المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الثلاثون 211 - عن أبي سعيدٍ الخدريّ رضي الله عنه - فتح السلام شرح عمدة الأحكام من فتح الباري - جـ ٤

[عبد السلام العامر]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الزكاة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب صدقة الفطر

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌كتاب الصيام

- ‌(باب

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌باب الصوم في السّفر وغيره

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌باب أفضل الصيام وغيره

- ‌الحديث العشرون

- ‌الحديث الواحد والعشرون

- ‌الحديث الثاني والعشرون

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌الحديث الرابع والعشرون

- ‌الحديث الخامس والعشرون

- ‌الحديث السادس والعشرون

- ‌الحديث السابع والعشرون

- ‌باب ليلة القدر

- ‌الحديث الثامن والعشرون

- ‌الحديث التاسع والعشرون

- ‌الحديث الثلاثون

- ‌باب الاعتكاف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌كتاب الحجّ

- ‌باب المواقيت

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب ما يلبس المُحرم من الثياب

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب الفدية

- ‌الحديث السابع

- ‌باب حرمة مكة

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌باب ما يجوز قتله

- ‌الحديث العاشر

- ‌باب دخول مكة وغيره

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌باب التّمتّع

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌الحديث العشرون

- ‌الحديث الواحد والعشرون

- ‌الحديث الثاني والعشرون

- ‌باب الهدي

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌الحديث الرابع والعشرون

- ‌الحديث الخامس والعشرون

- ‌الحديث السادس والعشرون

- ‌الحديث السابع والعشرون

- ‌باب الغسل للمحرم

- ‌الحديث الثامن والعشرون

- ‌باب فسخ الحجّ إلى العمرة

- ‌الحديث التاسع والعشرون

- ‌الحديث الثلاثون

- ‌الحديث الواحد والثلاثون

- ‌الحديث الثاني والثلاثون

- ‌الحديث الثالث والثلاثون

- ‌الحديث الرابع والثلاثون

- ‌الحديث الخامس والثلاثون

- ‌الحديث السادس والثلاثون

- ‌الحديث السابع والثلاثون

- ‌الحديث الثامن والثلاثون

- ‌الحديث التاسع والثلاثون

- ‌باب المُحرم يأكل من صيد الحلال

- ‌الحديث الأربعون

- ‌الحديث الواحد والأربعون

الفصل: ‌ ‌الحديث الثلاثون 211 - عن أبي سعيدٍ الخدريّ رضي الله عنه

‌الحديث الثلاثون

211 -

عن أبي سعيدٍ الخدريّ رضي الله عنه ، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأوسط من رمضان. فاعتكف عاماً ، حتّى إذا كانت ليلة إحدى وعشرين - وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه – قال: من اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر فقد أريت هذه الليلة ثمّ أنسيتها ، وقد رأيتني أسجد في ماءٍ وطينٍ من صبيحتها ، فالتمسوها في العشر الأواخر ، والتمسوها في كل وترٍ. فمطرت السّماء تلك الليلة ، وكان المسجد على عريشٍ ، فوكف المسجد ، فأبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى جبهته أثر الماء والطّين من صبح إحدى وعشرين. (1)

قوله: (أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف) وللبخاري من رواية يحيى عن أبي سلمة قال: سألت أبا سعيدٍ - وكان لي صديقاً - فقال: اعتكفنا. لَم يذكر المسئول عنه في هذه الطّريق.

وله من رواية عليّ بن المبارك عن يحيى عن أبي سلمة ، سألت أبا سعيد: هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر ليلة القدر؟ فقال: نعم. فذكر الحديث.

(1) أخرجه البخاري (638 ، 780 ، 801 ، 1912 ، 1914 ، 1923 ، 1931 ، 1935) ومسلم (1167) مطوّلاً ومختصراً من طرق عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد رضي الله عنه.

ورواه مسلم (1167) من وجه آخر عن أبي نضرة عن أبي سعيد نحوه.

ص: 312

ولمسلمٍ من طريق معمر عن يحيى " تذاكرنا ليلة القدر في نفرٍ من قريشٍ، فأتيت أبا سعيد .. فذكره. (1)

وفي رواية همّامٍ عن يحيى عند البخاري: انطلقتُ إلى أبي سعيد فقلت: ألا تخرج بنا إلى النّخل فنتحدّث؟ فخرج، فقلت: حدِّثني ما سمعتَ من النّبيّ صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر. فأفاد بيان سبب السّؤال.

