المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الرابع 215 - عن صفيّة بنت حييٍّ رضي الله عنها - فتح السلام شرح عمدة الأحكام من فتح الباري - جـ ٤

[عبد السلام العامر]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الزكاة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب صدقة الفطر

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌كتاب الصيام

- ‌(باب

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌باب الصوم في السّفر وغيره

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌باب أفضل الصيام وغيره

- ‌الحديث العشرون

- ‌الحديث الواحد والعشرون

- ‌الحديث الثاني والعشرون

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌الحديث الرابع والعشرون

- ‌الحديث الخامس والعشرون

- ‌الحديث السادس والعشرون

- ‌الحديث السابع والعشرون

- ‌باب ليلة القدر

- ‌الحديث الثامن والعشرون

- ‌الحديث التاسع والعشرون

- ‌الحديث الثلاثون

- ‌باب الاعتكاف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌كتاب الحجّ

- ‌باب المواقيت

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب ما يلبس المُحرم من الثياب

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب الفدية

- ‌الحديث السابع

- ‌باب حرمة مكة

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌باب ما يجوز قتله

- ‌الحديث العاشر

- ‌باب دخول مكة وغيره

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌باب التّمتّع

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌الحديث العشرون

- ‌الحديث الواحد والعشرون

- ‌الحديث الثاني والعشرون

- ‌باب الهدي

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌الحديث الرابع والعشرون

- ‌الحديث الخامس والعشرون

- ‌الحديث السادس والعشرون

- ‌الحديث السابع والعشرون

- ‌باب الغسل للمحرم

- ‌الحديث الثامن والعشرون

- ‌باب فسخ الحجّ إلى العمرة

- ‌الحديث التاسع والعشرون

- ‌الحديث الثلاثون

- ‌الحديث الواحد والثلاثون

- ‌الحديث الثاني والثلاثون

- ‌الحديث الثالث والثلاثون

- ‌الحديث الرابع والثلاثون

- ‌الحديث الخامس والثلاثون

- ‌الحديث السادس والثلاثون

- ‌الحديث السابع والثلاثون

- ‌الحديث الثامن والثلاثون

- ‌الحديث التاسع والثلاثون

- ‌باب المُحرم يأكل من صيد الحلال

- ‌الحديث الأربعون

- ‌الحديث الواحد والأربعون

الفصل: ‌ ‌الحديث الرابع 215 - عن صفيّة بنت حييٍّ رضي الله عنها

‌الحديث الرابع

215 -

عن صفيّة بنت حييٍّ رضي الله عنها قالت: كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم معتكفاً ، فأتيته أزوره ليلاً. فحدّثته ، ثمّ قمتُ لأَنْقلب ، فقام معي ليقلبني - وكان مسكنها في دار أسامة بن زيدٍ - فمرّ رجلان من الأنصار ، فلمّا رأيا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أسرعا ، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: على رِسْلكما. إنّها صفيّة بنت حييٍّ ، فقالا: سبحان الله يا رسولَ الله ، فقال: إنّ الشّيطان يجري من ابن آدم مجرى الدّم. وإنّي خشيت أن يقذف في قلوبكما شرّاً ، أو قال شيئاً.

وفي روايةٍ: أنّها جاءت تزوره في اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان. فتحدّثت عنده ساعةً ، ثمّ قامتْ تنقلب. فقام النّبيّ صلى الله عليه وسلم معها يقلبها ، حتّى إذا بلغت باب المسجد عند باب أمّ سلمة. ثمّ ذكره بمعناه. (1)

قوله: (صفيّة بنت حيي) قيل: إنَّ صفية كان اسمها قبل أنْ تُسبى زينب فلمَّا صارت من الصَّفِيِّ (2) سميت صفية.

(1) أخرجه البخاري (1930 ، 1933، 1934، 2934، 3107، 5865، 6750) ومسلم (2175) من طرق عن الزهري عن علي بن الحسين ، أنَّ صفية بنت حيي زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته.

