المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(المبحث الخامس)إكمال نقل إجماع المفسرين على أن الآية رخصة وليست تشريعا لفريضة الحجاب - كشف الأسرار عن القول التليد فيما لحق مسألة الحجاب من تحريف وتبديل وتصحيف

[تركي بلحمر]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌(المبحث الأول)سورة الأحزاب وأول ما نزل من الآيات في مسألة الحجاب وما لحق تفسيرها من تحريف وتصحيف وتبديل

- ‌تاريخ نزول أول الآيات في مسألة الحجاب:

- ‌كيف مهد الإسلام لتشريع فريضة الحجاب

- ‌أول ما نزل في شأن الحجاب:

- ‌آية الحجاب وإجماع المفسرين عليها

- ‌التحريف والتبديل والتصحيف المعاصر لما لحق كلام شيخ المفسرين الإمام الطبري في تفسيره لآية الإدناء:

- ‌اختلاف ألفاظ السلف في التفسير غالباً ما يكون اختلاف تنوع:

- ‌الأدلة والنقول على أن (القناع) يأتي بمعني ستر الوجه:

- ‌مخالفة الشيخ الألباني لإجماع المسلمين في تفسيره لقوله تعالى: {يدنين عليهن من جلابيبهن}

- ‌آيات الحجاب لم تنزل مرة واحدةولها تسلسل ووقائع

- ‌(المبحث الثاني)سورة النور وما فيها من أدلة أخرى على أن الحجاب قد فرض قبلها وقبل ما فيها من قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}

- ‌تناقض أهل السفور في مسألة غض البصر:

- ‌التبرج انفلات لا يقف عند حد:

- ‌سورة النور والرخصة بجواز أن تبدي المرأة من زينتها ما تدعو الحاجة والضرورة إليه

- ‌سورة النور فصلت ما أُجمل في سورة الأحزاب:

- ‌مصطلح أمن الشهوة ونحوه عند الفقهاء المتقدمين وما أصابه من التحريف والتبديل والتصحيف:

- ‌بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم جواز نظر الخاطب لمخطوبته نوع من تفسيره للآية:

- ‌(المبحث الثالث)أقوال الصحابة في تفسير قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا مَا ظَهَرَ مِنْها} [النور: 31]

- ‌أقوال الصحابة واختلافهم في تفسير آية: {إلا ما ظهر منها} كان من اختلاف التنوع لا اختلاف التضاد

- ‌الجمع بين أقوال الصحابة في الآية:

- ‌ومن تلكم الحالات:

- ‌حالة المرأة الساترة لوجهها واحتاجت لكشف العينين فقط أو الكفين:

- ‌حالة احتياج المرأة لكشف زينة وجهها أو كفيها:

- ‌مقصد الإمام الطبري عند تفسيره للآية:

- ‌حالة احتياج المرأة لتكشف أكثر من الوجه أو الكفين:

- ‌حالة احتياج المرأة لظهور زينتها المكتسبة كالثياب ونحوها:

- ‌فرض لبس الجلباب عند خروج المسلمات الصالحات:

- ‌حالة ظهور زينة المرأة رغما عنها وبغير قصد منها:

- ‌منهج السلف في التفسير:

- ‌منهج الصحابة والتابعين عند تفسيرهم لآية الرخصة {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منه}

- ‌منهج أئمة التفسير والفقه عند تفسيرهم لآية الرخصة:

- ‌(المبحث الرابع)التحريف والتبديل فيما لحق كلام أئمة المذاهب الأربعة في فريضة الحجاب

- ‌اختلاف المذاهب الأربعة في مسألة الحجاب كان من اختلاف التنوع

- ‌المناهج الفقهية للمذاهب الأربعة:

- ‌فريضة الحجاب عند المذاهب الأربعة:

- ‌(محاورة)حجة القائلين أن الوجه والكفين ليسا من العورة وأن ذلك لم يمنع من قولهم بوجوب ستره لعلة الفتنة والشهوة

- ‌أدلة ونقول أئمة الفقهاء من الأحناف والمالكية وغيرهم وتفسيرهم لقوله تعالى: {إلا ما ظهر منها} بأنها رخصة وتحديدهم القدر المرخص للمرأة أن تبديه بأمور منها بما يظهر في صلاتها

- ‌(باب شروط الصلاة):

- ‌اعتراض الألباني على الأئمة في طريقة استدلالهم لتحديد قدر الرخصة لأنه يظن أنهم يستدلون به للسفور

- ‌قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

- ‌بقية أدلة الأحناف والمالكية وغيرهم في تفسير الآية بأنها رخصة وتحديدهم القدر المرخص لها أن تبديه في الغالب وأن قولهم ليس بعورة لا يعني عدم وجوب ستره

- ‌(محاورة)حجة القائلين أن علة الأمر بستر الوجه والكفين لكونهما من العورة

- ‌قول أتباع كل مذهب بقول المذهب الآخر وتعدد الروايات في المذهب الواحد دليل على أن اختلاف المتقدمين في فريضة الحجاب كان من قبيل اختلاف التنوع

- ‌خطأ الشيخ الألباني رحمه الله في نسبته مذهب السفور للقائلين أن الوجه والكفين ليسا بعورة:

- ‌وبالعكس فمع ذلك قد تجد بعض أئمة الأحناف والمالكية وبعض الشافعية يقول أن المرأة عورة وذلك لأن الأمر واسع كما قلنا ومثاله:

- ‌وهناك قسم آخر من بعض الأئمة أخذوا يفصلون بنوع آخر وهو أن الوجه والكفين من المرأة عورة، ولكنه في حق من جاز نظره إليها لا يكون بالنسبة لهم من العورة لورود الدليل المبيح في ذلك، وهذا يدلك أن الأمر فيه سعة ولا يترتب عليه في أصل المسألة شيء ومثاله:

- ‌خلاصةأقوال أئمة المذاهب الأربعة في مسألة هل الوجه والكفين عورة أم لا

- ‌سبب ذكرنا لتأصيل المذاهب لمسألة الحجاب:

- ‌(المبحث الخامس)إكمال نقل إجماع المفسرين على أن الآية رخصة وليست تشريعاً لفريضة الحجاب

- ‌فائدة في حكمة التكرار في قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ}:

- ‌حكمة عدم التحديد في قوله تعالى: {إلا ما ظهر منها}:

- ‌لو لم تنزل آية الرخصة

- ‌مخالفة الألباني للإجماع في تفسير قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}

- ‌تفسير قوله تعالى: {وليضربن بخمرهن على جيوبهن} وقول الألباني أن الخمار لا يأتي لستر الوجه

- ‌تصحيف الشيخ الألباني لكلام الحافظ ابن حجر

- ‌تفسير قوله تعالى: {وَلَا يَضْرِبْنَ بأرجلهن لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور 31]

- ‌(المبحث السادس)خصوصية أمهات المؤمنين في فرض الحجاب عليهن وما لحقها من التحريف والتصحيف والتبديل

- ‌التمهيد لنزول فريضة الحجاب:

- ‌موقف الصحابة من آيات الحجاب وأمهات المؤمنين:

- ‌طريقة حجاب النساء داخل البيوت والإجماع في ذلك:

- ‌لماذا ذكرت بيوت النبي صلى الله عليه وسلم بالذات

- ‌طريقة حجاب النساء خارج البيوت والإجماع في ذلك:

- ‌معنى الخصوصية في حجاب أمهات المؤمنين عند المتقدمين وما لحقها من التحريف والتبديل والتصحيف

- ‌الخصوصية الأولىالأدلة على أن معنى الخصوصية التي قصدها بعض المتقدمين لأمهات المؤمنين هي في تغليظ حجابهن بعدم جواز ظهور أشخاصهن أو الرخصة لهن في كشف الوجه والكفين كغيرهن

- ‌وممن قال بهذه الخصوصية من نوع التغليظ:

- ‌وممن قال أيضاً بالخصوصية من نوع تغليظ الحجاب على أمهات المؤمنين

- ‌الخصوصية الثانيةالأدلة على أن معنى الخصوصية الثانية والتي عناها المتقدمون لأمهات المؤمنين هي أنهن حجبن عن أبنائهن فكن بذلك مخصوصات عن بقية الأمهات وكن كالأجنبيات

