الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثالث عشر
194 -
عن عائشة رضي الله عنها ، قالت: كان يكون عليّ الصّوم من رمضان ، فما أستطيع أن أقضي إلَاّ في شعبان. (1)
قوله: (فما أستطيع أن أقضيه إلَاّ في شعبان) استدل به على أنّ عائشة كانت لا تتطوّع بشيءٍ من الصّيام لا في عشر ذي الحجّة ولا في عاشوراء ولا غير ذلك.
وهو مبنيٌّ على أنّها كانت لا ترى جواز صيام التّطوّع لمن عليه دين من رمضان، ومن أين لقائله ذلك؟.
قال سعيد بن المسيّب في صوم العشر: لا يصلح حتّى يبدأ برمضان ، ذكره البخاري معلقاً. ووصله ابن أبي شيبة عنه نحوه. ولفظه " لا بأس أن يقضي رمضان في العشر " ،
وظاهر قوله ، جواز التّطوّع بالصّوم لمن عليه دينٌ من رمضان، إلَاّ أنّ الأولى له أن يصوم الدّين أوّلاً لقوله " لا يصلح " فإنّه ظاهرٌ في الإرشاد إلى البداءة بالأهمّ والآكد.
وقد روى عبد الرّزّاق عن أبي هريرة ، أنّ رجلاً قال له: إنّ عليّ
(1) أخرجه البخاري (1849) ومسلم (1146) من طريق يحيى بن سعيد عن أبي سلمة عن عائشة به.
ولمسلم (1146) من رواية محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة بن عبدالرحمن عن عائشة رضي الله عنها ، أنها قالت: إنْ كانت إحدانا لتفطر في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فما تقدر على أن تقضيه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يأتي شعبان.
أيّاماً من رمضان أفأصوم العشر تطوّعاً؟ قال: لا، ابدأ بحقّ الله ثمّ تطوّع ما شئت ". وعن عائشة نحوه.
وروى ابن المنذر عن عليّ ، أنّه نهى عن قضاء رمضان في عشر ذي الحجّة. وإسناده ضعيف، قال: وروي بإسنادٍ صحيحٍ نحوه عن الحسن والزّهريّ. وليس مع أحدٍ منهم حجّةٌ على ذلك.
وروى ابن أبي شيبة بإسنادٍ صحيحٍ عن عمر ، أنّه كان يستحبّ ذلك.
تكميل: زاد البخاري " قال يحيى بن سعيد: الشّغل من النّبيّ أو بالنّبيّ صلى الله عليه وسلم " وهو خبر مبتدأٍ محذوفٍ تقديره: المانع لها الشّغل، أو هو مبتدأ محذوف الخبر تقديره الشّغل هو المانع لها.
وفي قوله " قال يحيى " هذا تفصيلٌ لكلام عائشة من كلام غيرها، ووقع في رواية مسلم مدرجاً لَم يقل فيه: قال يحيى. فصار كأنّه من كلام عائشة أو من روى عنها، وكذا أخرجه أبو عوانة من وجه آخر عن زهير، وأخرجه مسلم من طريق سليمان ابن بلال عن يحيى مدرجاً أيضاً. ولفظه: وذلك لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرجه من طريق ابن جريجٍ عن يحيى. فبيّن إدراجه ولفظه " فظننت أنّ ذلك لمكانها من رسول الله صلى الله عليه وسلم. يحيى يقوله " وأخرجه أبو داود من طريق مالك، والنّسائيّ من طريق يحيى القطّان، وسعيد بن منصور عن ابن شهاب وسفيان، والإسماعيليّ من طريق أبي خالد كلّهم عن يحيى. بدون الزّيادة.