وفيه تأنيس الطّالب للشّيخ في طلب الاختلاء به ليتمكّن ممّا يريد من مسألته.

قوله: (العشر الأوسط من رمضان) هكذا وقع في أكثر الرّوايات، والمراد بالعشر الليالي وكان من حقّها أن توصف بلفظ التّأنيث ، لكن وصفت بالمذكّر على إرادة الوقت أو الزّمان أو التّقدير الثّلث كأنّه قال: الليالي العشر التي هي الثّلث الأوسط من الشّهر.

ووقع في " الموطّأ " العشر الوسط. بضمّ الواو والسّين جمع وسطى ، ويروى بفتح السّين مثل كبر وكبرى.

ورواه الباجيّ في " الموطّأ " بإسكانها على أنّه جمع واسط كبازلٍ وبزلٍ، وهذا يوافق رواية الأوسط.

ووقع في رواية محمّد بن إبراهيم عن أبي سلمة في البخاري " كان يجاور العشر التي في وسط الشّهر " وفي رواية الباب " كان يعتكف "

(1) روى هذا الطريق مسلمٌ (1167) عن عبد الرزاق عن معمر ، لكنه لم يسق متنها. وإنما أحاله على رواية الباب هنا.

وقد رواه عبد الرزاق في " المصنف "(7685) عن معمر به. وفيه (في نفرٍ من قريش).

ص: 313

والاعتكاف مجاورةٌ مخصوصةٌ.

ولمسلمٍ من طريق أبي نضرة عن أبي سعيد: اعتكف العشر الأوسط من رمضان يلتمس ليلة القدر قبل أن تبان له، فلمّا انقضين أمر بالبناء فقوّض، ثمّ أبينت له أنّها في العشر الأواخر فأمر بالبناء فأعيد.

وزاد مسلم في رواية عمارة بن غزيّة عن محمّد بن إبراهيم ، أنّه اعتكف العشر الأوّل ثمّ اعتكف العشر الأوسط ثمّ اعتكف العشر الأواخر. ومثله في رواية همّامٍ المذكورة. وزاد فيها " إنّ جبريل أتاه في المرّتين ، فقال له: إنّ الذي تطلب أمامك " وهو بفتح الهمزة والميم. أي: قدّامك.

قال الطّيبيّ: وصف الأوّل والأوسط بالمفرد. والأخير بالجمع. إشارةً إلى تصوير ليلة القدر في كلّ ليلةٍ من ليالي العشر الأخير دون الأوّلين

قوله: (حتّى إذا كان ليلة إحدى وعشرين ، وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه) في رواية لهما " فخرج صبيحة عشرين فخطبنا ". وظاهره يخالف رواية الباب، ومقتضاه أنّ خطبته وقعت في أوّل اليوم الحادي والعشرين، وعلى هذا يكون أوّل ليالي اعتكافه الأخير ليلة اثنتين وعشرين.

وهو مغايرٌ لقوله في آخر الحديث " فأبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى جبهته أثر الماء والطّين من صبح إحدى وعشرين ". فإنّه ظاهرٌ في أنّ الخطبة كانت في صبح اليوم العشرين، ووقوع المطر كان في ليلة

ص: 314

إحدى وعشرين. وهو الموافق لبقيّة الطّرق.

وعلى هذا فكأنّ قوله في رواية مالك المذكورة " وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها " أي: من الصّبح الذي قبلها، ويكون في إضافة الصّبح إليها تجوّزٌ.

وقد أطال ابن دحية في تقرير: أنّ الليلة تضاف لليوم الذي قبلها، وردّ على من منع ذلك. ولكن لَم يوافق على ذلك.

فقال ابن حزمٍ: رواية ابن أبي حازم والدّراورديّ عن يزيد بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة، بلفظ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في رمضان العشر التي في وسط الشهر، فإذا كان حين يمسي من عشرين ليلة تمضي، ويستقبل إحدى وعشرين رجع إلى مسكنه، ورجع من كان يجاور معه، وأنه أقام في شهر جاور فيه الليلة التي كان يرجع فيها، فخطب الناس. الحديث. أخرجه البخاري. مستقيمةٌ. ورواية مالك مشكلةٌ، وأشار إلى تأويلها بنحوٍ ممّا ذكرته.

