الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الرابع عشر
195 -
عن عائشة رضي الله عنها ، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من مات وعليه صيامٌ صام عنه وليّه. (1)
وأخرجه أبو داود ، وقال: هذا في النّذر ، وهو قول أحمد بن حنبلٍ.
قوله: (من مات) عامٌّ في المكلفين لقرينة " وعليه صيام ".
قوله: (صام عنه وليّه) خبرٌ بمعنى الأمر تقديره فليصم عنه وليّه.
وليس هذا الأمر للوجوب عند الجمهور، وبالغ إمام الحرمين ومن تبعه فادّعوا الإجماع على ذلك. وفيه نظرٌ ، لأنّ بعض أهل الظّاهر أوجبه. فلعله لَم يعتدّ بخلافهم على قاعدته.
وقد اختلف السّلف في هذه المسألة:
القول الأول: أجاز الصّيام عن الميّت أصحابُ الحديث، وعلَّق الشّافعيُّ في القديم القولَ به على صحّة الحديث كما نقله البيهقيّ في " المعرفة " ، وهو قول أبي ثور وجماعة من محدّثي الشّافعيّة.
وقال البيهقيّ في " الخلافيّات ": هذه المسألة ثابتة لا أعلم خلافاً بين أهل الحديث في صحّتها فوجب العمل بها، ثمّ ساق بسنده إلى الشّافعيّ ، قال: كلّ ما قلت. وصحّ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم خلافه ، فخذوا
(1) أخرجه البخاري (1851) من طريق موسى بن أعين ، ومسلم (1147) من طريق ابن وهب كلاهما عن عمرو بن الحارث عن عبيد الله بن أبي جعفر محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة عن عائشة.
بالحديث ولا تقلدوني.
القول الثاني: قال الشّافعيّ في الجديد ومالك وأبو حنيفة: لا يصام عن الميّت.
القول الثالث: قال الليث وأحمد وإسحاق وأبو عبيد: لا يصام عنه إلَاّ النّذر حملاً للعموم الذي في حديث عائشة على المقيّد في حديث ابن عبّاس قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسولَ الله. إنَّ أمي ماتت وعليها صوم نذر. أفأقضيه عنها؟. قال: نعم. قال: فدين الله أحق أن يقضى. (1).
وليس بينهما تعارض حتّى يجمع بينهما.
فحديث ابن عبّاس صورةٌ مستقلةٌ سأل عنها من وقعت له.
وأمّا حديث عائشة فهو تقرير قاعدةٍ عامّةٍ، وقد وقعت الإشارة في حديث ابن عبّاس إلى نحو هذا العموم حيث قيل في آخره " فدين الله أحقّ أن يقضى ". وأمّا رمضان فيطعم عنه.
فأمّا المالكيّة: فأجابوا عن حديث الباب بدعوى عمل أهل المدينة كعادتهم.
وادّعى القرطبيّ تبعاً لعياضٍ: أنّ الحديث مضطربٌ، وهذا لا يتأتّى إلَاّ في حديث ابن عبّاس، وليس الاضطراب فيه مُسلَّماً كما سيأتي (2).
(1) علقه البخاري. ووصله مسلم. كما سيأتي تفصيله إن شاء الله. رقم (15).
(2)
سيأتي إن شاء الله الكلام عليه عقب حديث عائشة هذا.
وأمّا حديث عائشة فلا اضطراب فيه.
واحتجّ القرطبيّ: بزيادة ابن لهيعة فقد رواه البزّار من طريق ابن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر (1) فزاد في آخر المتن " إن شاء " ، لأنّها تدلّ على عدم الوجوب.
وتعقّب: بأنّ معظم المجيزين لَم يوجبوه كما تقدّم ، وإنّما قالوا يتخيّر الوليّ بين الصّيام والإطعام.
وأجاب الماورديّ عن الجديد: بأنّ المراد بقوله " صام عنه وليّه " أي: فعل عنه وليّه ما يقوم مقام الصّوم وهو الإطعام، قال: وهو نظير قوله " التّراب وضوء المسلم إذا لَم يجد الماء "(2) قال: فسمّى البدل باسم المبدل فكذلك هنا.
