المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب أفضل الصيام وغيره ‌ ‌الحديث العشرون 201 - عن عبد الله بن - فتح السلام شرح عمدة الأحكام من فتح الباري - جـ ٤

[عبد السلام العامر]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الزكاة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب صدقة الفطر

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌كتاب الصيام

- ‌(باب

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌باب الصوم في السّفر وغيره

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌باب أفضل الصيام وغيره

- ‌الحديث العشرون

- ‌الحديث الواحد والعشرون

- ‌الحديث الثاني والعشرون

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌الحديث الرابع والعشرون

- ‌الحديث الخامس والعشرون

- ‌الحديث السادس والعشرون

- ‌الحديث السابع والعشرون

- ‌باب ليلة القدر

- ‌الحديث الثامن والعشرون

- ‌الحديث التاسع والعشرون

- ‌الحديث الثلاثون

- ‌باب الاعتكاف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌كتاب الحجّ

- ‌باب المواقيت

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب ما يلبس المُحرم من الثياب

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب الفدية

- ‌الحديث السابع

- ‌باب حرمة مكة

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌باب ما يجوز قتله

- ‌الحديث العاشر

- ‌باب دخول مكة وغيره

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌باب التّمتّع

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌الحديث العشرون

- ‌الحديث الواحد والعشرون

- ‌الحديث الثاني والعشرون

- ‌باب الهدي

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌الحديث الرابع والعشرون

- ‌الحديث الخامس والعشرون

- ‌الحديث السادس والعشرون

- ‌الحديث السابع والعشرون

- ‌باب الغسل للمحرم

- ‌الحديث الثامن والعشرون

- ‌باب فسخ الحجّ إلى العمرة

- ‌الحديث التاسع والعشرون

- ‌الحديث الثلاثون

- ‌الحديث الواحد والثلاثون

- ‌الحديث الثاني والثلاثون

- ‌الحديث الثالث والثلاثون

- ‌الحديث الرابع والثلاثون

- ‌الحديث الخامس والثلاثون

- ‌الحديث السادس والثلاثون

- ‌الحديث السابع والثلاثون

- ‌الحديث الثامن والثلاثون

- ‌الحديث التاسع والثلاثون

- ‌باب المُحرم يأكل من صيد الحلال

- ‌الحديث الأربعون

- ‌الحديث الواحد والأربعون

الفصل: ‌ ‌باب أفضل الصيام وغيره ‌ ‌الحديث العشرون 201 - عن عبد الله بن

‌باب أفضل الصيام وغيره

‌الحديث العشرون

201 -

عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه ، قال: أُخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّي أقول: والله لأصومنّ النّهار ، ولأقومنّ الليل ما عشت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت الذي قلتَ ذلك؟ فقلتُ له: قد قلتُه ، بأبي أنت وأمّي. فقال: فإنّك لا تستطيع ذلك. فصم وأفطر ، وقم ونَم. وصم من الشّهر ثلاثة أيّامٍ فإنّ الحسنة بعشر أمثالها. وذلك مثل صيام الدّهر. قلتُ: فإنّي أطيق أفضل من ذلك. قال: فصم يوماً وأفطر يومين. قلتُ: أُطيق أفضل من ذلك. قال: فصم يوماً وأفطر يوماً. فذلك مثل صيام داود. وهو أفضل الصّيام. فقلتُ: إنّي أُطيق أفضل من ذلك. قال: لا أفضل من ذلك. (1)

وفي روايةٍ: لا صوم فوق صوم أخي داود - شطر الدّهر - صم يوماً وأفطر يوماً. (2)

قوله: (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه) ابن وائل السهمي.

(1) أخرجه البخاري (1875 ، 3236) ومسلم (1159) من طريق الزهري عن أبي سلمة وابن المسيب عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه. بهذا اللفظ.

وأخرجه البخاري (1102 ، 1874 ، 1876 ، 1877 ، 1878 ، 4765 ، 4767 ، 4903 ، 5783) ومسلم (1159) من طرق أخرى عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه مطوّلاً ومختصراً. وسيذكر الشارح رحمه الله جلّ هذه الطرق. وما فيها من فوائد.

(2)

أخرج هذه الرواية البخاري (1879 ، 5921) ومسلم (1159) من طريق أبي قلابة عن أبي المليح عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه.

ص: 234

صحابي ابن صحابي. (1)

قوله: (فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنت الذي قلتَ ذلك ، فقلتُ له: قد قلتُه) في رواية لهما " أَلَم أُخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟ ".

