الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الأول
212 -
عن عائشة رضي الله عنها ، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأَواخر من رمضان ، حتّى توفّاه الله عز وجل. ثمّ اعتكف أزواجه بعده. (1)
وفي لفظٍ (2): كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان. فإذا صلَّى الغداة جاء مكانه الذي اعتكف فيه.
قوله: (حتّى توفّاه الله ثم اعتكف أزواجه من بعده) يؤخذ منه أنّه لَم ينسخ ، وليس من الخصائص.
وأمّا قول ابن نافع عن مالك: فكّرت في الاعتكاف وترك الصّحابة له مع شدّة اتّباعهم للأثر فوقع في نفسي أنّه كالوصال، وأراهم تركوه لشدّته ، ولَم يبلغني عن أحد من السّلف أنّه اعتكف إلَاّ عن أبي بكر بن عبد الرّحمن. انتهى.
وكأنّه أراد صفةً مخصوصةً، وإلَاّ فقد حكيناه عن غير واحدٍ من
(1) أخرجه البخاري (1922) ومسلم (1171) من طريق عقيل عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها به.
(2)
أخرجه البخاري (1928 ، 1929 ، 1936 ، 1940) ومسلم (1173) من طرق عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة. واللفظ للبخاري. وفيه استئذان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم له في الاعتكاف. ثم أمره بنزعها ، كما سيرِدُ ذكره في الشرح. والتعليق عليه.
الصّحابة. (1)
ومن كلام مالك أخذ بعض أصحابه أنّ الاعتكاف جائزٌ.
وأنكر ذلك عليهم ابن العربيّ ، وقال: إنّه سنّةٌ مؤكّدةٌ، وكذا قال ابن بطّال: في مواظبة النّبيّ صلى الله عليه وسلم ما يدلّ على تأكيده.
وقال أبو داود عن أحمد: لا أعلم عن أحدٍ من العلماء خلافاً أنّه مسنونٌ.
قال ابن بطّال: مواظبته صلى الله عليه وسلم على الاعتكاف تدلّ على أنّه من السّنن المؤكّدة، وقد روى ابن المنذر عن ابن شهاب ، أنّه كان يقول: عجباً للمسلمين، تركوا الاعتكاف، والنّبيّ صلى الله عليه وسلم لَم يتركه منذ دخل المدينة حتّى قبضه الله. انتهى
قوله: (ثم اعتكف أزواجه من بعده) أطلق الشّافعيّ كراهة الاعتكاف للنساء في المسجد الذي تُصلَّى فيه الجماعة.
واحتجّ بحديث عائشة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، فكنت أضرب له خباء فيصلي الصبح ثم يدخله،
(1) روى البخاري (1921) ومسلم (1711) عن ابن عمر عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان. قال نافع: وقد أراني عبدالله رضي الله عنه المكان الذي كان يعتكف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد.
قال الشارح: (6/ 312): وزاد ابن ماجه من وجه آخر عن نافع: أن ابن عمر كان إذا اعتكف طرح له فراشه وراء أسطوانة التوبة.
وسيأتي النقل عن حذيفة رضي الله عنه ، وغيره.
فاستأذنت حفصة عائشة أن تضرب خباء فأذنتُ لها، فضربت خباء، فلمَّا رأته زينب ابنة جحش ضربت خباء آخر، فلمَّا أصبح النبي صلى الله عليه وسلم رأى الأخبية، فقال: ما هذا؟ فأخبر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألبر ترون بهن؟ فترك الاعتكاف ذلك الشهر، ثم اعتكف عشراً من شوال.
فإنّه دالٌّ على كراهة الاعتكاف للمرأة إلَاّ في مسجد بيتها لأنّها تتعرّض لكثرة من يراها.
وقال ابن عبد البرّ: لولا أنّ ابن عيينة زاد في الحديث (1). أنّهنّ استأذنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم في الاعتكاف. لقطعت بأنّ اعتكاف المرأة في مسجد الجماعة غير جائزٍ. انتهى.
وشرط الحنفيّة لصحّة اعتكاف المرأة أن تكون في مسجد بيتها، وفي روايةٍ لهم ، أنّ لها الاعتكاف في المسجد مع زوجها. وبه قال أحمد.
وفيه أنّ المسجد شرطٌ للاعتكاف ، لأنّ النّساء شرع لهنّ الاحتجاب في البيوت ، فلو لَم يكن المسجد شرطاً ما وقع ما ذكر من
(1) أي: حديث عائشة المذكور في الشرح قبل قليل. أخرجه البخاري في " صحيحه "(2033) من طريق حماد بن زيد حدثنا يحيى عن عمرة عن عائشة ، قالت: فذكره.
