الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الأول
182 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقدّموا رمضان بصوم يومٍ ، أو يومين إلَاّ رجلاً كان يصوم صوماً فليصمه (1).
قوله: (ولا تقدموا رمضان بصوم) وللبخاري " لا يتقدّمن أحدكم رمضان بصوم " وفي رواية خالد بن الحارث عن هشام عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة عند الإسماعيلي " لا تقدّموا بين يدي رمضان بصوم ".
ولأحمد عن روحٍ عن هشام " لا تقدموا قبل رمضان بصوم " ، وللتّرمذيّ من طريق عليّ بن المبارك عن يحيى " لا تقدّموا شهر رمضان بصيامٍ قبله ".
تكميل: قال البخاري: باب هل يقال رمضان أو شهر رمضان ، ومن رأى كله واسعاً ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: من صام رمضان، وقال: لا تقدَّموا رمضان.
وقوله: ومن رأى كله واسعاً. أي: جائزاً بالإضافة وبغير الإضافة، وللكشميهني " ومن رآه " بزيادة الضمير.
وأشار البخاري بهذه الترجمة إلى حديثٍ ضعيفٍ رواه أبو معشر نجيح المدني عن سعيد المقبري عن أبي هريرة مرفوعاً " لا تقولوا
(1) أخرجه البخاري (1815) ومسلم (1082) من طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة.
رمضان، فإن رمضان اسمٌ من أسماء الله، ولكن قولوا شهر رمضان " أخرجه ابن عدي في الكامل. وضعَّفه بأبي معشر.
قال البيهقي: قد روي عن أبي معشر عن محمد بن كعب وهو أشبه، وروي عن مجاهد والحسن من طريقين ضعيفين، وقد احتج البخاري لجواز ذلك بعدة أحاديث. انتهى.
وقد ترجم النسائي لذلك أيضا فقال " باب الرخصة في أن يقال لشهر رمضان رمضان " ثم أورد حديث أبي بكرة مرفوعاً " لا يقولنَّ أحدكم صُمت رمضان ولا قمتُه كله " وحديث ابن عباس " عمرة في رمضان تعدل حجة "(1).
وقد يتمسك للتقييد بالشهر بورود القرآن به حيث قال (شهر رمضان) مع احتمال أن يكون حذف لفظ شهر من الأحاديث من تصرُّف الرواة ، وكأن هذا هو السر في عدم جزم البخاري بالحكم.
ونُقل عن أصحاب مالك الكراهية، وعن ابن الباقلاني منهم وكثير من الشافعية إن كان هناك قرينة تصرفه إلى الشهر فلا يُكره، والجمهور على الجواز.
واختلف في تسمية هذا الشهر رمضان.
فقيل: لأنه ترمض فيه الذنوب، أي تحرق ، لأنَّ الرمضاء شدة الحر، وقيل: وافق ابتداء الصوم فيه زمناً حارَّاً، والله أعلم
فائدة: ذكر أبو الخير الطالقاني في كتابه " حظائر القدس " لرمضان
(1) حديث أبي بكرة وابن عباس رضي الله عنهما. أخرجهما الشيخان.
ستين اسماً.
وذكر بعض الصوفية: أنَّ آدم عليه السلام لَمَّا أكل من الشجرة ثم تاب تأخر قبول توبته مما بقي في جسده من تلك الأكلة ثلاثين يوماً، فلمَّا صفا جسده منها تيب عليه ففرض على ذريته صيام ثلاثين يوماً.
وهذا يحتاج إلى ثبوت السند فيه إلى من يقبل قوله في ذلك، وهيهات وجدان ذلك
قوله: (إلَاّ رجلاً كان يصوم) وللبخاري " إلَاّ أن يكون رجلٌ " كان تامّة، أي: إلَاّ أن يوجد رجل.
قوله: (يصوم صوماً) في رواية الكشميهنيّ " صومه فليصم ذلك اليوم " وفي رواية معمرٍ عن يحيى عند أحمد " إلَاّ رجل كان يصوم صياماً فيأتي على صيامه " ، ونحوه لأبي عوانة من طريق أيّوب عن يحيى، وفي رواية أحمد عن روحٍ " إلَاّ رجلٌ كان يصوم صياماً فليصله به " ، وللتّرمذيّ وأحمد من طريق محمّد بن عمرو عن أبي سلمة " إلَاّ أن يوافق ذلك صوماً كان يصومه أحدكم "
قال العلماء: معنى الحديث. لا تستقبلوا رمضان بصيامٍ على نيّة الاحتياط لرمضان.
