المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مذهب القائلين بوجوب ستر المرأة لوجهها لمجرد خروجها: - كشف الأسرار عن القول التليد فيما لحق مسألة الحجاب من تحريف وتبديل وتصحيف

[تركي بلحمر]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌(المبحث الأول)سورة الأحزاب وأول ما نزل من الآيات في مسألة الحجاب وما لحق تفسيرها من تحريف وتصحيف وتبديل

- ‌تاريخ نزول أول الآيات في مسألة الحجاب:

- ‌كيف مهد الإسلام لتشريع فريضة الحجاب

- ‌أول ما نزل في شأن الحجاب:

- ‌آية الحجاب وإجماع المفسرين عليها

- ‌التحريف والتبديل والتصحيف المعاصر لما لحق كلام شيخ المفسرين الإمام الطبري في تفسيره لآية الإدناء:

- ‌اختلاف ألفاظ السلف في التفسير غالباً ما يكون اختلاف تنوع:

- ‌الأدلة والنقول على أن (القناع) يأتي بمعني ستر الوجه:

- ‌مخالفة الشيخ الألباني لإجماع المسلمين في تفسيره لقوله تعالى: {يدنين عليهن من جلابيبهن}

- ‌آيات الحجاب لم تنزل مرة واحدةولها تسلسل ووقائع

- ‌(المبحث الثاني)سورة النور وما فيها من أدلة أخرى على أن الحجاب قد فرض قبلها وقبل ما فيها من قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}

- ‌تناقض أهل السفور في مسألة غض البصر:

- ‌التبرج انفلات لا يقف عند حد:

- ‌سورة النور والرخصة بجواز أن تبدي المرأة من زينتها ما تدعو الحاجة والضرورة إليه

- ‌سورة النور فصلت ما أُجمل في سورة الأحزاب:

- ‌مصطلح أمن الشهوة ونحوه عند الفقهاء المتقدمين وما أصابه من التحريف والتبديل والتصحيف:

- ‌بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم جواز نظر الخاطب لمخطوبته نوع من تفسيره للآية:

- ‌(المبحث الثالث)أقوال الصحابة في تفسير قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا مَا ظَهَرَ مِنْها} [النور: 31]

- ‌أقوال الصحابة واختلافهم في تفسير آية: {إلا ما ظهر منها} كان من اختلاف التنوع لا اختلاف التضاد

- ‌الجمع بين أقوال الصحابة في الآية:

- ‌ومن تلكم الحالات:

- ‌حالة المرأة الساترة لوجهها واحتاجت لكشف العينين فقط أو الكفين:

- ‌حالة احتياج المرأة لكشف زينة وجهها أو كفيها:

- ‌مقصد الإمام الطبري عند تفسيره للآية:

- ‌حالة احتياج المرأة لتكشف أكثر من الوجه أو الكفين:

- ‌حالة احتياج المرأة لظهور زينتها المكتسبة كالثياب ونحوها:

- ‌فرض لبس الجلباب عند خروج المسلمات الصالحات:

- ‌حالة ظهور زينة المرأة رغما عنها وبغير قصد منها:

- ‌منهج السلف في التفسير:

- ‌منهج الصحابة والتابعين عند تفسيرهم لآية الرخصة {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منه}

- ‌منهج أئمة التفسير والفقه عند تفسيرهم لآية الرخصة:

- ‌(المبحث الرابع)التحريف والتبديل فيما لحق كلام أئمة المذاهب الأربعة في فريضة الحجاب

- ‌اختلاف المذاهب الأربعة في مسألة الحجاب كان من اختلاف التنوع

- ‌المناهج الفقهية للمذاهب الأربعة:

- ‌فريضة الحجاب عند المذاهب الأربعة:

- ‌(محاورة)حجة القائلين أن الوجه والكفين ليسا من العورة وأن ذلك لم يمنع من قولهم بوجوب ستره لعلة الفتنة والشهوة

- ‌أدلة ونقول أئمة الفقهاء من الأحناف والمالكية وغيرهم وتفسيرهم لقوله تعالى: {إلا ما ظهر منها} بأنها رخصة وتحديدهم القدر المرخص للمرأة أن تبديه بأمور منها بما يظهر في صلاتها

