المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب صدقة الفطر ‌ ‌الحديث السابع 180 - عن عبد الله بن عمر - فتح السلام شرح عمدة الأحكام من فتح الباري - جـ ٤

[عبد السلام العامر]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الزكاة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب صدقة الفطر

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌كتاب الصيام

- ‌(باب

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌باب الصوم في السّفر وغيره

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌باب أفضل الصيام وغيره

- ‌الحديث العشرون

- ‌الحديث الواحد والعشرون

- ‌الحديث الثاني والعشرون

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌الحديث الرابع والعشرون

- ‌الحديث الخامس والعشرون

- ‌الحديث السادس والعشرون

- ‌الحديث السابع والعشرون

- ‌باب ليلة القدر

- ‌الحديث الثامن والعشرون

- ‌الحديث التاسع والعشرون

- ‌الحديث الثلاثون

- ‌باب الاعتكاف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌كتاب الحجّ

- ‌باب المواقيت

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب ما يلبس المُحرم من الثياب

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب الفدية

- ‌الحديث السابع

- ‌باب حرمة مكة

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌باب ما يجوز قتله

- ‌الحديث العاشر

- ‌باب دخول مكة وغيره

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌باب التّمتّع

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌الحديث العشرون

- ‌الحديث الواحد والعشرون

- ‌الحديث الثاني والعشرون

- ‌باب الهدي

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌الحديث الرابع والعشرون

- ‌الحديث الخامس والعشرون

- ‌الحديث السادس والعشرون

- ‌الحديث السابع والعشرون

- ‌باب الغسل للمحرم

- ‌الحديث الثامن والعشرون

- ‌باب فسخ الحجّ إلى العمرة

- ‌الحديث التاسع والعشرون

- ‌الحديث الثلاثون

- ‌الحديث الواحد والثلاثون

- ‌الحديث الثاني والثلاثون

- ‌الحديث الثالث والثلاثون

- ‌الحديث الرابع والثلاثون

- ‌الحديث الخامس والثلاثون

- ‌الحديث السادس والثلاثون

- ‌الحديث السابع والثلاثون

- ‌الحديث الثامن والثلاثون

- ‌الحديث التاسع والثلاثون

- ‌باب المُحرم يأكل من صيد الحلال

- ‌الحديث الأربعون

- ‌الحديث الواحد والأربعون

الفصل: ‌ ‌باب صدقة الفطر ‌ ‌الحديث السابع 180 - عن عبد الله بن عمر

‌باب صدقة الفطر

‌الحديث السابع

180 -

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه ، قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر أو قال: رمضان ، على الذّكر والأنثى والحرّ والمملوك ، صاعاً من تمرٍ ، أو صاعاً من شعيرٍ. قال: فعدل النّاس به نصف صاعٍ من برٍّ ، على الصّغير والكبير. (1)

وفي لفظٍ: أن تؤدّى قبل خروج النّاس إلى الصّلاة. (2)

قوله: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم) نقل ابن المنذر وغيره الإجماع على فرضيّتها، لكنّ الحنفيّة يقولون بالوجوب دون الفرض على قاعدتهم في التّفرقة.

وفي نقل الإجماع مع ذلك نظرٌ ، لأنّ إبراهيم بن عليّة وأبا بكر بن كيسان الأصمّ قالا إنّ وجوبها نسخ.

واستدل لهما بما روى النّسائيّ وغيره عن قيس بن سعد بن عبادة قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزّكاة، فلمّا نزلت الزّكاة لَم يأمرنا ولَم ينهنا ، ونحن نفعله.

وتعقّب: بأنّ في إسناده راوياً مجهولاً، وعلى تقدير الصّحّة فلا

(1) أخرجه البخاري (1433 ، 1436 ، 1438 ، 1440 ، 1441) ومسلم (984) من طرق عدّة عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه

(2)

أخرجه البخاري (1432) من طريق عمر بن نافع عن أبيه عن ابن عمر به.