زاد مسلم من رواية عكرمة بن عمّار عن يحيى عن أبي سلمة عن ابن عمرو: فقلت: بلى يا نبيّ الله، ولَم أرد بذلك إلَاّ الخير.

وللنّسائيّ من طريق محمّد بن إبراهيم عن أبي سلمة قال: قال لي عبد الله بن عمرو: يا ابن أخي إنّي قد كنت أجمعت على أن أجتهد اجتهاداً شديداً، حتّى قلت: لأصومن الدّهر. ولأقرأنَّ القرآن في كلّ

(1) كنيته أبو محمد عند الأكثر ، ويقال أبو عبد الرحمن. حكاه عباس عن ابن معين ، وحكى أبو نعيم قولاً أنَّ كنيته أبو نصير. قال أبو زرعة الدمشقي في " تاريخه ": حدثنا عبد الله بن صالح حدثنا الليث حدثني يزيد بن أبي حبيب عن عبد الله بن الحارث بن جزء ، أنهم حضروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة فقال له: ما اسمك؟ قال: العاص ، وقال لابن عمرو بن العاص: ما اسمك؟ قال: العاص ، وقال لابن عمر: ما اسمك؟ قال: العاص. فقال: أنتم عبيد الله فخرجنا وقد غيرت أسماؤنا.

قال الطبري: قيل كان طوالاً أحمر عظيم الساقين أبيض الرأس واللحية. وعمي في آخر عمره ، وقال ابن سعد: أسلم قبل أبيه ، ويقال لم يكن بين مولدهما إلَاّ 12 سنة. أخرجه البخاري عن الشعبي ، وجزم ابن يونس: بأنَّ بينهما 20 سنة ، وقال الواقدي: أسلم عبد الله قبل أبيه.

وروى أحمد والبغوي من طريق واهب المعافري عن عبد الله بن عمرو قال: رأيت فيما يرى النائم كأنَّ في إحدى يدي عسلاً وفي الأخرى سمناً. وأنا ألعقهما فذكرتُ ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: تقرأ الكتابين التوراة والقرآن ، وكان يقرؤهما. وفي سنده ابن لهيعة.

قال الواقدي: مات بالشام سنة 65. وهو يومئذ ابن 72 ، وقال ابن البرقي: وقيل مات بمكة ، وقيل: بالطائف ، وقيل: بمصر ، ودفن في داره. قاله يحيى بن بكير ، وحكى البخاري قولاً آخر إنه مات سنة 69. وبالأول جزم ابن يونس ، وقال ابن أبي عاصم: مات بمكة وهو ابن 72. وقيل: مات سنة 68 وقيل 69. قاله في الإصابة.

ص: 235

ليلة.

وللبخاري من طريق مجاهد عن عبد الله بن عمرو قال: أنكحني أبي امرأةً ذات حسبٍ وكان يتعاهدها، فسألها عن بعلها فقالت: نِعْم الرّجل من رجلٍ، لَم يطأ لنا فراشاً ، ولَم يفتّش لنا كنفاً منذ أتيناه. فذكر ذلك للنّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال لي: الْقَني، فلقيته بعد. فذكر الحديث.

زاد النّسائيّ وابن خزيمة وسعيد بن منصور من طريق أخرى عن مجاهد " فوقع عليّ أَبِي فقال: زوّجتك امرأة فعضلتها وفعلتَ وفعلتَ وفعلتَ، قال: فلم ألتفت إلى ذلك لِمَا كانت لي من القوّة، فذكر ذلك للنّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: القَني به، فأتيته معه " ولأحمد من هذا الوجه " ثمّ انطلق إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فشكاني ".

وللبخاري من طريق أبي المليح عن عبد الله بن عمرو قال: ذكر للنّبيّ صلى الله عليه وسلم صومي، فدخل عليّ، فألقيتُ له وسادة من أدم حشوها ليف فجلس على الأرض وصارت الوسادة بيني وبينه "

وللبخاري ومسلم من طريق أبي العبّاس عن عبد الله بن عمرو: بلغ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّي أسرد الصّوم وأصلي الليل، فإمّا أرسل لي وإمّا لقيته.

ويجمع بينهما: بأن يكون عمرو توجّه بابنه إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فكلَّمه من غير أن يستوعب ما يريد من ذلك، ثمّ أتاه إلى بيته زيادةً في التّأكيد.

وفيه أنّ الحكم لا ينبغي إلَّا بعد التّثبّت، لأنّه صلى الله عليه وسلم لَم يكتف بما نقل له عن عبد الله حتّى لقيه واستثبته فيه، لاحتمال أن يكون قال ذلك

ص: 236

بغير عزم. أو عقله بشرطٍ لَم يطّلع عليه لناقلٍ ونحو ذلك.