- ‌(باب شروط الصلاة):

- ‌اعتراض الألباني على الأئمة في طريقة استدلالهم لتحديد قدر الرخصة لأنه يظن أنهم يستدلون به للسفور

- ‌قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

- ‌بقية أدلة الأحناف والمالكية وغيرهم في تفسير الآية بأنها رخصة وتحديدهم القدر المرخص لها أن تبديه في الغالب وأن قولهم ليس بعورة لا يعني عدم وجوب ستره

- ‌(محاورة)حجة القائلين أن علة الأمر بستر الوجه والكفين لكونهما من العورة

- ‌قول أتباع كل مذهب بقول المذهب الآخر وتعدد الروايات في المذهب الواحد دليل على أن اختلاف المتقدمين في فريضة الحجاب كان من قبيل اختلاف التنوع

- ‌خطأ الشيخ الألباني رحمه الله في نسبته مذهب السفور للقائلين أن الوجه والكفين ليسا بعورة:

- ‌وبالعكس فمع ذلك قد تجد بعض أئمة الأحناف والمالكية وبعض الشافعية يقول أن المرأة عورة وذلك لأن الأمر واسع كما قلنا ومثاله:

- ‌وهناك قسم آخر من بعض الأئمة أخذوا يفصلون بنوع آخر وهو أن الوجه والكفين من المرأة عورة، ولكنه في حق من جاز نظره إليها لا يكون بالنسبة لهم من العورة لورود الدليل المبيح في ذلك، وهذا يدلك أن الأمر فيه سعة ولا يترتب عليه في أصل المسألة شيء ومثاله:

- ‌خلاصةأقوال أئمة المذاهب الأربعة في مسألة هل الوجه والكفين عورة أم لا

- ‌سبب ذكرنا لتأصيل المذاهب لمسألة الحجاب:

- ‌(المبحث الخامس)إكمال نقل إجماع المفسرين على أن الآية رخصة وليست تشريعاً لفريضة الحجاب

- ‌فائدة في حكمة التكرار في قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ}:

- ‌حكمة عدم التحديد في قوله تعالى: {إلا ما ظهر منها}:

- ‌لو لم تنزل آية الرخصة

- ‌مخالفة الألباني للإجماع في تفسير قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}

- ‌تفسير قوله تعالى: {وليضربن بخمرهن على جيوبهن} وقول الألباني أن الخمار لا يأتي لستر الوجه

- ‌تصحيف الشيخ الألباني لكلام الحافظ ابن حجر

- ‌تفسير قوله تعالى: {وَلَا يَضْرِبْنَ بأرجلهن لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور 31]

- ‌(المبحث السادس)خصوصية أمهات المؤمنين في فرض الحجاب عليهن وما لحقها من التحريف والتصحيف والتبديل

- ‌التمهيد لنزول فريضة الحجاب:

- ‌موقف الصحابة من آيات الحجاب وأمهات المؤمنين:

- ‌طريقة حجاب النساء داخل البيوت والإجماع في ذلك:

- ‌لماذا ذكرت بيوت النبي صلى الله عليه وسلم بالذات

- ‌طريقة حجاب النساء خارج البيوت والإجماع في ذلك:

- ‌معنى الخصوصية في حجاب أمهات المؤمنين عند المتقدمين وما لحقها من التحريف والتبديل والتصحيف

- ‌الخصوصية الأولىالأدلة على أن معنى الخصوصية التي قصدها بعض المتقدمين لأمهات المؤمنين هي في تغليظ حجابهن بعدم جواز ظهور أشخاصهن أو الرخصة لهن في كشف الوجه والكفين كغيرهن

- ‌وممن قال بهذه الخصوصية من نوع التغليظ:

- ‌وممن قال أيضاً بالخصوصية من نوع تغليظ الحجاب على أمهات المؤمنين

- ‌الخصوصية الثانيةالأدلة على أن معنى الخصوصية الثانية والتي عناها المتقدمون لأمهات المؤمنين هي أنهن حجبن عن أبنائهن فكن بذلك مخصوصات عن بقية الأمهات وكن كالأجنبيات