أمَّا زيادة ابن عيينة. فأخرجها النسائي في " الكبرى "(3333) والحميدي في " المسند "(196) عنه عن يحيى بن سعيد بلفظ: أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعتكف في العشر الأول من شهر رمضان فاستأذَنَتْه عائشة فأذن لها، ثم استأذَنَتْه حفصة فأذن لها، وكانت زينب لم تكن استأذنته فسمعت بذلك فاستأذنَتْ. الحديث.
وجاء الاستئذان صريحاً في صحيح البخاري أيضاً (2045) من طريق الأوزاعي عن يحيى بن سعيد، قال: حدثتني عمرة عن عائشة ، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أنْ يعتكف العشر الأواخر من رمضان فاستأذنَتْه عائشة، فأذن لها، وسألتْ حفصةُ عائشةَ أنْ تستأذن لها، ففعلتْ، فلمَّا رأتْ ذلك زينب ابنة جحش أمرت ببناء، فبني لها. الحديث.
الإذن والمنع. ولاكتفي لهنّ بالاعتكاف في مساجد بيوتهنّ.
ولقوله تعالى (ولا تباشروهنَّ وأنتم عاكفون في المساجد .. الآية) ووجه الدلالة من الآية أنه لو صحَّ في غير المسجد لم يختص تحريم المباشرة به ، لأنَّ الجماع مناف للاعتكاف بالإجماع. فعلم من ذكر المساجد أنَّ المراد أنَّ الاعتكاف لا يكون إلَاّ فيها.
ونقل بن المنذر الإجماع على أنَّ المراد بالمباشرة في الآية الجماع.
وروى الطبري وغيره من طريق قتادة في سبب نزول الآية: كانوا إذا اعتكفوا فخرج رجلٌ لحاجته فلقي امرأته جامعها إن شاء. فنزلت
واتّفق العلماء على مشروطيّة المسجد للاعتكاف، إلَاّ محمّد بن عمر بن لبابة المالكيّ. فأجازه في كل مكانٍ.
وأجاز الحنفيّة للمرأة أن تعتكف في مسجد بيتها. وهو المكان المعدّ للصّلاة فيه. وفيه قولٌ للشّافعيّ قديم.
وفي وجهٍ لأصحابه وللمالكيّة: يجوز للرّجال والنّساء ، لأنّ التّطوّع في البيوت أفضل
وذهب أبو حنيفة وأحمد: إلى اختصاصه بالمساجد التي تقام فيها الصّلوات.
وخصّه أبو يوسف بالواجب منه ، وأمّا النّفل ففي كلّ مسجد.
وقال الجمهور بعمومه من كلّ مسجد ، إلَاّ لمن تلزمه الجمعة. فاستحبّ له الشّافعيّ في الجامع، وشرطه مالكٌ ، لأنّ الاعتكاف عندهما ينقطع بالجمعة، ويجب بالشّروع عند مالك.
وخصّه طائفةٌ من السّلف كالزّهريّ بالجامع مطلقاً. وأومأ إليه الشّافعيّ في القديم.
وخصّه حذيفة بن اليمان بالمساجد الثّلاثة، وعطاءٌ بمسجد مكّة والمدينة ، وابن المسيّب بمسجد المدينة.
قوله: (فإذا صلَّى الغداة جاء مكانه الذي اعتكف فيه) في رواية لهما " فيُصلي الصبح ثم يدخل معتكفه ".
واستدل بهذا.
وهو القول الأول: على أنّ مبدأ الاعتكاف من أوّل النّهار بعد صلاة الصّبح. وهو قول الأوزاعيّ والليث والثّوريّ.
القول الثاني: قال الأئمّة الأربعة وطائفةٌ: يدخل قبيل غروب الشّمس.
وأوّلوا الحديث: على أنّه دخل من أوّل الليل، ولكن إنّما تخلّى بنفسه في المكان الذي أعدّه لنفسه بعد صلاة الصّبح.
وهذا الجواب يشكل على من منع الخروج من العبادة بعد الدّخول فيها.
وأجاب عن هذا الحديث (1): بأنّه صلى الله عليه وسلم لَم يدخل المعتكف ولا شرع في الاعتكاف ، وإنّما همّ به ، ثمّ عرض له المانع المذكور فتَرَكَه.
فعلى هذا. فاللازم أحدُ الأمرين.
الأول: إمّا أن يكون شرع في الاعتكاف فيدخل على جواز الخروج
(1) أي: حديث عائشة الذي تقدّم ذكره في التعليق الماضي ، وفي الشرح أيضاً
منه.
الثاني: إمّا أن لا يكون شرع فيدلّ على أنّ أوّل وقته بعد صلاة الصّبح.