المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحديث الخامس والعشرون - فتح السلام شرح عمدة الأحكام من فتح الباري - جـ ٤

[عبد السلام العامر]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الزكاة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب صدقة الفطر

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌كتاب الصيام

- ‌(باب

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌باب الصوم في السّفر وغيره

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌باب أفضل الصيام وغيره

- ‌الحديث العشرون

- ‌الحديث الواحد والعشرون

- ‌الحديث الثاني والعشرون

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌الحديث الرابع والعشرون

- ‌الحديث الخامس والعشرون

- ‌الحديث السادس والعشرون

- ‌الحديث السابع والعشرون

- ‌باب ليلة القدر

- ‌الحديث الثامن والعشرون

- ‌الحديث التاسع والعشرون

- ‌الحديث الثلاثون

- ‌باب الاعتكاف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌كتاب الحجّ

- ‌باب المواقيت

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب ما يلبس المُحرم من الثياب

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب الفدية

- ‌الحديث السابع

- ‌باب حرمة مكة

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌باب ما يجوز قتله

- ‌الحديث العاشر

- ‌باب دخول مكة وغيره

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌باب التّمتّع

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌الحديث العشرون

- ‌الحديث الواحد والعشرون

- ‌الحديث الثاني والعشرون

- ‌باب الهدي

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌الحديث الرابع والعشرون

- ‌الحديث الخامس والعشرون

- ‌الحديث السادس والعشرون

- ‌الحديث السابع والعشرون

- ‌باب الغسل للمحرم

- ‌الحديث الثامن والعشرون

- ‌باب فسخ الحجّ إلى العمرة

- ‌الحديث التاسع والعشرون

- ‌الحديث الثلاثون

- ‌الحديث الواحد والثلاثون

- ‌الحديث الثاني والثلاثون

- ‌الحديث الثالث والثلاثون

- ‌الحديث الرابع والثلاثون

- ‌الحديث الخامس والثلاثون

- ‌الحديث السادس والثلاثون

- ‌الحديث السابع والثلاثون

- ‌الحديث الثامن والثلاثون

- ‌الحديث التاسع والثلاثون

- ‌باب المُحرم يأكل من صيد الحلال

- ‌الحديث الأربعون

- ‌الحديث الواحد والأربعون

الفصل: ‌الحديث الخامس والعشرون

‌الحديث الخامس والعشرون

240 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أنّ نبيّ الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يسوق بدنةً ، فقال: اركبها ، قال: إنّها بدنةٌ. قال: اركبها ، فرأيته راكبها ، يساير النّبيّ صلى الله عليه وسلم.

وفي لفظٍ: قال في الثّانية ، أو الثّالثة: اركبها ، ويلك ، أو ويحك. (1)

قوله: (رأى رجلاً) لَم أقف على اسمه بعد طول البحث.

قوله: (يسوق بدنة) كذا في معظم الأحاديث ، ووقع لمسلم من طريق بكير بن الأخنس عن أنس " مرّ ببدنة أو هديّة ".

ولأبي عوانة من هذا الوجه " أو هدي " وهو ممّا يوضّح أنّه ليس المراد بالبدنة مجرّد مدلولها اللّغويّ.

ولمسلم من طريق المغيرة عن أبي الزّناد عن الأعرج عن أبي هريرة " بينا رجلٌ يسوق بدنة مُقلَّدة ". وكذا في طريق همّام عن أبي هريرة.

قوله: (فقال: اركبها) زاد النّسائيّ من طريق سعيد عن قتادة ، والجوزقيّ من طريق حميد عن ثابت كلاهما عن أنس " وقد جهده المشي " ، ولأبي يعلى من طريق الحسن عن أنس " حافياً " لكنّها ضعيفة.

(1) أخرجه البخاري (1604 ، 2604 ، 5808) ومسلم (1322) من طريق مالك ، ومسلم (1322) عن المغيرة كلاهما عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه.

