الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب ما يجوز قتله
الحديث العاشر
225 -
عن عائشة رضي الله عنها ، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خمسٌ من الدّوابّ كلّهنّ فاسقٌ ، يقتلن في الحرم: الغراب ، والحِدَأة ، والعقرب ، والفأرة ، والكلب العقور. (1)
ولمسلمٍ: يُقتل خمسٌ فواسق في الحل والحرم. (2)
قوله: (خمس) التّقييد بالخمس. وإن كان مفهومه اختصاص المذكورات بذلك لكنّه مفهوم عدد، وليس بحجّةٍ عند الأكثر، وعلى تقدير اعتباره فيحتمل أن يكون قاله صلى الله عليه وسلم أوّلاً ، ثمّ بيّن بعد ذلك أنّ غير الخمس يشترك معها في الحكم.
فقد ورد في بعض طرق عائشة بلفظ " أربع " وفي بعض طرقها بلفظ " ستّ ".
فأمّا طريق أربع. فأخرجها مسلم من طريق القاسم عنها. فأسقط العقرب.
وأمّا طريق ستّ. فأخرجها أبو عوانة في " المستخرج " من طريق
(1) أخرجه البخاري (1732 ، 3136) ومسلم (1198) من طريق الزهري ، ومسلم (1198) من طريق هشام كلاهما عن عروة عن عائشة رضي الله عنها. زاد مسلم (في الحل والحرم) وانظر التعليق الآتي.
(2)
أخرجه مسلم (1198) من طريق قتادة عن ابن المسيب عن عائشة. ولفظه: خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم.
المحاربيّ عن هشام عن أبيه عنها. فأثبتها: وزاد الحيّة.
ويشهد لها طريق شيبان عن أبي عوانة عن زيد بن جبير عند مسلم (1) فزاد فيه أشياء. ولفظه: سأل رجل ابن عمر ما يقتل الرّجل من الدّوابّ وهو محرم؟ فقال: حدّثتني إحدى نسوة النّبيّ صلى الله عليه وسلم ، أنّه كان يأمر بقتل الكلب العقور والفأرة والعقرب والحدأة والغراب والحيّة ، قال: وفي الصّلاة أيضاً. فلم يقل في أوّله خمساً. وزاد الحيّة، وزاد في آخره ذكر الصّلاة لينبّه بذلك على جواز قتل المذكورات في جميع الأحوال.
ولَم أر هذه الزّيادة (2) في غير هذه الطّريق. فقد أخرجه مسلم من طريق زهير بن معاوية والإسماعيليّ من طريق إسرائيل كلاهما عن زيد بن جبير بدونها.
وأغرب عياض فقال: وفي غير كتاب مسلم ذكر الأفعى. فصارت
(1) وأخرجه البخاري في " الصحيح "(1827) حدثنا مسدد حدّثنا أبو عوانة به. دون الزيادة التي ذكرها الشارح.
(2)
أي: زيادة الصلاة.
وروى الإمام أحمد (2/ 475) أبو داود (921)، والنسائي (3/ 10)، والترمذي (390)، وابن ماجه (1245) عن ضمضم بن جوس عن أبي هريرة قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الأسودين في الصلاة: الحية والعقرب. وصحَّحه ابن حبان برقم (2352).
وقال الترمذي: حديث حسنٌ صحيحٌ. والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم. وبه يقول أحمد وإسحق ، وكَرِه بعض أهل العلم قتل الحية والعقرب في الصلاة ، وقال إبراهيم: إن في الصلاة لشغلاً ، والقول الأول أصح. انتهى
سبعاً.
وتعقّب: بأنّ الأفعى داخلة في مسمّى الحيّة. والحديث الذي ذُكِرت فيه أخرجه أبو عوانة في " المستخرج " من طريق ابن عون عن نافع في آخر حديث الباب (1) قال: قلت لنافعٍ: فالأفعى؟ قال: ومن يشكّ في الأفعى؟.
وقد وقع في حديث أبي سعيد عند أبي داود نحو رواية شيبان وزاد " السّبع العادي " فصارت سبعاً.
وفي حديث أبي هريرة عند ابن خزيمة وابن المنذر زيادة ذكر الذّئب والنّمر على الخمس المشهورة. فتصير بهذا الاعتبار تسعاً.
