأنّه موثّق عند الجمهور حتّى قال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين: بهز بن حكيم عن أبيه عن جدّه صحيح إذا كان دون بهز ثقة.

وقال التّرمذيّ: تكلَّم فيه شعبة. وهو ثقة عند أهل الحديث، وقد حسّن له التّرمذيّ عدّة أحاديث، واحتجّ به أحمد وإسحاق والبخاريّ خارج الصّحيح ، وعلَّق له في الصّحيح.

وقال أبو عبيدة الآجرّيّ عن أبي داود: وهو عندي حجّة لا عند الشّافعيّ فإنِ اعتمد من قلَّد الشّافعيّ على هذا كفاه.

ويؤيّده إطباق فقهاء الأمصار على ترك العمل به فدلَّ على أنّ له معارضاً راجحاً، وقول مَن قال بمقتضاه يعدّ في ندرة المخالف.

وقد دلَّ خبر الباب أيضاً على أنّ الذي يقبض الزّكاة الإمام أو من أقامه لذلك، وقد أطبق الفقهاء بعد ذلك على أنّ لأرباب الأموال الباطنة مباشرة الإخراج.

وشذّ مَن قال بوجوب الدّفع إلى الإمام. وهو رواية عن مالك، وفي القديم للشّافعيّ نحوه على تفصيل عنهما فيه.

ص: 23