ص: 74

دليل فيه على النّسخ لاحتمال الاكتفاء بالأمر الأوّل، لأنّ نزول فرضٍ لا يوجب سقوط فرضٍ آخر.

ونقل المالكيّة. عن أشهب: أنّها سنّةٌ مؤكّدةٌ، وهو قول بعض أهل الظّاهر وابن اللبّان من الشّافعيّة، وأوّلوا قوله " فرض " في الحديث بمعنى قدّر.

قال ابن دقيق العيد: هو أصله في اللّغة، لكن نقل في عرف الشّرع إلى الوجوب فالحمل عليه أولى انتهى. ويؤيّده تسميتها زكاةً، وقوله في الحديث " على كل حرٍّ وعبدٍ " والتّصريح بالأمر بها في حديث قيس بن سعدٍ وغيره، ولدخولها في عموم قوله تعالى (وآتوا الزّكاة) فبيّن صلى الله عليه وسلم تفاصيل ذلك ومن جملتها زكاة الفطر، وقال الله تعالى (قد أفلح من تزكّى) وثبت أنّها نزلت في زكاة الفطر، وثبت في الصّحيحين إثبات حقيقة الفلاح لمن اقتصر على الواجبات.

قيل: وفيه نظرٌ ، لأنّ في الآية (وذكر اسم ربّه فصلى) فيلزم وجوب صلاة العيد.

ويجاب: بأنّه خرج بدليل عموم " هنّ خمسٌ لا يبدّل القول لديّ ".

قوله: (صدقة الفطر) أضيفت الصّدقة للفطر لكونها تجب بالفطر من رمضان.

وقال ابن قتيبة: المراد بصدقة الفطر صدقة النّفوس، مأخوذةٌ من الفطرة التي هي أصل الخلقة.

والأوّل أظهر. ويؤيّده قوله في بعض طرق الحديث كما في صحيح

ص: 75

مسلم من رواية مالك عن نافع " زكاة الفطر من رمضان "

واستدل به.

وهو القول الأول: على أنّ وقت وجوبها غروب الشّمس ليلة الفطر ، لأنّه وقت الفطر من رمضان. وهو قول الثّوريّ وأحمد وإسحاق والشّافعيّ في الجديد ، وإحدى الرّوايتين عن مالكٍ.

القول الثاني: وقت وجوبها طلوع الفجر من يوم العيد ، لأنّ الليل ليس محلاً للصّوم، وإنّما يتبيّن الفطر الحقيقيّ بالأكل بعد طلوع الفجر، وهو قول أبي حنيفة والليث والشّافعيّ في القديم ، والرّواية الثّانية عن مالكٍ.

ويقوّيه قوله في حديث الباب " وأمر بها أن تؤدّى قبل خروج النّاس إلى الصّلاة "

قال المازريّ: قيل: إنّ الخلاف ينبني على أنّ قوله " الفطر من رمضان " الفطر المعتاد في سائر الشّهر فيكون الوجوب بالغروب، أو الفطر الطّارئ بعد فيكون بطلوع الفجر.

وقال ابن دقيق العيد: الاستدلال بذلك لهذا الحكم ضعيفٌ ، لأنّ الإضافة إلى الفطر لا تدلّ على وقت الوجوب بل تقتضي إضافة هذه الزّكاة إلى الفطر من رمضان، وأمّا وقت الوجوب فيطلب من أمرٍ آخر.

قوله: (على الذّكر والأنثى) ظاهره وجوبها على المرأة. سواءٌ كان لها زوجٌ أم لا ، وبه قال الثّوريّ وأبو حنيفة وابن المنذر. وهو القول

ص: 76

الأول.

القول الثاني: قال مالكٌ والشّافعيّ والليث وأحمد وإسحاق: تجب على زوجها إلحاقاً بالنّفقة.

وفيه نظرٌ. لأنّهم قالوا: إن أعسر وكانت الزّوجة أمةً ، وجبت فطرتها على السّيّد بخلاف النّفقة. فافترقا.