(2)

قال الشارح (7/ 480): روى أبو داود وأحمد وصحَّحه ابن حبان والحاكم عن عائشة قالت: كانت صفية من الصفي ". والصَّفِيّ بفتح المهملة وكسر الفاء وتشديد التحتانية، فسره محمد بن سيرين فيما أخرجه أبو داود بإسناد صحيح عنه قال: كان يُضرب للنبي صلى الله عليه وسلم بسهم مع المسلمين، والصَّفي يؤخذ له رأس من الخمس قبل كل شيء " ومن طريق الشعبي قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم سهمٌ يُدعى الصفي إنْ شاء عبداً ، وإن شاء أمةً ، وإن شاء فرساً يختاره من الخمس. انتهى بتجوز.

ص: 340

وحُييّ - بمهملةٍ وتحتانيّةٍ مصغّراً - ابن أخطب بن سعية - بفتح المهملة وسكون العين المهملة بعدها تحتانية ساكنة - بن عامر بن عبيد بن كعب من ذرية هارون بن عمران أخي موسى عليهما السلام.

كان أبوها رئيس خيبر ، وكانت تكنّى أمّ يحيى.

وأمُّها برة بنت شموال من بني قريظة ، وكانت تحت سلام بن مشكم القرظي ثم فارقها فتزوجها كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق النضيري فقتل عنها يوم خيبر. ذكر ذلك ابن سعد ، وأسند بعضه من وجهٍ مرسلٍ.

وفي تصريح عليّ بن الحسين بأنّها حدّثته ردٌّ على من زعم أنّها ماتت سنة ستٍّ وثلاثين أو قبل ذلك، لأنّ عليّاً إنّما ولد بعد ذلك سنة أربعين أو نحوها.

والصّحيح أنّها ماتت سنة خمسين ، وقيل: بعدها، وكان عليّ بن الحسين حين سمع منها صغيراً.

قوله: (فأتيته أزوره ليلاً) وللبخاري من رواية هشام بن يوسف عن معمر عن الزّهريّ: كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم في المسجد وعنده أزواجه فرُحْنَ، وقال لصفيّة: لا تعجلي حتّى أنصرف معك.

والذي يظهر أنّ اختصاص صفيّة بذلك. لكون مجيئها تأخّر عن رفقتها فأمرها بتأخير التّوجّه ليحصل لها التّساوي في مدّة جلوسهنّ

ص: 341

عنده.

أو أنّ بيوت رفقتها كانت أقرب من منزلها فخشي النّبيّ صلى الله عليه وسلم عليها.

أو كان مشغولاً فأمرها بالتّأخّر ليفرغ من شغله ويشيّعها.

وروى عبد الرّزّاق من طريق مروان بن سعيد بن المعلى ، أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان معتكفاً في المسجد فاجتمع إليه نساؤه ثمّ تفرّقن، فقال لصفيّة: أقلبك إلى بيتك، فذهب معها حتّى أدخلها بيتها. وفي رواية هشام المذكورة " وكان بيتها في دار أسامة "

قوله: (فحدثته ، ثم قمت) في رواية لهما " فتحدّثت عنده ساعةً " زاد ابن أبي عتيقٍ عن الزّهريّ كما عند البخاري " ساعةً من العشاء ".

قوله: (ثم قمت لأنقلب) أي: تردّ إلى بيتها.

قوله: (فقام معي ليقلبني) بفتح أوّله وسكون القاف. أي: يردّها إلى منزلها.

قوله: (وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد) أي: الدّار التي صارت بعد ذلك لأسامة بن زيدٍ ، لأنّ أسامة إذ ذاك لَم يكن له دارٌ مستقلةٌ بحيث تسكن فيها صفيّة، وكانت بيوت أزواج النّبيّ صلى الله عليه وسلم حوالي أبواب المسجد.

قوله: (مرّ رجلان من الأنصار) زادا في رواية لهما " فسلّما على رسول الله صلى الله عليه وسلم "، وفي رواية معمر " فنظرا إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم ثمّ أجازا ". أي: مضيا. يقال: جاز وأجاز بمعنًى ، ويقال: جاز الموضع. إذا سار فيه ، وأجازه. إذا قطعه وخلفه.

