المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الثاني 183 - عن عبد الله بن عمر رضي الله - فتح السلام شرح عمدة الأحكام من فتح الباري - جـ ٤

[عبد السلام العامر]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الزكاة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب صدقة الفطر

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌كتاب الصيام

- ‌(باب

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌باب الصوم في السّفر وغيره

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌باب أفضل الصيام وغيره

- ‌الحديث العشرون

- ‌الحديث الواحد والعشرون

- ‌الحديث الثاني والعشرون

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌الحديث الرابع والعشرون

- ‌الحديث الخامس والعشرون

- ‌الحديث السادس والعشرون

- ‌الحديث السابع والعشرون

- ‌باب ليلة القدر

- ‌الحديث الثامن والعشرون

- ‌الحديث التاسع والعشرون

- ‌الحديث الثلاثون

- ‌باب الاعتكاف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌كتاب الحجّ

- ‌باب المواقيت

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب ما يلبس المُحرم من الثياب

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب الفدية

- ‌الحديث السابع

- ‌باب حرمة مكة

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌باب ما يجوز قتله

- ‌الحديث العاشر

- ‌باب دخول مكة وغيره

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌باب التّمتّع

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌الحديث العشرون

- ‌الحديث الواحد والعشرون

- ‌الحديث الثاني والعشرون

- ‌باب الهدي

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌الحديث الرابع والعشرون

- ‌الحديث الخامس والعشرون

- ‌الحديث السادس والعشرون

- ‌الحديث السابع والعشرون

- ‌باب الغسل للمحرم

- ‌الحديث الثامن والعشرون

- ‌باب فسخ الحجّ إلى العمرة

- ‌الحديث التاسع والعشرون

- ‌الحديث الثلاثون

- ‌الحديث الواحد والثلاثون

- ‌الحديث الثاني والثلاثون

- ‌الحديث الثالث والثلاثون

- ‌الحديث الرابع والثلاثون

- ‌الحديث الخامس والثلاثون

- ‌الحديث السادس والثلاثون

- ‌الحديث السابع والثلاثون

- ‌الحديث الثامن والثلاثون

- ‌الحديث التاسع والثلاثون

- ‌باب المُحرم يأكل من صيد الحلال

- ‌الحديث الأربعون

- ‌الحديث الواحد والأربعون

الفصل: ‌ ‌الحديث الثاني 183 - عن عبد الله بن عمر رضي الله

‌الحديث الثاني

183 -

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه ، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غُمّ عليكم فاقدروا له. (1)

قوله: (إذا رأيتموه فصوموا) ولهما من رواية نافع عن ابن عمر " لا تصوموا حتّى تروا الهلال " ظاهره إيجاب الصّوم حين الرّؤية متى وجدت ليلاً أو نهاراً لكنّه محمولٌ على صوم اليوم المستقبل. وبعض العلماء فرّق بين ما قبل الزّوال أو بعد.

وخالف الشّيعةُ الإجماعَ. فأوجبوه مطلقاً.

وهو ظاهرٌ في النّهي عن ابتداء صوم رمضان قبل رؤية الهلال فيدخل فيه صورة الغيم وغيرها، ولو وقع الاقتصار على هذه الجملة لكفى ذلك لمن تمسّك به، لكنّ اللفظ الذي رواه أكثر الرّواة أوقع للمخالف شبهة. وهو قوله " فإن غمّ عليكم فاقدروا له ".

فاحتمل. أن يكون المراد التّفرقة بين حكم الصّحو والغيم، فيكون التّعليق على الرّؤية متعلقاً بالصّحو، وأمّا الغيم فله حكمٌ آخر.

ويحتمل: أن لا تفرقة ، ويكون الثّاني مؤكّداً للأوّل.

(1) أخرجه البخاري (1801) ومسلم (1080) من طريق ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه به.

وأخرجه البخاري (1807) ومسلم (1080) من طرق (منهم مالك) عن نافع عن ابن عمر به نحوه. وأخرجاه من طرق أخرى عن ابن عمر نحوه.

ص: 101

وإلى الأوّل: ذهب أكثر الحنابلة.

وإلى الثّاني: ذهب الجمهور ، فقالوا: المراد بقوله " فاقدروا له " أي: انظروا في أوّل الشّهر. واحسبوا تمام الثّلاثين.

ويرجّح هذا التّأويل. الرّوايات الأُخر المصرّحة بالمراد ، وهي قوله " فأكملوا العدّة ثلاثين " ونحوها، وأولى ما فسّر الحديث بالحديث.

