المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحديث الثالث عشر - فتح السلام شرح عمدة الأحكام من فتح الباري - جـ ٤

[عبد السلام العامر]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الزكاة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب صدقة الفطر

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌كتاب الصيام

- ‌(باب

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌باب الصوم في السّفر وغيره

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌باب أفضل الصيام وغيره

- ‌الحديث العشرون

- ‌الحديث الواحد والعشرون

- ‌الحديث الثاني والعشرون

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌الحديث الرابع والعشرون

- ‌الحديث الخامس والعشرون

- ‌الحديث السادس والعشرون

- ‌الحديث السابع والعشرون

- ‌باب ليلة القدر

- ‌الحديث الثامن والعشرون

- ‌الحديث التاسع والعشرون

- ‌الحديث الثلاثون

- ‌باب الاعتكاف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌كتاب الحجّ

- ‌باب المواقيت

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب ما يلبس المُحرم من الثياب

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب الفدية

- ‌الحديث السابع

- ‌باب حرمة مكة

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌باب ما يجوز قتله

- ‌الحديث العاشر

- ‌باب دخول مكة وغيره

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌باب التّمتّع

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌الحديث العشرون

- ‌الحديث الواحد والعشرون

- ‌الحديث الثاني والعشرون

- ‌باب الهدي

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌الحديث الرابع والعشرون

- ‌الحديث الخامس والعشرون

- ‌الحديث السادس والعشرون

- ‌الحديث السابع والعشرون

- ‌باب الغسل للمحرم

- ‌الحديث الثامن والعشرون

- ‌باب فسخ الحجّ إلى العمرة

- ‌الحديث التاسع والعشرون

- ‌الحديث الثلاثون

- ‌الحديث الواحد والثلاثون

- ‌الحديث الثاني والثلاثون

- ‌الحديث الثالث والثلاثون

- ‌الحديث الرابع والثلاثون

- ‌الحديث الخامس والثلاثون

- ‌الحديث السادس والثلاثون

- ‌الحديث السابع والثلاثون

- ‌الحديث الثامن والثلاثون

- ‌الحديث التاسع والثلاثون

- ‌باب المُحرم يأكل من صيد الحلال

- ‌الحديث الأربعون

- ‌الحديث الواحد والأربعون

الفصل: ‌الحديث الثالث عشر

‌الحديث الثالث عشر

228 -

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه ، قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت ، هو وأسامة بن زيدٍ وبلالٌ وعثمان بن طلحة ، فأغلقوا عليهم الباب فلمّا فتحوا ، كنت أوّل من ولج. فلقيتُ بلالاً ، فسألته: هل صلَّى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم ، بين العمودين اليمانيين. (1)

قوله: (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت) كان ذلك في عام الفتح كما وقع مبيّناً من رواية يونس بن يزيد عن نافع عن ابن عمر عند البخاري بزيادة فوائد. ولفظه: أقبل النّبيّ صلى الله عليه وسلم يوم الفتح من أعلى مكّة على راحلته.

وفي رواية فليح عن نافع عنده أيضاً " وهو مردف أسامة - يعني ابن زيد - على القصواء، ثمّ اتّفقا ومعه بلال وعثمان بن طلحة حتّى أناخ في المسجد " وفي رواية فليح " عند البيت، وقال لعثمان: ائتنا بالمفتاح، فجاءه بالمفتاح. ففتح له الباب فدخل ".

ولمسلمٍ وعبد الرّزّاق من رواية أيّوب عن نافع " ثمّ دعا عثمان بن

(1) أخرجه البخاري (1521) ومسلم (1329) من طرق عن الزهري عن سالم عن أبيه به.

وأخرجه البخاري (388 ، 356، 482 ، 483 ، 484، 1114، 1522، 2826، 4038، 4139) ومسلم (1329) من طرق عن نافع عن ابن عمر نحوه. مطوَّلاً ومختصراً

وانفرد البخاري (388) بإخراجه من طريق مجاهد عن ابن عمر نحوه.

ص: 488

طلحة بالمفتاح فذهب إلى أمّه فأبت أن تعطيه، فقال: والله لتعطينّه أو لأخرجنّ هذا السّيف من صلبي، فلمّا رأت ذلك أعطته، فجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ففتح الباب.

فظهر من رواية فليح. أنّ فاعل فتح هو عثمان المذكور، لكن روى الفاكهيّ من طريق ضعيفة عن ابن عمر ، قال: كان بنو أبي طلحة يزعمون أنّه لا يستطيع أحد فتح الكعبة غيرهم، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم المفتاح ففتحها بيده.