- ‌خلاصة الكلام في خصوصية أمهات المؤمنين

- ‌الأول: أنهن مخصوصات بعدم ظهور شخوصهن فضلا عن عدم جواز ظهور الوجه والكفين منهن ولو عند الحاجة كما هو جائز لغيرهن

- ‌والثاني: أنهن مخصوصات بالحجاب من أبنائهن ومن يحرم النكاح بهم فكن بذلك دون بقية الأمهات ومن يحرم النكاح بهن اللاتي لم يفرض عليهن ذلك

- ‌تناقض أهل السفور واختلافهم في معنى الخصوصية المحدثةوما أوردوه من شبهات بخصوصها

- ‌رد شبهةعن الإمام القاضي عياض

- ‌كشف المُحْرِمَة وجهها في طريقها عند عدم وجود الرجال الناظرين لها وتناقص أهل السفور فيه:

- ‌مذهب القائلين بوجوب ستر المرأة لوجهها لمجرد خروجها:

- ‌الشبهة المثارة من أهل السفور عن مالك في جواز مؤاكلة المرأة للرجل

- ‌قول أهل السفور نتيجة حتمية لما هو الحاصل اليوم:

- ‌منهج الإمام ابن حزم الظاهري في مسالة الحجاب وما لحقه من تحريف وتبديل وتصحيف

- ‌نَقلُ أهل السفور هجوم ابن حزم على من فرق بين الأَمة والحرة في لبسهن للجلابيب في الصلاة وخارجها:

- ‌وقال ابن القيم: - فصل: الفرق بين النظر إلى الحرة والأمة

- ‌معنى الجلابيب عند الإمام ابن حزم موافق لإجماع أهل العلم:

- ‌(المبحث السابع)استدلالات أهل السفور بالسنة على شبهاتهم

- ‌أولاً: حديث الفضل بن عباس ومخالفتهم لفهم السلف له:

- ‌الوجه الأول: في رد هذه الشبهة وهي عدم وجود ما ادعوه أصلا من كشف الوجه في الحديث:

- ‌الوجه الثاني: وهو على فرض كونها كانت كاشفة عن وجهها:

- ‌ثانيا: استدلالهم بحديث سفْعَاء الخدين

- ‌ثالثا: شبهة استدلالهم بحديث أسماء بنت أبي بكر الصديق ومخالفتهم لفهم السلف له

- ‌خطأ الألباني في فهم مراد الإمام البيهقي

- ‌تضعيف البيهقي لحديث أسماء بنت عميس الثاني من طريق ابن لهيعة من"كتاب النكاح

- ‌رابعا: استدلالهم بحديث الواهبة نفسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم وشبهة أهل السفور فيه

- ‌خامسا: ومن أمثلة شبهاتهم الواهية التي ينقلونها:

- ‌ومن أمثلة غرائب استدلالات أهل السفور وشبههم:

- ‌سادساً: استدلالهم لمثل هذا بما جاء في جلباب المرأة للألباني:

- ‌خلاصة شبهات أهل السفور اليوم وبدعة القول أن في تغطية المرأة لوجهها أمام الرجال سنة ومستحب

- ‌مذهب السلف في مسائل الشبهات:

- ‌(المبحث الثامن)الرخصة الثانية في سورة النور وإجماع أهل العلمقال تعالى: {وَالقواعد مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ متبرجات بِزِينَةٍ وَأن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّ

- ‌(المبحث التاسع)الأدلة من السنة والآثار على فريضة ستر المرأة وجهها عن الرجال

- ‌وختاماً:

الفصل: ‌(المبحث الخامس)إكمال نقل إجماع المفسرين على أن الآية رخصة وليست تشريعا لفريضة الحجاب

(المبحث الخامس)

إكمال نقل إجماع المفسرين على أن الآية رخصة وليست تشريعاً لفريضة الحجاب

1 -

الإمام الخازن في تفسيره (ت: 741 هـ):

قال في قوله تعالى: ({ولا يبدين} يعني لا يظهرن {زينتهن} يعني لغير المحرم

فما كان من الزينة الظاهرة يجوز للرجل الأجنبي النظر إليه للضرورة مثل تحمل الشهادة ونحوه من الضرورات إذا لم يخف فتنة وشهوة فإن خاف شيئا من ذلك غض البصر وإنما رخص في هذا القدر للمرأة أن تبديه من بدنها لأنه ليس بعورة وتؤمر بكشفه في الصلاة وسائر بدنها عورة) انتهى.

وقوله: (وإنما رخص في هذا القدر للمرأة أن تبديه من بدنها لأنه ليس بعورة وتؤمر بكشفه في الصلاة) هو نفس استدلال الطبري في قوله (وأولى الأقوال) أي من قال الوجه والكفان لأنه ليس بعورة ولأنه ينكشف بالإجماع في صلاتها، ولأنه الغالب فيما تحتاجه عند الضرورة فلا يزاد عليه ولم يقصدوا التحديد المطلق فقد تحتاج في الضروريات لكشف شيء من زينتها أكثر من الوجه والكفين أو أقل.

كما أن كلامه يوضح لك أمورا عديدة مما سبق وقلناه في معنى قولهم خوف الفتنة والشهوة وأنه لناظر مخصوص يجوز نظره كالشاهد

ص: 271

ونحوه، لا أنهم يعنون خوف الفتنة من عموم الناس فهذا متعذر ولا قائل به بهذا المعنى. فتأمل كلامه تفهم مقاصد الأئمة.

كما أن كلامه واضح في عدم جواز كشف المرأة لوجهها وكفيها إلا في حال الضرورات وكررها مرتين، والإمام الخازن كما رأيت مذهبه ممن لا يعدون الوجه عورة ومع ذلك لم يجوز ظهورهما إلا للضروريات، لأن علة التحريم وإن لم تكن العورة فلخشية الفتنة والشهوة، فكان فهمهم للآية الكريمة كما فهمها من قال الوجه عورة، لا فرق بينهم البتة في أنها رخصة سومح للمرأة في إظهار زينتها مؤقتا في بعض الأحوال.

وحتى لا يتوسع الناس عند الرخصة فتظهر المرأة ساعدها أو بعض شعرها أو نحرها وغير ذلك مما تظهره اليوم الفاسقات بدون حاجة قالوا: (وإنما رخص في هذا القدر للمرأة أن تبديه من بدنها لأنه ليس بعورة وتؤمر بكشفه في الصلاة وسائر بدنها عورة) وقوله: (ليس بعورة) كما قلنا هذا بناء على أصولهم، وجاء بها هنا ليحدد ما الذي تكشفه وليحتاطوا في الأخذ بالرخص وبعضهم حدد هذا القدر بأمور أخرى منها (ما يظهر منها عادة وعبادة) واستئناسهم بحديث (أسماء وعائشة).

ص: 272

2 -

تفسير القشيري (ت: 465 هـ):

(قوله: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها}: ما أباح الله سبحانه على بيان مسائل الفقه فمستثنى من الحظر، وما وراء ذلك فالواجب عليهن حفظ أنفسهن عن العقوبات في الآجل، والتصاون عن أن يكون سببا لفتنة قلوب عباده. والله سبحانه يتصل منهم نفع بالخلق فلا تصيب أحدا بهم فتنة. وفي الجملة ما فيه زينة العبد لا يجوز إظهاره؛ فكما أن للنساء عورة ولا يجوز لهن إبداء زينتهن فكذلك من ظهر للخلق ما هو زينة سرائره من صفاء أحواله وزكاء أعماله انقلب زينه شيئا إلا ظهر على أحد شيء - لا بتعمده ولا بتكلفه - فذلك مستثنى لأنه غير مؤاخذ بما لم يكن بتصرفه وتكلفه، فذوات المحارم على تفصيل بيان الشريعة يستثنى حكمهن عن الحظر) انتهى كلامه.