وأخرجه مسلم من طريق محمّد بن إبراهيم التّيميّ عن أبي سلمة. بدون الزّيادة ، لكن فيه ما يشعر بها فإنّه قال فيه ما معناه: فما أستطيع قضاءها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويحتمل: أن يكون المراد بالمعيّة الزّمان. أي: إنّ ذلك كان خاصّاً بزمانه. وللتّرمذيّ وابن خزيمة من طريق عبد الله البهيّ عن عائشة " ما قضيت شيئاً ممّا يكون عليّ من رمضان إلَاّ في شعبان حتّى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
وممّا يدلّ على ضعف الزّيادة ، أنّه صلى الله عليه وسلم كان يقسم لنسائه فيعدل ، وكان يدنو من المرأة في غير نوبتها فيقبّل ويلمس من غير جماع، فليس في شغلها بشيء من ذلك ما يمنع الصّوم، اللهمّ إلَاّ أن يقال: إنّها كانت لا تصوم إلَاّ بإذنه ، ولَم يكن يأذن. لاحتمال احتياجه إليها فإذا ضاق الوقت أذن لها، وكان هو صلى الله عليه وسلم يكثر الصّوم في شعبان كما في الصحيحين. فلذلك كانت لا يتهيّأ لها القضاء إلَاّ في شعبان.
وفي الحديث دلالة على جواز تأخير قضاء رمضان مطلقاً. سواء كان لعذرٍ أو لغير عذر ، لأنّ الزّيادة كما بيّنّاه مدرجةٌ ، فلو لَم تكن مرفوعة لكان الجواز مقيّداً بالضّرورة ، لأنّ للحديث حكم الرّفع ، لأنّ الظّاهر اطّلاع النّبيّ صلى الله عليه وسلم على ذلك مع توفّر دواعي أزواجه على السّؤال منه عن أمر الشّرع. فلولا أنّ ذلك كان جائزاً لَم تواظب عائشة عليه.
ويؤخذ من حرصها على ذلك في شعبان أنّه لا يجوز تأخير القضاء
حتّى يدخل رمضان آخر. وأمّا الإطعام فليس فيه ما يثبته ولا ينفيه.
مسألتان:
المسألة الأولى: متى تصام الأيام التي تُقضى عن فوات رمضان؟ هل يتعيَّن قضاؤه متتابعاً أو يجوز متفرقاً؟ وهل يتعين على الفور أو يجوز على التراخي؟.
قال الزين بن المنير: ظاهر قوله تعالى (فعدةٌ من أيام أُخر) يقتضي التفريق لصدق " أيام أخر " سواء كانت متتابعة أو متفرقة، والقياس يقتضي التتابع إلحاقاً لصفة القضاء بصفة الأداء، وظاهر صنيع عائشة يقتضي إيثار المبادرة إلى القضاء لولا ما منعها من الشغل، فيشعر بأن من كان بغير عذر لا ينبغي له التأخير.
قلت: وهو قول الجمهور.
ونقل ابن المنذر وغيره عن عليٍ وعائشة وجوب التتابع. وهو قول بعض أهل الظاهر، وروى عبد الرزاق بسنده عن ابن عمر قال: يقضيه تباعاً. وعن عائشة: نزلت (فعدةٌ من أيام أُخر متتابعات) فسقطت متتابعات.
وفي " الموطأ " أنها قراءة أبي بن كعب، وهذا - إن صحَّ - يشعر بعدم وجوب التتابع. فكأنه كان أولا واجباً ثم نسخ.
ولا يختلف المجيزون للتفريق أنَّ التتابع أولى.
وروى مالك عن الزهري: أنَّ ابن عباس وأبا هريرة اختلفا في قضاء رمضان، فقال أحدهما: يفرَّق ، وقال الآخر: لا يفرَّق. هكذا
أخرجه منقطعاً مبهماً.
ووصله عبد الرزاق معيناً عن معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس. فيمن عليه قضاء من رمضان قال: يقضيه مفرقاً، قال الله تعالى (فعدة من أيام أخر).
وأخرجه الدارقطني من وجه آخر عن معمر بسنده قال: صُمْه كيف شئت.
ورويناه في " فوائد أحمد ابن شبيب " من روايته عن أبيه عن يونس عن الزهري بلفظ: لا يضرك كيف قضيتها إنما هي عدة من أيام أخر فأحصه.
وقال عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء ، أنَّ ابن عباس وأبا هريرة قالا: فرِّقه إذا أحصيته.
وروى ابن أبي شيبة من وجه آخر عن أبي هريرة نحو قول ابن عمر، وكأنه اختلف فيه عن أبي هريرة.