وتعقّب: بأنّه صرفٌ للفظ عن ظاهره بغير دليل.
وأمّا الحنفيّة. فاعتلّوا لعدم القول بهذين الحديثين. بما روي عن عائشة ، أنّها سئلت عن امرأةٍ ماتت وعليها صوم، قالت: يطعم عنها ". وعن عائشة قالت " لا تصوموا عن موتاكم ، وأطعموا عنهم " أخرجه البيهقيّ.
(1) الحديث في الصحيحين كما تقدّم تخريجه من طريق عمرو بن الحارث عن عبيد الله بن أبي جعفر. وتابع عمراً أخرون. فزيادة ابن لهيعة منكرة.
(2)
أخرجه الإمام أحمد (21371) وأبو داود (331) والترمذي (124) والنسائي (322) وغيرهم من حديث أبي ذر رضي الله عنه مرفوعاً: الصعيد الطيب وضوء المسلم ، ولو إلى عشر سنين، فإذا وجدتَ الماء فأمسّه جلدك ، فإن ذلك خير " وقد قوَّى الشارحُ إسنادَه كما تقدَّم في الطهارة.
تنبيه: لَم أر عند واحد ممن أخرج الحديث بلفظ " التراب "
وبما روي عن ابن عبّاس ، قال في رجل مات وعليه رمضان ، قال: يطعم عنه ثلاثون مسكيناً. أخرجه عبد الرّزّاق.
وروى النّسائيّ عن ابن عبّاس قال: لا يصوم أحدٌ عن أحدٍ.
قالوا: فلمّا أفتى ابن عبّاس وعائشة بخلاف ما روياه. دلَّ ذلك على أنّ العمل على خلاف ما روياه.
وهذه قاعدة لهم معروفة، إلَاّ أنّ الآثار المذكورة عن عائشة ، وعن ابن عبّاس فيها مقال، وليس فيها ما يمنع الصّيام ، إلَاّ الأثر الذي عن عائشة ، وهو ضعيف جدّاً.
والرّاجح: أنّ المعتبر ما رواه لا ما رآه. لاحتمال أن يخالف ذلك لاجتهادٍ. ومستنده فيه لَم يتحقّق. ولا يلزم من ذلك ضعف الحديث عنده، وإذا تحقّقت صحّة الحديث لَم يترك المحقّق للمظنون، والمسألة مشهورة في الأصول.
واختلف المجيزون في المراد بقوله " وليّه ".
فقيل: كلّ قريب، وقيل: الوارث خاصّة، وقيل: عصبته.
والأوّل أرجح والثّاني قريب.
ويردّ الثّالث قصّة المرأة التي سألت عن نذر أمّها (1).
(1) يشير إلى ما أخرجه مسلم (1148) والبخاري معلّقاً (1953) عن ابن عبّاس: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت: يا رسول الله. إن أمي ماتت وعليها صوم نذر. أفأصوم عنها؟ قال: أرأيت لو كان على أمك دين فقضيته. أكان يؤدي ذلك عنها؟ قالت: نعم ، قال: فصومي عن أمك.
وهي إحدى روايات الحديث الذي بعده. كما سيأتي
واختلفوا أيضاً هل يختصّ ذلك بالوليّ؟. لأنّ الأصل عدم النّيابة في العبادة البدنيّة، ولأنّها عبادة لا تدخلها النّيابة في الحياة فكذلك في الموت ، إلَاّ ما ورد فيه الدّليل فيقتصر على ما ورد فيه ، ويبقى الباقي على الأصل. وهذا هو الرّاجح.
وقيل: لا يختصّ بالوليّ. فلو أمر أجنبيّاً بأن يصوم عنه أجزأ كما في الحجّ.
وقيل: يصحّ استقلال الأجنبيّ بذلك. وذِكْرُ الوليّ لكونه الغالب.
وظاهر صنيع البخاريّ اختيار هذا الأخير.
وبه جزم أبو الطّيّب الطّبريّ ، وقوّاه بتشبيهه صلى الله عليه وسلم ذلك بالدّين ، والدّين لا يختصّ بالقريب.