وقوله: (وما وراء ذلك فالواجب عليهن حفظ أنفسهن عن العقوبات في الأجل، والتصاون عن أن يكون سببا لفتنة قلوب عباده) أي ما وراء ما حدد على بيان مسائل الفقه وهو الوجه والكفان مما يجوز لها أن تبديه، وقد نص على ذلك الفقهاء في أكثر من باب من أبواب الفقه كأبواب الشهادة والبيوع والنكاح وغير ذلك فما وراء ذلك مما ذكروه في الغالب

لمعرفة شخصها فالواجب التصون حتى لا يفهم من إطلاق إبداء الزينة أنه يجوز غير ذلك في مثل تلك الأحوال.

ص: 273

3 -

تفسير الكشف والبيان للثعلبي (ت: 427 هـ):

{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} ولا يظهرن لغير محرم زينتهن، وهما زينتان: إحداهما ما خفي كالخلخالين والقرطين والقلائد والمعاصم ونحوها، والأخرى ما ظهر منها، واختلف العلماء في الزينة الظاهرة التي استثنى الله سبحانه ورخّص فيها فقال ابن مسعود: هي الثياب، وعنه أيضا: الرداء، ودليل هذا التأويل قوله سبحانه:{خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] أي ثيابكم. وقال ابن عباس وأصحابه: الكحل والخاتم والسوار والخضاب، الضحّاك والأوزاعي: الوجه والكفان، الحسن: الوجه والثياب.

روت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يحلّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر إذا عركت أن تظهر إلا وجهها ويدها إلى هاهنا» وقبض على نصف الذراع، وإنما رخّص الله سبحانه ورخّص رسوله في هذا القدر من بدن المرأة أن تبديها لأنه ليس بعورة، فيجوز لها كشفه في الصلاة، وسائر بدنها عورة فيلزمها ستره) انتهى.

وقوله: (وإنما رخّص الله سبحانه ورخّص رسوله في هذا القدر من بدن المرأة أن تبديها لأنه ليس بعورة، فيجوز لها كشفه في الصلاة، وسائر بدنها عورة فيلزمها ستره) والرخصة لا تكون إلا عن فرض، وعلى قدر الحاجة من ناظر أجنبي له غرض في النظر إليها ولهذا درج الفقهاء والمفسرون على تحديده ذلك القدر بالوجه والكفين لأنهما ليسا بعورة عندهم ولأنه يجوز كشفه في الصلاة، ولحديث أسماء وعائشة

ص: 274

وكيف كان فهمهم له أنه عند الرخص، (تبديها) فهو ليس بادياً في كل وقت، وقال بذلك أيضاً جمع من أهل العلم لا يحصى، فتنبه ولا تحسب أنهم يتكلمون في سفور المرأة لوجهها.

4 -

تفسير السراج المنير للعلامة الخطيب الشربيني (ت: 977 هـ):

قال: ({إلا ما ظهر منها} أي: من الزينة الظاهرة، واختلف أهل العلم في هذه الزينة التي استثناها الله تعالى فقال سعيد بن جبير وجماعة: هي الوجه والكفان، وقال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: هي الثياب، وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: هي الكحل والخاتم والخضاب في الكف. فما كان من الزينة الظاهرة، يجوز للأجنبي النظر إليها إن لم يخف فتنة في أحد وجهين: وعليه الأكثر وإنما رخص في هذا القدر للمرأة أن تبديه من بدنها لأنه ليس بعورة في الصلاة وسائر بدنها عورة فيها، ولأن سترها فيه حرج، فإن المرأة لا تجد بدا من مزاولة الأشياء بيديها، ومن الحاجة إلى كشف وجهها خصوصا في الشهادة والمحاكمة والنكاح وتضطر إلى المشي في الطرقات وخاصة الفقيرات.

والوجه الثاني: يحرم، لأنه محل الفتنة ورجح حسماً للباب) انتهى.

وقوله (وإنما رخص في هذا القدر

) فهذا أيضا لتعلم فيما يتكلمون فيه فلا يأتي أحد ويستشهد من الرخص التي تباح في حالات الحاجة والضرورة لتكون حكماً أصلياً فيما فرضه الله من الحجاب على النساء في أحوالهن العادية.

ص: 275

قوله: (والوجه الثاني يحرم) وهو إذا ما خاف الفتنة فلم يجوزوا له النظر ولو لحاجة وضرورة (لأنه محل الفتنة ورجح حسماً للباب) فلا يُفهم من قوله (حسماً للباب) ومثله ما مر معنا (والمنع في زماننا أوجب) ونحو ذلك أن النساء من الصحابة وغيرهن كن في السابق سافرات وجاء قوم ومنعوه خشية الفتنة وحسما للباب، لا. هذا غلط فاحش وتحريف وتبديل وتصحيف للحقائق ولم يُعرف في دين الله أن كل واحد يشرع فيه بهواه وما يناسبه فهذا ليس مقصد الأئمة المتقدمين بتاتاً، وحاشاهم من ذلك، بل لا يعتقد ذلك منهم من يعرف قدرهم ومكانتهم، وإنما قصدوا ترجيح جزئية خلافية احتياطاً وحسماً للباب وأخذاً بالأصل العام وهو (لأنه محل الفتنة) باتفاق، أو كما قالوا هناك (اتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه لا سيما عند كثرة الفساد وظهوره) فقولهم (لا سيما عند كثرة الفساد وظهوره) ليس راجعاً كما بينا عند مبحث الفقهاء لاتفاقهم بل هو راجع إلى ما اختلفوا فيه من جزئيات قبل قولهم بالاتفاق فمن احتاط ومنع وشدد أستند لأصل (اتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه) أو للأصل الآخر (لأنه محل الفتنة) ثم بعدها قالوا نحو عباراتهم (لا سيما عند كثرة الفساد وظهوره) أو (ورجح حسماً للباب).

وهنا كذلك فقد مر معنا كثيراً، أنهم كانوا يشترطون لرؤية الأجنبي شرطاً زائداً على الضرورة وهو شرط (أمن الفتنة والشهوة) عند النظر، ففصل كما في الوجه الأول الذي قدم ذكره وهو إذا لم يخف فتنة فيجوز، ولاحظ قوله (وعليه الأكثر) فمع أمن الفتنة والحاجة لم

ص: 276

يجوزه كلهم كما قال! فإن من المتقدمين من منع الخاطب من النظر لمن أراد خطبتها ومنهم من منع الشابات من التكشف عند التبايع ونحو ذلك لأن الفتنة بهن أكثر ولأن أكثر تلك البيوع ونحوها ليست بالضرورية الملحة أو يمكن أن يستغنى فيها بغيرها، ثم أيد قول (الأكثر) وبين أمثلة على الأسباب المبيحة للجواز كمثل (الحاجة إلى كشف وجهها خصوصاً في الشهادة والمحاكمة والنكاح) ثم ذكر القدر الذي يجوز في غالب تلك الأحوال وهو الوجه والكفان كما ذكرها الطبري والقرطبي والبغوي وغيرهم كثير، ودلل على هذا القدر لمن طالبه بالدليل (لأنه ليس بعورة في الصلاة وسائر بدنها عورة فيها).

ثم ذكر الوجه الثاني وهو في ما لو خُشي منه أو عليه الفتنة (يحرم لأنه محل الفتنة ورجح حسماً للباب) لأن هناك من أجازه كما لو لم يكن هناك غيره لأداء الحقوق والمصالح أو إظهار الحق لصاحبه فلا بأس مع خشية الفتنة والشهوة للعذر الأشد إذا لو أمكن بغيره لم يجوزه بعضهم، وهذه مسألة أخرى أيضا في باب النظر عندهم.

فلا يجوز أن يفهم من مثل عباراتهم تلك كقولهم (ورجح حسماً للباب) و (لا سيما عند كثرة الفساد وظهوره) أختلافهم في أصل فريضة الحجاب أو جواز من يحلل ويحرم في دين الله من عند نفسه فهذا الدين صالح في كل زمان ومكان، وهو الذي ارتضاه الله لنا كما ارتضاه لمن قبلنا محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام.

