الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الرابع والثلاثون
249 -
عن عبد الرّحمن بن يزيد النّخعيّ ، أنّه حجّ مع ابن مسعودٍ ، فرآه رمى الجمرة الكبرى بسبع حَصَيَاتٍ فجعل البيت عن يساره ، ومنًى عن يمينه.
ثمّ قال: هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة صلى الله عليه وسلم. (1)
قوله: (أنّه حجّ مع ابن مسعودٍ. فرآه رمى) ولهما من رواية الأعمش عن إبراهيم عن عبد الرحمَن قال: رمى عبد الله من بطن الوادي، فقلت: يا أبا عبد الرحمن إنَّ ناساً يرمونها من فوقها؟ فقال: والذي لا إله غيره .. الحديث.
وروى ابن أبي شيبة وغيره عن عطاء ، أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يعلو إذا رمى الجمرة.
لكن يمكن الجمع بين هذا وبين قوله " بطن الوادي ": بأنّ التي ترمى من بطن الوادي هي جمرة العقبة لكونها عند الوادي بخلاف الجمرتين الأخريين.
ويوضّح ذلك قوله في الرواية الأخرى في الصحيحين بلفظ " حين رمى جمرة العقبة " وكذا روى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن عمرو
(1) أخرجه البخاري (1660 ، 1661 ، 1662 ، 1663) ومسلم (1269) من طرق عن إبراهيم النخعي عن عبد الرحمن بن يزيد به.
وأخرجه مسلم (1269) من طريق سلمة بن كهيل عن عبد الرحمن نحوه.
بن ميمون عن عمر ، أنّه رمى جمرة العقبة في السّنة التي أصيب فيها وفي غيرها من بطن الوادي.
ومن طريق الأسود: رأيت عمرَ رمى جمرة العقبة من فوقها. وفي إسناد هذا الثّاني حجّاج بن أرطأة. وفيه ضعف.
قوله: (الجمرة الكبرى) في رواية لهما " رمى عبد الله بن مسعود جمرة العقبة " وهي الجمرة الكبرى، وليست من منًى ، بل هي حدّ منًى من جهة مكّة، وهي التي بايع النّبيّ صلى الله عليه وسلم الأنصار عندها على الهجرة.
والجمرة اسم لمجتمع الحصى سُمِّيت بذلك لاجتماع النّاس بها، يقال: تجمّر بنو فلان إذا اجتمعوا.
وقيل: إنّ العرب تسمّي الحصى الصّغار جماراً فسمّيت تسمية الشّيء بلازمه.
وقيل: لأنّ آدم أو إبراهيم لَمّا عرض له إبليس فحصبه جَمَر بين يديه أي أسرع فسمّيت بذلك.
قوله: (بسبع حصياتٍ) ولهما من رواية الأعمش " فاستبطن الوادي حتى إذا حاذى بالشجرة اعترضها، فرمى بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة " واللفظ للبخاري.
وفيه ردّ ما رواه قتادة عن ابن عمر قال: ما أبالي رميت الجمار بستٍّ أو سبعٍ. وأنّ ابن عبّاس أنكر ذلك، وقتادة لَم يسمع من ابن عمر، أخرجه ابن أبي شيبة من طريق قتادة.
وروى من طريق مجاهد: من رمى بستٍّ فلا شيء عليه. ومن طريق طاوسٍ: يتصدّق بشيء.
وعن مالك والأوزاعيّ: من رمى بأقلّ من سبع وفاته التّدارك يجبره بدمٍ.
وعن الشّافعيّة: في ترك حصاة مدّ، وفي ترك حصاتين مدّان، وفي ثلاثة فأكثر دم.
وعن الحنفيّة: إن ترك أقل من نصف الجمرات الثّلاث فنصف صاع وإلا فدم.
وقوله " اعترضها " أي: الشّجرة يدلّ على أنّه كان هناك شجرة عند الجمرة.
وقد روى ابن أبي شيبة عن الثّقفيّ عن أيّوب قال: رأيت القاسم وسالماً ونافعاً يرمون من الشّجرة. ومن طريق عبد الرّحمن بن الأسود ، أنّه كان إذا جاوز الشّجرة رمى العقبة من تحت غصن من أغصانها.