واتّفقوا على أنّ المسلم لا يُخرج عن زوجته الكافرة مع أنّ نفقتها تلزمه.

وإنّما احتجّ الشّافعيّ بما رواه من طريق محمّد بن عليٍّ الباقر مرسلاً نحو حديث ابن عمر. وزاد فيه " ممّن تمونون " وأخرجه البيهقيّ من هذا الوجه ، فزاد في إسناده ذكر عليٍّ. وهو منقطعٌ أيضاً. وأخرجه من حديث ابن عمر. وإسناده ضعيفٌ أيضاً.

قوله: (والحرّ والمملوك) ظاهره إخراج العبد عن نفسه. ولَم يقل به إلَاّ داود فقال: يجب على السّيّد أن يمكّن العبد من الاكتساب لها كما يجب عليه أن يمكّنه من الصّلاة.

وخالفه أصحابه والنّاس. واحتجّوا بحديث أبي هريرة مرفوعاً " ليس في العبد صدقةٌ إلَاّ صدقة الفطر " أخرجه مسلمٌ، وفي روايةٍ له " ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة الفطر إلَاّ صدقة في الرّقيق ".

وقد تقدّم عند البخاريّ قريباً بغير الاستثناء (1)، ومقتضاه أنّها على

(1) يعني حديث أبي هريرة المتقّدم برقم (176).

ص: 77

السّيّد.

وهل تجب عليه ابتداءً أو تجب على العبد ثمّ يتحمّلها السّيّد؟ وجهان للشّافعيّة.

وإلى الثّاني نحا البخاريّ. حيث إنّه يرى أنّها تجب على العبد ، وإن كان سيّده يتحمّلها عنه.

ويؤيّده عطف الصّغير عليه ، فإنّها تجب عليه ، وإن كان الذي يخرجها غيره.

وقال الزهريّ في المملوكين للتجارة: يزكّي في التجارة ويزكّى في الفطر " نقله البخاري. وهو قول الجمهور.

وقال النّخعيّ والثّوريّ والحنفيّة: لا يلزم السّيّد زكاة الفطر عن عبيد التّجارة ، لأنّ عليه فيهم الزّكاة، ولا تجب في مالٍ واحدٍ زكاتان.

قوله: (صاعاً من تمرٍ أو صاعاً من شعيرٍ) انتصب " صاعاً " على التّمييز أو أنّه مفعولٌ ثانٍ.

ولَم تختلف الطّرق عن ابن عمر في الاقتصار على هذين الشّيئين إلَاّ ما أخرجه أبو داود والنّسائيّ وغيرهما من طريق عبد العزيز بن أبي داود عن نافعٍ. فزاد فيه السّلت والزّبيب.

فأمّا السُّلت. فهو بضمّ المهملة وسكون اللام بعدها مثنّاةٌ: نوعٌ من الشّعير، وأمّا الزّبيب فسيأتي ذكره في حديث أبي سعيدٍ (1).

(1) أي: الآتي بعد حديث ابن عمر هذا.

ص: 78

وأمّا حديث ابن عمر. فقد حكَمَ مسلمٌ في " كتاب التّمييز " على عبد العزيز فيه بالوهم.

وسنذكر البحث في ذلك في الكلام على حديث أبي سعيدٍ.

قوله: (فعدل النّاس به نصف صاعٍ من برٍّ) وفي رواية لهما " قال عبد الله: فجعل الناس عدله مدّين من حنطة " أي نصف صاعٍ، وعدله بكسر المهملة. أي: نظيره.

وأشار ابن عمر بقوله " النّاس " إلى معاوية ومن تبعه، وقد وقع ذلك صريحاً في حديث أيّوب عن نافعٍ. أخرجه الحميديّ في " مسنده " عن سفيان بن عيينة حدّثنا أيّوب ، ولفظه " صدقة الفطر صاعٌ من شعيرٍ أو صاعٌ من تمرٍ، قال ابن عمر: فلمّا كان معاوية عدل النّاس نصف صاع برٍّ بصاعٍ من شعيرٍ ".