وأخرجه البخاري (1619 ، 1620) من طريق عكرمة ، ومسلم (1322) من طريق همام بن منبّه كلاهما عن أبي هريرة نحوه.

ص: 572

قوله: (يساير النّبيّ صلى الله عليه وسلم) زاد البخاري من رواية عكرمة عن أبي هريرة " والنعل في عنقها " يحتمل: أن يريد الجنس ، ويحتمل: أن يريد الوحدة. أي: النّعل الواحدة. فيكون فيه إشارة إلى من اشترط نعلين ، وهو قول الثّوريّ.

وقال غيره: تجزئ الواحدة.

وقال آخرون: لا تتعيّن النّعل. بل كلّ ما قام مقامها أجزأ حتّى أذن الإداوة.

ثمّ قيل: الحكمة في تقليد النّعل. أنّ فيه إشارة إلى السّفر والجدّ فيه؛ فعلى هذا يتعيّن، والله أعلم.

وقال ابن المنير في الحاشية: الحكمة فيه أنّ العرب تعتدّ النّعل مركوبة لكونها تقي عن صاحبها وتحمل عنه وعر الطّريق ، وقد كنّى بعض الشّعراء عنها بالنّاقة فكأنّ الذي أهدى خرج عن مركوبه لله تعالى حيواناً وغيره كما خرج حين أحرم عن ملبوسه ، ومن ثَمَّ استحبّ تقليد نعلين لا واحدةٍ ، وهذا هو الأصل في نذر المشي حافياً إلى مكّة

قوله: (ويلك في الثّانية ، أو في الثّالثة) وقع في رواية همّام عند مسلم " ويلك اركبها ويلك اركبها " ، ولأحمد من رواية عبد الرّحمن بن إسحاق والثّوريّ كلاهما عن أبي الزّناد ، ومن طريق عجلان عن أبي هريرة. قال: اركبها ويحك. قال: إنّها بدنة. قال: اركبها ويحك.

زاد أبو يعلى من رواية الحسن " فركبها " وقد قلنا إنّها ضعيفة ،

ص: 573

لكن تقدَّم في البخاري عن أبي هريرة: فلقد رأيته راكبها يساير النّبيّ صلى الله عليه وسلم. والنّعل في عنقها.

وتبيّن بهذه الطّرق ، أنّه أطلق البدنة على الواحدة من الإبل المهداة إلى البيت الحرام ، ولو كان المراد مدلولها اللّغويّ لَم يحصل الجواب بقوله: إنّها بدنة ، لأنّ كونها من الإبل معلوم ، فالظّاهر أنّ الرّجل ظنّ أنّه خفي كونها هدياً. فلذلك قال: إنّها بدنة ، والحقّ أنّه لَم يخف ذلك على النّبيّ صلى الله عليه وسلم لكونها كانت مقلدة ، ولهذا قال له لَمّا زاد في مراجعته " ويلك ".

واستُدل به على جواز ركوب الهدي. سواء كان واجباً أو متطوّعاً به؛ لكونه صلى الله عليه وسلم لَم يستفصل صاحب الهدي عن ذلك ، فدلَّ على أنّ الحكم لا يختلف بذلك.

وأصرح من هذا ما أخرجه أحمد من حديث عليّ ، أنّه سئل: هل يركب الرّجل هديه؟ فقال: لا بأس. قد كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يمرّ بالرّجال يمشون فيأمرهم يركبون هديه. أي: هدي النّبيّ صلى الله عليه وسلم. إسناده صالحٌ.

وبالجواز مطلقاً ، قال عروة بن الزّبير. ونسبه ابن المنذر لأحمد وإسحاق ، وبه قال أهل الظّاهر ، وهو الذي جزم به النّوويّ في " الرّوضة " تبعاً لأصله في الضّحايا ، ونقله في " شرح المهذّب " عن القفّال والماورديّ ، ونقل فيه عن أبي حامد والبندنيجيّ وغيرهما تقييده بالحاجة.

