الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثالث
184 -
عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تسحّروا فإنّ في السّحور بركةً (1).
قوله: (تسحّروا) نقل ابن المنذر الإجماع على ندبيّة السّحور. بدليل حديث أبي هريرة في الصحيحين ، أنّه صلى الله عليه وسلم واصل بهم يوماً ثمّ يوماً، ثمّ رأوا الهلال ، فقال: لو تأخّر لزدتكم " فدلَّ ذلك على أنّ السّحور ليس بحتمٍ، إذ لو كان حتماً ما واصل بهم فإنّ الوصال يستلزم ترك السّحور. سواءٌ قلنا الوصال حرامٌ أو لا.
قوله: (فإنّ في السّحور بركةً) هو بفتح السّين وبضمّها، لأنّ المراد بالبركة الأجر والثّواب فيناسب الضّمّ ، لأنّه مصدرٌ بمعنى التّسحّر، أو البركة لكونه يقوّي على الصّوم ، وينشّط له ، ويخفّف المشقّة فيه فيناسب الفتح ، لأنّه ما يتسحّر به.
وقيل: البركة ما يتضمّن من الاستيقاظ والدّعاء في السّحر.
والأولى أنّ البركة في السّحور تحصل بجهاتٍ متعدّدةٍ، وهي اتّباع السّنّة، ومخالفة أهل الكتاب، والتّقوّي به على العبادة، والزّيادة في النّشاط، ومدافعة سوء الخلق الذي يثيره الجوع، والتّسبّب بالصّدقة على من يسأل إذ ذاك أو يجتمع معه على الأكل، والتّسبّب للذّكر
(1) أخرجه البخاري (1823) ومسلم (1095) من طرق عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس رضي الله عنه به.
والدّعاء وقت مظنّة الإجابة، وتدارك نيّة الصّوم لمن أغفلها قبل أن ينام.
قال ابن دقيق العيد: هذه البركة يجوز أن تعود إلى الأمور الأخرويّة. فإنّ إقامة السّنّة يوجب الأجر وزيادته، ويحتمل: أن تعود إلى الأمور الدّنيويّة كقوّة البدن على الصّوم وتيسيره من غير إضرارٍ بالصّائم.
قال: وممّا يعلل به استحباب السّحور المخالفة لأهل الكتاب لأنّه ممتنعٌ عندهم، وهذا أحد الوجوه المقتضية للزّيادة في الأجور الأخرويّة.
وقال أيضاً: وقع للمتصوّفة في مسألة السّحور كلامٌ من جهة اعتبار حكم الصّوم وهي كسر شهوة البطن والفرج، والسّحور قد يباين ذلك.
قال: والصّواب أن يقال ما زاد في المقدار حتّى تنعدم هذه الحكمة بالكليّة فليس بمستحبٍّ كالذي صنعه المترفون من التّأنّق في المآكل وكثرة الاستعداد لها، وما عدا ذلك تختلف مراتبه.
تكميلٌ: يحصل السّحور بأقل ما يتناوله المرء من مأكولٍ ومشروبٍ. وقد أخرج هذا الحديث أحمد من حديث أبي سعيدٍ الخدريّ بلفظ " السّحور بركةٌ فلا تدعوه ، ولو أن يجرع أحدكم جرعةً من ماءٍ، فإنّ الله وملائكته يصلّون على المتسحّرين " ولسعيد بن منصورٍ من طريقٍ أخرى مرسلةٍ " تسحّروا ولو بلقمةٍ ".