الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سبب ذكرنا لتأصيل المذاهب لمسألة الحجاب:
ولهذا أحببت قبل البدء بذكر بقية أقوال أئمة التفسير المنتسبين لتلك المدارس الفقهية المتنوعة على قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} أن أبين اصطلاحات أئمة وعلماء تلك المذاهب، لأن القارئ الكريم سيلحظ تباين واختلاف في كلامهم على مسألة علة الأمر، وسيجد أقوالهم واصطلاحاتهم، وبخاصة من يقول أنهما ليسا بعورة فإذا لم يكن قد علم معناها ومرادها عندهم وإلا سيختلط عليه الأمر وسيقع في كثير من التناقضات والإشكاليات عند قراءته لكلامهم، كما وقع فيها الكثير وسيجد أن هناك شيئاً غير واضح في كلامهم.
فمثلا كيف يقولون أن الوجه والكفين ليسا بعورة ثم يشترطون لجواز كشفه حالة الضرورة والحاجة ويمثلون بالبيع والشهادة ونحو ذلك، فقولهم: بجواز كشفه في حال الضرورة فهذا مما يعكر على من نسب إليهم أنهم على مذهب سفور الوجه اليوم، وقولهم: الوجه والكفين ليسا من العورة. يعكر على من نسب إليهم أنهم على مذهب وجوب ستر الوجه، وهذا بسبب ما يعتقده البعض من أن قولهم ليسا بعورة يلزم منه قولهم بكشف الوجه في أحوالها العادية، والحق أنه ليس بلازم كما رأيت، فهم يوجبون ستره ولكن بعلة أخرى أنسب لديهم وهي علة الفتنة والشهوة.
وأما من لم يفهم قواعد الفقهاء المتقدمين واصطلاحاتهم وتأصيلهم للمسألة فقد نسب إليهم خلاف التضاد.
وأما هم فما مثلهم إلا كمثل أخوين دُعيا إلى وليمة نكاح، فقال أحدهما للآخر: من أي طريق ستسلك؟ فقال: من طريق كذا، فلم يعجب أخاه ذلك وقال: إن الأفضل سلوك طريق كذا لأن الأول طويل ومزدحم ويلزم من سلوكه إشكالات، فخرجا هذا في طريق وهذا في طريق، فرأى ذلك شخص وقال: لا بد أن أحدهما لن يذهب لدعوة الوليمة، فإذا قيل له: وكيف عرفت ذلك؟ قال: ألا ترى لسلوك كل واحد منهما طريقا مختلفا عن الآخر، فاستنتج ثم قال: وأغلب ظني أن من سلك الطريق الفلاني هو من يرغب حضور الوليمة، ثم ذهب وأخبر والد الأخوين والناس أن فلأنا لن يحضر الوليمة فشاع في الناس ذلك الظن، وعلى أن خلافا حقيقيا حصل بينهما، والحقيقة أنهما مجتمعان في مجلس الوليمة يتحادثان، والدليل هذه النصوص التي بين أيدينا عنهم وكأنها تخرج من مشكاة واحدة.
وهنا ظن البعض وبكل بساطة أن الاختلاف بينهم في العلة هو اختلاف تضاد في أصل المسألة، وأن من قال أن المرأة عورة فأولئك الموجبون لتغطية المرأة لوجهها، ومن قالوا أن وجهها وكفيها ليس بعورة فأولئك المجوزون لها كشف وجهها {وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا} [النجم: 28] وقال صلى الله عليه وسلم: (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث)(1).
(1) متفق عليه.
فهذه بدعة حديثه لم يعرفها العالم الإسلامي إلا في عصوره المتأخرة اليوم، حيث لم يكن لها أول بداياتها ذكر حتى تطورت شيئاً فشيئاً في بعض المسائل الجزئية ثم ظنه البعض خلاف تضاد بينهم فاشتهرت أخيراً من قبل الذين شذوا في المسألة وخالفوا قواعد الأئمة الأربعة بل وسواد الأمة الأعظم كما شذوا في مسائل أخرى ولهذا لم يلتفت إليهم أحد، ولم يعرجوا على كثير من عجائبهم ولا غرائبهم؛ لأنها مخالفة للإجماع الذي تم وانعقد كما سيأتي بيان أصوله، من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى (1).
وأجدني قد رميت زبدة القول في المسألة ومع ذلك سوف أرمي بجمع لا يحصي من أقوالهم التي تؤيد إجماعهم في المسألة الموافق لمراد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام وسلفهم الصالح من كونها رخصة.
(1) انظر صفحة (313 - 316).
(المبحث الخامس)
إكمال نقل إجماع أهل العلم من المفسرين على أن الآية رخصة وليست تشريعاً لفريضة الحجاب