وقال الرّويانيّ: تجويزه بغير حاجة يخالف النّصّ ، وهو الذي حكاه

ص: 574

التّرمذيّ عن الشّافعيّ وأحمد وإسحاق.

وأطلق ابن عبد البرّ كراهة ركوبها بغير حاجة عن الشّافعيّ ومالك وأبي حنيفة وأكثر الفقهاء.

وقيّده صاحب " الهداية " من الحنفيّة بالاضطرار إلى ذلك ، وهو المنقول عن الشّعبيّ عند ابن أبي شيبة. ولفظه: لا يركب الهدي إلَاّ من لا يجد منه بدّاً.

ولفظ الشّافعيّ الذي نقله ابن المنذر. وترجم له البيهقيّ: يركب إذا اضطرّ ركوباً غير فادح.

وقال ابن العربيّ عن مالك: يركب للضّرورة فإذا استراح نزل.

ومقتضى من قيّده بالضّرورة. أنّ من انتهت ضرورته لا يعود إلى ركوبها إلَاّ من ضرورة أخرى.

والدّليل على اعتبار هذه القيود الثّلاثة - وهي الاضطرار والرّكوب بالمعروف وانتهاء الرّكوب بانتهاء الضّرورة - ما رواه مسلم من حديث جابر مرفوعاً بلفظ: اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها حتّى تجد ظهراً. فإنّ مفهومه أنّه إذا وجد غيرها تركها.

وروى سعيد بن منصور من طريق إبراهيم النّخعيّ قال: يركبها إذا أعيا قدر ما يستريح على ظهرها.

وفي المسألة مذهب خامس (1): وهو المنع مطلقاً ، نقله ابن العربيّ

(1) والأقوال الأربعة هي. الجواز مطلقاً. والثاني تقييد الجواز عند الحاجة. والثالث تقييد الجواز عند الضرورة. والرابع الكراهة.

ص: 575

عن أبي حنيفة ، وشنّع عليه ، ولكنّ الذي نقله الطّحاويّ وغيره الجواز بقدر الحاجة إلَاّ أنّه قال: ومع ذلك يضمن ما نقص منها بركوبه. وضمان النّقص وافق عليه الشّافعيّة في الهدي الواجب كالنّذر.

ومذهب سادس: وهو وجوب ذلك. نقله ابن عبد البرّ عن بعض أهل الظّاهر ، تمسّكاً بظاهر الأمر ، ولمخالفة ما كانوا عليه في الجاهليّة من البحيرة والسّائبة.

وردّه (1) بأن الذين ساقوا الهدي في عهد النّبيّ صلى الله عليه وسلم كانوا كثيراً ، ولَم يأمر أحداً منهم بذلك. انتهى.

وفيه نظرٌ. لِمَا تقدّم من حديث عليّ ، وله شاهد مرسلٌ عند سعيد بن منصور بإسناد صحيح رواه أبو داود في " المراسيل " عن عطاء: كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يأمر بالبدنة إذا احتاج إليها سيّدها أن يحمل عليها ويركبها غير منهكها. قلت: ماذا؟ قال: الرّاجل والمتيّع اليسير فإن نتجت حمل عليها ولدها.

ولا يمتنع القول بوجوبه إذا تعيّن طريقاً إلى إنقاذ مهجة إنسان من الهلاك.

واختلف المجيزون هل يَحمل عليها متاعَه؟.

فمنعه مالك ، وأجازه الجمهور.

وهل يحمل عليها غيره؟. أجازه الجمهور أيضاً على التّفصيل

(1) أي: ابن عبد البر رحمه الله.

ص: 576

المتقدّم.

ونقل عياض الإجماع على أنّه لا يؤجرها.

وقال الطّحاويّ في " اختلاف العلماء ": قال أصحابنا والشّافعيّ: إن احتلب منها شيئاً تصدّق به. فإن أكله تصدّق بثمنه ويركب إذا احتاج فإنّ نقصه ذلك ضمن.