وعثمان المذكور هو عثمان بن طلحة بن أبي طلحة بن عبد العزيز بن عبد الدّار بن قصيّ بن كلاب، ويقال: له الحجبيّ بفتح المهملة والجيم، ولآل بيته الحَجَبَة لحجبهم الكعبة، ويعرفون الآن بالشّيبيّين. نسبة إلى شيبة بن عثمان بن أبي طلحة ، وهو ابن عمّ عثمان هذا لا ولده، وله أيضاً صحبة ورواية.

واسم أمّ عثمان المذكورة سُلافة. بضمّ المهملة والتّخفيف والفاء.

قوله: (هو وأسامة بن زيد وبلال وعثمان) زاد مسلم " ولَم يدخلها معهم أحدٌ " ووقع عند النّسائيّ من طريق ابن عون عن نافع " ومعه الفضل بن عبّاس وأسامة وبلال وعثمان " زاد الفضل.

ولأحمد من حديث ابن عبّاس حدّثني أخي الفضل - وكان معه حين دخلها - أنّه لَم يصل في الكعبة.

قوله: (فأغلقوا عليهم) زاد في رواية حسّان بن عطيّة عن نافع عند أبي عوانة " من داخل " وزاد يونس " فمكث نهاراً طويلاً " وفي

ص: 489

رواية فليح " زماناً " بدل نهاراً، وفي رواية جويرية عن نافع في البخاري " فأطال ".

ولمسلمٍ من رواية ابن عون عن نافع " فمكث فيها مليّاً " ، وله من رواية عبيد الله عن نافع " فأجافوا عليهم الباب طويلاً " ، ومن رواية أيّوب عن نافع " فمكث فيها ساعة ".

وللنّسائيّ من طريق ابن أبي مُلَيْكة " فوجدت شيئاً فذهبت ثمّ جئت سريعاً فوجدت النّبيّ صلى الله عليه وسلم خارجاً منها " ، ووقع في " الموطّأ " بلفظ " فأغلقاها عليه " والضّمير لعثمان وبلال، ولمسلمٍ من طريق ابن عون عن نافع " فأجاف عليهم عثمان الباب ".

والجمع بينهما: أنّ عثمان هو المباشر لذلك ، لأنّه من وظيفته، ولعل بلالاً ساعده في ذلك. ورواية الجمع يدخل فيها الآمر بذلك والرّاضي به.

قال ابن بطّال: الحكمة في غلق الباب حينئذٍ لئلا يظنّ النّاس أنّ الصّلاة فيه سنّةٌ فيلتزمون ذلك.

كذا قال. وهو مع ضعفه منتقض بأنّه لو أراد إخفاء ذلك ما اطّلع عليه بلال ومن كان معه، وإثبات الحكم بذلك يكفي فيه فعل الواحد.

وقال غيره: يحتمل أن يكون ذلك لئلا يزدحموا عليه. لتوفّر دواعيهم على مراعاة أفعاله ليأخذوها عنه، أو ليكون ذلك أسكن لقلبه وأجمع لخشوعه. وإنّما أدخل معه عثمان لئلا يظنّ أنّه عزل عن

ص: 490

ولاية الكعبة، وبلالاً وأسامة لملازمتهما خدمته.

وقيل: فائدة ذلك التّمكّن من الصّلاة في جميع جهاتها؛ لأنّ الصّلاة إلى جهة الباب وهو مفتوحٌ لا تصحّ. والمحكيّ عن الحنفيّة الجواز مطلقاً. وعن الشّافعيّة وجه مثله ، لكن يشترط أن يكون للباب عتبة بأيّ قدرٍ كانت.

ووجه يشترط أن يكون قدر قامة المُصلِّي.

ووجه يشترط أن يكون قدر مؤخّرة الرّحْل (1). وهو المصحّح عندهم.

وفي الصّلاة فوق ظهر الكعبة نظير هذا الخلاف والله أعلم.

وأمّا قول بعض الشّارحين: إنّ قول البخاري " باب إغلاق البيت ، ويصلي في أيّ نواحي البيت شاء " يعكّر على الشّافعيّة فيما إذا كان البيت مفتوحاً ، ففيه نظرٌ ، لأنّه جعله حيث يغلق الباب، وبعد الغلق لا توقّف عندهم في الصّحّة.

