الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث العشرون
235 -
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: تمتّع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجّة الوداع بالعمرة إلى الحجّ وأهدى. فساق معه الهدي من ذي الحليفة ، وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بالعمرة ، ثمّ أهل بالحجّ ، فتمتّع النّاس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة إلى الحجّ ، فكان من النّاس من أهدى ، فساق الهدي من الحليفة. ومنهم من لَم يهد فلمّا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، قال للنّاس: من كان منكم أهدى ، فإنّه لا يحلّ من شيءٍ حرم منه حتّى يقضي حجّه. ومن لَم يكن أهدى. فليطف بالبيت وبالصّفا والمروة ، وليقصّر وليحلل ، ثمّ ليُهل بالحجّ وليهد ، فمن لَم يجد هدياً فليصم ثلاثة أيّامٍ في الحجّ وسبعةً إذا رجع إلى أهله ، فطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم مكّة. واستلم الرّكن أوّل شيءٍ ، ثمّ خبّ ثلاثة أطوافٍ من السّبع ، ومشى أربعةً ، وركع حين قضى طوافه بالبيت عند المقام ركعتين ، ثمّ انصرف فأتى الصّفا ، وطاف بالصّفا والمروة سبعة أطوافٍ ، ثمّ لَم يَحْلِل من شيءٍ حرم منه حتّى قضى حجّه ، ونحر هديه يوم النّحر. وأفاض فطاف بالبيت ، ثمّ حلَّ من كل شيءٍ حرم منه ، وفعل مثل ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أهدى وساق الهدي من النّاس. (1)
قوله: (تمتّع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجّة الوداع بالعمرة إلى الحجّ) قال
(1) أخرجه البخاري (1606) ومسلم (1227) من طريق عقيل عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه.
المُهلَّب: معناه أمر بذلك ، لأنّه كان ينكر على أنس قوله " أنّه قرن " ويقول: بل كان مفرداً (1).
وأمّا قوله " وبدأ فأهل بالعمرة " فمعناه أمرهم بالتّمتّع وهو أن يهلّوا بالعمرة أوّلاً ويقدّموها قبل الحجّ ، قال: ولا بدّ من هذا التّأويل لدفع التّناقض عن ابن عمر.
قلت: لَم يتعيّن هذا التّأويل المتعسّف.
وقد قال ابن المنير في الحاشية: إنّ حمل قوله " تمتّع " على معنى أمر من أبعد التّأويلات والاستشهاد عليه بقوله " رجم " وإنّما أمر بالرّجم. من أوهن الاستشهادات ، لأنّ الرّجم من وظيفة الإمام ، والذي يتولاه إنّما يتولاه نيابةً عنه ، وأمّا أعمال الحجّ من إفرادٍ وقران وتمتّع. فإنّه وظيفة كلّ أحد عن نفسه.
ثمّ أجاز تأويلاً آخر ، وهو أنّ الرّاوي عهد أنّ النّاس لا يفعلون إلَاّ كفعله ، لا سيّما مع قوله " خذوا عنّي مناسككم " فلمّا تحقّق أنّ النّاس تمتّعوا. ظنّ أنّه عليه الصلاة والسلام تمتّع فأطلق ذلك.
قلت: ولَم يتعيّن هذا أيضاً ، بل يحتمل أن يكون معنى قوله " تمتّع " محمولاً على مدلوله اللّغويّ وهو الانتفاع بإسقاط عمل العمرة
(1) إنكار ابن عمر على أنس رضي الله عنهم. أخرجه مسلم في " الصحيح "(1232) عن بكر بن عبد الله عن أنس قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يلبّي بالحج والعمرة جميعاً. قال بكر: فحدَّثت بذلك ابن عمر، فقال: لبَّى بالحج وحده ، فلقيتُ أنساً فحدَّثته بقول ابن عمر، فقال أنس: ما تعدُّوننا إلَاّ صبياناً، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لبيك عمرة وحجاً.
والخروج إلى ميقاتها وغيرها ، بل قال النّوويّ. إنّ هذا هو المتعيّن.
قال: وقوله " بالعمرة إلى الحجّ " أي: بإدخال العمرة على الحجّ. وسيأتي تقرير هذا التّأويل.
