الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثامن والثلاثون
253 -
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه ، قال: استأذن العبّاس بن عبد المطّلب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن يبيت بمكّة ليالي منىً من أجل سقايته. فأذن له. (1)
قوله: (استأذن العبّاس بن عبد المطّلب) وللبخاري من رواية عيسى بن يونس عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر: رخّص للعبّاس .. "
وفي الحديث دليل على وجوب المبيت بمنًى ، وأنّه من مناسك الحجّ لأنّ التّعبير بالرّخصة يقتضي أنّ مقابلها عزيمة ، وأنّ الإذن وقع للعلة المذكورة، وإذا لَم توجد أو ما في معناها لَم يحصل الإذن.
القول الأول: بالوجوب قال الجمهور.
القول الثاني: في قول للشّافعيّ ورواية عن أحمد وهو مذهب الحنفيّة. أنّه سنّة.
ووجوب الدّم بتركه مبنيّ على هذا الخلاف ، ولا يحصل المبيت إلَاّ بمعظم الليل.
وهل يختصّ الإذن بالسّقاية وبالعبّاس ، أو بغير ذلك من الأوصاف المعتبرة في هذا الحكم؟.
(1) أخرجه البخاري (1553 ، 1656 ، 1657 ، 1658) ومسلم (1315) من طرق عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر به.
فقيل: يختصّ الحكم بالعبّاس وهو جمود.
وقيل: يدخل معه آله.
وقيل: قومه وهم بنو هاشم.
وقيل: كلّ من احتاج إلى السّقاية فله ذلك.
ثمّ قيل أيضاً: يختصّ الحكم بسقاية العبّاس حتّى لو عملت سقاية لغيره لَم يرخّص لصاحبها في المبيت لأجلها.
ومنهم: من عمّمه. وهو الصّحيح في الموضعين، والعلة في ذلك إعداد الماء للشّاربين. (1)
وهل يختصّ ذلك بالماء أو يلتحق به ما في معناه من الأكل وغيره؟. محلّ احتمال. وجزم الشّافعيّة: بإلحاق من له مال يخاف ضياعه ، أو أمر يخاف فوته ، أو مريض يتعاهده بأهل السّقاية.
كما جزم الجمهور بإلحاق الرّعاء خاصّة، وهو قول أحمد واختاره ابن المنذر، أعني الاختصاص بأهل السّقاية والرّعاء لإبلٍ.
والمعروف عن أحمد. اختصاص العبّاس بذلك ، وعليه اقتصر صاحب المغني.
(1) أخرج البخاري (1554) عن ابن عباس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء إلى السقاية فاستسقى، فقال العباس: يا فضل، اذهب إلى أمك فأت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشراب من عندها، فقال: اسقني، قال: يا رسول الله، إنهم يجعلون أيديهم فيه، قال: اسقني، فشرب منه، ثم أتى زمزم وهم يسقون ويعملون فيها، فقال: اعملوا فإنكم على عمل صالح. ثم قال: لولا أن تُغلبوا لنزلت، حتى أضع الحبل على هذه؟ يعني: عاتقه، وأشار إلى عاتقه.
وقال المالكيّة: يجب الدّم في المذكورات سوى الرّعاء، قالوا: وهنّ ترك المبيت بغير عذر وجب عليه دم عن كلّ ليلة.
وقال الشّافعيّ: عن كلّ ليلة إطعام مسكين، وقيل عنه: التّصدّق بدرهم. وعن الثّلاث دم. وهي رواية عن أحمد، والمشهور عنه وعن الحنفيّة. لا شيء عليه.
وفي الحديث أيضاً استئذان الأمراء والكبراء فيما يطرأ من المصالح والأحكام ، وبدار من استؤمر إلى الإذن عند ظهور المصلحة.
والمراد بأيّام منًى ليلة الحادي عشر واللتين بعده، ووقع في رواية روح عن ابن جريجٍ عن عبيد الله عند أحمد " أنّ مبيت تلك الليلة بمنًى "، وكأنّه عنى ليلة الحادي عشر ، لأنّها تَعقُب يوم الإفاضة، وأكثر النّاس يفيضون يوم النّحر ثمّ في الذي يليه. وهو الحادي عشر. والله أعلم
قوله: (من أجل سقايته) قال الفاكهيّ: حدّثنا أحمد بن محمّد حدّثنا الحسن بن محمّد بن عبيد الله حدّثنا ابن جريجٍ عن عطاء قال: سقاية الحاجّ زمزم.
وقال الأزرقيّ: كان عبد مناف يحمل الماء في الرّوايا والقرب إلى مكّة ويسكبه في حياض من أدمٍ بفناء الكعبة للحجّاج، ثمّ فعله ابنه هاشم بعده، ثمّ عبد المطّلب؛ فلمّا حفر زمزم كان يشتري الزّبيب فينبذه في ماء زمزم ويسقي النّاس.
قال ابن إسحاق: لَمّا ولي قصيّ بن كلاب أمر الكعبة كان إليه
الحجابة والسّقاية واللواء والرّفادة ودار النّدوة، ثمّ تصالح بنوه على أنّ لعبد مناف السّقاية والرّفادة والبقيّة للأخوين. ثمّ ذكر نحو ما تقدّم ، وزاد: ثمّ ولي السّقاية من بعد عبد المطّلب ولده العبّاس - وهو يومئذٍ من أحدث إخوته سنّاً - فلم تزل بيده حتّى قام الإسلام وهي بيده، فأقرّها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه، فهي اليوم إلى بني العبّاس.
وروى الفاكهيّ من طريق الشّعبيّ قال: تكلم العبّاس وعليّ وشيبة بن عثمان في السّقاية والحجابة، فأنزل الله عز وجل (أجعلتم سقاية الحاجّ) الآية إلى قوله:(حتّى يأتي الله بأمره) قال: حتّى تفتح مكّة ".
ومن طريق ابن أبي مُلَيْكة عن ابن عبّاس ، أنّ العبّاس لَمّا مات. أراد عليٌّ أن يأخذ السّقاية، فقال له طلحة: أشهد لرأيت أباه يقوم عليها، وأنّ أباك أبا طالب لنازل في إبله بالأراك بعرفة. قال: فكفّ عليٌّ عن السّقاية.
ومن طريق ابن جريجٍ قال: قال العبّاس: يا رسولَ الله. لو جمعت لنا الحجابة والسّقاية، فقال: إنّما أعطيتكم ما تُرْزَءون ، ولَم أعطكم ما تَرزُؤون.
الأوّل: بضمّ أوّله وسكون الرّاء وفتح الزّاي.
والثّاني: بفتح أوّله وضمّ الزّاي، أي: أعطيتكم ما ينقصكم لا ما تنقصون به النّاس.
وروى الطّبرانيّ والفاكهيّ حديث السّائب المخزوميّ ، أنّه كان يقول: اشربوا من سقاية العبّاس فإنّه من السّنّة.