وقد وقع الاختلاف في حديث أبي هريرة في هذه الزّيادة أيضاً ، فرواها البخاريّ عن آدم عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة بلفظ " فأكملوا عدّة شعبان ثلاثين " وهذا أصرح ما ورد في ذلك.

وقد قيل: إن آدم شيخه انفرد بذلك ، فإنّ أكثر الرّواة عن شعبة قالوا فيه " فعدّوا ثلاثين " أشار إلى ذلك الإسماعيليّ ، وهو عند مسلم وغيره. قال: فيجوز أن يكون آدم أورده على ما وقع عنده من تفسير الخبر.

قلت: الذي ظنّه الإسماعيليّ صحيحٌ، فقد رواه البيهقيّ من طريق إبراهيم بن يزيد عن آدم بلفظ " فإن غمّ عليكم فعدّوا ثلاثين يوماً " يعني عدّوا شعبان ثلاثين، فوقع للبخاريّ إدراج التّفسير في نفس الخبر.

ويؤيّده رواية أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ " لا تقدّموا رمضان بصوم يومٍ ولا يومين "، فإنّه يشعر بأنّ المأمور بعدده هو شعبان، وقد رواه مسلم من طريق الرّبيع بن مسلم عن محمّد بن زياد بلفظ " فأكملوا العدد " وهو يتناول كلّ شهرٍ فدخل فيه شعبان.

ص: 102

وروى الدّارقطنيّ وصحَّحه وابن خزيمة في " صحيحه " من حديث عائشة " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحفّظ من شعبان ما لا يتحفّظ من غيره ثمّ يصوم لرؤية رمضان، فإن غمّ عليه عدّ ثلاثين يوماً ثمّ صام " وأخرجه أبو داود وغيره أيضاً.

وروى أبو داود والنّسائيّ وابن خزيمة من طريق ربعيٍّ عن حذيفة مرفوعاً " لا تقدّموا الشّهر حتّى تروا الهلال أو تكملوا العدّة، ثمّ صوموا حتّى تروا الهلال أو تكملوا العدّة " وقيل: الصّواب فيه عن ربعيٍّ عن رجلٍ من الصّحابة. مُبهم، ولا يقدح ذلك في صحّته.

قال ابن الجوزيّ في " التّحقيق ": لأحمد في هذه المسألة - وهي ما إذا حال دون مطلع الهلال غيمٌ أو قترٌ ليلة الثّلاثين من شعبان - ثلاثة أقوال:

أحدها: يجب صومه على أنّه من رمضان.

ثانيها: لا يجوز فرضاً ولا نفلاً مطلقاً، بل قضاء وكفّارةً ونذراً ونفلاً يوافق عادة، وبه قال الشّافعيّ.

وقال مالك وأبو حنيفة: لا يجوز عن فرض رمضان ، ويجوز عمّا سوى ذلك.

ثالثها: المرجع إلى رأي الإمام في الصّوم والفطر.

واحتجّ الأوّل: بأنّه موافقٌ لرأي الصّحابيّ راوي الحديث.

قال أحمد: حدّثنا إسماعيل حدّثنا أيّوب عن نافعٍ عن ابن عمر فذكر الحديث بلفظ " فاقدروا له " قال نافع: فكان ابن عمر إذا مضى من

ص: 103

شعبان تسعٌ وعشرون يبعث من ينظر، فإن رأى فذاك، وإن لَم ير ولَم يحلْ دون منظره سحاب ولا قترٌ أصبح مفطراً، وإن حال أصبح صائماً.

وأمّا ما روى الثّوريّ في " جامعه " عن عبد العزيز بن حكيم سمعت ابن عمر يقول: لو صمت السّنة كلّها لأفطرت اليوم الذي يشكّ فيه.

فالجمع بينهما: أنّه في الصّورة التي أوجب فيها الصّوم لا يسمّى يوم شكٍّ، وهذا هو المشهور عن أحمد أنّه خصّ يوم الشّكّ بما إذا تقاعد النّاس عن رؤية الهلال ، أو شهد برؤيته من لا يقبل الحاكم شهادته.

فأمّا إذا حال دون منظره شيء فلا يُسمّى شكّاً. واختار كثير من المحقّقين من أصحابه الثّاني.