قوله: (قال: فإنك لا تستطيع ذلك) في رواية لهما " فلا تفعل. صم وأفطر، وقم ونَم، فإنّ لجسدك عليك حقّاً، وإنّ لعينك عليك حقّاً، وإنّ لزوجك عليك حقّاً، وإنّ لزورك عليك حقّاً ". ولهما أيضاً " فإنّك إذا فعلت ذلك هجمت عينك، ونفهت نفسك " أي: كلَّت.

وزاد في رواية ابن خزيمة من طريق حصينٍ عن مجاهد " إنّ لكل عامل شرّةً - وهو بكسر المعجمة وتشديد الرّاء - ولكل شرّةٍ فترةً فمن كانت فترته إلى سنّتي فقد اهتدى ، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك.

وقوله: لا تستطيع.

يحتمل: أن يريد به الحالة الرّاهنة لِمَا علمه النّبيّ صلى الله عليه وسلم من أنّه يتكلف ذلك ، ويدخل به على نفسه المشقّة ويفوّت به ما هو أهمّ من ذلك.

ويحتمل: أن يريد به ما سيأتي بعدُ إذا كبر وعجز كما اتّفق له سواء، وكره أن يوظّف على نفسه شيئاً من العبادة ، ثمّ يعجز عنه فيتركه لِمَا تقرّر من ذمّ من فعل ذلك. ففي صحيح مسلم قال: فشدَّدتُ، فشدّد علي. قال: وقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: إنك لا تدري لعلك يطول بك عمر ، قال: فصرت إلى الذي قال لي النبي صلى الله عليه وسلم، فلما كبرت وددت أني كنت قبلتُ رخصةَ نبي الله صلى الله عليه وسلم.

وللبخاري: وكان عبد الله بن عمرو يقول بعد ما كبر: يا ليتني قبِلْت رخصةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ص: 237

قال النّوويّ: معناه أنّه كبر وعجَز عن المحافظة على ما التزمه ووظّفه على نفسه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فشقّ عليه فعله لعجزه، ولَم يعجبه أن يتركه لالتزامه له، فتمنّى أن لو قبل الرّخصة فأخذ بالأخفّ.

قلت: ومع عجزه وتمنّيه الأخذ بالرّخصة لَم يترك العمل بما التزمه، بل صار يتعاطى فيه نوع تخفيف. كما في رواية حصينٍ عن مجاهد عن ابن عمرو عند ابن خزيمة " وكان عبد الله حين ضعف وكبر يصوم تلك الأيّام كذلك ، يصِل بعضها إلى بعض ، ثمّ يفطر بعدد تلك الأيّام فيقوى بذلك، وكان يقول: لأنْ أكون قبلت الرّخصة أحبّ إليّ ممّا عدل به، لكنّي فارقته على أمر أكره أن أخالفه إلى غيره ".

تنبيه: قوله: حقاً. للأكثر بالنصب ، على أنه اسم إنَّ ، وفي رواية كريمة بالرفع على أنه الخبر. والاسم ضمير الشأن.

قوله: (فصم وأفطر) أي: فإذا عرفت ذلك فصم تارة وأفطر تارة لتجمع بين المصلحتين.

قوله: (وقم ونم) سيأتي الكلام عليه في الحديث الذي بعده إن شاء الله.

قوله: (وصم من الشهر ثلاثة أيام) بعد قوله " فصم وأفطر " بيانٌ لِمَا أجمل من ذلك وتقريرٌ له على ظاهره، إذ الإطلاق يقتضي المساواة.

وللبخاري ومسلم " فإنّ بحسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام " وفي رواية أبي المليح " يكفيك من كلّ شهر ثلاثة أيّام، قلت: يا

ص: 238

رسولَ الله، قال: خمساً، قلت: يا رسولَ الله، قال: سبعاً، قلت: يا رسولَ الله، قال: تسعاً، قلت: يا رسولَ الله، قال: إحدى عشرة.

واستدل به عياضٌ على تقديم الوتر على جميع الأمور.

وفيه نظرٌ. لِمَا في رواية مسلم من طريق أبي عياضٍ عن عبد الله بن عمرو " صم يوماً يعني من كلّ عشرة أيّامٍ ولك أجر ما بقي، قال: إنّي أطيق أكثر من ذلك، قال: صم ولك أجر ما بقي، قال: إنّي أطيق أكثر من ذلك، قال: صم ثلاثة أيّام. ولك أجر ما بقي، قال: إنّي أطيق أكثر من ذلك ، قال: صم أربعة أيّام. ولك أجر ما بقي، قال: إنّي أطيق أكثر من ذلك، قال: صم صوم داود.