وقال مالك: لا يشرب من لبنه. فإن شرب لَم يغرم. ولا يركب إلَاّ عند الحاجة فإن ركب لَم يغرم.

وقال الثّوريّ: لا يركب إلَاّ إذا اضطرّ.

قوله: (ويلك) قيل إنّ أصل " ويل " وي ، وهي كلمة تأوّه فلمّا كثر قولهم وي لفلانٍ وصلوها باللام وقدّروها أنّها منها فأعربوها.

وعن الأصمعيّ: ويل للتّقبيح على المخاطب فعله.

وقال الرّاغب: ويل قبوح، وقد تستعمل بمعنى التّحسّر. وويح ترحّم. وويس استصغار.

وأمّا ما ورد في جهنّم (1). فلم يرد أنّه معناه في اللّغة، وإنّما أراد مَن قال الله ذلك فيه فقد استحقّ مقرّاً من النّار.

وفي " كتاب من حدّث ونسي "(2) عن معتمر بن سليمان قال: قال لي أبي: أنت حدّثتني عنّي عن الحسن. قال: ويح كلمة رحمة.

وأكثر أهل اللّغة على أنّ ويل كلمة عذاب وويح كلمة رحمة. وعن

(1) انظر الحديث رقم (3) في الطهارة.

(2)

للحافظ الخطيب البغدادي رحمه الله.

ص: 577

اليزيديّ: هما بمعنًى واحد، تقول ويح لزيدٍ وويل لزيدٍ، ولك أن تنصبهما بإضمار فعل كأنّك قلت: ألزمه الله ويلاً أو ويحاً.

قلت: وتصرّف البخاريّ يقتضي أنّه على مذهب اليزيديّ في ذلك، فإنّه ذكر في بعض الأحاديث في الباب (1) ما ورد بلفظ ويل فقط ، وما ورد بلفظ ويح فقط ، وما وقع التّردّد فيهما.

ولعله رمز إلى تضعيف الحديث الوارد عن عائشة ، أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال لها في قصّة: لا تجزعي من الويح فإنّه كلمة رحمة، ولكن اجزعي من الويل. أخرجه الخرائطيّ في " مساوئ الأخلاق " بسندٍ واهٍ. وهو آخر حديث فيه.

وقال الدّاوديّ: ويل وويح وويس كلمات تقولها العرب عند الذّمّ، قال: وويح مأخوذ من الحزن وويس من الأسى وهو الحزن.

وتعقّبه ابن التّين: بأنّ أهل اللّغة إنّما قالوا: ويل كلمة تقال عند الحزن، وأمّا قول ابن عرفة: الويل الحزن. فكأنّه أخذه من أنّ الدّعاء بالويل إنّما يكون عند الحزن.

والأحاديث التي ساقها البخاري رحمه الله (2). فيها ما اختلف

(1) ذكره البخاري في كتاب الأدب من الصحيح " باب ما جاء في قول الرجل: ويلك "

فذكر حديث الباب وكذا حديث أنس مثله. وأيضاً حديث أنس: ويحك يا أنجشة. وحديث أبي بكرة: ويلك قطعت عنق أخيك. وأيضاً قوله صلى الله عليه وسلم لذي الخويصرة: ويلك من يعدل. " وقوله صلى الله عليه وسلم للمجامع في نهار رمضان: ويحك. وقوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي: ويحك إن شأن الهجرة شديد. وقوله صلى الله عليه وسلم: ويلكم أو ويحكم ، لا ترجعوا بعدي كفاراً " وقوله صلى الله عليه وسلم لمن سأل عن الساعة: ويلك وما أعددت لها؟.

(2)

انظر التعليق السابق.

ص: 578

الرّواة في لفظه. هل هي ويل أو ويح؟ وفيها ما تردّد الرّاوي ، فقال: ويل أو ويح، وفيها ما جزم فيه بأحدهما.

ومجموعها يدلّ على أنّ كلاً منهما كلمة توجّع يعرف. هل المراد الذّمّ أو غيره من السّياق؟ فإنّ في بعضها الجزم بويلٍ ، وليس حمله على العذاب بظاهرٍ.

