الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الرابع
185 -
عن أنس بن مالكٍ عن زيد بن ثابتٍ رضي الله عنهم ، قال: تسحّرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثمّ قام إلى الصّلاة. قال أنسٌ: قلت لزيدٍ: كم كان بين الأذان والسّحور؟ قال: قدر خمسين آيةً. (1)
قوله: (عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن زيد بن ثابت رضي الله عنه) رواه همّامٍ عن قتادة عن أنسٍ ، أنّ زيد بن ثابت حدّثه، فجعله من مسند زيد بن ثابت، ووافقه هشامٌ عن قتادة كما في البخاري ، ورواه سعيد - وهو ابن أبي عروبة - عن قتادة في البخاري أيضاً عن أنس ، أنّ نبيّ الله وزيد بن ثابتٍ تسحّرا.
وفي رواية السّرخسيّ والمستمليّ " تسحّروا " فجعله من مسند أنس.
وأمّا قوله: " تسحّروا " بصيغة الجمع فشاذّةٌ ، وترجّح عند مسلم رواية همّامٍ. فإنّه أخرجها وأعرض عن رواية سعيد. (2)
ويدلّ على رجحانها أيضاً ، أنّ الإسماعيليّ أخرج رواية سعيد من طريق خالد بن الحارث عن سعيد فقال: عن أنس عن زيد بن ثابت.
(1) أخرجه البخاري (550 ، 551 ، 1820 ،1820) ومسلم (1097) من طرق عن قتادة عن أنس.
(2)
بخلاف البخاري فإنه أخرج رواية همام وسعيد.
والذي يظهر لي في الجمع بين الرّوايتين: أنّ أنساً حضر ذلك. لكنّه لَم يتسحّر معهما، ولأجل هذا سأل زيداً عن مقدار وقت السّحور كما سيأتي بعد.
ثمّ وجدت ذلك صريحاً في رواية النّسائيّ وابن حبّان ولفظهما عن أنس قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أنس إنّي أريد الصّيام، أطعمني شيئاً. فجئته بتمرٍ وإناءٍ فيه ماء، وذلك بعدما أذّن بلال. قال: يا أنس انظر رجلاً يأكل معي، فدعوت زيد بن ثابت، فجاء فتسحّر معه، ثمّ قام فصلى ركعتين، ثمّ خرج إلى الصّلاة.
فعلى هذا فالمراد بقوله " كم كان بين الأذان والسّحور " أي: أذان ابن أمّ مكتومٍ، لأنّ بلالاً كان يؤذّن قبل الفجر. والآخر يؤذّن إذا طلع.
قوله: (زيد بن ثابت) أي ابن الضحاك بن زيد بن لوذان، من بني مالك بن النجار، كاتب الوحي ، وأحد فقهاء الصحابة، مات سنة خمس وأربعين.
قوله: (قلت لزيد: كم كان بين الأذان والسحور؟) وقع عند الإسماعيليّ من رواية عفّان عن همّامٍ " قلنا لزيدٍ " ومن رواية خالد بن الحارث عن سعيد قال خالد: أنسٌ القائل كم كان بينهما.
ورواه أحمد أيضاً عن يزيد بن هارون عن همّامٍ. وفيه " أنّ أنساً قال: قلت لزيدٍ " ووقع عند البخاري من رواية رَوحٍ عن سعيد: قلت لأنسٍ، فهو مقول قتادة.
قال الإسماعيليّ: والرّوايتان صحيحتان بأن يكون أنس سأل زيداً، وقتادة سأل أنساً. والله أعلم.
واستدلَّ البخاري به على أنّ أوّل وقت الصّبح طلوع الفجر ، لأنّه الوقت الذي يحرم فيه الطّعام والشّراب، والمدّة التي بين الفراغ من السّحور والدّخول في الصّلاة - وهي قراءة الخمسين آيةً أو نحوها - قدر ثلث خمس ساعةٍ، ولعلها مقدار ما يتوضّأ. فأشعر ذلك بأنّ أوّل وقت الصّبح أوّل ما يطلع الفجر.