وهذا يقتضي أنّه أمره بصيام ثلاثة أيّام من كلّ شهر ثمّ بستّةٍ ثمّ بتسعةٍ ثمّ باثني عشر ثمّ بخمسة عشر، فالظّاهر أنّه أمره بالاقتصار على ثلاثة أيّام من كلّ شهر ، فلمّا قال إنّه يطيق أكثر من ذلك زاده بالتّدريج إلى أن وصله إلى خمسة عشر يوماً ، فذكر بعض الرّواة عنه ما لَم يذكره الآخر.

ويدلُّ على ذلك رواية عطاء بن السّائب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو عن أبي داود " فلم يزل يناقصني وأناقصه ".

ووقع للنّسائيّ في رواية محمّد بن إبراهيم عن أبي سلمة " صم الاثنين والخميس من كلّ جمعة " وهو فردٌ من أفراد ما تقدّم ذكره.

وقد استشكل قوله " صم من كلّ عشرة أيّامٍ يوماً ، ولك أجر ما بقي " مع قوله " صم كل عشرة أيّام يومين ، ولك أجر ما بقي .. إلخ

ص: 239

" لأنّه يقتضي الزّيادة في العمل والنّقص من الأجر، وبذلك ترجم له النّسائيّ.

وأجيب: بأنّ المراد لك أجر ما بقي بالنّسبة إلى التّضعيف.

قال عياض: قال بعضهم معنى " صم يوماً ولك أجر ما بقي " أي: من العشرة، وقوله " صم يومين ولك أجر ما بقي " أي: من العشرين، وفي الثّلاثة ما بقي من الشّهر، وحمله على ذلك استبعاد كثرة العمل وقلة الأجر.

وتعقّبه عياضٌ: بأنّ الأجر إنّما اتّحد في كلّ ذلك ، لأنّه كان نيّته أن يصوم جميع الشّهر ، فلمّا منعه صلى الله عليه وسلم من ذلك إبقاءً عليه لِمَا ذكر في أجر نيّته على حاله. سواءٌ صام منه قليلاً أو كثيراً. كما تأوّله في حديث " نيّة المؤمن خيرٌ من عمله " أي: إنّ أجره في نيّته أكثر من أجر عمله لامتداد نيّته بما لا يقدر على عمله. انتهى.

والحديث المذكور ضعيف، وهو في " مسند الشّهاب ". والتّأويل المذكور لا بأس به.

ويحتمل أيضاً: إجراء الحديث على ظاهره، والسّبب فيه أنّه كلَّما ازداد من الصّوم ازداد من المشقّة الحاصلة بسببه المقتضية لتفويت بعض الأجر الحاصل من العبادات التي قد يفوّتها مشقّة الصّوم فينقص الأجر باعتبار ذلك، على أنّ قوله في نفس الخبر " صم أربعة أيّام ولك أجر ما بقي ".

يردُّ الحمل الأوّل، فإنّه يلزم منه - على سياق التّأويل المذكور - أن

ص: 240

يكون التّقدير: ولك أجر أربعين، وقد قيّده في نفس الحديث بالشّهر والشّهر لا يكون أربعين، وكذلك قوله في روايةٍ أخرى للنّسائيّ من طريق ابن أبي ربيعة عن عبد الله بن عمرو بلفظ " صم من كلّ عشرة أيّام يوماً ، ولك أجر تلك التّسعة " ثمّ قال فيه " من كلّ تسعة أيّام يوماً. ولك أجر تلك الثّمانيّة " ثمّ قال " من كلّ ثمانيّة أيّام يوماً. ولك أجر السّبعة. قال: فلم يزل حتّى قال: صم يوماً وأفطر يوماً.

وله من طريق شعيب بن محمّد بن عبد الله بن عمرو عن جدّه بلفظ " صم يوماً ولك أجر عشرةٍ، قلت: زدني، قال: صم يومين ولك أجر تسعة، قل: زدني قال: صم ثلاثة ولك أجر ثمانيّة "

فهذا يدفع في صدر ذلك التّأويل الأوّل. والله أعلم.

قوله: (مثل صيام الدّهر) يقتضي أنّ المثليّة لا تستلزم التّساوي من كلّ جهة ، لأنّ المراد به هنا أصل التّضعيف دون التّضعيف الحاصل من الفعل، ولكن يصدق على فاعل ذلك أنّه صام الدّهر مجازاً.