ص: 277

5 -

نظم الدرر في تناسب الآيات والسور البقاعي (ت: 885 هـ):

({ولا يبدين زينتهن} أي كالحلي والفاخر من الثياب فكيف بما وراءها {إلا ما ظهر منها} أي كان بحيث يظهر فيشق التحرز في إخفائه فبدا من غير قصد كالسوار والخاتم والكحل فإنها لا بد لها من مزاولة حاجتها بيدها ومن كشف وجهها في الشهادة ونحوها) انتهى.

قوله (ومن كشف وجهها في الشهادة ونحوها) ومن صريح العبارة ما يغني عن الإطالة لتفهم أخي الكريم فيما يتكلمون وأنهم يتكلمون في مستورِ رُخِص في كشفه كمثل عند الشهادة ونحوها، وهذا ما فهموه من الآية الكريمة، لا أنه في أصله مكشوف فتنبه.

6 -

تفسير النسفي (ت: 710 هـ):

قال: (وإنما قدم غض الأبصار على حفظ الفروج لأن النظر بريد الزنا ورائد الفجور فبذر الهوى طموح العين .... . {إلا ما ظهر منها} إلا ماجرت العادة والجبلة على ظهوره وهو الوجه والكفان والقدمان ففى سترها حرج بين فإن المرأة لا تجد بدا من مزاولة الأشياء بيديها ومن إلى كشف وجهها خصوصا في الشهادة والمحاكمة والنكاح وتضطر إلى المشى في الطرقات وظهور قدميها وخاصة الفقيرات) انتهى.

وقوله: (ففى سترها حرج بين) وهذا من رحمة الله بعباده أن رفع عنهم الحرج والعنت بهذه الآية الكريمة، حيث لم يكن بعد نزول أول آيات الحجاب في سورة الأحزاب أي رخصة أو عذر لأن تكشف المرأة شيئا من زينتها حتى أنزل الله هذه الآيات الكريمات رخصة للعباد.

ص: 278

7 -

قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره:

(وَقَوْله تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} أي لا يُظْهِرْنَ شَيْئًا مِنْ الزِّينَة للأجانب إلا مَا لا يُمْكِن إخفاؤه قَالَ ابن مَسْعُود: كَالرِّدَاءِ وَالثِّيَاب يَعْنِي عَلَى مَا كان يَتَعَاطَاهُ نِسَاء الْعَرَب مِنْ المقنعة التي تُجَلِّل ثِيَابهَا وَمَا يَبْدُو مِنْ أَسَافِل الثِّيَاب فَلَا حَرَج عَلَيْهَا فِيهِ لأن هَذَا لا يُمْكِنهَا إخفاؤه وَنَظِيره فِي زِيّ النِّسَاء مَا يَظْهَر مِنْ إِزَارهَا وَمَا لا يُمْكِن إخفاؤه وَقَالَ بِقَوْلِ ابن مَسْعُود الْحَسَن وَابن سِيرِينَ وَأبو الْجَوْزَاء وَإِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ وَغَيْرهمْ وَقَالَ الأعمش عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ ابن عَبَّاس: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قَالَ: وَجْههَا وَكَفَّيْهَا وَالخاتم. وَرُوِيَ عَنْ ابن عُمَر وَعَطَاء وَعِكْرِمَة وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَأبي الشَّعْثَاء وَالضَّحَّاك وَإِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ وَغَيْره نَحْو ذَلِكَ وَهَذَا يَحْتَمِل أن يَكُون تَفْسِيرًا لِلزِّينَةِ التي نُهِينَ عَنْ إبدائها كَمَا قَالَ أبو إِسْحَاق السَّبِيعِيّ عَنْ أبي الأحوص عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ فِي قَوْله: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} الزِّينَة الْقُرْط وَالدُّمْلُوج وَالخلخال وَالْقلادَة وَفِي رواية عَنْهُ بِهَذَا الإسناد قَالَ: الزِّينَة زينتان فَزِينَة لا يَرَاهَا إلا الزَّوْج: الخاتم وَالسِّوَار وَزِينَة يَرَاهَا الأجانب وَهِيَ الظَّاهِر مِنْ الثِّيَاب وَقَالَ الزُّهْرِيّ: لا يُبْدِينَ لِهَؤُلاءِ الذين سَمَّى اللَّه مِمَّنْ لا يَحِلّ لَهُ إلا الأسْوِرَة وَالأخمِرَة وَالأقْرِطَة مِنْ غَيْر حَسْر وَأما عامة النَّاس فلا يَبْدُو مِنْهَا إلا الخوَاتِم وَقَالَ مَالِك عَنْ الزُّهْرِيّ {إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} : الخاتم وَالخلخال.

وَيُحْتَمَل أن ابن عَبَّاس وَمَنْ تَابَعَهُ أرادوا تَفْسِير مَا ظَهَرَ

ص: 279

مِنْهَا بِالْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وَهَذَا هُوَ المشهور عِنْد الْجُمْهُور وَيُسْتَأنس لَهُ بِالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أبو داود فِي سُنَنه حَدَّثَنَا يَعْقُوب بْن كَعْب الأنطَاكِيّ وَمُؤَمَّل بْن الْفَضْل الْحَرَّانيّ قَالا: حَدَّثَنَا الْوَلِيد عَنْ سَعِيد بْن بَشِير عَنْ قَتَادَة عَنْ خَالِد بْن دُرَيْك عَنْ عَائِشَة رضي الله عنها: أن أسماء بِنْت أبي بَكْر دَخَلَتْ عَلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهَا ثِيَاب رِقَاق فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَقَالَ: «يَا أسماء أن المرأة إذا بَلَغَتْ المحيض لَمْ يَصْلُح أن يُرَى مِنْهَا إلا هَذَا وَأَشَارَ إلى وَجْهه وَكَفَّيْهِ» لَكِنْ قَالَ أبو داود وَأبو حَاتِم الرَّازِيّ هُوَ مُرْسَل. خَالِد بْن دُرَيْك لَمْ يَسْمَع مِنْ عَائِشَة رضي الله عنها، وَاَللَّه أَعْلَم) انتهى كلام ابن كثير.

وقوله: (وَهَذَا هُوَ المشهور عِنْد الْجُمْهُور وَيُسْتَأنس لَهُ بِالْحَدِيثِ) نعم فقد مر معنا أن أغلب المفسرين والفقهاء حددوا الوجه والكفين فيما يظهر من المرأة في الغالب من الحالات التي تحتاج النساء فيها للكشف عن زينتهن كما مثل لها الفقهاء في الشهادة وعند التقاضي وفي البيوع لمعرفة شخصها ونحو ذلك، ليحتاطوا من تساهل الناس في الرخصة لهذا قال الإمام ابن كثير:(وَيُسْتَأنس لَهُ بِالْحَدِيثِ) أي في تحديد القدر بالوجه والكفين بحديث عائشة مع أسماء، وهو بنفس الاستدلال مع من قبله، وقوله:(ويُسْتَأنس) لأن الحديث حسب فهم المتقدمين حملوه في باب الرخص وفي الصلاة فلا: (يَصْلُح أن يُرَى مِنْهَا إلا هَذَا) كما أنه ليس بصحيح سندا كما بينة ابن كثير، ولهذا فيحمل على ما فهمه المتقدمون من أهل العلم وأئمة الإسلام على مر عصورهم وهو ما يباح أن يظهر منها حين الضرورة الغالبة كالتي مثل لها الفقهاء أو في ما

ص: 280

يظهر منها في الصلاة، لأنه لم يأتِ عنهم أن أحدا قال فيه أنه دليل لجواز أن تكشف المرأة عن وجهها في أحوالها العادية كما يقوله اليوم أهل السفور. وقوله: (وَجْههَا وَكَفَّيْهَا

وَهَذَا يَحْتَمِل أن يَكُون تَفْسِيرًا لِلزِّينَةِ التي نُهِينَ عَنْ إبدائها) فهو بعد أن فرغ من ذكر أن الآية جاءت رخصة (أي لا يُظْهِرْنَ شَيْئًا مِنْ الزِّينَة للأجانب إلا مَا لا يُمْكِن إخفاؤه) ثم ذكر الأقوال عن ابن مسعود وابن عباس أيضا ثم لما انتهى، أتى بعد ذلك بالاحتمال الآخر (أن يَكُون تَفْسِيرًا لِلزِّينَةِ التي نُهِينَ عَنْ إبدائها) والحق أنه وإن كان احتمالاً ممكناً ولا يخرج ولا يضاد المعنى العام من الآية إلا أنه ضعيف كما ألمح هو بقوله:(يحتمل)؛ لأنه مخالف لمعنى الآية ودلالتها القطعية من كونها جاءت رخصة وتوسعة ولو صح هذا الاحتمال الذي قاله لا يكون هناك رخصة ولا توسعة، بل يكون فيه شدة وعنت كمن منع النظر للنساء عند الحاجة والضرورة، وأيضا لا تكون الآية بهذا الاحتمال قد أضافت شيئا على ما سبق ونزل في أول شأن الحجاب من الأمر بستر الزينة وهو بالطبع نهي عن إبدائها، فكيف يكون هنا كذلك نهي عن إبدائها؟ لهذا قدم رحمه الله القول الأول من كونها رخصة.