وهكذا أخرجه ابن خزيمة في " صحيحه " من وجهٍ آخر عن سفيان، وهو المعتمد ، وهو موافقٌ لقول أبي سعيدٍ الآتي بعده. وهو أصرح منه.

أمّا ما وقع عند أبي داود من طريق عبد العزيز بن أبي روّادٍ عن نافعٍ قال فيه " فلمّا كان عمر كثرت الحنطة، فجعل عمر نصف صاع حنطةٍ مكان صاعٍ من تلك الأشياء " فقد حكم مسلمٌ في " كتاب التّمييز " على عبد العزيز فيه بالوهم. وأوضح الرّدّ عليه.

وقال ابن عبد البرّ: قول ابن عيينة عندي أولى.

وزعم الطّحاويّ: أنّ الذي عدل عن ذلك عمر ثمّ عثمان وغيرهما

ص: 79

فأخرج عن يسار بن نميرٍ ، أنّ عمر قال له: إنّي أحلف لا أعطي قوماً ثمّ يبدو لي فأفعل، فإذا رأيتني فعلت ذلك فأطعم عنّي عشرة مساكين لكل مسكينٍ نصف صاعٍ من حنطةٍ أو صاعاً من تمرٍ أو صاعاً من شعيرٍ. ومن طريق أبي الأشعث قال: خطبنا عثمان فقال: أدّوا زكاة الفطر مدّين من حنطةٍ.

وسيأتي بقيّة الكلام على ذلك في حديث أبي سعيد

قوله: (على الصّغير والكبير) ظاهره وجوبها على الصّغير، لكنّ المخاطب عنه وليّه فوجوبها على هذا في مال الصّغير وإلَّا فعلى من تلزمه نفقته. وهذا قول الجمهور. وهذا القول الأول.

القول الثاني: قال محمّد بن الحسن: هي على الأب مطلقاً. فإن لَم يكن له أبٌ فلا شيء عليه.

القول الثالث: عن سعيد بن المسيّب والحسن البصريّ: لا تجب إلَاّ على من صام.

واستدل لهما بحديث ابن عبّاسٍ مرفوعاً " صدقة الفطر طهرةٌ للصّائم من اللغو والرّفث " أخرجه أبو داود.

وأجيب: بأنّ ذكر التّطهير خرج على الغالب ، كما أنّها تجب على من لَم يذنب كمتحقّق الصّلاح ، أو من أسلم قبل غروب الشّمس بلحظةٍ.

ونقل ابن المنذر الإجماع على أنّها لا تجب على الجنين ، قال: وكان أحمد يستحبّه ، ولا يوجبه.

ونقل بعض الحنابلة روايةً عنه بالإيجاب، وبه قال ابن حزمٍ ، لكن

ص: 80

قيّده بمائةٍ وعشرين يوماً من يوم حمل أمّه به.

وتعقّب: بأنّ الحمل غير محقّقٍ ، وبأنّه لا يُسمّى صغيراً لغةً ولا عرفاً.

واستُدلَّ بقوله في حديث ابن عبّاسٍ " طهرةٌ للصّائم " على أنّها تجب على الفقير كما تجب على الغنيّ، وقد ورد ذلك صريحاً في حديث أبي هريرة عند أحمد ، وفي حديث ثعلبة بن أبي صعيرٍ عند الدّارقطنيّ.

وعن الحنفيّة: لا تجب إلَاّ على من ملك نصاباً، ومقتضاه أنّها لا تجب على الفقير على قاعدتهم في الفرق بين الغنيّ والفقير.

واستدل لهم بحديث أبي هريرة المتفق عليه " لا صدقة إلَاّ عن ظهر غنًى ".

واشترط الشّافعيّ ومن تبعه. أن يكون ذلك فاضلاً عن قوت يومه ، ومن تلزمه نفقته.