قال ابن عبد الهادي في تنقيحه: الذي دلَّت عليه الأحاديث - وهو مقتضى القواعد - أنّه. أيّ شهر غمّ أكمل ثلاثين سواءٌ في ذلك شعبان ورمضان وغيرهما، فعلى هذا قوله " فأكملوا العدّة " يرجع إلى الجملتين وهو قوله " صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غمّ عليكم فأكملوا العدّة " أي: غمّ عليكم في صومكم أو فطركم، وبقيّة الأحاديث تدلّ عليه. فاللام في قوله " فأكملوا العدّة " للشّهر. أي: عدّة الشّهر، ولَم يخصّ صلى الله عليه وسلم شهراً دون شهرٍ بالإكمال إذا غمّ، فلا فرق بين شعبان وغيره في ذلك، إذ لو كان شعبان غير مرادٍ بهذا الإكمال

ص: 104

لبيّنه ، فلا تكون رواية من روى " فأكملوا عدّة شعبان " مخالفةً لمَن قال " فأكملوا العدّة " بل مبيّنةً لها.

ويؤيّد ذلك قوله في الرّواية الأخرى: فإن حال بينكم وبينه سحاب فأكملوا العدّة ثلاثين ، ولا تستقبلوا الشّهر استقبالاً. أخرجه أحمد وأصحاب السّنن وابن خزيمة وأبو يعلى من حديث ابن عبّاسٍ هكذا، ورواه الطّيالسيّ من هذا الوجه بلفظ " ولا تستقبلوا رمضان بصوم يومٍ من شعبان ".

وروى النّسائيّ من طريق محمّد بن حنين عن ابن عبّاسٍ بلفظ " فإن غمّ عليكم فأكملوا العدّة ثلاثين "

تكميل: قوله " لا تصوموا حتّى تروه " ليس المراد تعليق الصّوم بالرّؤية في حقّ كلّ أحد، بل المراد بذلك رؤية بعضهم وهو من يثبت به ذلك، إمّا واحد على رأي الجمهور ، أو اثنان على رأي آخرين.

ووافق الحنفيّة على الأوّل ، إلَاّ أنّهم خصّوا ذلك بما إذا كان في السّماء عِلَّة من غيم وغيره، وإلا متى كان صحواً لَم يقبل إلَاّ من جمعٍ كثيرٍ يقع العلم بخبرهم.

وقد تمسّك بتعليق الصّوم بالرّؤية. مَن ذهب إلى إلزام أهل البلد برؤية أهل بلد غيرها. ومن لَم يذهب إلى ذلك قال لأنّ قوله " حتّى تروه " خطاب لأناسٍ مخصوصين فلا يلزم غيرهم، ولكنّه مصروفٌ عن ظاهره فلا يتوقّف الحال على رؤية كلٍّ واحدٍ فلا يتقيّد بالبلد.

وقد اختلف العلماء في ذلك على مذاهب:

ص: 105

القول الأول: لأهل كل بلد رؤيتهم، وفي صحيحٍ مسلمٍ من حديث ابن عبّاس ما يشهد له (1)، وحكاه ابن المنذر عن عكرمة والقاسم وسالم وإسحاق، وحكاه التّرمذيّ عن أهل العلم. ولَم يحك سواه، وحكاه الماورديّ وجهاً للشّافعيّة.

القول الثاني: مقابله إذا رؤي ببلدةٍ لزم أهل البلاد كلّها، وهو المشهور عند المالكيّة، لكن حكى ابن عبد البرّ الإجماع على خلافه، وقال: أجمعوا على أنّه لا تراعى الرّؤية فيما بعد من البلاد كخراسان والأندلس.

القول الثالث: قال القرطبيّ: قد قال شيوخنا: إذا كانت رؤية الهلال ظاهرة قاطعة بموضعٍ ، ثمّ نقل إلى غيرهم بشهادة اثنين لزمهم الصّوم.

القول الرابع: قال ابن الماجشون: لا يلزمهم بالشّهادة إلَاّ لأهل البلد الذي ثبتت فيه الشّهادة ، إلَاّ أن يثبت عند الإمام الأعظم فيلزم النّاس كلهم ، لأنّ البلاد في حقّه كالبلد الواحد إذ حكمه نافذ في الجميع.

(1) صحيح مسلم (1087) عن كريب، أنَّ أم الفضل بنت الحارث، بعثتْه إلى معاوية بالشام، قال: فقدِمتُ الشام، فقضيت حاجتها، واستهلَّ عليَّ رمضان وأنا بالشام، فرأيت الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمتُ المدينة في آخر الشهر، فسألني عبد الله بن عباس رضي الله عنه، ثم ذكر الهلال ، فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: رأيناه ليلة الجمعة، فقال: أنت رأيته؟ فقلت: نعم، ورآه الناس، وصاموا وصام معاوية؟ فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين، أو نراه، فقلت: أو لا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم "

ص: 106

القول الخامس: قال بعض الشّافعيّة: إن تقاربت البلاد كان الحكم واحداً وإن تباعدت فوجهان: لا يجب عند الأكثر.