وإنّما المشكل هنا قوله " بدأ فأهل بالعمرة ، ثمّ أهل بالحجّ " ، لأنّ الجمع بين الأحاديث الكثيرة في هذا الباب استقرّ على أنّه بدأ أوّلاً بالحجّ ثمّ أدخل عليه العمرة. وهذا بالعكس.
وأجيب عنه: بأنّ المراد به صورة الإهلال. أي: لَمّا أدخل العمرة على الحجّ لبّى بهما فقال: لبّيك بعمرةٍ وحجّةٍ معاً.
وهذا مطابق لحديث أنسٍ في البخاري ، لكن قد أنكر ابن عمر ذلك على أنس ، فيحتمل: أن يحمل إنكار ابن عمر عليه كونه أطلق أنّه صلى الله عليه وسلم جمع بينهما. أي: في ابتداء الأمر.
ويعيّن هذا التّأويل قوله في نفس الحديث " وتمتّع النّاس .. إلخ " فإنّ الذين تمتّعوا إنّما بدءوا بالحجّ ، لكن فسخوا حجّهم إلى العمرة حتّى حلّوا بعد ذلك بمكّة ، ثمّ حجّوا من عامهم.
قوله: (فساق معه الهدي من ذي الحليفة) أي: من الميقات ، وفيه النّدب إلى سوق الهدي من المواقيت ومن الأماكن البعيدة ، وهي من السّنن التي أغفلها كثيرٌ من النّاس.
قال المُهلَّب: أراد البخاري (1) أن يعرّف أنّ السّنّة في الهدي أن يساق من الحل إلى الحرم فإن اشتراه من الحرم خرج به إذا حجّ إلى
(1) بوّب على الحديث: باب من ساق البدن معه. قال ابن حجر: أي من الحلِّ إلى الحرم.
عرفة. وهو قول مالك قال: فإن لَم يفعل فعليه البدل. وهو قول الليث.
وقال الجمهور: إن وقف به بعرفة فحسنٌ. وإلا فلا بدل عليه.
وقال أبو حنيفة: ليس بسنّةٍ ، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم إنّما ساق الهدي من الحل ، لأنّ مسكنه كان خارج الحرم. وهذا كلّه في الإبل.
فأمّا البقر فقد يضعف عن ذلك والغنم أضعف ، ومن ثَمَّ قال مالك: لا يساق إلَاّ من عرفة أو ما قرب منها ، لأنّها تضعف عن قطع طول المسافة.
قوله: (فلمّا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة) سيأتي إن شاء الله (1)
قوله: (فإنّه لا يحلّ من شيء) سيأتي بيانه في حديث حفصة إن شاء الله.
قوله: (وليقصّر) قال النّوويّ: معناه أنّه يفعل الطّواف والسّعي والتّقصير ويصير حلالاً ، وهذا دليل على أنّ الحلق أو التّقصير نسك وهو الصّحيح.
وقيل: استباحة محظور.
قال: وإنّما أمره بالتّقصير دون الحلق مع أنّ الحلق أفضل ليبقى له شعر يحلقه في الحجّ. (2)
(1) وهو في الرابع من ذي الحجة. انظر حديث ابن عباس رضي الله عنه الآتي رقم (246)
(2)
أخرج البخاري (1644) عن ابن عباس قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة أمر أصحابه أن يطوفوا بالبيت، وبالصفا والمروة، ثم يحلوا ويحلقوا أو يقصروا.
قال الحافظ في " الفتح "(3/ 715): فيه التخيير بين الحلق والتقصير للمُتمتّع وهو على التفصيل. إن كان بحيث يطلع شعره فالأولى له الحلق ، وإلَاّ فالتقصير. ليقع له الحلق في الحج. والله أعلم
قوله: (وليحلل) هو أمرٌ معناه الخبر. أي: قد صار حلالاً فله فعل كل ما كان محظوراً عليه في الإحرام ، ويحتمل: أن يكون أمراً على الإباحة لفعل ما كان عليه حراماً قبل الإحرام.
قوله: (ثمّ ليهلّ بالحجّ) أي: يحرم وقت خروجه إلى عرفة ، ولهذا أتى بثمّ الدّالة على التّراخي. فلم يرد أن يهل بالحجّ عقب إهلاله من العمرة.