قوله: (فلمّا فتحوا كنت أوّل من ولَجَ) في رواية فليح " ثمّ خرج فابتدر النّاس الدّخول فسبقتهم " وفي رواية أيّوب " وكنت رجلاً شابّاً قويّاً فبادرت النّاس فبدرتهم " وفي رواية جويرية " كنت أوّل النّاس ولج على أثره " ، وفي رواية ابن عون " فرقيت الدّرجة

(1) وقع في المطبوع بالجيم. وهو خطأ ، والصواب أنه بالحاء المهملة.

ففي صحيح مسلم (500) عن عائشة، أنها قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سترة المصلي؟ فقال: مثل مؤخرة الرحل.

ص: 491

فدخلت البيت " ، وفي رواية مجاهد عن ابن عمر عند البخاري " وأجد بلالاً قائماً بين البابين ".

وأفاد الأزرقيّ في " كتاب مكّة " ، أنّ خالد بن الوليد كان على الباب يذبّ عنه النّاس، وكأنّه جاء بعدما دخل النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأغلق.

قوله: (فلقيت بلالاً فسألته) زاد في رواية مالك عن نافع عند الشيخين " ما صنع؟ " وفي رواية جويرية ويونس وجمهور أصحاب نافع " فسألت بلالاً أين صلَّى؟ " اختصروا أوّل السّؤال، وثبت في رواية سالم هذه حيث قال: هل صلَّى فيه؟ قال: نعم.

وكذا في رواية مجاهد وابن أبي مُلَيْكة عن ابن عمر ، فقلت: أصلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم في الكعبة؟ قال: نعم.

فظهر أنّه استثبت أوّلاً هل صلَّى أو لا.؟ ثمّ سأل عن موضع صلاته من البيت.

ووقع في رواية يونس عن ابن شهاب عند مسلم " فأخبرني بلال أو عثمان بن طلحة " على الشّكّ، والمحفوظ أنّه سأل بلالاً كما في رواية الجمهور.

ووقع عند أبي عوانة من طريق العلاء بن عبد الرّحمن عن ابن عمر ، أنّه سأل بلالاً وأسامة بن زيد حين خرجا. أين صلَّى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فيه؟ فقالا: على جهته. وكذا أخرجه البزّار نحوه.

ولأحمد والطّبرانيّ من طريق أبي الشّعثاء عن ابن عمر قال: أخبرني أسامة أنّه صلَّى فيه هاهنا " ولمسلمٍ والطّبرانيّ من وجه آخر " فقلت:

ص: 492

أين صلَّى النّبيّ صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا .. ". فإن كان محفوظاً حُمل على أنّه ابتدأ بلالاً بالسّؤال كما تقدّم تفصيله، ثمّ أراد زيادة الاستثبات في مكان الصّلاة فسأل عثمان أيضاً وأسامة.

ويؤيّد ذلك قوله في رواية ابن عون عند مسلم " ونسيت أن أسألهم كم صلَّى " بصيغة الجمع، وهذا أولى من جزم عياض بوهم الرّواية التي أشرنا إليها عند مسلم، وكأنّه لَم يقف على بقيّة الرّوايات.

ولا يعارض قصّته مع قصّة أسامة. ما أخرجه مسلم أيضاً من حديث ابن عبّاس ، أنّ أسامة بن زيد أخبره ، أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لَم يصل فيه، ولكنّه كبّر في نواحيه.

فإنّه يمكن الجمع بينهما: بأنّ أسامة حيث أثبتها اعتمد في ذلك على غيره، وحيث نفاها أراد ما في علمه لكونه لَم يره صلى الله عليه وسلم حين صلَّى.

تكميل: روى البخاري عن عكرمة عن ابن عباس ، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم دخل البيت فكبّر في نواحيه ولَم يصلّ. فابن عبّاس أثبت التّكبير ولَم يتعرّض له بلال، وبلال أثبت الصّلاة ، ونفاها ابن عبّاس.

وقد يُقدَّم إثباتُ بلالٍ على نفي غيره لأمرين.

أحدهما: أنّه لَم يكن مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم يومئذٍ ، وإنّما أسند نفيه تارة لأسامة وتارة لأخيه الفضل. مع أنّه لَم يثبت أنّ الفضل كان معهم إلَاّ في رواية شاذّة.

وقد روى أحمد من طريق ابن عبّاس عن أخيه الفضل نفي الصّلاة فيها. فيحتمل أن يكون تلقّاه عن أسامة فإنّه كان معه. كما تقدّم.

ص: 493

وقد روى عنه ابن عبّاس نفي الصّلاة فيها عند مسلم، وقد وقع إثبات صلاته فيها عن أسامة من رواية ابن عمر عن أسامة عند أحمد وغيره.