ويؤيّده. أنّ في رواية البخاري " فإذا كان حين يمسي من عشرين ليلةً تمضي. ويستقبل إحدى وعشرين رجع إلى مسكنه ".

وهذا في غاية الإيضاح.

وأفاد ابن عبد البرّ في " الاستذكار ": أنّ الرّواة عن مالك اختلفوا عليه في لفظ الحديث، فقال بعد ذكر الحديث: هكذا رواه يحيى بن يحيى بن بكير والشّافعيّ عن مالك " يخرج في صبيحتها من اعتكافه ".

ورواه ابن القاسم وابن وهبٍ والقعنبيّ وجماعةٌ عن مالك فقالوا "

ص: 315

وهي الليلة التي يخرج فيها من اعتكافه ".

قال: وقد روى ابن وهبٍ وابن عبد الحكم عن مالك فقال: من اعتكف أوّل الشّهر أو وسطه فإنّه يخرج إذا غابت الشّمس من آخر يومٍ من اعتكافه، ومن اعتكف في آخر الشّهر فلا ينصرف إلى بيته حتّى يشهد العيد.

قال ابن عبد البرّ: ولا خلاف في الأوّل، وإنّما الخلاف فيمن اعتكف العشر الأخير. هل يخرج إذا غابت الشّمس ، أو لا يخرج حتّى يصبح؟ قال: وأظنّ الوهم دخل من وقت خروج المعتكف.

قلت: وهو بعيدٌ لِمَا قرّره هو من بيان محلّ الاختلاف.

وقد وجّه شيخنا الإمام البلقينيّ (1) رواية الباب بأنّ معنى قوله " حتّى إذا كانت ليلة إحدى وعشرين " أي: حتّى إذا كان المستقبل من الليالي ليلة إحدى وعشرين، وقوله " وهي الليلة التي يخرج " الضّمير يعود على الليلة الماضية.

ويؤيّد هذا قوله " من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر " ، لأنّه لا يتمّ ذلك إلَاّ بإدخال الليلة الأولى.

وسبيل من أراد اعتكاف الليالي دون الأيّام، أن يدخل قبيل غروب الشّمس ويخرج بعد طلوع الفجر، فإن أراد اعتكاف الأيّام خاصّةً فيدخل مع طلوع الفجر ويخرج بعد غروب الشّمس، فإن أراد اعتكاف الأيّام والليالي معاً فيدخل قبل غروب الشّمس ويخرج بعد

(1) هو عمر بن رسلان ، سبق ترجمته (1/ 19)

ص: 316

غروب الشّمس أيضاً.

وقد وقع في البخاري " فلمّا كان صبيحة عشرين نقلنا متاعنا " وهو مشعرٌ بأنّهم اعتكفوا الليالي دون الأيّام.

وحمله المُهلَّب على نقل أثقالهم وما يحتاجون إليه من آلة الأكل والشّرب والنّوم، إذ لا حاجة لهم بها في ذلك اليوم، فإذا كان المساء خرجوا خفافاً. ولذلك قال " نقلنا متاعنا " ولَم يقل خرجنا.

وقد تقدّم من وجهٍ آخر " فإذا كان حين يمسي من عشرين ليلة ويستقبل إحدى وعشرين رجع " وبذلك يجمع بين الطّريقين ، فإنّ القصّة واحدةٌ ، والحديث واحدٌ ، وهو حديث أبي سعيدٍ.

قوله: (فمن كان اعتكف معي فليعتكف) وللبخاري " فليرجع " وفي رواية همّامٍ المذكورة " من اعتكف مع النّبيّ " وفيه التفاتٌ.

قوله: (أُريت) بضمّ أوّله على البناء لغير معيّنٍ، وهي من الرّؤيا. أي: أعلمت بها، أو من الرّؤية. أي: أبصرتها، وإنّما أري علامتها وهو السّجود في الماء والطّين كما وقع في رواية همّامٍ المشار إليها بلفظ " حتّى رأيت أثر الماء والطّين على جبهة رسول الله صلى الله عليه وسلم تصديق رؤياه ".

قوله: (ثمّ أنسيتها) وفي رواية لهما " أنسيتها أو نسيتها " شكٌّ من الرّاوي هل أنساه غيره إيّاها أو نسيها هو من غير واسطةٍ؟.