واختار أبو الطّيّب وطائفة الوجوب وحكاه البغويّ عن الشّافعيّ.

وفي ضبط البُعد أوجه:

أحدها: اختلاف المطالع قطع به العراقيّون والصّيدلانيّ. وصحَّحه النّوويّ في " الرّوضة " و " شرح المهذّب ".

ثانيها: مسافة القصر. قطع به الإمام والبغويّ ، وصحَّحه الرّافعيّ في " الصّغير " والنّوويّ في شرح مسلم ".

ثالثها: اختلاف الأقاليم.

رابعها: حكاه السّرخسيّ فقال: يلزم كلّ بلدٍ لا يتصوّر خفاؤه عنها بلا عارضٍ دون غيرهم.

خامسها: قول ابن الماجشون المتقدّم.

واستدل به على وجوب الصّوم والفطر على من رأى الهلال وحده ، وإن لَم يثبت بقوله، وهو قول الأئمّة الأربعة في الصّوم.

واختلفوا في الفطر.

القول الأول: فقال الشّافعيّ: يفطر ويخفيه.

القول الثاني: قال الأكثر: يستمرّ صائماً احتياطاً.

قوله: (فإن غم عليكم) بضمّ المعجمة وتشديد الميم. أي: حالٍ بينكم وبينه غيم، يقال غممت الشّيء إذا غطّيته، ووقع في حديث أبي هريرة عند البخاري من طريق المستملي " فإن غمّ " ومن طريق

ص: 107

الكشميهنيّ " أغمى " ومن رواية السّرخسيّ " غبى " بفتح الغين المعجمة وتخفيف الموحّدة.

وأغمى وغمّ وغمّى بتشديد الميم وتخفيفها فهو مغموم، الكلّ بمعنى.

وأمّا غبى. فمأخوذ من الغباوة وهي عدم الفطنة. وهي استعارةٌ لخفاء الهلال، ونقل ابن العربيّ أنّه روى " عمى " بالعين المهملة من العمى. قال: وهو بمعناه ، لأنّه ذهاب البصر عن المشاهدات ، أو ذهاب البصيرة عن المعقولات

قوله: (فاقدروا له) اتّفق الرّواة عن مالكٍ عن نافعٍ عن ابن عمر فيه على قوله " فاقدروا له " وجاء من وجهٍ آخر عن نافعٍ بلفظ " فاقدروا ثلاثين " كذلك أخرجه مسلم من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع، وهكذا أخرجه عبد الرّزّاق عن معمرٍ عن أيّوب عن نافع. قال عبد الرّزّاق: وأخبرنا عبد العزيز بن أبي روّاد عن نافعٍ به وقال " فعدّوا ثلاثين ".

واتّفق الرّواة عن مالكٍ عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر. أيضاً فيه على قوله " فاقدروا له "(1) وكذلك رواه الزّعفرانيّ وغيره عن الشّافعيّ، وكذا رواه إسحاق الحربيّ وغيره في " الموطّأ " عن القعنبيّ.

وأخرجه الرّبيع بن سليمان والمزنيّ عن الشّافعيّ فقال فيه كما قاله

(1) وأخرجه مسلم أيضاً (1080) من طريق إسماعيل بن جعفر عن عبد الله بن دينار. بهذا اللفظ.

ص: 108

البخاريّ عن القعنبيّ عن مالك " فإن غمّ عليكم فأكملوا العدّة ثلاثين "

قال البيهقيّ في " المعرفة " إن كانت رواية الشّافعيّ والقعنبيّ من هذين الوجهين محفوظة فيكون مالك قد رواه على الوجهين.

قلت: ومع غرابة هذا اللفظ من هذا الوجه فله متابعات.

منها: ما رواه الشّافعيّ أيضاً من طريقٍ سالمٍ عن ابن عمر بتعيين الثّلاثين.

ومنها: ما رواه ابن خزيمة من طريق عاصم بن محمّد بن زيد عن أبيه عن ابن عمر بلفظ " فإن غمّ عليكم فكمّلوا ثلاثين ".

وله شواهد من حديث حذيفة عند ابن خزيمة، وأبي هريرة وابن عبّاس عند أبي داود والنّسائيّ وغيرهما، وعن أبي بكرة وطلق بن عليّ عند البيهقيّ، وأخرجه من طرقٍ أخرى عنهم وعن غيرهم.

وقد تقدّم أنّ للعلماء في قوله (فاقدروا له) تأويلين.