فتعارضت الرّواية في ذلك عنه.

فتترجّح رواية بلال من جهة أنّه مثبت وغيره نافٍ ، ومن جهة أنّه لَم يختلف عليه في الإثبات ، واختلف على من نفى.

وقال النّوويّ وغيره: يجمع بين إثبات بلال ونفي أسامة: بأنّهم لَمّا دخلوا الكعبة اشتغلوا بالدّعاء. فرأى أسامة النّبيّ صلى الله عليه وسلم يدعو فاشتغل أسامة بالدّعاء في ناحية والنّبيّ صلى الله عليه وسلم في ناحية، ثمّ صلَّى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فرآه بلال لقربه منه ، ولَم يره أسامة لبعده واشتغاله، ولأنّ بإغلاق الباب تكون الظّلمة مع احتمال أن يحجبه عنه بعض الأعمدة فنفاها عملاً بظنّه.

وقال المحبّ الطّبريّ: يحتمل أن يكون أسامة غاب عنه بعد دخوله لحاجة فلم يشهد صلاته. انتهى.

ويشهد له ما رواه أبو داود الطّيالسيّ في " مسنده " عن ابن أبي ذئب عن عبد الرّحمن بن مهران عن عمير مولى ابن عبّاس عن أسامة قال: دخلتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكعبة. فرأى صوراً فدعا بدلوٍ من ماء فأتيته به ، فضرب به الصّور. فهذا الإسناد جيّد.

قال القرطبيّ: فلعله استصحب النّفي لسرعة عوده. انتهى.

وهو مفرّع على أنّ هذه القصّة وقعت عام الفتح، فإن لَم يكن فقد

ص: 494

روى عمر بن شبّة في " كتاب مكّة " من طريق عليّ بن بذيمة - وهو تابعيّ وأبوه بفتح الموحّدة ثمّ معجمة وزن عظيمة - قال: دخل النّبيّ صلى الله عليه وسلم الكعبة ودخل معه بلال، وجلس أسامة على الباب، فلمّا خرج وجد أسامة قد احتبى فأخذ بحبوته فحلها. الحديث.

فلعله احتبى فاستراح فنعس فلم يشاهد صلاته فلمّا سئل عنها نفاها مستصحباً للنّفي لقصر زمن احتبائه، وفي كلّ ذلك إنّما نفى رؤيته لا ما في نفس الأمر.

ومنهم من جمع بين الحديثين بغير ترجيح أحدهما على الآخر. وذلك من أوجه:

أحدها: حمل الصّلاة المثبتة على اللّغويّة والمنفيّة على الشّرعيّة، وهذه طريقة من يكره الصّلاة داخل الكعبة فرضاً ونفلاً.

ويردّ هذا الحمل ما تقدّم في بعض طرقه من تعيين قدر الصّلاة، فظهر أنّ المراد بها الشّرعيّة لا مجرّد الدّعاء.

ثانيها: قال القرطبيّ: يمكن حمل الإثبات على التّطوّع والنّفي على الفرض، وهذه طريقة المشهور من مذهب مالك.

ثالثها: قال المُهلَّب شارح البخاريّ: يحتمل أن يكون دخول البيت وقع مرّتين، صلَّى في إحداهما ، ولَم يصلِّ في الأخرى.

وقال ابن حبّان: الأشبه عندي في الجمع أن يُجعل الخبران في وقتين ، فيقال: لَمّا دخل الكعبة في الفتح صلَّى فيها على ما رواه ابن عمر عن بلال، ويجعل نفي ابن عبّاس الصّلاة في الكعبة في حجّته التي حجّ

ص: 495

فيها ، لأنّ ابن عبّاس نفاها ، وأسنده إلى أسامة، وابن عمر أثبتها ، وأسند إثباته إلى بلال وإلى أسامة أيضاً، فإذا حمل الخبر على ما وصفنا بطل التّعارض.

وهذا جمع حسن، لكن تعقّبه النّوويّ: بأنّه لا خلاف أنّه صلى الله عليه وسلم دخل في يوم الفتح لا في حجّة الوداع.

ويشهد له ما روى الأزرقيّ في " كتاب مكّة " عن سفيان عن غير واحد من أهل العلم ، أنّه صلى الله عليه وسلم إنّما دخل الكعبة مرّة واحدة عام الفتح ، ثمّ حجّ فلم يدخلها.

وإذا كان الأمر كذلك فلا يمتنع أن يكون دخلها عام الفتح مرّتين ، ويكون المراد بالواحدة التي في خبر ابن عيينة وحدة السّفر لا الدّخول، وقد وقع عند الدّارقطنيّ من طريق ضعيفة ما يشهد لهذا الجمع. والله أعلم.