لكن أفاد ابن خزيمة عن الذّهليّ ، أنّ ذكر الذّئب والنّمر من تفسير الرّاوي للكلب العقور.
ووقع ذكر الذّئب في حديث مرسل أخرجه ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور وأبو داود من طريق سعيد بن المسيّب عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: يقتل المُحرم الحيّة والذّئب. ورجاله ثقات.
وأخرج أحمد من طريق حجّاج بن أرطاة عن وبرة عن ابن عمر قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الذّئب للمحرم. وحجّاج ضعيف. وخالفه مسعر عن وبرة فرواه موقوفاً أخرجه ابن أبي شيبة.
(1) أي: حديث ابن عمر. الذي أخرجه البخاري (1730) ومسلم (1199) من طرق عن نافع عن ابن عمر رفعه: خمسٌ من الدوابِّ ليس على المحرم في قتلهن جُناح الغراب والحدأة والعقرب والفارة والكلب العقور.
فهذا جميع ما وقفت عليه في الأحاديث المرفوعة زيادة على الخمس المشهورة، ولا يخلو شيء من ذلك من مقال، والله أعلم
قوله: (من الدّوابّ) بتشديد الموحّدة، جمع دابّة وهو ما دبّ من الحيوان. وقد أخرج بعضهم منها الطّير لقوله تعالى (وما من دابّةٍ في الأرض ولا طائرٍ يطير بجناحيه) الآية.
وهذا الحديث يردّ عليه، فإنّه ذكر في الدّوابّ الخمس الغراب والحدأة.
ويدلّ على دخول الطّير أيضاً عموم قوله تعالى (وما من دابّةٍ في الأرض إلَاّ على الله رزقها)؛ وقوله تعالى (وكأيّن من دابّةٍ لا تحمل رزقها) الآية.
وفي حديث أبي هريرة عند مسلم في صفة بدء الخلق " وخلق الدّوابّ يوم الخميس " ولَم يفرد الطّير بذكرٍ.
وقد تصرّف أهل العرف في الدّابّة، فمنهم: من يخصّها بالحمار، ومنهم: من يخصّها بالفرس، وفائدة ذلك تظهر في الحلف.
قوله: (كلّهنّ فاسق ، يقتلن) قيل: فاسق صفة لكلّ، وفي يقتلن ضمير راجع إلى معنى كلّ. ووقع في رواية مسلم " كلّها فواسق " وفي رواية معمر عن الزهري عند الشيخين " خمس فواسق ".
قال النّوويّ: هو بإضافة خمس لا بتنوينه، وجوّز ابن دقيق العيد الوجهين. وأشار إلى ترجيح الثّاني فإنّه قال:
رواية الإضافة تشعر بالتّخصيص فيخالفها غيرها في الحكم من
طريق المفهوم، ورواية التّنوين تقتضي وصف الخمس بالفسق من جهة المعنى. فيشعر بأنّ الحكم المرتّب على ذلك وهو القتل معلل بما جعل وصفاً وهو الفسق فيدخل فيه كلّ فاسق من الدّوابّ، ويؤيّده رواية الباب " كلّهن فاسق ".
قال النّوويّ وغيره: تسمية هذه الخمس فواسق تسمية صحيحة جارية في وفق اللّغة، فإنّ أصل الفسق لغة الخروج، ومنه فسقت الرّطبة إذا خرجت عن قشرها. وقوله تعالى (ففسق عن أمر ربّه). أي: خرج، وسُمّي الرّجل فاسقاً لخروجه عن طاعة ربّه، فهو خروج مخصوص.
وزعم ابن الأعرابيّ: أنّه لا يعرف في كلام الجاهليّة ولا شعرهم فاسق، يعني بالمعنى الشّرعيّ.
وأمّا المعنى في وصف الدّوابّ المذكورة بالفسق.
فقيل: لخروجها عن حكم غيرها من الحيوان في تحريم قتله.
وقيل: في حلّ أكله لقوله تعالى (أو فسقاً أهل لغير الله به). وقوله: (ولا تأكلوا ممّا لَم يذكر اسم الله عليه وإنّه لفسقٌ).
وقيل: لخروجها عن حكم غيرها بالإيذاء والإفساد وعدم الانتفاع.
ومن ثَمَّ اختلف أهل الفتوى:
فمَن قال بالأوّل. ألحق بالخمس كلّ ما جاز قتله للحلال في الحرم وفي الحلّ.