قال التّرمذيّ لَمّا أخرجه: العمل على هذا عند أهل العلم، كرهوا أن يتعجّل الرّجل بصيامٍ قبل دخول رمضان لمعنى رمضان. اهـ
والحكمة فيه: التّقوّي بالفطر لرمضان ليدخل فيه بقوّة ونشاط.
وهذا فيه نظر ، لأنّ مقتضى الحديث أنّه لو تقدّمه بصيام ثلاثة أيّامٍ
أو أربعة جاز، وسنذكر ما فيه قريباً.
وقيل: الحكمة فيه خشية اختلاط النّفل بالفرض، وفيه نظرٌ أيضاً لأنّه يجوز لمن له عادةٌ كما في الحديث.
وقيل: لأنّ الحكم علق بالرّؤية فمن تقدّمه بيومٍ أو يومين فقد حاول الطّعن في ذلك الحكم وهذا هو المعتمد، ومعنى الاستثناء. أنّ من كان له ورد فقد أذن له فيه ، لأنّه اعتاده وألفه وترك المألوف شديد. وليس ذلك من استقبال رمضان في شيء، ويلتحق بذلك القضاء والنّذر لوجوبهما.
قال بعض العلماء: يستثنى القضاء والنّذر بالأدلة القطعيّة على وجوب الوفاء بهما فلا يبطل القطعيّ بالظّنّ.
وفي الحديث ردٌّ على من يرى تقديم الصّوم على الرّؤية كالرّافضة، وردٌّ على مَن قال بجواز صوم النّفل المطلق.
وأبعد مَن قال: المراد بالنّهي التّقدّم بنيّة رمضان، واستدل بلفظ التّقدّم ، لأنّ التّقدّم على الشّيء بالشّيء إنّما يتحقّق إذا كان من جنسه، فعلى هذا يجوز الصّيام بنية النّفل المطلق، لكنّ السّياق يأبى هذا التّأويل ويدفعه.
وفيه بيانٌ لمعنى قوله في الحديث الماضي " صوموا لرؤيته " فإنّ اللام فيه للتّأقيت لا للتّعليل.
قال ابن دقيق العيد: ومع كونها محمولةً على التّأقيت فلا بدّ من ارتكاب مجاز لأنّ وقت الرّؤية - وهو الليل - لا يكون محلّ الصّوم.
وتعقّبه الفاكهيّ: بأنّ المراد بقوله " صوموا " انووا الصّيام، والليل كلّه ظرف للنّيّة.
قلت: فوقع في المجاز الذي فرّ منه، لأنّ النّاوي ليس صائماً حقيقةً بدليلٍ أنّه يجوز له الأكل والشّرب بعد النّيّة إلى أن يطلع الفجر.
وفيه منع إنشاء الصّوم قبل رمضان إذا كان لأجل الاحتياط، فإن زاد على ذلك فمفهومه الجواز.
وقيل: يمتدّ المنع لِمَا قبل ذلك. وبه قطع كثيرٍ من الشّافعيّة، وأجابوا عن الحديث: بأنّ المراد منه التّقديم بالصّوم فحيث وجد منع، وإنّما اقتصر على يومٍ أو يومين لأنّه الغالب ممّن يقصد ذلك.
وقالوا: أمد المنع من أوّل السّادس عشر من شعبان لحديث العلاء بن عبد الرّحمن عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعاً " إذا انتصف شعبان فلا تصوموا " أخرجه أصحاب السّنن وصحَّحه ابن حبّان وغيره.
وقال الرّويانيّ من الشّافعيّة: يحرم التّقدّم بيومٍ أو يومين لحديث الباب. ويكره التّقدّم من نصف شعبان للحديث الآخر.
وقال جمهور العلماء: يجوز الصّوم تطوّعاً بعد النّصف من شعبان ، وضعّفوا الحديث الوارد فيه. وقال أحمد وابن معينٍ: إنّه منكر.
وقد استدلَّ البيهقيّ بحديث الباب على ضعفه فقال: الرّخصة في ذلك بما هو أصحّ من حديث العلاء، وكذا صنع قبله الطّحاويّ. واستظهر بحديث ثابتٍ عن أنس مرفوعاً " أفضل الصّيام بعد رمضان شعبان " لكنّ إسناده ضعيف.
واستظهر أيضاً بحديث عمران بن حصينٍ ، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل: هل صمتَ من سرر شعبان شيئاً؟ قال: لا. قال: فإذا أفطرت من رمضان فصم يومين. (1)
ثمّ جمع بين الحديثين: بأنّ حديث العلاء محمول على من يضعفه الصّوم، وحديث الباب مخصوص بمن يحتاط بزعمه لرمضان، وهو جمعٌ حسنٌ، والله أعلم
(1) أخرجه البخاري (1882) ومسلم (1161) عن عمران بن حصين رضي الله عنه.
انظر تفسير السرر ص 259.