- ‌خلاصة الكلام في خصوصية أمهات المؤمنين

- ‌الأول: أنهن مخصوصات بعدم ظهور شخوصهن فضلا عن عدم جواز ظهور الوجه والكفين منهن ولو عند الحاجة كما هو جائز لغيرهن

- ‌والثاني: أنهن مخصوصات بالحجاب من أبنائهن ومن يحرم النكاح بهم فكن بذلك دون بقية الأمهات ومن يحرم النكاح بهن اللاتي لم يفرض عليهن ذلك

- ‌تناقض أهل السفور واختلافهم في معنى الخصوصية المحدثةوما أوردوه من شبهات بخصوصها

- ‌رد شبهةعن الإمام القاضي عياض

- ‌كشف المُحْرِمَة وجهها في طريقها عند عدم وجود الرجال الناظرين لها وتناقص أهل السفور فيه:

- ‌مذهب القائلين بوجوب ستر المرأة لوجهها لمجرد خروجها:

- ‌الشبهة المثارة من أهل السفور عن مالك في جواز مؤاكلة المرأة للرجل

- ‌قول أهل السفور نتيجة حتمية لما هو الحاصل اليوم:

- ‌منهج الإمام ابن حزم الظاهري في مسالة الحجاب وما لحقه من تحريف وتبديل وتصحيف

- ‌نَقلُ أهل السفور هجوم ابن حزم على من فرق بين الأَمة والحرة في لبسهن للجلابيب في الصلاة وخارجها:

- ‌وقال ابن القيم: - فصل: الفرق بين النظر إلى الحرة والأمة

- ‌معنى الجلابيب عند الإمام ابن حزم موافق لإجماع أهل العلم:

- ‌(المبحث السابع)استدلالات أهل السفور بالسنة على شبهاتهم

- ‌أولاً: حديث الفضل بن عباس ومخالفتهم لفهم السلف له:

- ‌الوجه الأول: في رد هذه الشبهة وهي عدم وجود ما ادعوه أصلا من كشف الوجه في الحديث:

- ‌الوجه الثاني: وهو على فرض كونها كانت كاشفة عن وجهها:

- ‌ثانيا: استدلالهم بحديث سفْعَاء الخدين

- ‌ثالثا: شبهة استدلالهم بحديث أسماء بنت أبي بكر الصديق ومخالفتهم لفهم السلف له

- ‌خطأ الألباني في فهم مراد الإمام البيهقي

- ‌تضعيف البيهقي لحديث أسماء بنت عميس الثاني من طريق ابن لهيعة من"كتاب النكاح

- ‌رابعا: استدلالهم بحديث الواهبة نفسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم وشبهة أهل السفور فيه

- ‌خامسا: ومن أمثلة شبهاتهم الواهية التي ينقلونها:

- ‌ومن أمثلة غرائب استدلالات أهل السفور وشبههم:

- ‌سادساً: استدلالهم لمثل هذا بما جاء في جلباب المرأة للألباني:

- ‌خلاصة شبهات أهل السفور اليوم وبدعة القول أن في تغطية المرأة لوجهها أمام الرجال سنة ومستحب

- ‌مذهب السلف في مسائل الشبهات:

- ‌(المبحث الثامن)الرخصة الثانية في سورة النور وإجماع أهل العلمقال تعالى: {وَالقواعد مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ متبرجات بِزِينَةٍ وَأن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّ

- ‌(المبحث التاسع)الأدلة من السنة والآثار على فريضة ستر المرأة وجهها عن الرجال

- ‌وختاماً:

الفصل: ‌مذهب القائلين بوجوب ستر المرأة لوجهها لمجرد خروجها:

(فرض) هو عند كلامهم في حكم أشد وألزم من غيره، كما قالوا في حجاب أمهات المؤمنين وعدم ظهور شخوصهن وعدم الرخصة لهن في كشف وجوههن وأكفهن عند الشهادة ونحوها، بعكس ما هو جائز لغيرهن من النساء، كما تقدم معنا في مبحث الخصوصية.

‌مذهب القائلين بوجوب ستر المرأة لوجهها لمجرد خروجها:

وذهب فريق آخر من أهل العلم المتقدمين على وجوب ستر المرأة لوجهها وذلك بمجرد خروجها في طريقها، ولو كانت الطريق خالية، لأن في كشفها في طريقها مظنة لأن يراها الرجال، ولقوله صلى الله عليه وسلم:(المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان وأقرب ما تكون من رحمة ربها وهي في قعر بيتها)(1).