ومَن قال بالثّاني. ألحق ما لا يؤكل إلَاّ ما نهي عن قتله وهذا قد يجامع الأوّل.
ومَن قال بالثّالث. يخصّ الإلحاق بما يحصل منه الإفساد.
ووقع في حديث أبي سعيد عند ابن ماجه: قيل له: لِمَ قيل للفأرة فويسقة؟ فقال: لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم استيقظ لها وقد أخذت الفتيلة لتحرق بها البيت.
فهذا يومئ إلى أنّ سبب تسمية الخمس بذلك لكون فعلها يشبه فعل الفسّاق، وهو يرجّح القول الأخير، والله أعلم.
قوله: (يُقتلن في الحرم) ولهما في رواية نافع عن ابن عمر بلفظ " ليس على المُحرم في قتلهنّ جناح " وعرف بذلك أن لا إثم في قتلها على المُحرم ولا في الحرم، ويؤخذ منه جواز ذلك للحلال، وفي الحلّ من باب الأولى.
وقد وقع ذكر الحلّ صريحاً عند مسلم من طريق معمر عن الزّهريّ عن عروة بلفظ " يقتلن في الحلّ والحرم " ويعرف حكم الحلال بكونه لَم يقم به مانع وهو الإحرام فهو بالجواز أولى.
ثمّ إنّه ليس في نفي الجناح وكذا الحرج في طريق سالم (1) دلالة على أرجحيّة الفعل على التّرك، لكن ورد في طريق زيد بن جبير عند مسلم بلفظ " أمر " وكذا في طريق معمر، ولأبي عوانة من طريق ابن
(1) أي: رواية سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه. أخرجها البخاري (1731) ومسلم (1200) بلفظ " خمسٌ من الدواب لا حَرَجَ على مَن قتلهنَّ .. "
نمير عن هشام عن أبيه بلفظ " ليقتل المُحرم ".
وظاهر الأمر الوجوب. ويحتمل: النّدب والإباحة.
وروى البزّار من طريق أبي رافع قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاته إذ ضرب شيئاً، فإذا هي عقرب فقتلها، وأمر بقتل العقرب والحيّة والفأرة والحدأة للمحرم. لكنّ هذا الأمر ورد بعد الحظر لعموم نَهي المُحرم عن القتل فلا يكون للوجوب ولا للنّدب.
ويؤيّد ذلك رواية الليث عن نافع بلفظ " أذن " أخرجه مسلم والنّسائيّ عن قتيبة، لكن لَم يسق مسلم لفظه. وفي حديث أبي هريرة عند أبي داود وغيره " خمس قتلهنّ حلال للمحرم ".
قوله: (الغراب) زاد في رواية سعيد بن المسيّب عن عائشة عند مسلم " الأبقع " وهو الذي في ظهره أو بطنه بياض، وأخذ بهذا القيد بعض أصحاب الحديث. كما حكاه ابن المنذر وغيره.
ثمّ وجدت ابن خزيمة قد صرّح باختياره، وهو قضيّة حمل المطلق على المقيّد.
وأجاب ابن بطّال: بأنّ هذه الزّيادة لا تصحّ لأنّها من رواية قتادة عن سعيد، وهو مدلس وقد شذّ بذلك.
وقال ابن عبد البرّ: لا تثبت هذه الزّيادة.
وقال ابن قدامة: الرّوايات المطلقة أصحّ.
وفي جميع هذا التّعليل نظر.
أولاً: أمّا دعوى التّدليس. فمردودة بأنّ شعبة لا يروي عن
شيوخه المدلسين إلَاّ ما هو مسموع لهم وهذا من رواية شعبة، بل صرّح النّسائيّ في روايته من طريق النّضر بن شميلٍ عن شعبة بسماع قتادة.
ثانياً: وأمّا نفي الثّبوت. فمردود بإخراج مسلم.
ثالثاً: وأمّا التّرجيح. فليس من شرط قبول الزّيادة ، بل الزّيادة مقبولة من الثّقة الحافظ ، وهو كذلك هنا.
نعم قال ابن قدامة: يلتحق بالأبقع ما شاركه في الإيذاء وتحريم الأكل. وقد اتّفق العلماء على إخراج الغراب الصّغير الذي يأكل الحبّ من ذلك ، ويقال له غراب الزّرع ، ويقال له الزّاغ، وأفتوا بجواز أكله، فبقي ما عداه من الغربان ملتحقاً بالأبقع.