ويؤيّد الجمع الأوّل: ما أخرجه عمر بن شبّة في " كتاب مكّة " من طريق حمّاد عن أبي حمزة عن ابن عبّاس قال: قلت له: كيف أُصلي في الكعبة؟ قال: كما تصلي في الجنازة، تسبّح وتكبّر ولا تركع ولا تسجد، ثمّ عند أركان البيت سبّح وكبّر وتضرّع واستغفر ، ولا تركع ولا تسجد. وسنده صحيح.

قوله: (فسألته: هل صلَّى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم) زاد البخاري من رواية يحيى القطان عن سيف بن سليمان عن مجاهد عن ابن عمر " نعم ركعتين " أي: صلَّى ركعتين.

ص: 496

وقد استشكل الإسماعيليّ وغيره هذا مع أنّ المشهور عن ابن عمر من طريق نافع وغيره عنه أنّه قال " ونسيت أن أسأله كم صلَّى "(1) قال: فدلَّ على أنّه أخبره بالكيفيّة وهي تعيين الموقف في الكعبة، ولَم يخبره بالكمّيّة، ونسي هو أن يسأله عنها.

والجواب عن ذلك أن يقال:

يحتمل: أنّ ابن عمر اعتمد في قوله في هذه الرّواية ركعتين على القدر المتحقّق له، وذلك أنّ بلالاً أثبت له أنّه صلَّى ، ولَم ينقل أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم تنفّل في النّهار بأقلّ من ركعتين، فكانت الرّكعتان متحقّقاً وقوعهما لِمَا عرف بالاستقراء من عادته. فعلى هذا فقوله " ركعتين " من كلام ابن عمر لا من كلام بلال.

وقد وجدت ما يؤيّد هذا. ويستفاد منه جمعاً آخر بين الحديثين، وهو ما أخرجه عمر بن شبّة في " كتاب مكّة " من طريق عبد العزيز بن أبي روّادٍ عن نافع عن ابن عمر في هذا الحديث: فاستقبلني بلال ، فقلت: ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم هاهنا؟ فأشار بيده. أي: صلَّى ركعتين بالسّبّابة والوسط.

فعلى هذا فيحمل قوله " نسيت أن أسأله كم صلَّى " على أنّه لَم يسأله لفظاً ، ولَم يجبه لفظاً، وإنّما استفاد منه صلاة الرّكعتين بإشارته لا بنطقه.

(1) رواية " ونسيت أن أسأله كم صلَّى " في الصحيحين من طرق عن نافع به. كما تقدم في

تخريج حديث الباب.

ص: 497

وأمّا قوله " ونسيت أن أسأله كم صلَّى " فيحمل: على أنّ مراده أنّه لَم يتحقّق هل زاد على ركعتين أو لا؟.

وأمّا قول بعض المتأخّرين: يجمع بين الحديثين. بأنّ ابن عمر نسي أن يسأل بلالاً ، ثمّ لقيه مرّة أخرى فسأله، ففيه نظرٌ من وجهين:

أحدهما: أنّ الذي يظهر أنّ القصّة - وهي سؤال ابن عمر عن صلاته في الكعبة - لَم تتعدّد؛ لأنّه أتى في السّؤال بالفاء المعقّبة في الرّوايتين معاً، فقال في رواية مجاهد " فأقبلت ثمّ قال: فسألت بلالاً "، وقال في الأخرى " فبدرت فسألت بلالاً "، فدلَّ على أنّ السّؤال عن ذلك كان واحداً في وقت واحد.

ثانيهما: أنّ راوي قول ابن عمر " ونسيت " هو نافع مولاه ، ويبعد مع طول ملازمته له إلى وقت موته أن يستمرّ على حكاية النّسيان ، ولا يتعرّض لحكاية الذّكر أصلاً. والله أعلم.

وأمّا ما نقله عياض أنّ قوله " ركعتين " غلطٌ من يحيى بن سعيد القطّان؛ لأنّ ابن عمر قد قال: نسيت أن أسأله كم صلَّى. قال: وإنّما دخل الوهم عليه من ذكر الرّكعتين بعد، فهو كلام مردودٌ، والمغلط هو الغالط، فإنّه ذكر الرّكعتين قبل وبعد فلم يهم من موضع إلى موضع.

