الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السادس والعشرون
207 -
عن أبي سعيدٍ الخدريّ رضي الله عنه ، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يومين: الفطر والنّحر. وعن الصّمّاء ، وأن يحتبي الرّجل في الثّوب الواحد ، وعن الصّلاة بعد الصّبح والعصر.
أخرجه مسلم بتمامه ، وأخرج البخاري الصوم فقط (1)
قوله: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يومين النحر والفطر) تقدّم في الحديث قبله.
قوله: (اشتمال الصماء) زاد الإسماعيليّ من طريق خالدٍ الطّحّان عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد " لا يواري فرجه بشيءٍ " ومن طريق عبد العزيز بن المختار عن عمرو " ليس بين فرجه وبين السّماء شيءٌ "(2).
(1) كذا قال رحمه الله. ولعله سبق قلم منه. فالحديث أخرجه البخاري بتمامه في كتاب الصوم: باب صوم يوم الفطر رقم (1890) من طريق وهيب عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه عن أبي سعيد رضي الله عنه.
وأخرج مسلم (1138) من طريق عبد العزيز بن المختار عن عمرو بن يحيى به. جملة الصوم فقط
وأخرجه البخاري (1139 ، 1765 ، 1893) من طريق قزعة مولى زياد عن أبي سعيد. فذكر الصلاة والصوم. ضمن حديث. ورواه مسلم من هذا الوجه (827) فذكر جملة الصلاة فقط.
وأخرجه البخاري (360 ، 5484) من طريق عبيد الله بن عبد الله عن أبي سعيد. فذكر اشتمال الصماء والاحتباء فقط. ولم أرَ عند مسلم عن أبي سعيد رضي الله عنه الاحتباء والصماء.
(2)
وقد ثبتت هذه الزيادة أيضاً في حديث أبي هريرة في البخاري (6284)
والصماء: بالصّاد المهملة والمدّ.
قال أهل اللّغة: هو أن يُجلِّل (1) جسده بالثّوب لا يرفع منه جانباً ، ولا يبقي ما يخرج منه يده. قال ابن قتيبة: سُمِّيت صمّاء؛ لأنّه يسدّ المنافذ كلّها فتصير كالصّخرة الصّمّاء التي ليس فيها خرق.
وقال الفقهاء: هو أن يلتحف بالثّوب ثمّ يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على منكبيه. فيصير فرجه بادياً إذا لَم يكن عليه ثوب آخر، فإذا خالف بين طرفي الثّوب الذي اشتمل به لَم يكن صمّاء.
قال النّوويّ: فعلى تفسير أهل اللّغة يكون مكروهاً ، لئلا يعرض له حاجة فيتعسّر عليه إخراج يده فيلحقه الضّرر، وعلى تفسير الفقهاء يحرم. لأجل انكشاف العورة.
قلت: ظاهر سياق البخاري من رواية يونس عن ابن شهاب عن عامر بن سعد عن أبي سعيد في اللباس ، أنّ التّفسير المذكور فيها مرفوع، وهو موافق لِمَا قال الفقهاء. ولفظه: والصّمّاء أن يجعل ثوبه على أحد عاتقيه فيبدو أحد شقّيه.
وعلى تقدير أن يكون موقوفاً فهو حجّة على الصّحيح؛ لأنّه تفسير من الرّاوي لا يخالف ظاهر الخبر.
قوله: (وأن يحتبي) الاحتباء أن يقعد على أليتيه وينصب ساقيه ويلفّ عليه ثوباً، ويقال له الحبوة، وكانت من شأن العرب.
وفسّرها في رواية يونس المذكورة بنحو ذلك " واللبسة الأخرى:
(1) وقع في المطبوع (يخلل) بالخاء. والصواب ما أثبتُّه ، وهو الموافق لكتب اللغة.
احتباؤه بثوبه وهو جالس، ليس على فرجه منه شيء " وترجم البخاري على الحديث بقوله: الجلوس حيثما تيسّر.
قال المُهلَّب: هذه التّرجمة قائمة من دليل الحديث، وذلك أنّه نهى عن حالتين ففهم منه إباحة غيرهما ممّا تيسّر من الهيئات والملابس إذا ستر العورة.
قلت: والذي يظهر لي أنّ المناسبة تؤخذ من جهة العدول عن النّهي عن هيئة الجلوس إلى النّهي عن لبستين يستلزم كلّ منهما انكشاف العورة، فلو كانت الجلسة مكروهة لذاتها لَم يتعرّض لذكر اللّبس، فدلَّ على أنّ النّهي عن جلسة تفضي إلى كشف العورة وما لا يفضي إلى كشف العورة يباح في كلّ صورة.