ص: 281

8 -

قال في تفسير الكشاف للزمخشري - الحنفي - (ت: 538 هـ):

(فإن قلت: لم سومح مطلقاً في الزينة الظاهرة؟ (1)، قلت: لأن سترها فيه حرج فإن المرأة لا تجد بدّاً من مزاولة الأشياء بيديها، ومن الحاجة إلى كشف وجهها، خصوصاً في الشهادة والمحاكمة والنكاح، وتضطر إلى المشي في الطرقات وظهور قدميها، وخاصة الفقيرات منهنّ، وهذا معنى قوله:{إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} يعني إلا ما جرت العادة والجبلة على ظهوره والأصل فيه الظهور.

وإنما سومح في الزينة الخفية، أولئك المذكورون (2)، لما كانوا مختصين به من الحاجة المضطرة إلى مداخلتهم ومخالطتهم، ولقلة توقع الفتنة من جهاتهم، ولما في الطباع من النفرة عن مماسة القرائب وتحتاج المرأة إلى صحبتهم في الأسفار للنزول والركوب وغير ذلك) انتهى كلامه رجمه الله.

(1) الزينة الظاهرة: يقصدون بها الوجه والكفين، وبعضهم قال والقدمين، لانها أكثر ما تبتلى المرأة بظهوره عادة وعبادة وضرورة، ولهذا اختلفوا في القدمين.

(2)

قصده {إلا لبعولتهن أو آبائهن 00} .

ص: 282

9 -

قال في إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود (ت: 951 هـ):

{إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} عند مزاولة الأمور التي لا بُدَّ منها عادةً كالخاتم والكُحلِ والخضاب ونحوها فإن في سترِها حَرَجاً بيناً. وقيلَ: المراد بالزِّينةِ مواضعُها على حذفِ المضافِ أو ما يعمُّ المحاسن الخلقية والتَّزينيةَ. والمستثنى هو الوجهُ والكفان لأنها ليستْ بعورةٍ

{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} كرر النهي لاستثناء بعضِ موادِّ الرُّخصةِ عنه باعتبار النَّاظرِ بعد ما استُثني عنه بعضُ موادِّ الضَّرورةِ باعتبار المنظور {إلا لِبُعُولَتِهِنَّ} فإنهم المقصودون بالزِّينة ولهم أن ينظرُوا إلى جميع بدنهنَّ حتَّى الموضع المعهودِ {أو آبائهن أو آبَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أو أبنائهن أو

} لكثرةِ المخالطة الضَّروريَّةِ بينهم وبينهنَّ وقلة توقع الفتنةِ من قبلهم لما في طباعِ الفريقينِ من النَّفرة عن مماسة القرائبِ ولهم أن ينظرُوا منهنَّ ما يبدُو عند المهنةِ والخدمة. وعدمُ ذكرِ الأعمام والأخوالِ لما أن الأحوط أن يتسترن عنهم حذاراً من أن يصفوهنَّ لأبنائهم) انتهى.

قوله (كرر النهي لاستثناء بعضِ موادِّ الرُّخصةِ عنه باعتبار النَّاظرِ بعد ما استُثني عنه بعضُ موادِّ الضَّرورةِ باعتبار المنظور) وهذا كلام في غاية البلاغة والدقة والإيجاز منه رحمه الله، وهو أن قوله تعالى في النهي الأول:{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} كان استثناء عن بعض مواد الضرورة باعتبار المنظور. وكرر النهي الثاني: {إلا لِبُعُولَتِهِنَّ أو

ص: 283

آبائهن أو آبَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أو أبنائهن أو

} لاستثناء بعض مواد الرخصة عنه باعتبار الناظرين.

قوله: (وقلة توقع الفتنةِ من قبلهم) وهنا يبين لك العلة في التحريم عند من قال أن الوجه والكفان ليسا من العورة، فهم يوجبون ستره لعلة أخرى وهي الفتنة والشهوة.

10 -

قال في تفسير غرائب القرآن للنيسابوري (ت: 728 هـ):

(قال الفقهاء: العورات على أربعة أقسام:

أما عورة المرأة مع الرجل فإن كانت أجنبية حرة فجيمع بدنها عورة لا يجوز له أن ينظر إلى شيء منها إلا الوجه والكفين لأنها تحتاج إلى إبراز الوجه للبيع والشراء وإلى إخراج الكف للأخذ والإعطاء. ويعني بالكف ظهرها وبطنها إلى الكوعين. وقيل: ظهر الكف عورة. وفي هذا المقام تفصيل: قال العلماء: لا يجوز أن يعمد النظر إلى وجه الأجنبية بغير غرض فإن وقع بصره عليها بغتة غض بصره لقوله تعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم} ولقوله صلى الله عليه وسلم: «يا علي لا تتبع النظرة النظرة» فإن كان هناك غرض ولا شهوة ولا فتنة فذاك والغرض أمور منها: (1)

(1) كما ترى قولهم شهوة وفتنة ونحو ذلك من أمن الفتنة هو لناظر مخصوص كما هنا في قوله: (غرض) ثم حدد أمثلة لتلك الأغراض ولبيان العلة عندهم في التحريم.

ص: 284

- أن يريد نكاح امرأة فينظر إلى وجهها وكفها. روى أبو هريرة «أن رجلاً أراد أن يتزوج امرأة من الأنصار فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً» .

- ومنها إذا أراد شراء جارية فله أن ينظر إلى ما ليس بعورة منها.

- ومنها أنه عند المبايعة ينظر إلى وجهها متأملاً حتى يعرفها عند الحاجة.

- ومنها أنه ينظر إليها عند تحمل الشهادة ولا ينظر إلا إلى الوجه لأن المعرفة تحصل به.

- ومنها يجوز للطبيب الأمين أن ينظر إلى بدن الأجنبية للمعالجة. كما يجوز للخاتن أن ينظر إلى فرج المختون لأنه محل ضرورة. وكما يجوز أن ينظر إلى فرج الزانيين لتحمل الشهادة، وإلى فرجها لتحمل شهادة الولادة إذا لم تكن نسوة، وإلى ثدي المرضعة لتحمل الشهادة على الرضاع.

فإن كان هناك شهوة وفتنة فالنظر محظور قال صلى الله عليه وسلم: «العينان تزنيان» وقيل: مكتوب في التوراة: النظر يزرع الشهوة في القلب ورب شهوة أورثت حزناً طويلاً.

- ويستثنى منه ما لو وقعت في حرق أو غرق فله أن ينظر إلى بدنها ليخلصها.

قوله: {إلا ما ظهر منها} إلا ما يظهره الإنسان على العادة الجارية وذلك في النساء الحرائر الوجه والكفان، وفي الإماء كل ما يبدو عند

ص: 285

المهنة. وفي صوتها خلاف الأصح أنه ليس بعورة لأن نساء النبي صلى الله عليه وسلم يروين الأخبار للرجال

) انتهى من تفسير النيسابوري.

وانظر قوله (إبراز) و (إخراج)(ولا ينظر إلا إلى الوجه لأن المعرفة تحصل به) كلها تدل أن هذه الأشياء تكون عند الرجال مستورة لا مكشوفة، وإلا ما قالوا إبراز ولا إخراج ولا المعرفه تحصل به، وهو في الأصل مكشوف، فاتقوا الله يا من لبِّس عليهم الأمر لا ترموا بهذه النصوص والآثار والمعاني وتنسبوا لأهل العلم ما هم منه براء.