قوله: (وليهد) أي: هدي التّمتّع. وهو واجب بشروطه.
قوله: (فمن لَم يجد هدياً فليصم ثلاثة أيّام في الحجّ) أي: لَم يجد الهدي بذلك المكان ، ويتحقّق ذلك بأن يعدم الهدي أو يعدم ثمنه حينئذ ، أو يجد ثمنه لكن يحتاج إليه لأهمّ من ذلك ، أو يجده لكن يمتنع صاحبه من بيعه ، أو يمتنع من بيعه إلَاّ بغلائه ، فينقل إلى الصّوم كما هو نصّ القرآن.
والمراد بقوله " في الحجّ ". أي: بعد الإحرام به.
وقال النّوويّ: هذا هو الأفضل فإن صامها قبل الإهلال بالحجّ أجزأه على الصّحيح، وأمّا قبل التّحلّل من العمرة فلا على الصّحيح.
قاله مالكٌ ، وجوّزه الثّوريّ وأصحاب الرّأي.
وعلى الأوّل. فمن استحبّ صيام عرفة بعرفة قال: يُحرِمُ يوم السّابع ليصوم السّابع والثّامن والتّاسع. وإلا فيُحرِم يوم السّادس
ليفطر بعرفة فإن فاته الصّوم قضاه ، وقيل: يسقط ويستقرّ الهدي في ذمّته ، وهو قول الحنفيّة.
وفي صوم أيّام التّشريق لهذا. قولان للشّافعيّة. أظهرهما لا يجوز.
قال النّوويّ: وأصحّهما من حيث الدّليل الجواز (1).
قوله: (ثمّ خبّ) تقدّم الكلام عليه. (2)
قوله: (وركع حين قضى طوافه بالبيت عند المقام ركعتين). وفي حديث جابر الطّويل في صفة حجّة الوداع عند مسلم " طاف ثمّ تلا (واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى) فصلَّى عند المقام ركعتين ".
قال ابن المنذر: احتملت قراءته أن تكون صلاة الرّكعتين خلف المقام فرضاً، لكن أجمع أهل العلم على أنّ الطّائف تُجزئه ركعتا الطّواف حيث شاء، إلَاّ شيئاً ذُكر عن مالك. في أنّ من صلَّى ركعتي الطّواف الواجب في الحجر يعيد.
ونقل بعض أصحابنا عن الثوري. أنه كان يعيّنهما خلف المقام.
وقوله: (ثمّ سلَّم. فانصرف فأتى الصّفا) ظاهره أنّه لَم يتخلل بينهما عمل آخر ، لكن في حديث جابر الطّويل في صفة الحجّ عند مسلم " ثمّ رجع إلى الحجر فاستلمه ، ثمّ خرج من باب الصّفا "
قوله: (ثمّ حلَّ من كل شيء حرُم منه) سيأتي في حديث حفصة أنّ
(1) لِمَا رواه البخاري في صحيحه (1997) عن عائشة وابن عمر عنهما قالا: لَم يُرخّص في أيام التشريق أن يُصمن، إلَاّ لمن لَم يجد الهدي.
(2)
نظر حديث ابن عمر الماضي رقم (231)
سبب عدم إحلاله كونه ساق الهدي ، وإلا لكان يفسخ الحجّ إلى العمرة ، ويتحلل منها كما أمر به أصحابه.
واستدل به على أنّ التّحلّل لا يقع بمجرّد طواف القدوم. خلافاً لابن عبّاس وهو واضح.
وقوله: (وفعل مثل ما فعل) إشارة إلى عدم خصوصيّته بذلك.
وفيه مشروعيّة طواف القدوم للقارن والرّمل فيه إن عقّبه بالسّعي، وتسمية السّعي طوافاً، وطواف الإفاضة يوم النّحر.
واستدل به على أنّ الحلق ليس بركن ، وليس بواضح ، لأنّه لا يلزم من ترك ذكره في هذا الحديث أن لا يكون وقع ، بل هو داخل في عموم قوله " حتّى قضى حجّه ".
قوله: (من أهدى) فاعل قوله " وفعل "، وأغرب الكرمانيّ فشرحه على أنّ فاعل فعل هو ابن عمر راوي الخبر.