وقال ابن بزيزة: لَم يدل دليلٌ على اعتبار النّصاب فيها ، لأنّها زكاةٌ بدنيّةٌ لا ماليّةٌ.

قوله: (وأمر أن تؤدّى قبل خروج النّاس إلى الصّلاة) قال ابن التّين: أي قبل خروج النّاس إلى صلاة العيد، وبعد صلاة الفجر. وقال ابن عيينة في " تفسيره ": عن عمرو بن دينارٍ عن عكرمة ، قال: يقدّم الرّجل زكاته يوم الفطر بين يدي صلاته، فإنّ الله يقول (قد أفلح من تزكّى وذكر اسم ربّه فصلى).

ولابن خزيمة من طريق كثير بن عبد الله عن أبيه عن جدّه ، أنّ

ص: 81

رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن هذه الآية ، فقال: نزلت في زكاة الفطر.

ودلَّ حديث ابن عمر على أنّ المراد بقوله " يوم الفطر "(1) أي: أوّله، وهو ما بين صلاة الصّبح إلى صلاة العيد. واستدل به على كراهة تأخيرها عن ذلك، وحمله ابن حزمٍ على التّحريم.

وحمل الشّافعيّ التّقييد بقبل صلاة العيد على الاستحباب. لصدق اليوم على جميع النّهار، وقد رواه أبو معشرٍ عن نافعٍ عن ابن عمر بلفظ " كان يأمرنا أن نخرجها قبل أن نُصلِّي، فإذا انصرف قسمه بينهم ، وقال: أغنوهم عن الطّلب. أخرجه سعيد بن منصورٍ، ولكن أبو معشرٍ ضعيفٌ.

ووهم ابن العربيّ في عزو هذه الزّيادة لمسلمٍ.

وللبخاري: وكان ابن عمر يعطيها للذين يقبلونها ، وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين. أي: الذي ينصّبه الإمام لقبضها، به جزم ابن بطّالٍ.

وقال ابن التّيميّ: معناه مَن قال أنا فقيرٌ.

والأوّل أظهر. ويؤيّده ما وقع في نسخة الصّغانيّ عقب الحديث " قال أبو عبد الله هو البخاري: كانوا يعطون للجمع لا للفقراء ".

وقد وقع في رواية ابن خزيمة من طريق عبد الوارث عن أيّوب قلت: متى كان ابن عمر يعطي؟ قال: إذا قعد العامل. قلت: متى

(1) هذه الرواية (يوم الفطر) ليست في حديث ابن عمر ، وإنما هي من حديث أبي سعيد في الصحيحن. كما ذكرها البخاري في الباب. وهذا قصد الشارح رحمه الله.

ص: 82

يقعد العامل؟ قال: قبل الفطر بيومٍ أو يومين.

ولمالكٍ في " الموطّأ " عن نافعٍ ، أنّ ابن عمر كان يبعث زكاة الفطر إلى الذي يجمع عنده قبل الفطر بيومين أو ثلاثةٍ ". وأخرجه الشّافعيّ عنه ، وقال: هذا حسنٌ، وأنا أستحبّه - يعني تعجيلها قبل يوم الفطر - انتهى.

ويدلّ على ذلك أيضاً ما أخرجه البخاريّ عن أبي هريرة قال: وكّلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان. الحديث (1). وفيه أنّه أمسك الشّيطان ثلاث ليالٍ وهو يأخذ من التّمر، فدلَّ على أنّهم كانوا يعجّلونها.

وعكسه الجوزقيّ. فاستدل به على جواز تأخيرها عن يوم الفطر ، وهو محتملٌ للأمرين.

تكميل: زاد الشيخان في آخره " من المسلمين " واستدل بهذه الزّيادة على اشتراط الإسلام في وجوب زكاة الفطر ، ومقتضاه أنّها لا تجب على الكافر عن نفسه. وهو أمرٌ متّفقٌ عليه.