ومنها الغداف على الصّحيح في " الرّوضة " بخلاف تصحيح الرّافعيّ، وسَمّى ابن قدامة الغداف غراب البين، والمعروف عند أهل اللّغة أنّه الأبقع.
قيل: سُمِّي غراب البين ، لأنّه بان عن نوح لَمّا أرسله من السّفينة ليكشف خبر الأرض، فلقي جيفة فوقع عليها ولَم يرجع إلى نوح، وكان أهل الجاهليّة يتشاءمون به فكانوا إذا نَعَبَ (1) مرّتين. قالوا: آذن بشرٍّ، وإذا نعب ثلاثاً. قالوا: آذن بخيرٍ، فأبطل الإسلام ذلك.
وكان ابن عبّاس إذا سمع الغراب. قال: اللهمّ لا طير إلَاّ طيرك
(1) قال في القاموس (1/ 139): نعب الغراب وغيره، كمنع وضرب، نعباً ونعيباً ونعاباً وتنعاباً ونعباناً: صوّت، أو مدّ عنقه وحرّك رأسه في صياحه.
ولا خير إلَاّ خيرك ولا إله غيرك. (1)
وقال صاحب الهداية: المراد بالغراب في الحديث الغداف والأبقع ، لأنّهما يأكلان الجيف، وأمّا غراب الزّرع فلا. وكذا استثناه ابن قدامة، وما أظنّ فيه خلافاً، وعليه يُحمل ما جاء في حديث أبي سعيد عند أبي داود - إن صحّ - حيث قال فيه: ويرمي الغراب ولا يقتله.
وروى ابن المنذر وغيره نحوه عن عليّ ومجاهد.
قال ابن المنذر: أباح كلّ من يحفظ عنه العلم قتل الغراب في الإحرام إلَاّ ما جاء عن عطاء قال في مُحرم كسر قرن غراب ، فقال: إن أدماه فعليه الجزاء. وقال الخطّابيّ: لَم يتابع أحدٌ عطاءً على هذا، انتهى.
ويحتمل: أن يكون مراده غراب الزّرع.
وعند المالكيّة اختلاف آخر في الغراب والحدأة هل يتقيّد جواز
(1) أخرجه الإمام أحمد في " الزهد "(1/ 238) من طريق مهدي بن ميمون حدثنا غيلان عن رجلٍ - إن لَم يكن مطرّفاً فلا ادري من هو - عن ابن عباس به.
وأخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف "(29872) عن غيلان عن ابن عبَّاس به. دون واسطة. والصواب الأول ، وغيلان هو ابن جرير المعولي الأزدي البصري.
وفي المسند للإمام أحمد (7045) من حديث عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ردَّته الطيرة من حاجة فقد أشرك. قالوا: يا رسول الله، ما كفارة ذلك؟ قال: أن يقول أحدهم: اللهم لا خير إلَاّ خيرك، ولا طير إلَاّ طيرك، ولا إله غيرك. وفي سنده ابن لهيعة.
ورواه البزار (4379) من حديث بريدة رضي الله عنه نحوه. قال الهيثمي في " المجمع "(5/ 105): فيه الحسن بن أبي جعفر، وهو متروك ، وقد قيل فيه: صدوق منكر الحديث.
قتلهما بأن يبتدئا بالأذى، وهل يختصّ ذلك بكبارها؟.والمشهور عنهم - كما قال ابن شاسٍ - لا فرق ، وفاقاً للجمهور.
ومن أنواع الغربان الأعصم، وهو الذي في رجليه أو في جناحيه أو بطنه بياض أو حمرة، وله ذكر في قصّة حفر عبد المطّلب لزمزم، وحكمه حكم الأبقع.
ومنها العقعق. وهو قدر الحمامة على شكل الغراب، قيل: سُمِّي بذلك ، لأنّه يعقّ فراخه فيتركها بلا طعم، وبهذا ظهر أنّه نوع من الغربان، والعرب تتشاءم به أيضاً.
ووقع في فتاوى قاضي خان الحنفيّ: من خرج لسفرٍ فسمع صوت العقعق فرجع كفر، وحكمه حكم الأبقع على الصّحيح، وقيل: حكم غراب الزّرع. وقال أحمد: إن أكل الجيف وإلا فلا بأس به.