11 -

تفسير مفاتيح الغيب للإمام الرازي (م: 543 - ت: 606 هـ):

(أما عورة المرأة مع الرجل فالمرأة أما أن تكون أجنبية أو ذات رحم محرم، أو مستمتعة، فإن كانت أجنبية فإما أن تكون حرة أو أمة فإن كانت حرة فجميع بدنها عورة، ولا يجوز له أن ينظر إلى شيء منها إلا الوجه والكفين، لأنها تحتاج إلى إبراز الوجه في البيع والشراء، وإلى إخراج الكف للأخذ والعطاء، ونعني بالكف ظهرها وبطنها إلى الكوعين، وقيل ظهر الكف عورة (1).

واعلم أنا ذكرنا أنه لا يجوز النظر إلى شيء من بدنها، ويجوز النظر إلى وجهها وكفها، وفي كل واحد من القولين استثناء. أما قوله: يجوز النظر إلى وجهها وكفها، فاعلم أنه على ثلاثة أقسام:

- إما أن لا يكون فيه غرض ولا فيه فتنة.

(1) هل يقول بهذا دعاة السفور اليوم؟ لتعلم أن هؤلاء يتكلمون في واد وأهل السفور يحسبون أنهم يحسنون صنعا فيظنون أنهم معهم وأن لهم سلف، وهم في الحقيقة في واد ثانٍ.

ص: 286

- وإما أن يكون فيه فتنة ولا غرض فيه.

- وإما أن يكون فيه فتنة وغرض.

أما القسم الأول: فاعلم أنه لا يجوز أن يتعمد النظر إلى وجه الأجنبية لغير غرض (1) وإن وقع بصره عليها بغتة يغض بصره، لقوله تعالى:{قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} وقيل يجوز مرة واحدة إذا لم يكن محل فتنة، وبه قال أبو حنيفة رحمه الله ولا يجوز أن يكرر النظر إليها لقوله تعالى:{إن السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أولائِكَ كان عَنْهُ مَسْؤُولاً}

ولأن الغالب أن الاحتراز عن الأولى لا يمكن فوقع عفواً قصد أو لم يقصد.

أما القسم الثاني: وهو أن يكون فيه غرض ولا فتنة فيه فذاك أمور:

أحدها: بأن يريد نكاح امرأة فينظر إلى وجهها وكفيها، روى أبو هريرة رضي الله عنه:«أن رجلاً أراد أن يتزوج امرأة من الأنصار فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً»

فكل ذلك يدل على جواز النظر إلى وجهها وكفيها للشهوة إذا أراد أن يتزوجها، ويدل عليه أيضا قوله تعالى:{لَاّ يَحِلُّ لَكَ النّسَاء مِن بَعْدُ وَلَا أن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} [الأحزاب: 52] ولا يعجبه حسنهن إلا بعد رؤية وجوههن.

وثانيها: إذا أراد شراء جارية فله أن ينظر إلى ما ليس بعورة منها.

(1) أي من غير حاجة أو سبب.

ص: 287

وثالثها: أنه عند المبايعة ينظر إلى وجهها متأملاً حتى يعرفها عند الحاجة إليه.

ورابعها: ينظر إليها عند تحمل الشهادة ولا ينظر إلى غير الوجه لأن المعرفة تحصل به.

أما القسم الثالث: وهو أن ينظر إليها للشهوة فذاك محظور، قال عليه الصلاة والسلام:«العينان تزنيان»

.

أما الكلام الثاني: وهو أنه لا يجوز للأجنبي النظر إلى بدن الأجنبية فقد استثنوا منه صوراً:

إحداها: يجوز للطبيب الأمين أن ينظر إليها للمعالجة، كما يجوز للختان أن ينظر إلى فرج المختون، لأنه موضع ضرورة.

وثانيتها: يجوز أن يتعمد النظر إلى فرج الزانيين لتحمل الشهادة على الزنا، وكذلك ينظر إلى فرجها لتحمل شهادة الولادة، وإلى ثدي المرضعة لتحمل الشهادة على الرضاع، وقال أبو سعيد الاصطخري لا يجوز للرجل أن يقصد النظر في هذه المواضع، لأن الزنا مندوب إلى ستره، وفي الولادة والرضاع تقبل شهادة النساء فلا حاجة إلى نظر الرجال للشهادة. وثالثتها: لو وقعت في غرق أو حرق فله أن ينظر إلى بدنها ليخلصها) انتهى كلام الرازي.

ص: 288

12 -

زاد المسير لابن الجوزي - حنبلي - (ت: 597 هـ):

قوله تعالى {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} قال القاضي أبو يعلى والقول الأول أشبه وقد نص عليه أحمد فقال الزينة الظاهرة الثياب وكل شيء منها عورة حتى الظفر ويفيد هذا تحريم النظر إلى شيء من الأجنبيات لغير عذر فإن كان لعذر مثل أن يريد أن يتزوجها أو يشهد عليها فإنه ينظر في الحالين إلى وجهها خاصة فأما النظر إليها بغيرعذر فلا يجوز لا لشهوة ولا لغيرها وسواء في ذلك الوجه والكفان وغيرهما من البدن.

فإن قيل فلم لا تبطل الصلاة بكشف وجهها فالجواب أن في تغطيته مشقة فعفي عنه) انتهى من زاد المسير.

وكلامه هو نفس كلام الفقهاء والمفسرين ممن يقولون أن الوجه والكفين ليسا بعورة لا تجد فيه أي اختلاف حقيقي.

قوله (فإن قيل فلم لا تبطل الصلاة

) يَرُدُ ابن الجوزي على سؤال للمعترضين عليهم بكون العلة أن الوجه عورة مفاده كيف تقولون أن الوجه عورة، والمعروف أن العورة لو كشفت في الصلاة بطلت؟ (فالجواب أن في تغطيته مشقة فعفي عنه).

والحق أن هذا أيضا لا يُسلم له كما لا يُسلم لمن استدل على أنهما ليسا من العورة لكونهما ينكشفان في الصلاة.

لأن عورة الصلاة تختلف عن عورة النظر، فالمرأة ولو كانت خالية في بيتها وأرادت الصلاة فالواجب عليها تغطية شعرها وساقيها، ومعلوم أن ذلك ليس بعورة عند خلو الأجانب، وكذلك الرجل لو كان خاليا لوحده لم يجب عليه ستر فخذيه ولا ركبتيه، ولكن لو قام يصلي فإنه مأمور

ص: 289

بستر ذلك في صلاته، فأحكام العورة في الصلاة أو الحج لا يمكن قياسها على عورتها عند النظر من الأجانب، لا طرداً ولاعكساً، ولشيخ الإسلام وتلميذه ابن قيم الجوزية كلام نفيس في ذلك.