قوله: (فجعل البيت عن يساره ، ومنًى عن يمينه) وقع في رواية أبي صخرة عن عبد الرّحمن بن يزيد: لَمّا أتى عبد الله جمرةَ العقبة استبطن الوادي واستقبل القبلة. أخرجه التّرمذيّ، والذي قبله هو الصّحيح، وهذا شاذّ في إسناده المسعوديّ ، وقد اختلط.
وبالأوّل (1) قال الجمهور.
وجزم الرّافعيّ من الشّافعيّة: بأنّه يستقبل الجمرة ويستدبر القبلة.
(1) أي: برواية الباب الصحيحه
وقيل: يستقبل القبلة ، ويجعل الجمرة عن يمينه.
وقد أجمعوا على أنّه من حيث رماها جاز. سواء استقبلها أو جعلها عن يمينه أو يساره أو من فوقها أو من أسفلها أو وسطها، والاختلاف في الأفضل.
قوله: (هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة صلى الله عليه وسلم) قال ابن المنير: خصّ عبد الله سورة البقرة بالذّكر ، لأنّها التي ذكر الله فيها الرّمي، فأشار إلى أنّ فعله صلى الله عليه وسلم مبيّن لمراد كتاب الله تعالى.
قلت: ولَم أعرف موضع ذكر الرّمي من سورة البقرة، والظّاهر أنّه أراد أن يقول: إنّ كثيراً من أفعال الحجّ مذكور فيها فكأنّه ، قال: هذا مقام الذي أنزلت عليه أحكام المناسك، منبّهاً بذلك على أنّ أفعال الحجّ توقيفيّة.
وقيل: خصّ البقرة بذلك لطولها وعظم قدرها وكثرة ما فيها من الأحكام.
أو أشار بذلك إلى أنّه يشرع الوقوف عندها بقدر سورة البقرة (1). والله أعلم
(1) هذه غفلة من قائلها ، فإنَّ الوقوف عند الجمرة الكبرى لا يُشرع لعدم وروده. سواء في يوم العيد أم في أيام التشريق. وإنما الوقوف للدعاء عند الجمرتين الصغرى والوسطى في أيام التشريق. كما في صحيح البخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنه مرفوعاً.
وأخرج ابن أبي شيبة (3/ 294) بسند صحيح كما قال الشارح عن عطاء: كان ابن عمر. يقوم عند الجمرتين مقدار ما يقرأ الرجل سورة البقرة.
ومن المحتمل أن قائل هذا يقصد الوقوف مطلقاً دون تحديد أيِّ الجمرات. والله أعلم.
واستدل بهذا الحديث.
وهو القول الأول: على اشتراط رمي الجمرات واحدة واحدة ، لقوله " يكبّر مع كلّ حصاة " وقد قال صلى الله عليه وسلم: خذوا عنّي مناسككم.
القول الثاني: خالف في ذلك عطاء وصاحبه أبو حنيفة. فقالا: لو رمى السّبع دفعة واحدة أجزأه.
وفيه ما كان الصّحابة عليه من مراعاة حال النّبيّ صلى الله عليه وسلم في كلّ حركة وهيئة ، ولا سيّما في أعمال الحجّ. وفيه التّكبير عند رمي حصى الجمار، وأجمعوا على أنّ من لَم يكبّر فلا شيء عليه
فوائد:
الأولى: زاد محمّد بن عبد الرّحمن بن يزيد النّخعيّ عن أبيه في هذا الحديث عن ابن مسعود ، أنّه لَمّا فرغ من رمي جمرة العقبة قال: اللهمّ اجعله حجّاً مبروراً، وذنباً مغفوراً ".
الثانية: تمتاز جمرة العقبة عن الجمرتين الأخريين بأربعة أشياء: اختصاصها بيوم النّحر، وأنّ لا يوقف عندها، وترمى ضحىً، ومن أسفلها استحباباً.
الثالثة: اختلف في الرمي.
فالجمهور على أنه واجب يجبر تركه بدم. وعند المالكية سنة مؤكدة فيجبر. وعندهم رواية أن رمي جمرة العقبة ركن يبطل الحج بتركه.
ومقابله قول بعضهم: إنها إنما تُشرع حفظاً للتكبير فإن تركه وكبَّر أجزأه. حكاه ابن جرير عن عائشة وغيرها.