ص: 342

وفي رواية ابن أبي عتيق " ثمّ نفذا " وهو بالفاء والمعجمة. أي: خلفاه، وفي رواية عبد الرّحمن بن إسحاق عن الزّهريّ عند ابن حبّان " فلمّا رأياه استحييا فرجعا " فأفاد سبب رجوعهما وكأنّهما لو استمرّا ذاهبين إلى مقصدهما ما ردّهما ، بل لَمّا رأى أنّهما تركا مقصدهما ورجعا ردّهما.

ولَم أقف على تسمية الرجلين في شيء من كتب الحديث، إلَاّ أنّ ابن العطّار في " شرح العمدة " زعم أنّهما أسيد بن حضير وعبّاد بن بشر ، ولَم يذكر لذلك مستنداً، ووقع في رواية سفيان عن الزهري عند البخاري " فأبصره رجلٌ من الأنصار " بالإفراد.

وقال ابن التّين: إنّه وهمٌ ، ثمّ قال: يحتمل تعدّد القصّة.

قلت: والأصل عدمه ، بل هو محمولٌ على أنّ أحدهما كان تبعاً للآخر ، أو خصّ أحدهما بخطاب المشافهة دون الآخر.

ويحتمل: أن يكون الزّهريّ كان يشكّ فيه. فيقول تارة رجل ، وتارة رجلان، فقد رواه سعيد بن منصور عن هشيمٍ عن الزّهريّ " لقيه رجلٌ أو رجلان " بالشّكّ، وليس لقوله رجلٌ مفهومٌ.

نعم. رواه مسلمٌ من وجه آخر من حديث أنس بالإفراد. (1)

ووجهه ما قدّمته من أنّ أحدهما كان تبعاً للآخر. فحيث أفرد ذكر

(1) وتمامه في صحيح مسلم (2174) عن أنس ، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان مع إحدى نسائه. فمرَّ به رجلٌ فدعاه فجاء ، فقال: يا فلان هذه زوجتي فلانة. فقال: يا رسول الله مَن كنت أظن به فلم أكن أظن بك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم.

ص: 343

الأصل وحيث ثنّى ذكر الصّورة.

قوله: (على رسلكما) بكسر الرّاء ويجوز فتحها. أي: على هينتكما في المشي فليس هنا شيءٌ تكرهانه، وفيه شيءٌ محذوفٌ تقديره امشيا على هينتكما، وفي رواية معمر " فقال لهما النّبيّ صلى الله عليه وسلم: تعاليا " وهو بفتح اللام.

قال الدّاوديّ: أي: قفا، وأنكره ابن التّين. وقد أخرجه عن معناه بغير دليل، وفي رواية سفيان " فلمّا أبصره دعاه ، فقال: تعال.

قوله: (إنّها صفيّة بنت حييّ) في رواية سفيان " هذه صفيّة ".

قوله: (فقالا: سبحان الله يا رسولَ الله) زاد البخاري عن أبي اليمان عن شعيب " وكبُر عليهما " أي: عظم وشق ، وروى النّسائيّ من طريق بشر بن شعيب عن أبيه ذلك، ومثله في رواية ابن مسافر عند البخاري، وكذا للإسماعيليّ من وجه آخر عن أبي اليمان - شيخ البخاريّ - وفيه، وفي رواية ابن أبي عتيق عند البخاري أيضاً " وكبُر عليهما ما قال ".

وله من طريق عبد الأعلى عن معمر " فكبُر ذلك عليهما " وفي رواية هشيمٍ " فقال: يا رسولَ الله هل نظنّ بك إلَاّ خيراً؟ ".

قوله: (يجري من الإنسان مجرى الدّم) كذا في رواية معمر. وكذا لابن ماجه من طريق عثمان بن عمر التّيميّ عن الزّهريّ. وفي رواية ابن مسافرٍ وابن أبي عتيق " إنّ الشّيطان يبلغ من ابن آدم مبلغ الدم ".

زاد عبد الأعلى فقال: إنّي خفت أن تظنّا ظنّاً، إنّ الشّيطان يجري،

ص: 344

إلخ ".