13 -

روح المعاني للإمام الألوسي:

قال: (وأيضا لو كان المراد من الزينة موقعها للزم أن يحل للأجانب النظر إلى ما ظهر من ما وقع الزين الظاهرة وهذا باطل لأن كل بدن الحرة عورة لا يحل لغير الزوج والمحرم النظر إلى شيء منها إلا لضرورة كالمعالجة وتحمل الشهادة

قوله تعالى: {إلا ما ظهر منها} رقعة الوجه وباطن الكف، وأخرجا عن ابن عمر أنه قال: الوجه والكفان ولعل القدمين عندهما كالكفين إلا أنهما لم يذكراهما اكتفاء بالعلم بالمقايسة فإن الحرج في سترهما أشد من الحرج في ستر الكفين لا سيما بالنسبة إلى أكثر نساء العرب الفقيرات اللاتي يمشين لقضاء مصالحهن في الطرقات، ومذهب الشافعي عليه الرحمة كما في الزواجر أن الوجه والكفين ظهرهما وبطنهما إلى الكوعين عورة في النظر من المرأة ولو أمة على الأصح، وإن كانا ليسا عورة من الحرة في الصلاة

وذكر في الزواجر حرمة نظر سائر ما انفصل من المرأة لأن رؤية البعض ربما جر إلى رؤية الكل فكان اللائق حرمة نظره أيضا بل قال: حرم أئمتنا النظر لقلامة ظفر المرأة المنفصلة ولو

ص: 290

من يدها (1)، وذهب بعض الشافعية إلى حل النظر إلى الوجه والكف إن أمنت الفتنة وليس بمعول عليه عندهم، وفسر بعض أجلتهم ما ظهر بالوجه والكفين بعد أن ساق الآية دليلا على أن عورة الحرة ما سواهما وعلل حرمة نظرهما بمظنة الفتنة فدل ذلك على أنه ليس كل ما يحرم نظره عورة

ويكون المعنى أن ما ظهر منها من غير إظهار كأن كشفته الريح مثلا فهن غير مؤاخذات به في دار الجزاء، وفي حكم ذلك ما لزم إظهاره لنحو تحمل شهادة ومعالجة طبيب

وقال ابن بحر: الزينة تقع على محاسن الخلق التي فعلها الله تعالى وعلى ما يتزين به من فضل لباس، والمراد في الآية النهي عن إبداء ذلك لمن ليس بمحرم واستثنى ما لا يمكن إخفاؤه في بعض الأوقات كالوجه والأطراف) انتهى تفسير الألوسي.

وهذا الكلام من ابن بحر هو ما عليه إجماع العلماء من المفسرين والفقهاء كما مر بنا، وكلام الألوسي هو في مجرد مناقشته لاصطلاحاتهم في العلل والمقاصد فمن قائل بعورة ومن قائل بمظنة خشية الفتنة. وقوله:(وعلل حرمة نظرهما بمظنة الفتنة فدل ذلك على أنه ليس كل ما يحرم نظره عورة) وهذه علة التحريم عند من لم يقل أن الوجه والكفين عورة فلا يلزم من عدم كونهما من العورة جواز كشفهما، لأن العلة عندهم هي الفتنة والشهوة وهذه كافية للتحريم.

(1) وهذا ما يبين لك شدة حرصهم على الستر والحجاب بحيث حرموا النظر لما انفصل من المرأة، فكيف يقال أن من بينهم من يقول بكشف المرأة لوجهها بلا سبب مبيح، ثم لا ينقل لنا نزاعهم كما هو اليوم.

ص: 291

14 -

تفسير الجواهر الحسان للثعالبي (ت: 875 هـ):

(قال ابن العربي في «أحكامه»: وكما لا يَحِلُّ للرجل أن ينظر إلى المرأة، لا يحل للمرأة أن تنظر إلى الرجلِ، فإن عَلَاقَتَهُ بها كعلاقتها به وقصدَه منها كقصدها منه، ثم استدل بحديث أم سلمة المتقدم، انتهى. وحفظ الفرج يَعُمُّ الفواحش، وسترَ العورة، وما دون ذلك مِمَّا فيه حفظ ثم أمر تعالى بألا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا ما يظهر من الزينة؛ قال ابن مسعود: ظاهر الزينة: هو الثياب. وقال ابن جبير وغيره: الوجه والكفان والثيابُ. وقيل: غير هذا. قال: زينتها *ع*: ويظهر لي بحكم ألفاظ الآية أن المرأة مأمورة بألا تبديَ، وأن تجتهدَ في الإخفاء لكل ما هو زينة، ووقع الاستثناء في كُلِّ ما غلبها، فظهر بحكم ضرورة حركة فيما لا بُدَّ منه أو إصلاح شأن، فما ظهر على هذا الوجه فهو المعفو عنه) انتهى.

15 -

تفسير التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي (ت: 741 هـ):

{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} نهى عن إظهار الزينة بالجملة ثم استثنى الظاهر منها، وهو ما لا بد من النظر إليه عند حركتها أو إصلاح شأنها وشبه ذلك فقيل: إلا ما ظهر منها يعني الثياب؛ فعلى هذا يجب ستر جميع جسدها، وقيل: الثياب والوجه والكفان، وهذا مذهب مالك لأنه أباح كشف وجهها وكفيها في الصلاة، وزاد أبو حنيفة القدمين) انتهى.

ص: 292

نُسب لمن يقولون في تفسير الآية (الثياب) أو من يقولون (العورة) وكأنهم لا يرخصون في كشف الوجه ولو للضرورة ولهذا نُقل عنهم أنهم يقولون بمنع نظر الخاطب لمن أراد خطبتها فظنه المتأخرون أن كل من قال في تفسير الآية بالثياب وكأنهم هم من منع من ذلك وتشدد وقد سبق معنا عند تفسير أقوال الصحابة أن هذا لا يصح وإنما ذكر الثياب نوع من أنواع الزينة التي يجوز إظهارها عند الضرورة وإلا فمالك رحمه الله وغيره منع الخاطب من النظر وهو ممن لا يعدون الوجه عورة، فقد يكون فيمن يقول الوجه والكفان ليسا بعورة ويكون أشد وأحرص في باب الرخص ممن قال بالعورة أو فسرها بالثياب.

16 -

وقال في تفسير بحر العلوم للسمرقندي (ت: 375 هـ):

({إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: وجهها وكفيها وهكذا قال إبراهيم النخعي وروي أيضا عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: الوجه والكفان وهكذا قال الشعبي وروى نافع عن ابن عمر أنه قال: الوجه والكفان وقال مجاهد الكحل والخضاب وروى أبو صالح عن ابن عباس قال: الكحل والخاتم وروي عن ابن عباس في رواية أخرى إلا ما ظهر منها أي: فوق الثياب وروى أبو إسحاق عن ابن مسعود أنه قال ثيابها وروي عن ابن مسعود رواية أخرى أنه سئل عن قوله {إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} فتقنع عبد الله بن مسعود وغطى وجهه وأبدى عن إحدى عينيه) انتهى.

ص: 293

17 -

تفسير حقائق التفسير للسلمي (ت: 412 هـ):

قال: (قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قال الحسين: زينة الدنيا، وما فيها بالنسيان، والتأويل والشهوة، والنفس، والعدو، وأشباه ذلك فهذه زينة الدنيا فلا يبدين ولا يخفين شيئًا من هذه الأحوال إلا ما ظهر منها على حد الغفلة. قال بعضهم: الحكمة في هذه الآية لأهل المعرفة أنه من أظهر شيئًا من أفعاله إلا ما ظهر عليه من غير قصد له

) انتهى كلامه.

وإن كنا لا نقر على مثل هذا التفسير ولدينا من تفاسير المتقدمين والمتأخرين في بيان أن الآية رخصة ولهذا قال صاحب تفسير النكت والعيون للإمام الماوردي (ت: 450 هـ): (وتأول بعض

أصحاب الخواطر هذه الزينة بتأويلين:

أحدهما: أنها الدنيا فلا يتظاهر بما أوتي منها ولا يتفاخر إلا بما ظهر منها ولم ينستر. الثاني: أنها الطاعة لا يتظاهر بها رياءً إلا ما ظهر منها ولم ينكتم. وهما بعيدان) انتهى كلامه.

ولكني أحببت أن أسوق بعض أقوال المتقدمين جداً، وعلى اختلاف مذاهبهم ومشاربهم في فهمهم للآية حتى يعلم الجميع حقيقة الإجماع فيها، وأنها رخصة فيما ظهر منها عند الضرورة ورغماً عنها.

ص: 294

18 -

تفسير البحر المحيط لأبي حيان (ت: 754 هـ):

قال: (وسومح في الزينة الظاهرة لأن سترها فيه حرج فإن المرأة لا تجد بُداً من مزاولة الأشياء بيدها ومن الحاجة إلى كشف وجهها خصوصا في الشهادة والمحاكمة والنكاح، وتضطر إلى المشي في الطرقات وظهور قدميها خاصة الفقيرات منهن وهذا معنى قوله:{إلا ما ظهر منها} يعني إلا ما جرت العادة والجبلة على ظهوره، والأصل فيه الظهور.

