الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهناك قسم آخر من بعض الأئمة أخذوا يفصلون بنوع آخر وهو أن الوجه والكفين من المرأة عورة، ولكنه في حق من جاز نظره إليها لا يكون بالنسبة لهم من العورة لورود الدليل المبيح في ذلك، وهذا يدلك أن الأمر فيه سعة ولا يترتب عليه في أصل المسألة شيء ومثاله:
11 -
ما قاله صاحب مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح -حنفي-
عند "باب النظر إلى المخطوبة وبيان العورات" في: (جواز النظر إلى المرأة التي يريد أن يتزوجها فجوزه الأوزاعي والثوري وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق رحمهم الله مطلقا أذنت المرأة أم لم تأذن لحديثي جابر والمغيرة المذكورين في أول الحسان وجوزه مالك بإذنها وروى عنه المنع مطلقا) - ثم نقل كلام النووي -: (وفيه استحباب النظر إليها قبل الخطبة حتى إن كرهها تركها من غير إيذاء بخلاف ما إذا تركها بعد الخطبة وإذا لم يمكنه النظر استحب أن يبعث امرأة تصفها له وإنما يباح له النظر إلى وجهها وكفيها فحسب لأنهما ليسا بعورة في حقه فيستدل بالوجه على الجمال وضده، وبالكفين على سائر أعضائها باللين والخشونة) انتهى كلامه.
وقوله: (وإذا لم يمكنه النظر) كيف لا يمكنه النظر وهو خاطب وعلى أمر مباح يجوز للنساء كشفه؟ بالله هل تصدق ما يقوله دعاة السفور، هل لدرجة (استحب أن يبعث امرأة تصفها له) هل لدرجة أنهم ينكحون المرأة بمجرد الوصف؟ هل هذا كله لشدة تمسكهم وتمسك نسائهم بسنة ومستحب النقاب، يصعبن أمر الزواج لترك واجب العفاف والإحصان والنكاح.
(وجوزه مالك بإذنها وروى عنه المنع مطلقا) مما تعلم معه أن النقل عن مالك في منع الخاطب مستفيض، فكيف ينقلون حسب فهمهم السطحي للنصوص أن مالكاً يقول بجواز أن تأكل المرأة مع الأجنبي بالفهم الذي أرادوه؟ .
12 -
ثم نقل صاحب مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح -حنفي- عن النووي - الشافعي -: (وأما المرأة في حق الرجل الأجنبي فجميع بدنها عورة إلا وجهها وكفيها عند الحاجة كسماع إقرار أو خطبة كما مر. قال النووي رحمه الله: نظر الرجل إلى المرأة الأجنبية حرام من كل شيء من بدنها وكذلك نظر المرأة إلى الرجل سواء كان بشهوة أو بغيرها وكذلك يحرم النظر إلى الأمرد وإذا كان حسن الصورة أمن من الفتنة أم لا هذا هو المذهب الصحيح المختار عند المحققين نص عليه الشافعي وحذاق أصحابه) انتهى. فكيف لو تذكرت أن الإمام النووي فضلا عن أئمة الأحناف هم ممن لا يعدون الوجه والكفين من العورة.
وذهب بعضهم إلى التفريق بين عورتها في الصلاة وبهذا رأوا أنها عورة خارج الصلاة فقط ومثاله:
13 -
قول الإمام البيضاوي- الشافعي - في تفسير قوله تعالى: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منه} : (والمستثنى هو الوجه والكفان لأنهما ليستا من العورة، والأظهر أن هذا في الصلاة لا في النظر، فإن كل بدن الحرة عورة، لا يحل لغير الزوج والمحرم النظر إلى شيء منها إلا لضرورة كالمعالجة وتحمل شهادة) انتهى.
14 -
وقال ابن تيمية: (في اللباس في الصلاة
…
والذي يسميه الفقهاء باب ستر العورة في الصلاة فإن طائفة من الفقهاء ظنوا أن الذي يستر في الصلاة هو الذي يستر عن أعين الناظرين وهو العورة).
وقال كذلك: (اختلفت عبارة أصحابنا في وجه الحرة فقال بعضهم ليس بعورة وقال بعضهم عورة وإنما رخص في كشفه في الصلاة للحاجة والتحقيق أنه ليس بعورة في الصلاة وهو عورة في باب النظر إذ لم يَجز النظر إليه
…
وحينئذ فتصلي في بيتها وإن بدا وجهها ويداها وقدماها كما كن يمشين أولا قبل الأمر بإدناء الجلابيب عليهن فليست العورة في الصلاة مرتبطة بعورة النظر لا طرداً ولا عكساً) انتهى.
وتأمل قوله: (اختلفت عبارة أصحابنا في وجه الحرة فقال بعضهم ليس بعورة وقال بعضهم عورة) ولم يلزم من ذلك اختلافهم في أصل وجوب ستر المرأة لوجهها.
15 -
قال ابن القيم رحمه الله (ت: 751 هـ) في أعلام الموقعين (2/ 80): (العورة عورتان: عورة النظر وعورة في الصلاة؛ فالحرة لها أن تصلي مكشوفة الوجه والكفين، وليس لها أن تخرج في الأسواق ومجامع الناس كذلك، والله أعلم)(1) انتهى.
16 -
وقال الإمام السيوطي رحمه الله في الأشباه والنظائر، في قواعد وفروع فقه الشافعي عند كلامه في أحكام الأنثى وأحوال عورتها: (وحالة مع الأجانب وعورتها كل البدن حتى الوجه والكفين في الأصح
…
وحالة في الصلاة وعورتها كل البدن إلا الوجه والكفين) (2).
(1) أعلام الموقعين (2/ 80).
(2)
الأشباه والنظائر ص (410 - 414).
17 -
ونقل الحافظ ابن حجر - الشافعي - في تحفة المحتاج عن الزيادي أنه قال: (عورة المرأة أمام الأجنبي جميع بدنها حتى الوجه والكفين على المعتمد)(1) انتهى.
وتلاحظ أنهم لم يقولوا أن من قال من نفس المذهب أو من خارجه أنهما ليسا بعورة أن ذلك يعني عكس قولهم بالعورة فيلزم منه كشفهما، لتفهم أن خلافهم ونزاعهم فقط هو في تعليل أمر الشارع في فرض الحجاب، وإن بدأ الأمر نحو التحريف والتبديل لمقصد المتقدمين شيئاً فشيئاً فظنه البعض من المتأخرين خلافاً، حتى وصل الأمر إلى ما وصل إليه اليوم.
(1) تحفة المحتاج (2/ 112).