قوله: (فصم يوماً وأفطر يومين) وللبخاري من طريق مغيرة عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو " صم ثلاثة أيّام في الجمعة، قلت: أطيق أكثر من ذلك. قال: صم يوماً وأفطر يومين، قلت: أطيق أكثر من ذلك ".

قال الدّاوديّ. هذا وهْم من الرّاوي ، لأنّ ثلاثة أيّام من الجمعة أكثر من فطر يومين وصيام يوم، وهو إنّما يدرجه من الصّيام القليل إلى الصّيام الكثير.

ص: 241

قلت: وهو اعتراض متّجه، فلعله وقع من الرّاوي فيه تقديم وتأخير، وقد سلِمتْ رواية هشيمٍ عن حصين بن عبد الرّحمن، ومغيرة الضّبّيّ عن مجاهدٍ من ذلك. فإنّ لفظه " صم في كلّ شهر ثلاثة أيّام، قلت: إنّي أقوى أكثر من ذلك. فلم يزل يرفعني حتّى قال: صم يوماً وأفطر يوماً ".

قوله: (فصم يوماً وأفطر يوماً فذلك صيام داود صلى الله عليه وسلم ، وهو أفصل الصيام) وللبخاري " قال: فصم صيام نبيّ الله داود عليه السلام، ولا تزد عليه، قلت: وما كان صيام نبيّ الله داود عليه السلام؟ قال: نصف الدّهر ". زاد أحمد وغيره من رواية مجاهد " قلت: قد قبلت.

قوله: (فقال: لا أفضل من ذلك) ليس فيه نفي المساواة صريحاً، لكنّ قوله في الرّواية الآتية من طريق عمرو بن أوسٍ عن عبد الله بن عمرو " أحبّ الصّيام إلى الله صيام داود "(1) يقتضي ثبوت الأفضليّة مطلقاً.

ورواه التّرمذيّ من وجهٍ آخر عن أبي العبّاس عن عبد الله بن عمرو بلفظ " أفضل الصّيام صيام داود "، وكذلك رواه مسلمٌ من طريق أبي عياضٍ عن عبد الله، ومقتضاه أن تكون الزّيادة على ذلك من الصّوم مفضّلةً.

قوله: (أخي داود عليه السلام هو داود بن إيشا - بكسر الهمز وسكون التّحتانيّة بعدها معجمة - ابن عوبد - بوزن جعفر بمهملة

(1) انظر الحديث الذي بعده.

ص: 242

وموحّدة - ابن باعر - بموحّدة ومهملة مفتوحة - ابن سلمون بن يارب - بتحتانيّة وآخره موحّدة - ابن رام بن حضرون - بمهملة ثمّ معجمة - ابن فارص - بفاء وآخره مهملة - ابن يهوذا بن يعقوب.

تكميل: زاد الشيخان في آخره " لا صام من صام الأبد مرتين " ولمسلم قالها ثلاثاً.

واستدل بهذا.

وهو القول الأول. على كراهية صوم الدّهر.

قال ابن التّين: استدل على كراهته من هذه القصّة من أوجهٍ. نهيه صلى الله عليه وسلم عن الزّيادة، وأمره بأن يصوم ويفطر ، وقوله " لا أفضل من ذلك "، ودعاؤه على من صام الأبد.

وقيل: معنى قوله " لا صام " النّفي. أي: ما صام كقوله تعالى (فلا صدّق ولا صلَّى) وقوله في حديث أبي قتادة عند مسلم ، وقد سئل عن صوم الدّهر: لا صام ولا أفطر ، أو ما صام وما أفطر.

وفي رواية التّرمذيّ " لَم يصم ولَم يفطر " وهو شكٌّ من أحد رواته. ومقتضاه أنّهما بمعنًى واحدٍ. والمعنى بالنّفي أنّه لَم يحصّل أجر الصّوم لمخالفته، ولَم يفطر ، لأنّه أمسك.

وإلى كراهة صوم الدّهر مطلقاً ذهب إسحاق وأهل الظّاهر، وهي روايةٌ عن أحمد.

القول الثاني: شذّ ابن حزمٍ ، فقال: يحرم.

وروى ابن أبي شيبة بإسنادٍ صحيحٍ عن أبي عمرو الشّيبانيّ قال:

ص: 243

بلغ عمر أنّ رجلاً يصوم الدّهر، فأتاه فعلاه بالدّرّة ، وجعل يقول: كُلْ يا دهريّ.

ومن طريق أبي إسحاق ، أنّ عبد الرّحمن بن أبي نعيم كان يصوم الدّهر ، فقال عمرو بن ميمون: لو رأى هذا أصحاب محمّدٍ لرجموه.