قوله: (قال: قدر خمسين آيةً) أي: متوسّطةً لا طويلةً ولا قصيرةً لا سريعةً ولا بطيئةً، وقدر بالرّفع على أنّه خبر المبتدأ، ويجوز النّصب على أنّه خبر كان المقدّرة في جواب زيدٍ لا في سؤال أنسٍ. لئلا تصير كان واسمها من قائلٍ والخبر من آخر.
قال المُهلَّب وغيره: فيه تقدير الأوقات بأعمال البدن، وكانت العرب تقدّر الأوقات بالأعمال كقوله: قدر حلب شاةٍ، وقدر نحر جزورٍ. فعدل زيد بن ثابتٍ عن ذلك إلى التّقدير بالقراءة إشارةً إلى أنّ ذلك الوقت كان وقت العبادة بالتّلاوة، ولو كانوا يقدّرون بغير العمل لقال مثلاً قدر درجةٍ أو ثلث خمس ساعةٍ.
وقال ابن أبي جمرة: فيه إشارةٌ إلى أنّ أوقاتهم كانت مستغرقةً بالعبادة.
وفيه تأخير السّحور لكونه أبلغ في المقصود.
قال ابن أبي جمرة: كان صلى الله عليه وسلم ينظر ما هو الأرفق بأمّته فيفعله لأنّه لو
لَم يتسحّر لاتّبعوه فيشقّ على بعضهم، ولو تسحّر في جوف الليل لشقّ أيضاً على بعضهم ممّن يغلب عليه النّوم فقد يفضي إلى ترك الصّبح ، أو يحتاج إلى المجاهدة بالسّهر.
وقال: فيه أيضاً تقويةٌ على الصّيام لعموم الاحتياج إلى الطّعام ولو ترك لشقّ على بعضهم ، ولا سيّما من كان صفراويّاً فقد يغشى عليه فيفضي إلى الإفطار في رمضان.
قال: وفي الحديث تأنيس الفاضل أصحابه بالمؤاكلة، وجواز المشي بالليل للحاجة، لأنّ زيد بن ثابتٍ ما كان يبيت مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم. وفيه الاجتماع على السّحور.
وفيه حسن الأدب في العبارة لقوله " تسحّرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم " ولَم يقل نحن ورسول الله صلى الله عليه وسلم لِمَا يشعر لفظ المعيّة بالتّبعيّة.
وقال القرطبيّ: فيه دلالةٌ على أنّ الفراغ من السّحور كان قبل طلوع الفجر (1)، فهو معارضٌ لقول حذيفة: هو النّهار إلَاّ أنّ الشّمس لَم تطلع. انتهى.
والجواب: أن لا معارضة بل تحمل على اختلاف الحال، فليس في رواية واحدٍ منهما ما يشعر بالمواظبة، فتكون قصّة حذيفة سابقةً. (2)
(1) تقدَّم الكلام على هذه المسألة. انظر حديث عائشة برقم (70). وفيه الكلام على حديث حذيفة رضي الله عنه.
(2)
قال الشارح (4/ 136). في شرحه لحديث سهل وعديٍ رضي الله عنهما في قصة العقالَين ونزول قوله تعالى (من الفجر).
قال: قال النووي تبعاً لعياض: وإنما حمَلَ الخيطَ الأبيضَ والأسودَ على ظاهرهما بعضُ =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= مَن لا فقه عنده من الأعراب كالرجال الذين حكى عنهم سهل ، وبعض من لم يكن في لغته استعمال الخيط في الصبح كعدي.
وادعى الطحاوي والداودي: أنه من باب النسخ ، وأن الحكم كان أولا على ظاهره المفهوم من الخيطين. واستدلَّ على ذلك بما نُقل عن حذيفة وغيره من جواز الأكل إلى الإسفار.
قال: ثم نسخ بعد ذلك بقوله تعالى (من الفجر).
قلت: ويؤيد ما قاله ما رواه عبد الرزاق بإسناد رجاله ثقات ، أن بلالا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتسحر. فقال: الصلاة يا رسول الله. قد والله أصبحت ، فقال: يرحم الله بلالاً لولا بلال لرجونا أن يُرخّصَ لنا حتى تطلع الشمس. انتهى