وهل يخرجها عن غيره كمستولدته المسلمة مثلاً؟.

(1) ذكره البخاري في صحيحه معلَّقاً (2311) وقال عثمان بن الهيثم أبو عمرو، حدثنا عوف عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: وكَّلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان .. الحديث " فذكره

قال الحافظ في " الفتح "(4/ 488): وصله النسائي والإسماعيلي وأبو نعيم من طرق إلى عثمان المذكور ، وله طريق أخرى عند النسائي. أخرجها من رواية أبي المتوكل الناجي عن أبي هريرة ، ووقع مثل ذلك لمعاذ بن جبل. أخرجه الطبراني وأبو بكر الروياني. انتهى باختصار

ص: 83

نقل ابن المنذر فيه الإجماع على عدم الوجوب، لكن فيه وجهٌ للشّافعيّة وروايةٌ عن أحمد.

وهل يخرجها المسلم عن عبده الكافر؟.

قال الجمهور: لا، خلافاً لعطاءٍ والنّخعيّ والثّوريّ والحنفيّة وإسحاق.

واستدلّوا بعموم قوله " ليس على المسلم في عبده صدقةٌ إلَاّ صدقة الفطر " وقد تقدّم.

وأجاب الآخرون: بأنّ الخاصّ يقضي على العامّ، فعموم قوله " في عبده " مخصوصٌ بقوله " من المسلمين "

وقال الطّحاويّ: قوله " من المسلمين " صفةٌ للمخرجين لا للمخرج عنهم. انتهى

وظاهر الحديث يأباه ، لأنّ فيه العبد ، وكذا الصّغير في رواية عمر بن نافعٍ وهما ممّن يخرج عنه، فدلَّ على أنّ صفة الإسلام لا تختصّ بالمخرجين، ويؤيّده رواية الضّحّاك عند مسلمٍ بلفظ " على كل نفسٍ من المسلمين حرٍّ أو عبدٍ " الحديث

وقال القرطبيّ: ظاهر الحديث أنّه قصد بيان مقدار الصّدقة ومن تجب عليه ، ولَم يقصد فيه بيان من يخرجها عن نفسه ممّن يخرجها عن غيره ، بل شمل الجميع.

ويؤيّده حديث أبي سعيدٍ الآتي. فإنّه دالٌّ على أنّهم كانوا يخرجون عن أنفسهم وعن غيرهم ، لقوله فيه " عن كل صغيرٍ وكبيرٍ " لكن لا

ص: 84

بدّ من أن يكون بين المخرج وبين الغير ملابسةٌ كما بين الصّغير ووليّه والعبد وسيّده والمرأة وزوجها.

وقال الطّيبيّ: قوله " من المسلمين " حالٌ من العبد وما عطف عليه، وتنزيلها على المعاني المذكورة أنّها جاءت مزدوجةً على التّضادّ للاستيعاب لا للتّخصيص، فيكون المعنى فرض على جميع النّاس من المسلمين، وأمّا كونها فيم وجبت وعلى من وجبت؟ فيُعلم من نصوصٍ أخرى. انتهى.

ونقل ابن المنذر: أنّ بعضهم احتجّ بما أخرجه من حديث ابن إسحاق حدّثني نافعٌ ، أنّ ابن عمر كان يُخرج عن أهل بيته حرّهم وعبدهم صغيرهم وكبيرهم مسلمهم وكافرهم من الرّقيق.

قال: وابن عمر راوي الحديث، وقد كان يخرج عن عبده الكافر، وهو أعرف بمراد الحديث.

وتعقّب: بأنّه لو صحّ حُمل على أنّه كان يخرج عنهم تطوّعاً ، ولا مانع منه.

واستدل بعموم قوله " من المسلمين " على تناولها لأهل البادية. خلافاً للزّهريّ وربيعة والليث في قولهم: إنّ زكاة الفطر تختصّ بالحاضرة.

ص: 85