ومنهم: من ضبط نسّيتها بضمّ أوّله والتّشديد. فهو بمعنى أنسيتها ، والمراد أنّه أنسي علم تعيينها في تلك السّنة.

وسبب النّسيان في هذه القصّة في حديث عبادة بن الصّامت: خرج

ص: 317

النبي صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر فتلاحى رجلان من المسلمين ، فقال: خرجت لأخبركم بليلة القدر، فتلاحى فلان وفلان، فرفعت وعسى أن يكون خيراً لكم، فالتمسوها في التاسعة، والسابعة، والخامسة. أخرجه البخاري.

وقوله " فتلاحى " بالمهملة. أي: وقعت بينهما ملاحاةٌ، وهي المخاصمة والمنازعة والمشاتمة، والاسم اللحاء بالكسر والمدّ.

وفي رواية أبي نضرة عن أبي سعيد عند مسلم " فجاء رجلان يختصمان معهما الشّيطان "(1) ونحوه في حديث الفلتان عند ابن إسحاق. وزاد " أنّه لقيهما عند سدّة المسجد فحجز بينهما ".

فاتّفقت هذه الأحاديث على سبب النّسيان.

وروى مسلمٌ أيضاً من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة ، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أريت ليلة القدر، ثمّ أيقظني بعض أهلي فنسيتها " وهذا سببٌ آخر.

(1) حديث أبي سعيد عند مسلم (1167) بلفظ: اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم العشر الأوسط من رمضان، يلتمس ليلة القدر قبل أن تبان له، فلما انقضين أمر بالبناء فقوّض، ثم أبينت له أنها في العشر الأواخر، فأمر بالبناء فأعيد، ثم خرج على الناس، فقال: يا أيها الناس، إنها كانت أبينت لي ليلة القدر، وإني خرجت لأخبركم بها، فجاء رجلان يحتقّان معهما الشيطان، فنسيتها، فالتمسوها في العشر الأواخر من رمضان، التمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة. قال: قلت: يا أبا سعيد، إنكم أعلم بالعدد منا، قال: أجل، نحن أحق بذلك منكم، قال: قلت: ما التاسعة والسابعة والخامسة؟ قال: إذا مضت واحدة وعشرون، فالتي تليها ثنتان وعشرون وهي التاسعة، فإذا مضت ثلاث وعشرون ، فالتي تليها السابعة، فإذا مضى خمس وعشرون فالتي تليها الخامسة - وقال ابن خلاد مكان يحتقان: يختصمان

ص: 318

فإمّا أن يُحمل على التّعدّد بأن تكون الرّؤيا في حديث أبي هريرة مناماً فيكون سبب النّسيان الإيقاظ، وأن تكون الرّؤية في حديث غيره في اليقظة فيكون سبب النّسيان ما ذكر من المخاصمة.

أو يُحمل: على اتّحاد القصّة ، ويكون النّسيان وقع مرّتين عن سببين.

ويحتمل: أن يكون المعنى أيقظني بعض أهلي فسمعت تلاحي الرّجلين فقمت لأحجز بينهما فنسيتها للاشتغال بهما.

وقد روى عبد الرّزّاق من مرسل سعيد بن المسيّب ، أنّه صلى الله عليه وسلم قال: ألا أخبركم بليلة القدر؟ قالوا: بلى. فسكت ساعةً ، ثمّ قال: لقد قلت لكم وأنا أعلمها ، ثمّ أنسيتها " فلم يذكر سبب النّسيان، وهو ممّا يقوّي الحمل على التّعدّد.

قوله: (وقد رأيتني أسجد) في رواية الكشميهنيّ " أن أسجد ".

قوله: (قزعة) بفتح القاف والزّاي. أي: قطعةٌ من سحابٍ رقيقةٌ.

قوله: (فمطرت) بفتحتين، وللبخاري من وجهٍ آخر " فاستهلت السّماء فأمطرت "

قوله: (وكان المسجد على عريشٍ) أي: مثل العريش وإلا فالعريش هو نفس سقفه، والمراد أنّه كان مظللاً بالجريد والخوص، ولَم يكن محكم البناء بحيث يكفّ من المطر الكثير.

قوله: (فوكف المسجد) أي: قطّر الماء من سقفه، وللبخاري " وما نرى في السماء قزعة ، فجاءت سحابة فمطرت. حتى سال سقف

ص: 319

المسجد "

قوله: (على جبهته أثر الماء والطّين) في رواية لهما " يسجد في الماء والطّين حتّى رأيت أثر الطّين في جبهته ".