واحتجّوا أيضاً: بحديث أبي موسى رفعه " من صام الدّهر ضيّقت عليه جهنّم، وعقد بيده " أخرجه أحمد والنّسائيّ وابن خزيمة وابن حبّان.

وظاهره أنّها تضيق عليه حصراً له فيها لتشديده على نفسه وحمله عليها ، ورغبته عن سنّة نبيّه صلى الله عليه وسلم ، واعتقاده أنّ غير سنّته أفضل منها، وهذا يقتضي الوعيد الشّديد فيكون حراماً.

وإلى الكراهة مطلقاً. ذهب ابن العربيّ من المالكيّة ، فقال: قوله " لا صام من صام الأبد " إن كان معناه الدّعاء فيا ويح من أصابه دعاء النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وإن كان معناه الخير فيا ويح من أخبر عنه النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه لَم يصم، وإذا لَم يصم شرعاً لَم يكتب له الثّواب لوجوب صدق قوله صلى الله عليه وسلم ، لأنّه نفى عنه الصّوم، وقد نفى عنه الفضل كما تقدّم، فكيف يطلب الفضل فيما نفاه النّبيّ صلى الله عليه وسلم؟.

القول الثالث: جواز صيام الدّهر. وحملوا أخبار النّهي على من صامه حقيقةً فإنّه يدخل فيه ما حرم صومه كالعيدين. وهذا اختيار ابن المنذر وطائفةٍ، وروي عن عائشة نحوه.

وفيه نظرٌ ، لأنّه صلى الله عليه وسلم قد قال جواباً لمن سأله عن صوم الدّهر " لا

ص: 244

صام ولا أفطر " وهو يؤذن بأنّه ما أجر ولا أثم، ومن صام الأيّام المحرّمة لا يقال فيه ذلك ، لأنّه عند من أجاز صوم الدّهر إلَاّ الأيّام المحرّمة يكون قد فعل مستحبّاً وحراماً.

وأيضاً فإنّ أيّام التّحريم مستثناةٌ بالشّرع غير قابلةٍ للصّوم شرعاً ، فهي بمنزلة الليل وأيّام الحيض فلم تدخل في السّؤال عند من علم تحريمها، ولا يصلح الجواب بقوله " لا صام ولا أفطر " لمن لَم يعلم تحريمها.

القول الرابع: استحباب صيام الدّهر لمن قوي عليه. ولَم يفوّت فيه حقّاً، وإلى ذلك ذهب الجمهور.

قال السّبكيّ: أطلق أصحابنا كراهة صوم الدّهر لمن فوّت حقّاً، ولَم يوضّحوا. هل المراد الحقّ الواجب أو المندوب؟ ويتّجه أن يقال: إن علم أنّه يفوّت حقّاً واجباً حرم، وإن علم أنّه يفوّت حقّاً مندوباً أولى من الصّيام كره، وإن كان يقوم مقامه فلا.

وإلى ذلك أشار ابن خزيمة فترجم " ذِكْر العلة التي بها زجر النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن صوم الدّهر " وساق الحديث الذي فيه " إذا فعلتَ ذلك هجمتْ عينك ونفهتْ نفسك ".

ومن حجّتهم حديث حمزة بن عمرو الذي مضى (1) فإنّ في بعض طرقه عند مسلم " أنّه قال: يا رسولَ الله إنّي أسرد الصّوم ".

فحملوا قوله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو " لا أفضل من ذلك " أي: في

(1) انظره برقم (189).

ص: 245

حقّك فيلتحق به من في معناه ممّن يدخل فيه على نفسه مشقّةً أو يفوّت حقّاً، ولذلك لَم ينه حمزة بن عمرو عن السّرد. فلو كان السّرد ممتنعاً لبيّنه له ، لأنّ تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز. قاله النّوويّ.

وتعقّب: بأنّ سؤال حمزة إنّما كان عن الصّوم في السّفر لا عن صوم الدّهر، ولا يلزم من سرد الصّيام صوم الدّهر فقد قال أسامة بن زيد: إنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يسرد الصّوم فيقال: لا يفطر. أخرجه أحمد.

ومن المعلوم أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لَم يكن يصوم الدّهر فلا يلزم من ذكر السّرد صيام الدّهر.

وأجابوا عن حديث أبي موسى المقدّم ذكره: بأنّ معناه ضيّقت عليه فلا يدخلها، فعلى هذا تكون " على " بمعنى. أي: ضيّقت عنه.