قوله: (والحِدَأة) بالكسر وفتح الدال بعدها همزة طير معروف. بزيادة هاء. بلفظ الواحدة وليست للتّأنيث ، بل هي كالهاء في التّمرة. وللبخاري " الحِدأ " بكسر أوّله وفتح ثانيه بعدها همزة بغير مدّ.
وحكى صاحب " المحكم " المدّ فيه ندوراً، وحكى الأزهريّ فيها " حدوة " بواوٍ بدل الهمزة.
وفي رواية للبخاري بلفظ " الحُديّا " بضمّ أوّله وتشديد التّحتانيّة مقصور، ومثله لمسلمٍ في رواية هشام بن عروة عن أبيه ، وقيل: هي لغة حجازيّة، وغيرهم يقول " حديّة ".
وقد أنكر ثابتٌ في " الدّلائل "(1) هذه الصّيغة ، وقال: الصّواب الحديأة أو الحدّيّة. أي: بهمزةٍ وزيادة هاء ، أو بالتّشديد بغير همز.
قال: والصّواب أنّ الحديأة ليس من هذا، وإنّما هو من التّحدّي يقولون: فلان يتحدّى فلاناً. أي: ينازعه ويغالبه.
وعن أبي حاتم: أهل الحجاز يقولون لهذا الطّائر الحديّا ، ويجمعونه الحداديّ، وكلاهما خطأ. وأمّا الأزهريّ فصوّبه ، وقال: الحديأة تصغير الحديّ، ومن خواصّ الحدأة أنّها تقف في الطّيران، ويقال: إنّها لا تختطف إلَاّ من جهة اليمين
تنْبيه: يلتبس بالحدأ الحدأة بفتح أوّله: فأس له رأسان.
قوله: (والعقرب) هذا اللفظ للذّكر والأنثى، وقد يقال عقربة وعقرباء، وليس منها العقربان ، بل هي دويبّة طويلة كثيرة القوائم.
قال صاحب " المحكم ": ويقال إنّ عينها في ظهرها ، وإنّها لا تضرّ ميّتاً ولا نائماً حتّى يتحرّك. ويقال: لدغته العقرب بالغين المعجمة ولسعته بالمهملتين.
وقد تقدّم اختلاف الرّواة في ذكر الحيّة بَدَلَها في حديث الباب ومن جمعهما.
والذي يظهر لي أنّه صلى الله عليه وسلم نبّه بإحداهما على الأخرى عند الاقتصار ، وبيّن حكمهما معاً حيث جمع.
قال ابن المنذر: لا نعلمهم اختلفوا في جواز قتل العقرب. وقال
(1) أي: " كتاب الدلائل في غريب الحديث " لأبي محمد ثابت بن القاسم السرقسطي.
نافع لَمّا قيل له: فالحيّة؟ قال: لا يُختلف فيها ، وفي رواية: ومن يشكّ فيها؟.
وتعقّبه ابن عبد البرّ: بما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق شعبة ، أنّه سأل الحكم وحمّاداً. فقالا: لا يقتل المُحرم الحيّة ولا العقرب.
قال: ومن حجّتهما أنّهما من هوامّ الأرض فيلزم من أباح قتلهما مثل ذلك في سائر الهوامّ، وهذا اعتلال لا معنى له، نعم عند المالكيّة خلاف في قتل صغير الحيّة والعقرب التي لا تتمكّن من الأذى.
قوله: (والفأرة) بهمزةٍ ساكنة ويجوز فيها التّسهيل.
ولَم يختلف العلماء في جواز قتلها للمحرم إلَاّ ما حكي عن إبراهيم النّخعيّ. فإنّه قال: فيها جزاء إذا قتلها المُحرم. أخرجه ابن المنذر، وقال: هذا خلاف السّنّة وخلاف قول جميع أهل العلم.
وروى البيهقيّ بإسنادٍ صحيح عن حمّاد بن زيد. قال لَمّا ذكروا له هذا القول: ما كان بالكوفة أفحش ردّاً للآثار من إبراهيم النّخعيّ لقلّة ما سمع منها، ولا أحسن اتّباعاً لها من الشّعبيّ لكثرة ما سمع.
ونقل ابن شاسٍ عن المالكيّة خلافاً في جواز قتل الصّغير منها الذي لا يتمكّن من الأذى.