ولَم ينفرد يحيى بن سعيد بذلك حتّى يغلط، فقد تابعه أبو نعيمٍ عند البخاريّ والنّسائيّ، وأبو عاصم عند ابن خزيمة، وعمر بن عليّ عند الإسماعيليّ، وعبد الله بن نمير عند أحمد كلّهم عن سيف.

ص: 498

ولَم ينفرد به سيف أيضاً ، فقد تابعه عليه خصيف عن مجاهد عند أحمد.

ولَم ينفرد به مجاهد عن ابن عمر ، فقد تابعه عليه ابن أبي مُلَيْكة عند أحمد والنّسائيّ، وعمرو بن دينار عند أحمد أيضاً باختصارٍ، ومن حديث عثمان بن أبي طلحة عند أحمد والطّبرانيّ بإسنادٍ قويّ، ومن حديث أبي هريرة عند البزّار.

ومن حديث عبد الرّحمن بن صفوان قال: فلمّا خرج سألت من كان معه ، فقالوا: صلَّى ركعتين عند السّارية الوسطى. أخرجه الطّبرانيّ بإسنادٍ صحيح، ومن حديث شيبة بن عثمان قال: لقد صلَّى ركعتين عند العمودين. أخرجه الطّبرانيّ بإسنادٍ جيّد.

فالعجب من الإقدام على تغليط جَبَلٍ من جبال الحفظ بقول من خفي عليه وجه الجمع بين الحديثين فقال بغير علم، ولو سكت لسلم. والله الموفّق.

قوله: (بين العمودين اليمانيّين) في رواية جويرية " بين العمودين المقدّمين " وفي رواية مالك عن نافع " جعل عموداً عن يمينه وعموداً عن يساره وثلاثة أعمدة وراءه ، وكان البيت يومئذٍ على ستة أعمدة " وفي رواية عنه " عمودين عن يمينه ".

ووقع في رواية فليح في البخاري " بين ذينك العمودين المقدّمين، وكان البيت على ستّة أعمدة سطرين، صلَّى بين العمودين من السّطر المقدّم ، وجعل باب البيت خلف ظهره ".

ص: 499

وقال في آخر روايته " وعند المكان الذي صلَّى فيه مرمرة حمراء ".

وكلّ هذا إخبار عمّا كان عليه البيت قبل أن يهدم ويبنى في زمن ابن الزّبير.

فأمّا الآن فقد بيّن موسى بن عقبة في روايته عن نافع كما في البخاري ، أنّ بين موقفه صلى الله عليه وسلم وبين الجدار الذي استقبله قريباً من ثلاثة أذرع.

وجزم برفع هذه الزّيادة مالك عن نافع. فيما أخرجه أبو داود من طريق عبد الرّحمن بن مهديّ ، والدّارقطنيّ في " الغرائب " من طريقه وطريق عبد الله بن وهب وغيرهما عنه ، ولفظه: وصلَّى وبينه وبين القبلة ثلاثة أذرع. وكذا أخرجها أبو عوانة من طريق هشام بن سعد عن نافع.

وهذا فيه الجزم بثلاثة أذرع، لكن رواه النّسائيّ من طريق ابن القاسم عن مالك بلفظ " نحو من ثلاثة أذرع " وهي موافقة لرواية موسى بن عقبة.

وفي " كتاب مكّة " للأزرقيّ والفاكهيّ من وجه آخر ، أنّ معاوية سأل ابن عمر أين صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: اجعل بينك وبين الجدار ذراعين أو ثلاثة.

فعلى هذا ينبغي لمن أراد الاتّباع في ذلك أن يجعل بينه وبين الجدار ثلاثة أذرع فإنّه تقع قدماه في مكان قدميه صلى الله عليه وسلم إن كانت ثلاثة أذرع سواء، وتقع ركبتاه أو يداه ووجهه إن كان أقل من ثلاثة. والله أعلم.

ص: 500

قال الكرمانيّ: لفظ العمود جنسٌ. يحتمل الواحد والاثنين، فهو مجملٌ بيّنته رواية " وعمودين "، ويحتمل أن يقال: لَم تكن الأعمدة الثّلاثة على سمتٍ واحدٍ ، بل اثنان على سمت والثّالث على غير سمتهما، ولفظ " المقدّمين " مشعر به، والله أعلم

قلت: ويؤيّده أيضاً رواية مجاهدٍ عن ابن عمر فإنّ فيها " بين السّاريتين اللتين على يسار الدّاخل " وهو صريحٌ في أنّه كان هناك عمودان على اليسار ، وأنّه صلَّى بينهما.