وذهب آخرون إلى تأويلٍ ثالثٍ، قالوا: معناه فاقدروه بحساب المنازل. قاله أبو العبّاس بن سريج من الشّافعيّة ومطرّف بن عبد الله من التّابعين وابن قتيبة من المحدّثين.

قال ابن عبد البرّ: لا يصح عن مطرّف، وأمّا ابن قتيبة. فليس هو ممّن يعرّج عليه في مثل هذا. قال: ونقل ابن خويز مندادٍ عن الشّافعيّ مسألة ابن سريج ، والمعروف عن الشّافعيّ ما عليه الجمهور.

ونقل ابن العربيّ عن ابن سريجٍ أنّ قوله " فاقدروا له ": خطاب

ص: 109

لمن خصّه الله بهذا العلم، وأنّ قوله " فأكملوا العدّة " خطاب للعامّة.

قال ابن العربيّ: فصار وجوب رمضان عنده مختلف الحال يجب على قومٍ بحساب الشّمس والقمر وعلى آخرين بحساب العدد، قال: وهذا بعيد عن النّبلاء.

وقال ابن الصّلاح: معرفة منازل القمر هي معرفة سير الأهلة، وأمّا معرفة الحساب فأمر دقيق يختصّ بمعرفته الآحاد، قال: فمعرفة منازل القمر تدرك بأمرٍ محسوسٍ يدركه من يراقب النّجوم، وهذا هو الذي أراده ابن سريجٍ وقال به في حقّ العارف بها في خاصّةٍ نفسه.

ونقل الرّويانيّ عنه: أنّه لَم يقل بوجوبٍ ذلك عليه ، وإنّما قال بجوازه، وهو اختيار القفّال وأبي الطّيّب.

وأمّا أبو إسحاق في " المهذّب " فنقل عن ابن سريج لزوم الصّوم في هذه الصّورة فتعدّدت الآراء في هذه المسألة بالنّسبة إلى خصوص النّظر في الحساب والمنازل:

أحدها: الجواز ولا يجزئ عن الفرض. ثانيها: يجوز ويجزئ.

ثالثها: يجوز للحاسب ويجزئه لا للمنجّم.

رابعها: يجوز لهما ولغيرهما تقليد الحاسب دون المنجّم.

خامسها: يجوز لهما ولغيرهما مطلقاً. وقال ابن الصّبّاغ أمّا بالحساب فلا يلزمه بلا خلافٍ بين أصحابنا.

قلت: ونقل ابن المنذر قبله الإجماع على ذلك. فقال في الإشراف: صوم يوم الثّلاثين من شعبان إذا لَم ير الهلال مع الصّحو لا يجب

ص: 110

بإجماع الأمّة، وقد صحّ عن أكثر الصّحابة والتّابعين كراهته.

هكذا أطلق ولَم يفصّل بين حاسبٍ وغيره، فمن فرّق بينهم كان محجوجاً بالإجماع قبله.

تكميل: أخرج الشيخان عن ابن عمر عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: إنّا أمّةٌ أُميَّة، لا نكتب ولا نحسب، الشّهر هكذا وهكذا وهكذا " وعقد الإبهام في الثّالثة والشّهر هكذا، وهكذا، وهكذا يعني. تمام ثلاثين "

والمراد بالحساب هنا حساب النّجوم وتسييرها ، ولَم يكونوا يعرفون من ذلك إلَاّ النّزر اليسير ، فعلّق الحكم بالصّوم وغيره بالرّؤية لرفع الحرج عنهم في معاناة حساب التّسيير ، واستمرّ الحكم في الصّوم ولو حدث بعدهم من يعرف ذلك بل ظاهر السّياق يشعر بنفي تعليق الحكم بالحساب أصلاً. ويوضّحه قوله في الحديث الماضي " فإن غمّ عليكم فأكملوا العدّة ثلاثين " ولَم يقل فسلوا أهل الحساب.

والحكمة فيه كون العدد عند الإغماء يستوي فيه المكلّفون فيرتفع الاختلاف والنّزاع عنهم.

وقد ذهب قومٌ إلى الرّجوع إلى أهل التّسيير في ذلك وهم الرّوافض. ونقل عن بعض الفقهاء موافقتهم.

قال الباجيّ: وإجماع السّلف الصّالح حجّة عليهم.

وقال ابن بزيزة: وهو مذهبٌ باطلٌ فقد نهت الشّريعة عن الخوض في علم النّجوم ، لأنّها حدسٌ وتخمينٌ ليس فيها قطعٌ ولا ظنٌّ غالبٌ ، مع أنّه لو ارتبط الأمر بها لضاق إذ لا يعرفها إلَاّ القليل.

ص: 111