الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ووجب غض البصر عنها ومنها
…
وليس في الكتاب والسنة إباحة النظر إلى عامة الإماء ولا ترك احتجابهن وإبداء زينتهن، ولكن القرآن لم يأمرهن بما أمر الحرائر والسنة فرقت بالفعل بينهن وبين الحرائر ولم تفرق بينهن وبين الحرائر بلفظ عام بل كانت عادة المؤمنين أن تحتجب منهم الحرائر دون الإماء واستثنى القرآن من النساء الحرائر القواعد فلم يجعل عليهن احتجابا واستثنى بعض الرجال وهم غير أولي الإربة فلم يمنع من إبداء الزينة الخفية لهم لعدم الشهوة في هؤلاء وهؤلاء، فأن يستثنى بعض الإماء أولى وأحرى وهن من كانت الشهوة والفتنة حاصلة بترك احتجابها وإبداء زينتها) (1) انتهى.
وقال ابن القيم: - فصل: الفرق بين النظر إلى الحرة والأمة
-
(وأما تحريم النظر إلى العجوز الحرة الشوهاء القبيحة وإباحته إلى الأمة البارعة الجمال فكذب على الشارع فأين حرم الله هذا وأباح هذا والله سبحانه إنما قال: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم} ولم يطلق الله ورسوله للأعين النظر إلى الإماء البارعات الجمال وإذا خشي الفتنة بالنظر إلى الأمة حرم عليه بلا ريب، وإنما نشأت الشبهة أن الشارع شرع للحرائر أن يسترن وجوههن عن الأجانب وأما الإماء فلم يوجب عليهن ذلك لكن هذا في إماء الاستخدام والابتذال وأما إماء التسري اللاتي جرت العادة بصونهن وحجبهن، فأين الله ورسوله لهن أن يكشفن وجوههن في الأسواق والطرقات ومجامع الناس وأذن للرجال
(1) مجموع فتاوى ابن تيمية، تفسير سورة النور (373/ 15).
في التمتع بالنظر إليهن فهذا غلط محض على الشريعة وأكد هذا الغلط أن بعض الفقهاء سمع قولهم إن الحرة كلها عورة إلا وجهها وكفيها وعورة الأمة ما لا يظهر غالبا كالبطن والظهر والساق فظن أن ما يظهر غالبا حكمه حكم وجه الرجل وهذا إنما هو في الصلاة لا في النظر فإن العورة عورتان: عورة في النظر وعورة في الصلاة فالحرة لها أن تصلي مكشوفة الوجه والكفين وليس لها أن تخرج في الأسواق ومجامع الناس كذلك والله أعلم) (1) انتهى.
وغيرهم كثير وبمثل هذا وغيره كان اعتراض ابن حزم كما هو أمامنا على من قال أن سبب نزول آية الإدناء: (أنمَا أمر اللَّهُ تعالى بِذَلِكَ لأن الْفُسَّاقَ كانوا يَتَعَرَّضُونَ لِلنِّسَاءِ لِلْفِسْقِ؛ فَأمر الْحَرَائِرَ بِأن يَلْبَسْنَ الجلابيب .. لأن فِيهِ أن اللَّهَ تعالى أطْلَقَ الْفُسَّاقَ عَلَى أعْرَاضِ إماءِ المسلمين، وَهَذِهِ مُصِيبَةُ الأبدِ).
وهذا كما هو ظاهر أنه رد على أولئك الذين فرقوا بينهما كما قلنا وهو خارج عن موضع النزاع الذي بيننا اليوم، فإن كان ابن حزم قد خالف المفسرين والفقهاء حين فرقوا بين الأمة والحرة في عورة الصلاة والحجاب وحين ذكروا أحد الأسباب في نزول الآية كما مر معنا والحق أنه لم يكن هذا هو السبب الأوحد الذي ذكروه في سبب نزولها حيث ذكروا أيضا حديثي أنس في مبتنى رسول الله بزينب وقوله الآخر أن عمر رضي الله عنه قال يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر وقول
(1) أعلام الموقعين لابن القيم (2/ 80).
عائشة في خروج سودة وقول عمر لها عرفناك يا سودة، قال الحافظ ابن حجر:(يمكن الجمع بأن ذلك وقع قبل قصة زينب فلقربه منها أطلق نزول آية الحجاب بهذا السبب ولا مانع من تعدد الأسباب) وقد مر معنا كذلك نقل كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في إمكان تعدد الأسباب في الآية الواحدة أو الحديث الواحد.
وعلى العموم فابن حزم اعترض على جزئية، فهذا شأنه ورأيه ولا علاقة له بمسألتنا لينقلوه وكأنه نص في النزاع، فهذا باب من أبواب التدليس فيه إيهام للعوام أن هناك من يوافقهم في بدعة السفور، وكأن هناك من عارض الإجماع على أن معنى آية الإدناء هي ستر النساء الحرائر لوجوههن، وهكذا يفعلون عندما يمرون على كل خلاف فرعي في مسألة الحجاب أو لا يجدون أحدا من الأئمة يقول بقولهم تجدهم يكثرون من الإشادة بهم وبأقوالهم الجزئية وبخاصة في فريضة الحجاب فيظنه من لا يعرف رأيهم في المسألة أن لهم سلف وأنهم يقولون بمثل قول هؤلاء اليوم في السفور، وقد يكون فعلهم هذا ونقلهم لكلام أهل العلم مرة إما عن جهل منهم بأقوال أولئك الأئمة ومرة عن تعمد وتساهل عياذا بالله.
وكلام ابن حزم أمامكم وإنما فيه بيان منهجه رحمه الله في زيادة حرصه على ستر عورات المسلمات فأوجبه حتى على الإماء مخالفا بذلك جماهير أهل العلم من المفسرين والفقهاء بل وما صح عنده عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب من التفريق بينهن وبين الحرائر في لبس الجلابيب وسترهن لوجوههن كما قال في موضع آخر بعده من