فيحتمل أنّه كان ثَمّ عمود آخر عن اليمين ، لكنّه بعيدٌ أو على غير سمت العمودين فيصحّ قول مَن قال " جعل عن يمينه عمودين " وقول مَن قال " جعل عموداً عن يمينه ".

وجوّز الكرمانيّ احتمالاً آخر ، وهو أن يكون هناك ثلاثة أعمدة مصطفّةً فصلَّى إلى جنب الأوسط، فمَن قال: جعل عموداً عن يمينه وعموداً عن يساره لَم يعتبر الذي صلَّى إلى جنبه ، ومَن قال: عمودين اعتبره. ثمّ وجدته مسبوقاً بهذا الاحتمال.

وأبعد منه قول مَن قال: انتقل في الرّكعتين من مكانٍ إلى مكان، ولا تبطل الصّلاة بذلك لقلته، والله أعلم.

وفي هذا الحديث من الفوائد:

رواية الصّاحب عن الصّاحب، وسؤال المفضول مع وجود الأفضل والاكتفاء به، والحجّة بخبر الواحد، ولا يقال هو أيضاً خبر واجد فكيف يحتجّ للشّيء بنفسه.؟ لأنّا نقول: هو فرد ينضمّ إلى

ص: 501

نظائر مثله يوجب العلم بذلك.

وفيه اختصاص السّابق بالبقعة الفاضلة، وفيه السّؤال عن العلم والحرص فيه، وفضيلة ابن عمر لشدّة حرصه على تتبّع آثار النّبيّ صلى الله عليه وسلم ليعمل بها.

وفيه أنّ الفاضل من الصّحابة قد كان يغيب عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم في بعض المشاهد الفاضلة ويحضره من هو دونه فيطّلع على ما لَم يطّلع عليه، لأنّ أبا بكر وعمر وغيرهما ممّن هو أفضل من بلال ومن ذكر معه لَم يشاركوهم في ذلك.

واستدل به البخاري على أنّ الصّلاة إلى المقام غير واجبة، فلو تعيّن استقبال المقام لَمَا صحّت داخل الكعبة؛ لأنّه كان حينئذٍ غير مستقبله.

وقد روى الأزرقيّ في " أخبار مكّة " بأسانيد صحيحةٍ ، أنّ المقام كان في عهد النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر في الموضع الذي هو فيه الآن، حتّى جاء سيل في خلافة عمر فاحتمله حتّى وجد بأسفل مكّة، فأُتي به فرُبط إلى أستار الكعبة حتّى قدم عمر فاستثبت في أمره حتّى تحقّق موضعه الأوّل فأعاده إليه ، وبنى حوله فاستقرّ ثَمَّ إلى الآن.

وعلى جواز الصّلاة بين السّواري في غير الجماعة، وعلى مشروعيّة الأبواب والغلق للمساجد.

وفيه أنّ السّترة إنّما تشرع حيث يخشى المرور فإنّه صلى الله عليه وسلم صلَّى بين العمودين ولَم يصل إلى أحدهما، والذي يظهر أنّه ترك ذلك للاكتفاء بالقرب من الجدار كما تقدّم أنّه كان بين مصلاه والجدار نحو ثلاثة

ص: 502

أذرع، وبذلك ترجم له النّسائيّ. على أنّ حدّ الدّنوّ من السّترة أن لا يكون بينهما أكثر من ثلاثة أذرع.

ويستفاد منه أنّ قول العلماء تحيّة المسجد الحرام الطّواف مخصوص بغير داخل الكعبة ، لكونه صلى الله عليه وسلم جاء فأناخ عند البيت فدخله فصلَّى فيه ركعتين ، فكانت تلك الصّلاة ، إمّا لكون الكعبة كالمسجد المستقلّ ، أو هو تحيّة المسجد العامّ. والله أعلم.

وفيه استحباب دخول الكعبة، وقد روى ابن خزيمة والبيهقيّ من حديث ابن عبّاس مرفوعاً: من دخل البيت دخل في حسنة وخرج مغفوراً له. قال البيهقيّ: تفرّد به عبد الله بن المؤمّل وهو ضعيف.

ومحلّ استحبابه ما لَم يؤذ أحداً بدخوله. وروى ابن أبي شيبة من قول ابن عبّاس: أنّ دخول البيت ليس من الحجّ في شيء.

وحكى القرطبيّ عن بعض العلماء: أنّ دخول البيت من مناسك الحجّ، وردّه بأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم إنّما دخله عام الفتح. ولَم يكن حينئذٍ محرماً.