وروى ابن أبي شيبة أيضاً من طريق معاذ بن جبل: إذا أحصى العِدة فليصم كيف شاء. ومن طريق أبي عبيدة بن الجراح ورافع بن خديج نحوه، وروى سعيد بن منصور عن أنس نحوه.
المسألة الثانية: إذا فرَّط حتى جاء رمضان آخر.
قال البخاري: ولم يذكرِ الله تعالى الإطعام، إنما قال: فعدة من أيام أخر.
هذا من كلام البخاري قاله تفقها ، لكن إنما يقوى ما احتج به إذا لم
يصحّ في السنة دليل الإطعام. إذ لا يلزم من عدم ذكره في الكتاب أن لا يثبت بالسنة.
ولم يثبت فيه شيء مرفوع. وإنما جاء فيه عن جماعة من الصحابة
منهم أبو هريرة: أخرج عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عطاء عن أبي هريرة قال: أيّ إنسان مرض في رمضان ثم صح فلم يقضه حتى أدركه رمضان آخر فليصم الذي حدث. ثم يقض الآخر ، ويطعم مع كل يوم مسكينا. قلت لعطاء: كم بلغك يطعم؟ قال: مُدَّاً زعموا.
وأخرجه عبد الرزاق أيضاً عن معمر عن أبي إسحاق، عن مجاهد عن أبي هريرة نحوه ، وقال فيه " وأطعم عن كل يوم نصف صاع من قمح " وأخرجه الدارقطني من طريق مطرف عن أبي إسحاق نحوه.
ومن طريق رقبة وهو ابن مصقلة قال: زعم عطاء أنه سمع أبا هريرة يقول في المريض يمرض ولا يصوم رمضان ثم يترك حتى يدركه رمضان آخر قال: يصوم الذي حضره ثم يصوم الآخر ويطعم لكل يوم مسكينا " ومن طريق ابن جريج وقيس بن سعد عن عطاء نحوه.
ومنهم ابن عباس: فروى سعيد بن منصور عن هشيم والدارقطني من طريق ابن عيينة كلاهما عن يونس عن أبي إسحاق عن مجاهد عن ابن عباس قال: من فرَّط في صيام رمضان حتى أدركه رمضان آخر فليصم هذا الذي أشركه ثم ليصم ما فاته. ويطعم مع كل يوم
مسكينا.
وأخرجه عبد الرزاق من طريق جعفر بن برقان، وسعيد بن منصور من طريق حجاج، والبيهقي من طريق شعبة عن الحكم، كلهم عن ميمون بن مهران عن ابن عباس نحوه.
ومنهم عمر. عند عبد الرزاق.
ونقل الطحاوي عن يحيى بن أكثم قال: وجدته عن ستة من الصحابة لا أعلم لهم فيه مخالفاً. انتهى.
وهو قول الجمهور، وخالف في ذلك إبراهيم النخعي وأبو حنيفة وأصحابه، ومال الطحاوي إلى قول الجمهور في ذلك.
وممن قال بالإطعام ابن عمر ، لكنه بالغ في ذلك فقال: يطعم ولا يصوم.
فروى عبد الرزاق وابن المنذر وغيرهما من طرق صحيحة عن نافع عن ابن عمر قال: من تابعه رمضانان - وهو مريض لم يصحّ بينهما - قضى الآخر منها بصيام ، وقضى الأول منهما بإطعام مُد من حنطة كل يوم ، ولم يصم. لفظ عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع.
قال الطحاوي: تفرد ابن عمر بذلك.
قلت: لكن عند عبد الرزاق عن ابن جريج عن يحيى بن سعيد قال: بلغني مثل ذلك عن عمر، لكن المشهور عن عمر خلافه، فروى عبد الرزاق أيضاً من طريق عوف بن مالك سمعت عمر يقول: من صام يوماً من غير رمضان وأطعم مسكيناً فإنهما يعدلان يوماً من
رمضان. ونقله ابن المنذر عن ابن عباس وعن قتادة.
وانفرد ابن وهب بقوله: من أفطر يوماً في قضاء رمضان وجب عليه لكل يوم صوم يومين.