وفي رواية عبد الرّحمن بن إسحاق " ما أقول لكما هذا أن تكونا تظنّان شرّاً، ولكن قد علمت أنّ الشّيطان يجري من ابن آدم مجرى الدّم. وقوله " يبلغ " أو " يجري ".

قيل: هو على ظاهره. وأنّ الله تعالى أقدره على ذلك وجعل له قوةً على التوصل إلى باطن الإنسان.

وقيل: هو على سبيل الاستعارة من كثرة إغوائه، وكأنّه لا يفارق كالدّم فاشتركا في شدّة الاتّصال وعدم المفارقة.

قوله: (ابن آدم) المراد جنس أولاد آدم. فيدخل فيه الرّجال والنّساء كقوله: (يا بني آدم) وقوله (يا بني إسرائيل) بلفظ المذكّر إلَاّ أنّ العرف عمّمه فأدخل فيه النّساء.

قوله: (وإنّي خفت أن يقذف في قلوبكما شراً) بمعجمةٍ وراءٍ. وفي رواية شعيب " شيئاً " وكذا في رواية ابن مسافر، وفي رواية معمر " سوءاً ، أو قال شيئاً " وفي رواية هشيمٍ " إنّي خفت أن يدخل عليكما شيئاً " ، وفي رواية هشام عن معمر " في أنفسكما " وهو مثل قوله في الرّواية الأخرى " في قلوبكما " وإضافة لفظ الجمع إلى المثنّى كثيرٌ مسموعٌ كقوله تعالى (فقد صغت قلوبكما).

والمحصّل من هذه الرّوايات. أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لَم ينسبهما إلى أنّهما يظنّان به سوءاً لِمَا تقرّر عنده من صدق إيمانهما، ولكن خشي عليهما أن يوسوس لهما الشّيطان ذلك ، لأنّهما غير معصومين فقد يفضي بهما ذلك

ص: 345

إلى الهلاك فبادر إلى إعلامهما حسماً للمادّة وتعليماً لمن بعدهما إذا وقع له مثل ذلك. كما قاله الشّافعيّ رحمه الله تعالى.

فقد روى الحاكم ، أنّ الشّافعيّ كان في مجلس ابن عيينة. فسأله عن هذا الحديث فقال الشّافعيّ: إنّما قال لهما ذلك ، لأنّه خاف عليهما الكفر إن ظنّا به التّهمة. فبادر إلى إعلامهما نصيحةً لهما قبل أن يقذف الشّيطان في نفوسهما شيئاً يهلكان به.

قلت: وهو بيّنٌ من الطّرق التي أسلفتها.

وغفل البزّار فطعن في حديث صفيّة هذا واستبعد وقوعه. ولَم يأت بطائلٍ، والله الموفّق

وفي الحديث من الفوائد

جواز اشتغال المعتكف بالأمور المباحة من تشييع زائره والقيام معه والحديث مع غيره، وإباحة خلوة المعتكف بالزّوجة، وزيارة المرأة للمعتكف، وبيان شفقته صلى الله عليه وسلم على أمّته وإرشادهم إلى ما يدفع عنهم الإثم.

وفيه التّحرّز من التّعرّض لسوء الظّنّ والاحتفاظ من كيد الشّيطان والاعتذار.

قال ابن دقيق العيد: وهذا متأكّد في حقّ العلماء ومن يقتدى به فلا يجوز لهم أن يفعلوا فعلاً يوجب سوء الظّنّ بهم وإن كان لهم فيه مخلص ، لأنّ ذلك سببٌ إلى إبطال الانتفاع بعلمهم، ومن ثَمَّ قال بعض العلماء: ينبغي للحاكم أن يبيّن للمحكوم عليه وجه الحكم إذا

ص: 346

كان خافياً نفياً للتّهمة. ومن هنا يظهر خطأ من يتظاهر بمظاهر السّوء ويعتذر بأنّه يجرّب بذلك على نفسه، وقد عظم البلاء بهذا الصّنف. والله أعلم

وفيه إضافة بيوت أزواج النّبيّ صلى الله عليه وسلم إليهنّ، وفيه جواز خروج المرأة ليلاً، وفيه الدفع بالقول فيلحق به الفعل ولس المعتكف بأشد في ذلك من المُصلِّي.