وأمّا ما رواه أبو داود والتّرمذيّ وصحَّحه هو وابن خزيمة والحاكم عن عائشة ، أنّه صلى الله عليه وسلم خرج من عندها وهو قرير العين ، ثمّ رجع وهو كئيب فقال: دخلت الكعبة فأخاف أن أكون شققت على أمّتي.

فقد يتمسّك به لصاحب هذا القول المحكيّ لكون عائشة لَم تكن معه في الفتح ولا في عمرته، بل إنّه لَم يدخل في الكعبة في عمرته ،

ص: 503

فروى البخاري عن عبد الله بن أبي أوفى قال: اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت، وصلَّى خلف المقام ركعتين ومعه من يستره من الناس، فقال له رجل: أَدَخَلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكعبة؟ قال: لا. (1).

فتعيّن أنّ القصّة كانت في حجّته وهو المطلوب، وبذلك جزم البيهقيّ، وإنّما لَم يدخل في عمرته لِمَا كان في البيت من الأصنام والصّور ، وكان إذ ذاك لا يتمكّن من إزالتها، بخلاف عام الفتح.

قال النووي: قال العلماء: سبب ترك دخوله ما كان في البيت من الأصنام والصور، ولَم يكن المشركون يتركونه ليغيرها، فلما كان في الفتح أمر بإزالة الصور ثم دخلها، يعني كما في حديث ابن عباس. انتهى.

ويحتمل: أن يكون دخول البيت لَم يقع في الشرط، فلو أراد دخوله لمنعوه كما منعوه من الإقامة بمكة زيادة على الثلاث فلم يقصد دخوله لئلا يمنعوه.

وفي " السيرة " عن علي ، أنه دخلها قبل الهجرة فأزال شيئاً من الأصنام، وفي " الطبقات " عن عثمان بن طلحة نحو ذلك.

فإن ثبت ذلك لَم يشكل على الوجه الأول ، لأنَّ ذلك الدخول كان لإزالة شيء من المنكرات لا لقصد العبادة، والإزالة في الهدنة كانت

(1) قال الحافظ في " الفتح "(3/ 468): استدل المحب الطبري به على أنه صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة في حجته وفي فتح مكة ، ولا دلالة فيه على ذلك ، لأنه لا يلزم من نفي كونه دخلها في عمرته أنه دخلها في جميع أسفاره. والله أعلم.

ص: 504

غير ممكنة بخلاف يوم الفتح.

ويحتمل: أن يكون صلى الله عليه وسلم قال ذلك لعائشة بالمدينة بعد رجوعه فليس في السّياق ما يمنع ذلك، وتقدم النقل عن جماعة من أهل العلم أنّه لَم يدخل الكعبة في حجّته.

وفيه استحباب الصّلاة في الكعبة وهو ظاهر في النّفل، ويلتحق به الفرض إذ لا فرق بينهما في مسألة الاستقبال للمقيم. وهو قول الجمهور.

وعن ابن عبّاس: لا تصحّ الصّلاة داخلها مطلقاً. وعلَّله بأنّه يلزم من ذلك استدبار بعضها. وقد ورد الأمر باستقبالها فيحمل على استقبال جميعها، وقال به بعض المالكيّة والظّاهريّة والطّبريّ.

وقال المازريّ: المشهور في المذهب منع صلاة الفرض داخلها ووجوب الإعادة، وعن ابن عبد الحكم الإجزاء، وصحَّحه ابن عبد البرّ وابن العربيّ. وعن ابن حبيب يعيد أبداً، وعن أصبغ إن كان متعمّداً.

وأطلق التّرمذيّ عن مالك جواز النّوافل، وقيّده بعض أصحابه بغير الرّواتب وما تسرّع فيه الجماعة.

وفي " شرح العمدة " لابن دقيق العيد: كَرِه مالك الفرض أو منعه ، فكأنّه أشار إلى اختلاف النّقل عنه في ذلك.

ويلتحق بهذه المسألة الصّلاة في الحِجر. ويأتي فيها الخلاف السّابق في الصّلاة إلى جهة الباب، نعم إذا استدبر الكعبة واستقبل الحِجر لَم

ص: 505

يصحّ على القول بأنّ تلك الجهة منه ليست من الكعبة.

ومن المشكل ما نقله النّوويّ في " زوائد الرّوضة " عن الأصحاب ، أنّ صلاة الفرض داخل الكعبة - إن لَم يرج جماعة - أفضل منها خارجها.

ووجه الإشكال: أنّ الصّلاة خارجها متّفق على صحّتها بين العلماء بخلاف داخلها، فكيف يكون المختلف في صحّته أفضل من المتّفق؟.

ص: 506