وهذا التّأويل حكاه الأثرم عن مسدّد. وحكى ردّه عن أحمد.

وقال ابن خزيمة: سألت المزنيّ عن هذا الحديث. فقال: يشبه أن يكون معناه. ضيّقت عنه فلا يدخلها، ولا يشبه أن يكون على ظاهره ، لأنّ من ازداد لله عملاً وطاعةً ازداد عند الله رفعةً وعلته كرامةٌ.

ورجّح هذا التّأويل جماعةٌ منهم الغزاليّ. فقالوا: له مناسبة من جهة أنّ الصّائم لَمّا ضيّق على نفسه مسالك الشّهوات بالصّوم ضيّق الله عليه النّار. فلا يبقى له فيها مكان ، لأنّه ضيّق طرقها بالعبادة.

وتعقّب: بأنّه ليس كلّ عمل صالح إذا ازداد العبد منه ازداد من الله تقرّباً. بل ربّ عملٍ صالحٍ إذا ازداد منه ازداد بعداً. كالصّلاة في الأوقات المكروهة.

ص: 246

والأوْلَى إجراء الحديث على ظاهره ، وحمله على من فوّت حقّاً واجباً بذلك فإنّه يتوجّه إليه الوعيد، ولا يخالف القاعدة التي أشار إليها المزنيّ.

ومن حجّتهم أيضاً: قوله صلى الله عليه وسلم في بعض طرق حديث الباب كما تقدّم في الطّريقين الماضيين " فإنّ الحسنة بعشرة أمثالها، وذلك مثل صيام الدّهر ". وقوله فيما رواه مسلم " من صام رمضان وأتبعه ستّاً من شوّال فكأنّما صام الدّهر ".

قالوا: فدلَّ ذلك على أنّ صوم الدّهر أفضل ممّا شبه به. وأنّه أمر مطلوب.

وتعقّب: بأنّ التّشبيه في الأمر المقدّر لا يقتضي جوازه فضلاً عن استحبابه، وإنّما المراد حصول الثّواب على تقدير مشروعيّة صيام ثلاثمائة وستّين يوماً، ومن المعلوم أنّ المكلف لا يجوز له صيام جميع السّنة فلا يدلّ التّشبيه على أفضليّة المشبّه به من كلّ وجه.

واختلف المجيزون لصوم الدّهر بالشّرط المتقدّم. هل هو أفضل ، أو صيام يوم وإفطار يوم أفضل؟.

القول الأول: صرّح جماعةٌ من العلماء: بأنّ صوم الدّهر أفضل ، لأنّه أكثر عملاً فيكون أكثر أجراً ، وما كان أكثر أجراً كان أكثر ثواباً.

وبذلك جزم الغزاليّ أوّلاً. وقيّده بشرط أن لا يصوم الأيّام المنهيّ عنها، وأن لا يرغب عن السّنة بأنّ يجعل الصّوم حجراً على نفسه، فإذا أمن من ذلك فالصّوم من أفضل الأعمال، فالاستكثار منه زيادة

ص: 247

في الفضل.

وتعقّبه ابن دقيق العيد: بأنّ الأعمال متعارضة المصالح والمفاسد، ومقدار كلّ منها في الحثّ والمنع غير متحقّق، فزيادة الأجر بزيادة العمل في شيء يعارضه اقتضاء العادة التّقصير في حقوق أخرى يعارضها العمل المذكور، ومقدار الفائت من ذلك مع مقدار الحاصل غير متحقّق، فالأولى التّفويض إلى حكم الشّارع ، ولِما دلَّ عليه ظاهر قوله " لا أفضل من ذلك " وقوله " إنّه أحبُّ الصّيام إلى الله تعالى ".

القول الثاني: ذهب جماعة منهم المتولي من الشّافعيّة. إلى أنّ صيام داود أفضل.

وهو ظاهر الحديث بل صريحه، ويترجّح من حيث المعنى أيضاً بأنّ صيام الدّهر قد يفوت بعض الحقوق كما تقدّم.

وبأنّ من اعتاده فإنّه لا يكاد يشقّ عليه بل تضعّف شهوته عن الأكل وتقل حاجته إلى الطّعام والشّراب نهاراً ، ويألف تناوله في الليل بحيث يتجدّد له طبع زائد، بخلاف من يصوم يوماً ويفطر يوماً فإنّه ينتقل من فطر إلى صوم ومن صوم إلى فطر.