قال الإمام الطبراني (ت: 360 هـ) عند تفسيره لآية الإدناء: (قال المفسِّرون: يُغطِّين رؤُوسَهن ووجوههن إلا عَيناً واحدة. وظاهرُ الآية يقتضي أنْ يكُنَّ مأمورات بالسَّتر التام عند الخروجِ إلى الطُّرق، فعليهن أن يَستَتِرْنَ إلا بمقدار ما يعرفنَ به الطريق)(2) انتهى.

وسنأتي لمزيد نقل لأقوالهم لاحقاً.

وما سننقله الأن هو تأكيد جديد لما قلناه سابقاً من الإجماع على وجوب ستر وجه المرأة وما فهمه أهل العلم من كلام القاضي عياض لترى كيف أنهم لم يناقشوه او يفهموا منه ما فهمه اليوم دعاة السفور:

(1) أخرجه الترمذي وابن حبان عن ابن مسعود بسند صحيح. انظر الإرواء (1/ 303).

(2)

"التفسير الكبير" للإمام الطبراني. سورة الأحزاب الآية (59).

ص: 415

7 -

فهم الإمام النووي لكلام القاضي عياض:

الإمام النووي هو من نقل كلام القاضي عياض ومع ذلك قال بعده كلاما فسره به يدل على خطأ فهم دعاة السفور اليوم لقوله أو بترهم لكلامه ولعلهم - من غير قصد - لهذا لم ينقلوه بتمامه واقتصروا على نقل كلام القاضي بفهمهم الخاطئ له.

ولهذا سنورده كما جاء في شرح النووي لصحيح مسلم عند شرحه لحديث جرير رضي الله عنه: (قال القاضي: قال العلماء: وفي هذا حجة أنه لا يجب على المرأة أن تستر وجهها في طريقها، وإنما ذلك سنة مستحبة لها، ويجب على الرجال غض البصر عنها في جميع الأحوال إلا لغرض صحيح شرعي).

فقال النووي عقبه مباشرة: (وهو حالة الشهادة والمداواة وإرادة خطبتها، أو شراء الجارية أو المعاملة بالبيع والشراء وغيرهما ونحو ذلك، وإنما يباح في جميع هذا قدر الحاجة دون ما زاد والله أعلم)(1) انتهى كلامه.

فهذا هو فهمهم لكلام القاضي عياض، كما أن النووي مشهور بقوله بوجوب تحجب حتى الإماء ولو شعر أن في كلام القاضي شيء مما يقوله أهل السفور اليوم لما سكت عنه فما قاله بعد نقله لكلامه لهو من أدل الأمور على أنهم لم يفهموا من كلام القاضي سفور ولا شيء مما ينسبه إليه أهل السفور اليوم.

(1) شرح النووي على صحيح مسلم، باب نظر الفجأة (14/ 139).

ص: 416

وقوله: (وفى هذا حجة أنه لايجب على المرأة أن تستر وجهها فى طريقها) وهذا كما سترى فيه خلاف، كما هو ظاهر من قوله، حيث ان بعضهم لم يعتبره حجة وأوجب عليها ستره في طريقها ولمجرد خروجها ولو لم يكن هناك بالطريق رجال؛ لأنهم قالوا أن في خروجها مظنة لأن يراها الرجال من غير أن تشعر فتقع الفتنة بها وردوا على هذا الكلام بأن نظر الفجأة الذي في حديث جرير لا يلزم من وقوعه أن يكون بسبب أنه يجوز للمرأة كشف وجهها في طريقها الخالي، فقد يحصل لها ذلك أثناء سقوطها أو بسبب ريح أو من فوق سطح أو وهي في بيتها أو غير ذلك ونحوه كثير، فلا يفهم من وقوع نظر الفجأة أنه يجوز للنساء كشفهن لوجوههن في الطريق الخالية.

ولهذا لما كثر الفساد في الناس وتهاونت النساء في الستر منع من ذلك كثير من الأئمة والفقهاء ممن كانوا يرون جواز ذلك احتياطاً وورعاً من فساد الناس وتساهلهم.

