الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لو لم تنزل آية الرخصة
؟ :
ولهذا نقول هذه آية الرخصة كما فهمها السلف ومن بعدهم ولو لم تنزل هذه الآية بهذا الاستثناء الرحيم لتشدد البعض حتى في حالات الضرورة، لأنه وإن كان هناك ضرورة فهناك إجماع ونقل مستفيض لا يحصى بعدم جواز أن تظهر المرأة شيئا من زينتها، وهناك أيضا أحاديث كقوله صلى الله عليه وسلم:(تداووا ولا تداووا بحرام)(1).
وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم)(2)، فربما أشكل مثل هذا على الكثير، ولهذا فإننا نسأل من في قلبه شك في هذا الإجماع هداهم الله، إن لم تكن هذه هي أدلة الرخصة لأن تبدي المرأة من زينتها عند الحاجة والضرورة كما مثل لها أئمة الإسلام من المفسرين والفقهاء كعند الشهادة والتقاضي والمعالجة وغير ذلك بل والتي بعضها لم يبلغ مبلغ الضرورات الحتمية فمن أين إذاً استدلوا على جواز ذلك إن لم تكن في هذه الآية يا رعاكم الله؟ .
فإذا كان السلف وأئمة الإسلام المتقدمين فهموا منها الرخصة فذكروا الطبيب والمعالج والمنقذ من الغرق والشاهد والقاضي والمتبايع وغير
(1) رواه أبو داود في " سننه " بسند صحيح.
(2)
البخاري: الأشربة (10/ 78) معلقاً عن ابن مسعود. أقول: ومثله لا يمكن أن يقال بالرأي، وبخاصة أن الحافظ ذكر في الفتح (10/ 79) أن أبا يعلي وابن حبان أخرجا حديث أم سلمة هذا، ولفظه: قالت: (اشتكت بنت لي، فنبذت لها في كوز، فدخل النبي، وهو يغلي، فقال: ما هذا؟ فأخبرته. فقال: إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم) وانظر صحيح ابن حبان للشيخ شعيب الأرناؤوط -باب النجاسة وتطهيرها- (4/ 233) رقم (1391).
ذلك مما تدعو الحاجة إليه، ومع ذلك مرت بنا نصوص عن بعضهم في المنع والكراهة من كشف النساء للخاطب والمتعاملين معها وعند الشهادة فيما لو عرفها من خلف النقاب أو ببعض وجهها، ولو كان لوقت يسير لمعرفة شخصها أو نكاحها، فكيف سيكون قولهم لو لم تنزل هذه الآية أو الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بجواز نظر الخاطب؟ .
بل قال كثير من الأئمة كما قال الزمخشري: (فإن قلت: لِم لم يذكر الله الأعمام والأخوال؟ قلت: سئل الشعبي عن ذلك؟ فقال: لئلا يصفها العم عند ابنه والخال كذلك. ومعناه: أن سائر القرابات يشترك الأب والابن في المحرمية إلا العمّ والخال وأبناءهما. فإذا رآها الأب فربما وصفها لابنه وليس بمحرم فيداني تصوّره لها بالوصف نظره إليها وهذا أيضا من الدلالات البليغة على وجوب الاحتياط عليهن في التستر) انتهى كلامه.
وقال في تفسير أبي السعود: (وعدمُ ذكرِ الأعمام والأخوالِ لما أن الأحوط أن يتسترن عنهم حذاراً من أن يصفوهنَّ لأبنائهم) انتهى.
والحقيقة أن هذا يقوله بعض الأئمة احتياطاً كما احتاطوا في تفسيرهم لآية {إلا ما ظهر منها} فحددوا القدر المرخص كشفه في الغالب عند الأجنبي بالوجه والكفين، مع اتفاقهم على جواز أن تكشف أكثر من ذلك عند الضرورة كالعلاج ونحوه، وهنا كذلك فهم متفقون على كشف المرأة لخالها أو عمها ولو كان من الرضاع. وهذا يقولونه احتياطاً مع نزول آية الرخصة وصريح كلامهم فيها، وورود الأدلة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بجواز نظر الخاطب لمن أراد خطبتها، فهل هؤلاء بالله عليكم يشك
أحد في أنهم يرون أن النساء في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كن يخرجن مكشوفات الوجوه؟ أو أن ستر الوجه في حقهن أمام الرجال الأجانب كان سنة ومستحب؟ .
وأهل السفور اليوم هداهم الله يريدون المرأة أن تكشف وجهها للأجانب وتختلط بالرجال لتعلم خطورة أننا لو فهمنا كلام المتقدمين وقلنا بما يقوله أهل السفور اليوم نكون بذلك قد مسخنا الحقيقة والتاريخ والسيرة وما كانت عليه حياتهم من عهد السلف الصالح وإلى من بعدهم من أئمة الإسلام، والتي سطروها في مؤلفاتهم ونكون قد فرغناها من معناها ومضمونها الحقيقي، من فرض الحجاب الذي من قوة فريضته شددوا في الحرص لمجرد رؤية خالها وعمها، أو من جواز نظر الخاطب لها، وغير ذلك ولعله لأنه لم يترجح عندهم الضرورة لكشفها في مثل بعض تلك الأحوال، والله لم يجعل في الدين من حرج فكان من رحمته التوسعة على العباد.
فسبحان العالم بشئون عباده الخبير بما يحتاجون الرحيم بهم حيث أوجز ذلك بألطف عبارة وأبلغ كلمة وأوسع معنى فقال جل من قائل: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} [النور: 31].