الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثامن عشر
233 -
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: لَم أر النّبيّ صلى الله عليه وسلم يستلم من البيت إلَاّ الرّكنين اليمانيين. (1)
قوله: (إلَاّ الرّكنين اليمانيين) أي: دون الرّكنين الشّاميّين، واليمانيان تثنية يمان والمراد بهما الرّكن الأسود والذي يسامته من مقابلة الصّفا.
وقيل: للأسود يمانٍ تغليباً ، واليماني بتخفيف الياء على المشهور ، لأنّ الألف عوض عن ياء النّسب. فلو شدّدت لكان جمعاً بين العوض والمعوّض.
وجوّز سيبويه التّشديد ، وقال: إنّ الألف زائدة.
وأخرج الشيخان عن ابن عمر: إنّما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم استلام الرّكنين الشّاميّين ، لأنّ البيت لَم يتمّم على قواعد إبراهيم.
وعلى هذا المعنى حَملَ ابن التّين تبعاً لابن القصّار استلامَ ابن الزّبير لهما ، لأنّه لَمّا عَمَرَ الكعبة أتمّ البيت على قواعد إبراهيم. انتهى.
وتعقّب ذلك بعض الشّرّاح: بأنّ ابن الزّبير طاف مع معاوية.
(1) أخرجه البخاري (1531) ومسلم (1268) من طريق ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه رضي الله عنه.
وأخرجه البخاري (1529) ومسلم (1268) من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه. نحوه. وله طرق أخرى نحوه عندهما.
واستلم الكلّ، ولَم نقف (1) على هذا الأثر. وإنّما وقع ذلك لمعاوية مع ابن عبّاس (2).
وأمّا ابن الزّبير. فقد أخرج الأزرقيّ في " كتاب مكّة " فقال: إنّ ابن الزّبير لَمّا فرغ من بناء البيت ، وأدخل فيه من الحجر ما أخرج منه ، وردّ الرّكنين على قواعد إبراهيم. خرج إلى التّنعيم ، واعتمر وطاف بالبيت واستلم الأركان الأربعة، فلم يزل البيت على بناء ابن الزّبير إذا طاف الطّائف استلم الأركان جميعها. حتّى قتل ابن الزّبير.
وأخرج من طريق ابن إسحاق ، قال: بلغني أنّ آدم لَمّا حجّ استلم الأركان كلّها، وأنّ إبراهيم وإسماعيل لَمّا فرغا من بناء البيت طافا به سبعاً يستلمان الأركان.
وقال الدّاوديّ: ظنّ معاوية أنّهما ركنا البيت الذي وضع عليه من أوّل، وليس كذلك، لِمَا سبق من حديث عائشة (3)، والجمهور على ما
(1) في المطبوع (ولَم يقف) بالياء. ولعل الصواب ما أثبتّه ، والسياق يدلّ عليه.
(2)
أي: ما ذكره البخاري معلقاً (1608) وقال محمد بن بكر: أخبرنا ابن جريج، أخبرني عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء ، أنه قال: ومن يتقي شيئاً من البيت؟ وكان معاوية يستلم الأركان. فقال له ابن عباس رضي الله عنه: إنه لا يُستلم هذان الركنان، فقال: ليس شيء من البيت مهجوراً.
قال ابن حجر رحمه الله في " الفتح "(3/ 473): وصله أحمد والترمذي والحاكم من طريق عبد الله بن عثمان بن خيثم عن أبي الطفيل قال: كنت مع ابن عباس ومعاوية ، فكان معاوية لا يمرُّ بركن إلَاّ استلمه ، فقال ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لَم يستلم إلَاّ الحجر واليماني ، فقال معاوية: ليس شيءٌ من البيت مهجوراً. وأخرج مسلم المرفوع فقط من وجه آخر عن ابن عباس. انتهى
(3)
أي. ما أخرجه البخاري (1583) ومسلم (1333) عن عائشة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أَلَم تري أن قومكِ حين بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم ، قالت: فقلت: يا رسول الله. أفلا تردها على قواعد إبراهيم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت، فقال عبد الله بن عمر: لئن كانت عائشة سمعتْ هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر، إلَاّ أن البيت لَم يُتَمَّم على قواعد إبراهيم.
وفي رواية لهما " لهدمتُ الكعبة، فألزقتها بالأرض، وجعلت لها بابين: باباً شرقياً، وباباً غربياً، فبلغت به أساس إبراهيم ، فإن قريشاً اقتصرتها حيث بنت الكعبة " زاد مسلم " وزِدتُ فيها ستة أذرع من الحِجر ".
دلَّ عليه حديث ابن عمر، وروى ابن المنذر وغيره. استلام جميع الأركان أيضاً عن جابر وأنس والحسن والحسين من الصّحابة ، وعن سويد بن غفلة من التّابعين.
وقد يشعر ما أخرجه البخاري من حديث عبيد بن جريجٍ ، أنّه قال لابن عمر: رأيتك تصنع أربعاً لَم أر أحداً من أصحابك يصنعها. فذكر منها " ورأيتك لا تمسّ من الأركان إلَاّ اليمانيّين .. الحديث " بأنّ الذين رآهم عبيد بن جريجٍ من الصّحابة والتّابعين كانوا لا يقتصرون في الاستلام على الرّكنين اليمانيّين.
وقال بعض أهل العلم: اختصاص الرّكنين مبيّن بالسّنّة ، ومستند التّعميم القياس.
وأجاب الشّافعيّ عن قول مَن قال: ليس شيء من البيت مهجوراً: بأنّا لَم ندّعِ استلامهما هجراً للبيت، وكيف يهجره وهو يطوف به؟ ولكنّا نتّبع السّنّة فعلاً أو تركاً، ولو كان ترك استلامهما هجراً لهما
لكان ترك استلام ما بين الأركان هجراً لها. ولا قائل به ، ويؤخذ منه حفظ المراتب وإعطاء كلّ ذي حقّ حقّه وتنزيل كلّ أحد منزلته.
فائدةٌ: في البيت أربعة أركان، الأوّل له فضيلتان: كون الحجر الأسود فيه، وكونه على قواعد إبراهيم. وللثّاني الثّانية فقط، وليس للآخرين شيء منهما، فلذلك يقبّل الأوّل ويستلم الثّاني فقط ، ولا يقبّل الآخران ولا يستلمان، هذا على رأي الجمهور.
واستحبّ بعضهم. تقبيل الرّكن اليمانيّ أيضاً (1).
(1) أخرج البخاري في " التاريخ الكبير "(1/ 190) وابن خزيمة في " صحيحه "(2727) وأبو يعلى في " مسنده "(4/ 427) والبيهقي في " الكبرى "(5/ 76) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استلم الركن اليماني قبَّله ، ووضع خده الأيمن عليه.
قال البيهقي: تفرد به عبد الله بن مسلم بن هرمز وهو ضعيف.
قال ابن عبد البر في " التمهيد ": وهذا غير معروف ولَم يتابع عليه ، وإنما المعروف قبَّل يده. وإنما يُعرف تقبيل الحجر الأسود ووضع الوجه عليه ، وما أعرف أحداً من أهل الفتوى يقول بتقبيل غير الأسود. اهـ