والحاصل: أنّ الأصل في كلّ منهما ما ذكر، وقد تستعمل إحداهما موضع الأخرى. وقوله " وَيْس " مأخوذ من الأسى ، متعقّبٌ لاختلاف تصريف الكلمتين.

قال القرطبيّ: قالها له تأديباً لأجل مراجعته له مع عدم خفاء الحال عليه ، وبهذا جزم ابن عبد البرّ وابن العربيّ. وبالغ حتّى قال: الويل لمن راجع في ذلك بعد هذا قال: ولولا أنّه صلى الله عليه وسلم اشترط على ربّه ما اشترط لهلك ذلك الرّجل لا محالة.

قال القرطبيّ: ويحتمل أن يكون فهم عنه أنّه يترك ركوبها على عادة الجاهليّة في السّائبة وغيرها فزجره عن ذلك فعلى الحالتين هي إنشاءٌ. ورجّحه عياض وغيره ، قالوا: والأمر هنا وإن قلنا إنّه للإرشاد ، لكنّه استحقّ الذّمّ بتوقّفه على امتثال الأمر.

والذي يظهر أنّه ما ترك الامتثال عناداً ، ويحتمل: أن يكون ظنّ أنّه يلزمه غرمٌ بركوبها أو إثمٌ، وأنّ الإذن الصّادر له بركوبها إنّما هو للشّفقة عليه فتوقّف فلمّا أغلظ إليه بادر إلى الامتثال.

وقيل: لأنّه كان أشرف على هلكةٍ من الجهد. وويل كلمة تقال لمن

ص: 579

وقع في هلكة ، فالمعنى أشرفت على الهلكة فاركب فعلى هذا ، هي إخبار.

وقيل: هي كلمة تدعم بها العرب كلامها ، ولا تقصد معناها كقوله: لا أمّ لك ، ويقوّيه ما تقدّم في بعض الرّوايات بلفظ " ويحك " بدل ويلك

قال الهرويّ: ويل يقال لمن وقع في هلكة يستحقّها ، وويح لمن وقع في هلكة لا يستحقّها.

وفي الحديث تكرير الفتوى والنّدب إلى المبادرة إلى امتثال الأمر ، وزجْر من لَم يبادر إلى ذلك وتوبيخه.

وجواز مسايرة الكبار في السّفر ، وأنّ الكبير إذا رأى مصلحةً للصّغير لا يأنف عن إرشاده إليها.

وقد تمسّك به من أجاز الوقف على النّفس من جهة أنّه إذا جاز له الانتفاع بما أهداه بعد خروجه عن ملكه بغير شرط فجوازه بالشّرط أولى.

وقد اعترضه ابن المنير: بأنّ الحديث لا يدلّ إلَاّ عند من يقول إنّ المتكلم داخل في عموم خطابه، وهي من مسائل الخلاف في الأصول.

قال: والرّاجح عند المالكيّة تحكيم العرف حتّى يخرج غير المخاطب من العموم بالقرينة.

وقال ابن بطّال: لا يجوز للواقف أن ينتفع بوقفه ، لأنّه أخرجه لله وقطعه عن ملكه فانتفاعه بشيءٍ منه رجوع في صدقته.

ص: 580

ثمّ قال: وإنّما يجوز له ذلك إن شرطه في الوقف أو افتقر هو أو ورثته. انتهى.

والذي عند الجمهور: جواز ذلك إذا وقفه على الجهة العامّة دون الخاصّة ، أمّا الخاصّة. فالوقف على النّفس لا يصحّ عند الشّافعيّة ومن وافقهم.

ومن فروع المسألة: لو وقف على الفقراء مثلاً ثمّ صار فقيراً أو أحد من ذرّيّته ، هل يتناول ذلك؟.

والمختار أنّه يجوز بشرط أن لا يختصّ به لئلا يدّعي أنّه ملكه بعد ذلك.

ص: 581