الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.، ، أما بعد:
فقد أخبر الصادق المصدوق فيما رواه عنه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ غريبا فطوبى للغرباء) أخرجه مسلم، وله من رواية أخرى عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ وهو يأرز بين المسجدين كما تأرز الحية إلى جحرها) ولا شك أن غربة الإسلام لن تكون في مسألة واحدة أو جانب واحد من مسائله بل ستطرأ في كافة الجوانب وبنسب متفاوتة ومختلفة كما نشاهده اليوم في جانب التوحيد والفرائض والواجبات، وكذلك في جانب الحلال والحرام كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحِر (1) والحرير والخمر والمعازف) أخرجه البخاري تعليقا (2).
(1) الحر: هو الزنا.
(2)
أخرجه البخاري تعليقاً (باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه) وقد وصله الطبراني والبيهقي وابن عساكر وغيرهم، من طرق عن هشام بن عمار به. وله طريق آخر عن عبد الرحمن بن يزيد، كما عند أبي داود (4039). قال ابن رجب في "نزهة الأسماع":(فالحديث صحيح محفوظ عن هشام بن عمار). وقال ابن حجر في "التغليق"(5/ 22):
…
(هذا حديث صحيح لا علة له ولا مطعن
…
) انظر كذلك (هدى الساري صـ 248) وفتح الباري (10/ 53). والسلسلة الصحيحة للألباني (1/ 139).
فهذه الأمور مجمع على تحريمها، ومع ذلك فإنه يأتي زمان على الناس يسمونها بغير اسمها فيستحلونها بأدنى الحيل فكيف بغيرها ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وفيما رواه حذيفة قال صلى الله عليه وسلم: (يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب حتى لا يدري ما صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة ويسري على الكتاب في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية) أخرجه ابن ماجه (1).
الداعي لهذا البحث:
وقد كان يراودني دوما سؤال عن سبب التشكيك في صفة وكيفية فريضة الحجاب التي فرضها الله على المؤمنات الصالحات وبخاصة ما يشاع ويقال بين الحين والآخر أن الخلاف فيها كان بين الصحابة أنفسهم رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.
والحجاب فريضة إلهية ومسألة دينية كبيرة تختص بجوانب اجتماعية كثيرة وشعيرة إسلامية ظاهرة فمسألة النقاب وحكمه من ناحية الوجوب أو عدمه لابد وأن يكون واضحاً وجلياً ومعلوماً وقد حُسم في الصدر الأول، فلا يمكن في حقهم أن يجهلوها أو يختلفوا فيها كبعض المسائل الأخرى، فمن أشنع الأقوال أن يقال أن الصحابة اختلفوا في فريضة الحجاب وهل هو تغطية المرأة لوجهها أم كشفه؟ .
(1) قال الحافظ في الفتح (13/ 16) أخرجه ابن ماجة بسند قوي. وقال الألباني (صحيح) كما في السلسلة الصحيحة الحديث رقم (87).
ومثل هذا لا يمكن نسبته للصحابة بتاتاً، وهم حول رسول صلى الله عليه وسلم مع كثرة النساء الخارجات بينهم في اليوم والليلة، فلا يمكن لهذه المسألة أن تخفى أو تُجهل أو لا ينقل إلينا اختلافهم ونقاشهم فيها كما هو الحاصل اليوم بين الفريقين، ولهذا فلابد وأن تكون مسألة الخلاف فيها طارئة وحادثة وبعد إجماع العصور الأولى والقرون الثلاثة المفضلة ومن بعدهم.
فمسألة التشكيك في النقاب أو وجوبه لم تأتِ فجأة ولم تأتِ من نصوص الكتاب والسنة الظاهرة والصريحة ولا من فهم الصحابة والسلف الصالح لها، وبالتالي فلا بد وأن تكون غربته بدأت تدريجياً وشيئاً فشيئاً، فما سنذكره من أسباب وما سنجليه من أمور وحقائق ونقول لأهل العلم هي بمشيئة الله تعالى ما سيبين ذلك التدرج حتى وصلت بغربة الحجاب إلى ما وصلت إليه اليوم من حرب على النقاب وزادت بسبب ما بثه بعض العلماء المتأخرين اليوم، من شُبَه جديدة وتفاسير خاطئة وفهم مخالف لمراد الله ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم ومقصد المتقدمين من السلف الصالح وأئمة الإسلام، وبعيداً عن أقوال أهل العلم السابقين، حتى حرفوا وبدلوا وصحفوا - بغير قصد - فريضة الحجاب عن حقيقتها.
ولهذا لابد أن يكون الحق الذي هو موافق لمراد الله ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم ومراد سلف الأمة ظاهراً وليس كما حاول البعض أن يقنعنا أن الصحابة والسلف، وأئمة المذاهب الأربعة والذين كانوا قريبين من عصر النبوة قد اختلفوا فيها، بدون دليل ولا نقل صريح، فالمسألة
فريضة إلهية مذكورة ومحفوظة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وتعنى بالشأن العام ونالت ما نالته من نصوص عديدة وكثيرة لا يمكن أن تخفى وتستتر حقيقتها عند البحث والتحقيق ولابد وأنه في كل الحالات سيكون الأمر واضحاً وجلياً ومدعماً بأدلة ووقائع خفيت مع طول الزمان بعض حقائقها، ولهذا عزمت مستعيناً بالله على كشفها وسبر أغوارها.
كتبه راجي عفو ربه
تركي بن عمر بن محمد بلحمر
(المبحث الأول)
سورة الأحزاب وأول ما نزل من الآيات في مسألة الحجاب وما لحق تفسيرها من تحريف وتبديل وتصحيف