وسومح في الزينة الخفية أولئك المذكورون (1)، لما كانوا مختصين به من الحاجة المضطرة إلى مداخلتهم ومخالطتهم ولقلة توقع الفتنة من جهاتهم (2)، ولما في الطباع من النفر عن مماسة القرائب، وتحتاج المرأة إلى صحبتهم في الأسفار للنزول والركوب وغير ذلك

وقال ابن بحر: الزينة تقع على محاسن الخلق التي فعلها الله وعلى ما يتزين به من فضل لباس، فنهاهن الله عن إبداء ذلك لمن ليس بمحرم واستثنى ما لا يمكن إخفاؤه في بعض الأوقات كالوجه والأطراف على غير التلذذ. وأنكر بعضهم إطلاق الزينة على الخلقة والأقرب دخوله في الزينة وأي زينة أحسن من خلق العضو في غاية الاعتدال والحسن) انتهى.

(1) يقصد الأزواج والآباء وغيرهم ممن ذكرهم الله تعالى في النهي الثاني.

(2)

وهذه هي علة التحريم عند من لم يقل أن الوجه عورة.

ص: 295

19 -

قال صاحب فتح القدير الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى:

(وقال ابن عطية أن المرأة لا تبدي شيئا من الزينة وتخفي كل شيء من زينتها ووقع الاستثناء فيما يظهر منها بحكم الضرورة،

قال القرطبي في تفسيره: الزينة على قسمين: خَلقية ومكتسبة فالخَلقية وجهها فإنه أصل الزينة والزينة المكتسبة ما تحاوله المرأة في تحسين خَلقها كالثياب والحُلي والكحل والخضاب ومنه قوله تعالى: {خذوا زينتكم} وقول الشاعر:

يأخذن زينتهن أحسن ما ترى

وإذا عطلن فهن خير عواطل)

انتهى.

20 -

وقال الشوكاني أيضاً في نيل الأوطار:

(والحاصل: أن المرأة تبدي من مواضع الزينة ما تدعو الحاجة إليه عند مزاولة الأشياء والبيع والشراء والشهادة فيكون ذلك مستثنى من عموم النهي عن إبداء مواضع الزينة وهذا على فرض عدم ورود تفسير مرفوع وسيأتي في الباب الذي بعد هذا ما يدل على أن الوجه والكفين مما يستثني) انتهى كلامه.

وانظر لفهم الإمام الشوكاني (هذا على فرض عدم ورود تفسير مرفوع) حيث فهموا من تفاسير السلف بالوجه والكفين أنها للرخصة والحاجة.

وقصده بالباب الذي بعده قول المجد بن تيمية - حنبلي -: (باب أن المرأة عورة إلا الوجه والكفين وأن عبدها كمحرمها في نظر ما يبدو منها غالباً).

ص: 296

فالمجد رحمه الله حنبلي المذهب ومع ذلك يقول أن الوجه والكفين ليسا بعورة كابن قدامة الحنبلي ومع ذلك أوجبوا على المرأة ستر وجهها كما مر معنا قوله في المغني. وهنا قوله: (وأن عبدها كمحرمها) حيث اختلف العلماء في جواز أن يرى العبد من سيدته أكثر من الوجه والكفين، فإذا كان محرمها وعبدها ينظران للوجه والكفين فهل يكون الأجنبي بدون حاجة ولا سبب ينظر لها كذلك؟ لتفهم قولهم ليس بعورة وما يبدو منها غالباً أو عادة أو عبادة هو تحديد القدر مما يظهر عند الحاجة للأجنبي أو عبدها كما عند بعضهم وليس معناه أن تخرج للناس كاشفة الوجه فتأمل كلامهم.

21 -

قال الشيخ الشعراوي رحمه الله، وفيما أستشعره من معاني الآية:(ومن رحمة الله بالنساء أن قال بعد: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ .. } قال: {إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا .. } [النور: 31] يعني: الأشياء الضرورية فالمرأة تحتاج لأن تمشي في الشارع فتظهر عينيها وربما فيها كحل مثلاً، وتظهر يدها وفيها خاتم أو حناء فلا مانع أن تُظهر مثل هذه الزينة الضرورية)(1).

(1) تفسير خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي (ت: 1418 هـ).

ص: 297

22 -

قال أبو هشام الأنصاري:

كما في مجلة الجامعة السلفية عدد مايو، يونيو 1978 م نقلاً عن كتاب عودة الحجاب حيث قال:(ومن هنا يُعرف أن كل زينة يمكن للمرأة إخفاؤها فهي مأمورة بإخفائها، سواء كان الوجه والكفان أو الكحل والخاتم والسواران، وأنها لو قصرت في إخفاء مثل هذه الزينة، وكشفتها تعمداً تؤاخذ عليها، وأن كل زينة لا يمكن إخفاؤها مثل الثياب الظاهرة أو يمكن إخفاؤها ولكنها انكشفت من غير أن تتعمد المرأة لكشفها أو تشعر بانكشافها، فإنها لا تؤاخذ عليها، ولا تستحق عتاباً ما كما أنها لا تؤاخذ إذا كشفتها عمداً لأجل حاجة أو مصلحة الجأتها إلى كشفها، فكان المرأة لم تباشر ولم تتعمد كشفها، وإنما الحاجة أو المصلحة هي التي كشفتها، فلا عتاب على المرأة، فقوله تعالى: {إلا ما ظهر منها} في معنى قوله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286])(1) انتهى.

24 -

تفسير أيسر التفاسير للعلامة أبو بكر الجزائري قال:

({إلا ما ظهر منها}: أي بالضرورة دون اختيار وذلك كالكفين لتناول شيئاً، والعين الواحدة أو الاثنتين للنظر بهما، والثياب الظاهرة كالخمار والعباءة) انتهى.

(1) عودة الحجاب (3/ 276).

ص: 298

25 -

قال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:

(وبهذا يعلم وجوب تحجب المرأة وسترها لوجهها وأنه يحرم عليها إخراج شيء من بدنها وما عليها من أنواع الزينة مطلقا إلا ما ظهر من ذلك كله في حالة الاضطرار أو عن غير قصد كما سلف بيان ذلك وهذا التحريم جاء لدرء الفتنة. ومن قال بسواه أو دعا إليه فقد غلط وخالف الأدلة الشرعية ولا يجوز لأحد اتباع الهوى أو العادات المخالفة لشرع الله سبحانه وتعالى. لأن الإسلام هو دين الحق والهدى والعدالة في كل شيء، وفيه الدعوة إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال والنهي عما يخالفها من مساوئ الأخلاق وسيئ الأعمال)(1) انتهى

وأجدني أكتفي بما نقلته وإن كان فيه شيء من التطويل والنقل ولكن ليعلم الجميع اتفاق أهل العلم من الفقهاء والمفسرين على مر عصورهم على هذا الفهم لمعنى الآية، ولهذا فلو رجعوا لأقوالهم عند قوله تعالى:{يدنين عليهن من جلابيبهن} لرأوا أنهم يقولون بالأمر بوجوب ستره، ولما شك في كلامهم أحد، فضلا عما قالوه عند قوله تعالى:{وَالقواعد مِنَ النِّسَاءِ} وغير ذلك، فكيف يتساهل البعض في أن يستبيح بعدها مخالفة أهل العلم كلهم وتحريف كلام الله ورسوله بأدنى التأويلات والاحتمالات؟ وكيف وسياق الآية وتاريخ نزولها وكونها جاءت بعد آية الإدناء وإجماع السلف وأهل التفسير على أنها الأمر

(1) مجموع فتاوى ومقالات، الجزء الخامس (مشروعية الحجاب).

ص: 299

للنساء بتغطية وجوههن، ثم ما جاء بعدها من الرخصة للقواعد، أكبر شاهد على أنها قد جاءت بالرخصة لغيرهن من النساء لأن يبدين من زينتهن ما تدعو الحاجة والضرورة إليه؟ ولا يمكن أن يقال أنها متعارضة مع ما قبلها مما في سورة الأحزاب أو أنها مجرد تكرار وكأنها لم تأتِ بشيء جديد عما جاء في آية الإدناء كما يلزم من قول أهل السفور اليوم هدانا الله وإياهم.

ص: 300