ثمّ ادّعى المُهلَّب: أنّ النّهي عن هاتين اللبستين خاصّ بحالة الصّلاة لكونهما لا يستران العورة في الخفض والرّفع، وأمّا الجالس في غير الصّلاة فإنّه لا يصنع شيئاً ولا يتصرّف بيديه فلا تنكشف عورته فلا حرج عليه، قال: وقد سبق أنّه صلى الله عليه وسلم احتبى. (1)
(1) يشير إلى ما أخرجه البخاري (6272) في باب (الاحتباء باليد. وهو القرفصاء) من طريق محمد بن فليح عن أبيه عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بفناء الكعبة محتبياً بيده هكذا.
قال الحافظ في " الفتح "(11/ 66): كذا وقع عنده مختصراً. ورويناه في الجزء السادس من " فوائد أبي محمد بن صاعد " من طريق أبي غزية محمد بن موسى الأنصاري نحوه. وزاد " فأرانا فليحٌ موضع يمينه على يساره موضع الرسغ " وأبو غزية ضعَّفه ابن معين وغيره.
ووقع عند أبي داود من حديث أبي سعيد ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس احتبى بيديه. زاد البزار: ونصب ركبتيه. وأخرج البزار أيضا من حديث أبي هريرة بلفظ " جلس عند الكعبة فضمَّ رجليه فأقامهما ، واحتبى بيديه ".
ويستثنى من الاحتباء باليدين ما إذا كان في المسجد ينتظر الصلاة فاحتبى بيديه ، فينبغي أن يمسك إحداهما بالأخرى. كما وقعت الإشارة إليه في هذا الحديث من وضع إحداهما على رسغ الأخرى ، ولا يشبّك بين أصابعه في هذه الحالة. فقد ورد النهي عن ذلك عند أحمد من حديث أبي سعيد. بسند لا بأس به. والله أعلم
وقال ابن بطال: لا يجوز للمحتبي أن يصنع بيديه شيئاً ويتحرك لصلاة أو غيرها ، لأنَّ عورته تبدو إلَاّ إذا كان عليه ثوب يستر عورته فيجوز ، وهذا بناءً على أنَّ الاحتباء قد يكون باليدين فقط. وهو المعتمد.
وفرَّق الداودي فيما حكاه عنه ابن التين: بين الاحتباء والقرفصاء ، فقال: الاحتباء أن يقيم رجليه ، ويفرج بين ركبتيه ، ويُدير عليه ثوباً ويعقده. فإنْ كان عليه قميصٌ أو غيرُه فلا ينهى عنه ، وإن لَم يكن عليه شيء فهو القرفصاء.
كذا قال ، والمعتمد ما تقدم. انتهى
قلت: وغفل رحمه الله عمّا وقع من التّقييد في نفس الخبر، فإنّ فيه: والاحتباء في ثوب واحد ليس على فرجه منه شيء ، والصّمّاء. أن يجعل ثوبه على أحد عاتقيه فيبدو أحد شقّيه. وستر العورة مطلوب في كلّ حالة ، وإن تأكّد في حالة الصّلاة لكونها قد تبطل بتركه.
ونقل ابن بطّال: عن ابن طاوسٍ، أنّه كان يكره التّربّع. ويقول: هي جلسة مُهلكة. (1)
(1) أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف "(6139/ 25526) عن ابن إدريس عن ليث عن طاوس.
تنبيهان:
الأول: وقع هنا في الشرح عن ابن طاوس ، والصواب أبيه طاوس. كما في المصنّف ، وكذا في شرح ابن بطال الذي نقل عنه الشارح.
الثاني: وقع في بعض نسخ الفتح ، وكذا في مصنف ابن أبي شيبة (مملكة) بالميم بدل الهاء ، والصواب ما أثبتُّه. والله أعلم.
وتعقّب: بما أخرجه مسلم والثّلاثة من حديث جابر بن سمرة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلَّى الفجر. تربَّع في مجلسه حتّى تطلع الشّمس (1). ويمكن الجمع. (2)
قوله: (وعن الصلاة بعد الصبح والعصر) تقدّم الكلام عليه في أبواب الصلاة.
(1) لفظ أبي داود (4850). وعند مسلم (670) بلفظ " جلس في مصلاه "
(2)
وذلك بحمل كلام طاوس رحمه الله. على التربع في الصلاة من غير عذر.
وقد أورد ابن أبي شيبة في مصنّفه (6139) هذا الأثر عن طاوس. في كتاب الصلاة في باب من كره التربع (أي في الصلاة).
وأورد عن ابن عمر وابن سيرين وغيرهما كراهة التربع في الصلاة إلَّا من عذر كوجع وغيره.
والتربع: وضع إحدى الساقين على الأخرى. وتمكين الإلية من الأرض.