وقد نقل التّرمذيّ عن بعض أهل العلم ، أنّه أشقّ الصّيام، ويأمن مع ذلك غالباً من تفويت الحقوق كما قال في حقّ داود عليه السلام " كان يصوم يوماً ويفطر يوماً ، ولا يفرّ إذا لاقى " متفق عليه ، لأنّ من أسباب الفرار ضعف الجسد ، ولا شكّ أنّ سرد الصّوم ينهكه.

وعلى ذلك يحمل قول ابن مسعود فيما رواه سعيد بن منصور بإسنادٍ

ص: 248

صحيح عنه أنّه قيل له: إنّك لتُقل الصّيام، فقال: إنّي أخاف أن يضعفني عن القراءة والقراءة أحبّ إليّ من الصّيام.

نعم. إن فُرِض أنّ شخصاً لا يفوته شيء من الأعمال الصّالحة بالصّيام أصلاً ، ولا يفوّت حقّاً من الحقوق التي خوطب بها لَم يبعد أن يكون في حقّه أرجح.

وإلى ذلك أشار ابن خزيمة فترجم " الدّليل على أنّ صيام داود إنّما كان أعدل الصّيام وأحبّه إلى الله ، لأنّ فاعله يؤدّي حقّ نفسه وأهله وزائره أيّام فطره بخلاف من يتابع الصّوم " وهذا يشعر بأنّ من لا يتضرّر في نفسه ولا يفوّت حقّاً أن يكون أرجح.

وعلى هذا فيختلف ذلك باختلاف الأشخاص والأحوال:

فمن يقتضي حاله الإكثار من الصّوم أكثر منه، ومن يقتضي حاله الإكثار من الإفطار أكثر منه، ومن يقتضي حاله المزج فعله، حتّى إنّ الشّخص الواحد قد تختلف عليه الأحوال في ذلك، وإلى ذلك أشار الغزاليّ أخيراً. والله أعلم بالصّواب.

وفي قصّة عبد الله بن عمرو هذه من الفوائد.

بيان رفق رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمّته وشفقته عليهم وإرشاده إيّاهم إلى ما يصلحهم وحثّه إيّاهم على ما يطيقون الدّوام عليه، ونهيهم عن التّعمّق في العبادة لِمَا يخشى من إفضائه إلى الملل المفضي إلى التّرك أو ترك البعض، وقد ذمّ الله تعالى قوماً لازموا العبادة ثمّ فرّطوا فيها.

وفيه النّدب إلى الدّوام على ما وظّفه الإنسان على نفسه من العبادة.

ص: 249

وفيه جواز الإخبار عن الأعمال الصّالحة والأوراد ومحاسن الأعمال، ولا يخفى أنّ محل ذلك عند أمن الرّياء.

وفيه جواز القسم على التزام العبادة، وفائدته الاستعانة باليمين على النّشاط لها، وأنّ ذلك لا يخلّ بصحّة النّيّة والإخلاص فيها، وأنّ اليمين على ذلك لا يلحقها بالنّذر الذي يجب الوفاء به.

وفيه جواز الحلف من غير استحلافٍ، وأنّ النّفل المطلق لا ينبغي تحديده، بل يختلف الحال باختلاف الأشخاص والأوقات والأحوال.

وفيه جواز التّفدية بالأب والأمّ، وفيه الإشارة إلى الاقتداء بالأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام في أنواع العبادات.

وفيه أنّ طاعة الوالد لا تجب في ترك العبادة ولهذا احتاج عمرو إلى شكوى ولده عبد الله، ولَم ينكر عليه النّبيّ صلى الله عليه وسلم ترك طاعته لأبيه.

وفيه زيارة الفاضل للمفضول في بيته، وإكرام الضّيف بإلقاء الفرش ونحوها تحته، وتواضع الزّائر بجلوسه دون ما يفرش له، وأن لا حرج عليه في ذلك إذا كان على سبيل التّواضع والإكرام للمزور.

وفي الحديث أيضاً جواز تحدّث المرء بما عزم عليه من فعل الخير، وتفقّد الإمام لأمور رعيّته كليّاتها وجزئيّاتها، وتعليمهم ما يصلحهم.

وفيه تعليل الحكم لمن فيه أهليّة ذلك، وأنّ الأولى في العبادة تقديم

ص: 250

الواجبات على المندوبات، وأنّ من تكلف الزّيادة على ما طبع عليه يقع له الخلل في الغالب.

وفيه الحضّ على ملازمة العبادة لأنّه صلى الله عليه وسلم مع كراهته له التّشديد على نفسه حضّه على الاقتصاد كأنّه قال له ، ولا يمنعك اشتغالك بحقوق من ذكر أن تضيّع حقّ العبادة وتترك المندوب جملة، ولكن اجمع بينهما.

ص: 251