وفيه قول " سبحان الله " عند التّعجّب، قد وقعت في الحديث لتعظيم الأمر وتهويله وللحياء من ذكره كما في حديث أمّ سليمٍ.

وقد وردت عدّة أحاديث صحيحة في قول " سبحان الله " عند التّعجّب كحديث أبي هريرة " لقيني النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأنا جنب " وفيه فقال " سبحان الله، إنّ المؤمن لا ينجس " متّفق عليه. وحديث عائشة " أنّ امرأة سألت النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن غسلها من المحيض " وفيه " قال تطهّري بها، قالت: كيف؟ قال: سبحان الله .. الحديث " متّفق عليه. وعند مسلم من حديث عمران بن حصين في قصّة المرأة التي نذرت أن تنحر ناقة النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: سبحان الله بئسما جزيتها " وكلاهما من قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم.

وفي الصّحيحين أيضاً من قول جماعة من الصّحابة كحديث عبد الله بن سلامٍ لَمّا قيل له: إنّك من أهل الجنّة. قال: سبحان الله ما ينبغي لأحدٍ أن يقول ما لا يعلم.

واستدل به لأبي يوسف ومحمّد في جواز تمادي المعتكف إذا خرج

ص: 347

من مكان اعتكافه لحاجته وأقام زمناً يسيراً زائداً عن الحاجة. ما لَم يستغرق أكثر اليوم.

ولا دلالة فيه ، لأنّه لَم يثبت أنّ منزل صفيّة كان بينه وبين المسجد فاصلٌ زائدٌ، وقد حدّ بعضهم اليسير بنصف يوم ، وليس في الخبر ما يدلّ عليه.

واستدل بحديث صفيّة لمن منع الحكم بالعلم ، أنّه صلى الله عليه وسلم كره أن يقع في قلب الأنصاريّين من وسوسة الشّيطان شيء، فمراعاة نفي التّهمة عنه مع عصمته تقتضي مراعاة نفي التّهمة عمّن هو دونه (1)

قوله: (حتّى إذا بلغت باب المسجد عند باب أمّ سلمة) في رواية ابن أبي عتيق " الذي عند مسكن أمّ سلمة " والمراد بهذا بيان المكان الذي لقيه الرّجلان فيه لإتيان مكان بيت صفيّة.

فائدة: قال الطّبريّ: قيل: كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم ملَّك كلاً من أزواجه البيت الذي هي فيه ، فسكن بعده فيهنّ بذلك التّمليك.

وقيل: إنّما لَم ينازعهنّ في مساكنهنّ ، لأنّ ذلك من جملة مئونتهنّ التي كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم استثناها لهنّ ممّا كان بيده أيّام حياته حيث قال: ما تركت بعد نفقة نسائي. قال: وهذا أرجح.

ويؤيّده أنّ ورثتهنّ لَم يرثن عنهنّ منازلهنّ، ولو كانت البيوت ملكاً لهنّ لانتقلت إلى ورثتهنّ، وفي ترك ورثتهنّ حقوقهم منها دلالة على

(1) سيأتي إن شاء الله الكلام على مسألة حكم القاضي بعلمه ، في " باب القضاء " في شرح حديث هند بنت عتبة رضي الله عنها رقم (374).

ص: 348

ذلك، ولهذا زيدت بيوتهنّ في المسجد النّبويّ بعد موتهنّ لعموم نفعه للمسلمين كما فعل فيما كان يصرف لهنّ من النّفقات. والله أعلم.

وادّعى المُهلَّب: أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان حبس عليهنّ بيوتهنّ، ثمّ استدل به على أنّ من حبس داراً جاز له أن يسكن منها في موضعٍ.

وتعقّبه ابن المنيّر: بمنع أصل الدّعوى ، ثمّ على التّنزّل لا يوافق ذلك مذهبه إلَاّ إن صرّح بالاستثناء، ومن أين له ذلك؟

ص: 349