والفأر أنواع، منها: الجُرَذ بالجيم بوزن عمر، والخُلْد بضمّ المعجمة وسكون اللام، وفأرة الإبل، وفأرة المسك، وفأرة الغيط.
وحكمها في تحريم الأكل وجواز القتل سواء، وفي الصحيحين إطلاق الفويسقة عليها من حديث جابر.
وتقدّم سبب تسميتها بذلك من حديث أبي سعيد.
وقيل: إنّما سُمِّيت بذلك ، لأنّها قطعت حِبال سفينة نوح، والله أعلم.
قوله: (والكلب العقور) الكلب معروف ، والأنثى كلبة ، والجمع أكلب وكلاب وكَليب بالفتح، كأعبدٍ وعباد وعبيد. وفي الكلب بَهيميّة وسَبعيّة كأنّه مركّب.
وفيه منافع للحراسة والصّيد. وفيه من اقتفاء الأثر وشمّ الرّائحة والحراسة وخفّة النّوم والتّودّد وقبول التّعليم ما ليس لغيره.
وقيل: إنّ أوّل من اتّخذه للحراسة نوح عليه السلام.
واختلف العلماء في المراد به هنا، وهل لوصفه بكونه عقوراً مفهومٌ ، أو لا.؟
فروى سعيد بن منصور بإسنادٍ حسن عن أبي هريرة قال: الكلب العقور الأسد. وعن سفيان عن زيد بن أسلم ، أنّهم سألوه عن الكلب العقور؟ فقال: وأيّ كلب أعقر من الحيّة؟.
وقال زفر: المراد بالكلب العقور هنا الذّئب خاصّة.
وقال مالك في الموطّإ: كلّ ما عقر النّاس وعدا عليهم وأخافهم مثل الأسد والنّمر والفهد والذّئب هو العقور. وكذا نقل أبو عبيد عن سفيان، وهو قول الجمهور.
وقال أبو حنيفة: المراد بالكلب هنا الكلب خاصّة، ولا يلتحق به في هذا الحكم سوى الذّئب.
واحتجّ أبو عبيد للجمهور بقوله صلى الله عليه وسلم: اللهمّ سلَّط عليه كلباً من كلابك. فقتله الأسد. وهو حديثٌ حسنٌ. أخرجه الحاكم من طريق أبي نوفل بن أبي عقرب عن أبيه.
واحتجّ بقوله تعالى (وما علمتم من الجوارح مكلبين) فاشتقّها من اسم الكلب، فلهذا قيل لكل جارح عقور.
واحتجّ الطّحاويّ للحنفيّة: بأنّ العلماء اتّفقوا على تحريم قتل البازي والصّقر وهما من سباع الطّير فدلَّ ذلك على اختصاص التّحريم بالغراب والحدأة، وكذلك يختصّ التّحريم بالكلب وما شاركه في صفته وهو الذّئب.
وتعقّب: بردّ الاتّفاق، فإنّ مخالفيهم أجازوا قتل كلّ ما عدا وافترس، فيدخل فيه الصّقر وغيره، بل معظمهم قال: يلتحق بالخمس كلّ ما نهي عن أكله إلَاّ ما نهي عن قتله.
واختلف العلماء في غير العقور ممّا لَم يؤمر باقتنائه.
القول الأول: صرّح بتحريم قتله القاضيان حسين والماورديّ وغيرهما، ووقع في " الأمّ " للشّافعيّ الجواز.
واختلف كلام النّوويّ. فقال في البيع من " شرح المهذّب ": لا خلاف بين أصحابنا في أنّه محترم لا يجوز قتله، وقال في التّيمّم والغصب: إنّه غير محترم. وقال في الحجّ: يكره قتله كراهة تنزيه.
وهذا اختلاف شديد، وعلى كراهة قتله اقتصر الرّافعيّ وتبعه في " الرّوضة " وزاد: إنّها كراهة تنزيه، والله أعلم.
القول الثاني: ذهب الجمهور كما تقدّم إلى إلحاق غير الخمس بها في هذا الحكم، إلَاّ أنّهم اختلفوا في المعنى.
فقيل: لكونها مؤذية فيجوز قتل كلّ مؤذٍ، وهذا قضيّة مذهب مالك.