وفي رواية ابن أبي حازمٍ في البخاري " انصرف من الصّبح ووجهه ممتلئٌ طيناً وماءً " وهذا يشعر بأنّ قوله " أثر الماء والطّين " لَم يرد به محض الأثر وهو ما يبقى بعد إزالة العين.

قال البخاري في " صحيحه ": رأيت الحميدي يحتج بهذا الحديث أن لا يمسح الجبهة في الصلاة.

وفيه إشارة إلى أنّه يوافقه على ذلك، ومن ثَمَّ لَم يتعقّبه، وأنّه إن احتجّ به على المنع جملةً لَم يسلم من الاعتراض وأنّ التّرك أولى.

قال الزّين بن المنير ما حاصله: ذكر البخاريّ المستدلّ ودليله، وكّل الأمر فيه لنظر المجتهد. هل يوافق الحميديّ أو يخالفه؟ وإنّما فعل ذلك لِمَا يتطرّق إلى الدّليل من الاحتمالات، لأنّ بقاء أثر الطّين لا يستلزم نفي مسح الجبهة، إذ يجوز أن يكون مسحها وبقي الأثر بعد المسح.

ويحتمل: أن يكون ترك المسح ناسياً أو تركه عامداً لتصديق رؤياه، أو لكونه لَم يشعر ببقاء أثر الطّين في جبهته، أو لبيان الجواز، أو لأنّ ترك المسح أولى ، لأنّ المسح عملٌ. وإن كان قليلاً.

وإذا تطرّقت هذه الاحتمالات لَم ينهض الاستدلال، لا سيّما وهو فعل من الجبليّات لا من القرب.

ص: 320

وفي حديث أبي سعيد من الفوائد: استحباب ترك الإسراع إلى إزالة ما يصيب جبهة السّاجد من غبار الأرض ونحوه، والسّجود على الحائل.

وحمله الجمهور على الأثر الخفيف ، لكن يعكّر عليه قوله في بعض طرقه " ووجهه ممتلئٌ طيناً وماءً ".

وأجاب النّوويّ: بأنّ الامتلاء المذكور لا يستلزم ستر جميع الجبهة.

وفيه جواز السّجود في الطّين، ولا حجّة فيه لمن استدل به على جواز الاكتفاء بالأنف ، لأنّ في سياقه أنّه سجد على جبهته وأرنبته، فوضح أنّه إنّما قصد بالتّرجمة ما قدّمناه وهو دالٌّ على وجوب السّجود عليهما ، ولولا ذلك لصانهما عن لوث الطّين، قاله الخطّابيّ.

وفيه نظرٌ.

وفيه الأمر بطلب الأولى والإرشاد إلى تحصيل الأفضل، وأنّ النّسيان جائزٌ على النّبيّ صلى الله عليه وسلم ولا نقص عليه في ذلك لا سيّما فيما لَم يؤذن له في تبليغه، وقد يكون في ذلك مصلحةٌ تتعلق بالتّشريع كما في السّهو في الصّلاة، أو بالاجتهاد في العبادة كما في هذه القصّة، لأنّ ليلة القدر لو عيّنت في ليلةٍ بعينها حصل الاقتصار عليها ففاتت العبادة في غيرها، وكان هذا هو المراد بقوله " عسى أن يكون خيراً لكم " كما في حديث عبادة.

وفيه استعمال رمضان بدون شهرٍ، واستحباب الاعتكاف فيه، وترجيح اعتكاف العشر الأخير، وأنّ من الرّؤيا ما يقع تعبيره مطابقاً

ص: 321

، وترتّب الأحكام على رؤيا الأنبياء.

وفي أوّل قصّة أبي سلمة مع أبي سعيد المشي في طلب العلم، وإيثار المواضع الخالية للسّؤال، وإجابة السّائل لذلك واجتناب المشقّة في الاستفادة، وابتداء الطّالب بالسّؤال.

وفيه تقدّم الخطبة على التّعليم وتقريب البعيد في الطّاعة وتسهيل المشقّة فيها بحسن التّلطّف والتّدريج إليها، قيل: ويستنبط منه جواز تغيير مادّة البناء من الأوقاف بما هو أقوى منها وأنفع.

ص: 322