الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منهج الإمام ابن حزم الظاهري في مسالة الحجاب وما لحقه من تحريف وتبديل وتصحيف
قال ابن حزم الظاهري "بقية كتاب النكاح"
(مسألة: وَمَنْ أراد أن يَتَزَوَّجَ امرأة حُرَّةً أو أمةً فَلَهُ أن يَنْظُرَ مِنْهَا مُتَغَفِّلاً لَهَا وَغَيْرَ مُتَغَفِّلٍ إلى مَا بَطن مِنْهَا وَظَهَرَ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي أمةٍ يُرِيدُ شِرَاءَهَا. وَلَا يَجُوزُ لَهُ أن يَنْظُرَ مِنْهَا إلا إلى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ فَقَطْ، لَكِنْ يَأمر امرأة تَنْظُرُ إلى جَمِيعِ جِسْمِهَا وَتُخْبِرُهُ.
برهان ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ عز وجل: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أبصارهم وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} فَافْتَرَضَ اللَّهُ عز وجل غَضَّ الْبَصَرِ جُمْلَةً كَمَا افْتَرَضَ حِفْظَ الْفَرْجِ، فَهُوَ عُمُومٌ لَا يَجُوزُ أن يُخَصَّ مِنْهُ إلا مَا خَصَّهُ نَصٌّ صَحِيحٌ وَقَدْ خَصَّ النَّصُّ نَظَرَ مَنْ أراد الزَّوَاجَ فَقَط.
- وقال بعده أيضا -
مسألة: وَلَا يَحِلُّ لأحد أن يَنْظُرَ مِنْ أجنبيةٍ لا يُرِيدُ زَوَاجَهَا أو شِرَاءَهَا إن كانت أمةً لِتَلَذُّذٍ إلا لِضَرُورَةٍ.
فإن نَظَرَ فِي الزِّنَا إلى الْفَرْجَيْنِ لِيَشْهَدَ بِذَلِكَ فَمُبَاحٌ لَهُ؛ لأنهُ مَأمورٌ بِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ، قَالَ عز وجل:{كُونُوا قَوَّامينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ} وَلَا سَبِيلَ لَهُمْ إلى أَدَاءِ الشَّهَادَةِ فِي الزِّنَا إلا بِصِحَّةِ النَّظَرِ إلى الْفَرْجَيْنِ وَالتَّثَبُّتِ فِي ذَلِكَ، وَأما فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَالْوَجْهُ وَالكفان كَمَا قَدَّمْنَا آنفا عِنْدَ الشَّهَادَةِ عَلَيْهَا أو لَهَا أو مِنْهَا.
برهان ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا
…
} الآيَةَ. فَذَكَرَ اللَّهُ عز وجل فِي هَذِهِ الآيَةِ: زِينَتَهُنَّ زِينَةً ظَاهِرَةً تُبْدَى لِكُلِّ أَحَدٍ وَهِيَ الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَقَطْ، وَزِينَةً بَاطِنَةً حَرَّمَ عز وجل إبْدَاءَهَا إِلَاّ لِمَنْ ذَكَرَ فِي الآيَةِ
…
وَقَدْ أوضَحْنَا فِي " كِتَابِ الصَّلَاةِ " أن المرأة كُلَّهَا عَوْرَةٌ إلا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ فَحُكْمُ الْعَوْرَةِ سَوَاءٌ فِيمَا ذَكَرْنَا) انتهى كلام ابن حزم رحمه الله.
وقوله: (فَحُكْمُ الْعَوْرَةِ سَوَاءٌ) قصده أي في الصلاة وخارج الصلاة فيجوز للأجنبي النظر إليه، وأنت ترى أنه لم يعد الوجه والكفين من العورة وهو نفس الاستنتاج الذي قال به من حدد القدر مما ينكشف من المرأة حال الضرورة والصلاة وهم كثير من المفسرين والفقهاء، وإن كانت استدلالات أولئك أكثرها قياسية، بعكسه هو فإنه لا يأخذ به، ولهذا ذكر حديث الخثعمية مرة أخرى في المُحَلى من - كتاب الصلاة - وقال إنها كانت كاشفة لوجهها:(فَلَوْ كان الْوَجْهُ عَوْرَةً يَلْزَمُ سَتْرُهُ لَمَا أَقَرَّهَا عليه السلام عَلَى كَشْفِهِ بِحَضْرَةِ النَّاسِ وَلأمرها أن تُسْبِلَ عَلَيْهِ مِنْ فَوْقٍ، وَلَوْ كان وَجْهُهَا مُغَطًّى مَا عَرَفَ ابن عَبَّاسٍ أحَسْنَاءُ هِيَ أم شَوْهَاءُ فَصَحَّ كُلُّ مَا قُلْنَاهُ يَقِينًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرا).
ولأنه ظاهري يريد أن يستدل بهما على أن الوجه والكفين ليسا بعورة في الصلاة ولا عند الحاجة فيجوز ظهورهما في هذين الحالين للخاطب والشاهد وغيرهم، وقد ثبت معنا مما تقدم أنه وإن جاء عن بعض أهل العلم ممن مر بحديث الخثعمية واستنتج أنها كانت كاشفة عن وجهها،
فكان لفهمهم أن ذلك لسبب مبيح، وهو عرضها من أبيها رجاء أن يتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفهموا أو يقولوا أن ذلك دليل على جواز أن تخرج المرأة سافرة بين الرجال أو أن النساء في عهده صلى الله عليه وسلم كن يخرجن مكشوفات الوجوه سافرات أو نحو ذلك من العبارات المحدثة مما يقوله اليوم ويبثه أهل السفور، وإنما قالوا ليس بعورة، فلا (يَلْزَمُ سَتْرُهُ) على كل حال كما هو الحال في حق أمهات المؤمنين ولكن عند الحاجة من خاطب وشهادة فيجوز.
ولهذا قال ابن حزم في "كتاب النكاح" أيضاً: (إلا أنهُ لَا يَحِلُّ لأحد أن يَتَعَمَّدَ النَّظَرَ إلى شَيْءٍ مِنْ امرأة لَا يَحِلُّ لَهُ: لَا الْوَجْهَ، وَلَا غَيْرَهُ إلا لِقِصَّةٍ تَدْعُو إلى ذَلِكَ، لَا يُقْصَدُ مِنْهَا مُنْكَرٌ بِقَلْبٍ أو بِعَيْنٍ) انتهى.
وهو ما يعبر عنه غيره بأمن الشهوة والفتنة، بالإضافة لما سبق وذكرناه عنه أولاً والأقوال في مثل ذلك لا تحصى ولا تستقصى.
ثم يفهمون من بعض كلام ابن حزم في المُحَلى من "كتاب الصلاة" وهو يتكلم عن عورة المرأة في الصلاة وخارجها ما يدلل على كونهما ليسا بعورة وإباحة كشفهما عند الحاجة والصلاة (وَأما المرأة فإن اللَّهَ تعالى يَقُولُ: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخمرهن عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا لِبُعُولَتِهِنَّ} إلى قَوْلِهِ: {وَلَا يَضْرِبْنَ بأرجلهن لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} فَأمرهن اللَّهُ تعالى بِالضَّرْبِ بِالخمار عَلَى الْجُيُوبِ وَهَذَا نَصٌّ عَلَى سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَالْعُنُقِ وَالصَّدْرِ، وَفِيهِ نَصٌّ عَلَى إباحة كَشْفِ الْوَجْهِ