وقيل: لكونها ممّا لا يؤكل، فعلى هذا كلّ ما يجوز قتله لا فدية على المُحرم فيه، وهذا قضيّة مذهب الشّافعيّ. وقد قسّم هو وأصحابه الحيوان بالنّسبة للمحرم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: يستحبّ كالخمس وما في معناها ممّا يؤذي.
القسم الثاني: يجوز كسائر ما لا يؤكل لحمه وهو قسمان:
الأول: ما يحصل منه نفع وضرر فيباح لِمَا فيه من منفعة الاصطياد. ولا يكره لِمَا فيه من العدوان.
الثاني: ليس فيه نفع ولا ضرر فيكره قتله ولا يحرم.
القسم الثّالث: ما أبيح أكله أو نهي عن قتله فلا يجوز ففيه الجزاء إذا قتله المُحرم.
وخالف الحنفيّة. فاقتصروا على الخمس إلَاّ أنّهم ألحقوا بها الحيّة لثبوت الخبر، والذّئب لمشاركته للكلب في الكلبيّة، وأَلْحقوا بذلك من ابتدأ بالعدوان والأذى من غيرها.
وتعقّب: بظهور المعنى في الخمس - وهو الأذى الطّبيعيّ والعدوان المركّب - والمعنى إذا ظهر في المنصوص عليه تعدّى الحكم إلى كلّ ما وجد فيه ذلك المعنى، كما وافقوا عليه في مسائل الرّبا.
قال ابن دقيق العيد: والتّعدية بمعنى الأذى إلى كلّ مؤذٍ قويّ بالإضافة إلى تصرّف أهل القياس، فإنّه ظاهر من جهة الإيماء بالتّعليل بالفسق وهو الخروج عن الحدّ، وأمّا التّعليل بحرمة الأكل ففيه إبطال لِمَا دلَّ عليه إيماء النّصّ من التّعليل بالفسق. انتهى
وقال غيره: هو راجع إلى تفسير الفسق، فمن فسرّه بأنّه الخروج عن بقيّة الحيوان بالأذى علل به، ومَن قال بجواز القتل وتحريم الأكل علل به.
وقال من علَّل بالأذى: أنواع الأذى مختلفة، وكأنّه نبّه بالعقرب على ما يشاركها في الأذى باللسع ونحوه من ذوات السّموم كالحيّة والزّنبور، وبالفأرة على ما يشاركها في الأذى بالنّقب والقرض كابن عُرْس، وبالغراب والحدأ على ما يشاركهما بالاختطاف كالصّقر، وبالكلب العقور على ما يشاركه في الأذى بالعدوان والعقر كالأسد والفهد.
وقال: من علَّل بتحريم الأكل وجواز القتل إنّما اقتصر على الخمس لكثرة ملابستها للنّاس بحيث يعمّ أذاها، والتّخصيص بالغلبة لا مفهوم له.
تكْمِلة: نقل الرّافعيّ عن الإمام (1) أنّ هذه الفواسق لا ملك فيها لأحدٍ ولا اختصاص، ولا يجب ردّها على صاحبها، ولَم يذكر مثل
(1) أي: إمام الحرمين شيخ الشافعية. الإمام أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني الشافعي رحمه الله المتوفى سنة 478 هـ. وهو المقصود بالإمام عند الشافعية.
ذلك في غير الخمس ممّا يلتحق بها في المعنى، فليتأمّل.
واستُدل به على جواز قتل من لجأ إلى الحرم ممّن وجب عليه القتل ، لأنّ إباحة قتل هذه الأشياء معلَّلٌ بالفسق ، والقاتل فاسق فيقتل بل هو أولى، لأنّ فسق المذكورات طبيعيّ، والمُكلَّف إذا ارتكب الفسق هاتك لحرمة نفسه فهو أولى بإقامة مقتضى الفسق عليه.
وأشار ابن دقيق العيد إلى أنّه بحث قابل للنّزاع.
فائدةٌ: نقل ابن عبد البرّ الاتّفاق على جواز قتل الوزغ في الحلّ والحرم.
لكن نقل ابن عبد الحكم وغيره عن مالك: لا يقتل المُحرم الوزغ، زاد ابن القاسم: وإن قتله يتصدّق لأنّه ليس من الخمس المأمور بقتلها.
وروى ابن أبي شيبة ، أنّ عطاء سُئل عن قتل الوزغ في الحرم؟ فقال: إذا آذاك فلا بأس بقتله.
وهذا يفهم توقّف قتله على أذاه.