8 -

وهذا ما نقله الشوكاني عن ابن رسلأن: (ويدل على تقييده بالحاجة اتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه وبخاصة عند فساد الناس)(1) انتهى.

ومعناه ظاهر فلا يجوز النظر للنساء أو كشفهن للوجوه إلا لحاجة.

ويزيدك تأكيدا على أنهم قصدوا ذلك.

9 -

ما قاله الشوكاني في "السيل الجرار": (وأما تغطية وجه المرأة - يعني في الإحرام - فلما روي أن إحرام المرأة في وجهها، ولكنه لم

(1) نيل الأوطار للشوكاني (6/ 114).

ص: 417

يثبت ذلك من وجه يصلح للاحتجاج به، وأما ما أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة من حديث عائشة قالت:«كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه» وليس فيه ما يدل على أن الكشف لوجوههنَّ كان لأجل الإحرام بل كنّ يكشفن وجوههن عند عدم وجوب من يجب سترها منه، ويسترنها عند وجود من يجب سترها منه) (1).

10 -

وقال الصنعاني: (يباح كشف وجهها حيث لم يأتِ دليل بتغطيته والمراد كشفه عند صلاتها بحيث لا يراها الأجنبي، فهذه عورتها في الصلاة وأما عورتها بالنظر إلي أجنبي إليها فكلها عورة)(2).

12 -

قال في حاشية الشرواني على تحفة المحتاج - شافعي-: (من تحققت من نظر أجنبي لها يلزمها ستر وجهها عنه وإلا كانت معينة له على حرام فتأثم)(3).

فهل يقول أحد أن المصنف يقول بسفور وجه المرأة بين الرجال ودون أن يكمل العبارة أو يفهم مقصده ومراده بتمامه ومما قاله بعده في حال لو تيقنت من نظر أجنبي لها أنه (يلزمها ستر وجهها عنه وإلا كانت معينة له على حرام فتأثم)؟ .

13 -

ومثله قال ابن حجر في التحفة: (نعم من تحققت نظر أجنبي لها يلزمها ستر وجهها عنه وإلا كانت معينة له على حرام فتأثم) انتهى.

(1) السيل الجرار (2/ 180).

(2)

سبل السلام (1/ 383).

(3)

حاشية الشرواني على تحفة المحتاج (6/ 193).

ص: 418

وهذا ما عنيه تماماً القاضي عياض وهو كشفها في طريقها ولا ناظرَ لها من الرجال.

وكأنهم اعتبروها رخصة يجوز لها كشف وجهها عند خلو الطريق ولكن عند فساد الناس لم يتساهلوا فيه كما لم يتساهلوا من قبل في كشف الشابة لوجهها عند الرخصة ولو لحاجة، وكما منعوا الخاطب من النظر للمخطوبة، وهكذا شددوا حتى لا يتساهل الناس وبخاصة عند ظهور الفساد وهذا من حق الأئمة وفي مقدورهم فعله وهو رد الناس لضابط الرخص كما تقدم معنا.

14 -

وقال في فتح العلام بشرح مرشد الأنام قوله: (نقل عن القاضي عياض المالكي عن العلماء: أنه لا يجب على المرأة ستر وجهها في طريقها وإنما ذلك سنة وعلى الرجال غض البصر عنها، وضعَّفَ الرملي كلام القاضي وذكر أن الستر واجب لذاته، ثم قال: وحيث قيل بالجواز كره وقيل: خلاف الأولى. وحيث قيل بالتحريم وهو الراجح حرم النظر إلى المنقبة التي لا يبين منها غير عينيها ومحاجرها، أي ما دار بهما كما بحثه الأذرعي لا سيَّما إذا كانت جميلة)(1) انتهى.

وانظر كيف يحتاطون وبخاصة عند جمال المراة أو شبابها أو وهي منقبة وبخاصة عند فساد الأزمان، وانظر كيف فهم الرملي مقصد القاضي عياض وكيف كان رده ونقاشه معه، فقوله (خلاف الأولى) أي أنه من الأولى خروجها مستترة ولو في عدم وجود الرجال وعلى هذا فيكون غض البصر في الحديث هو عن المرأة المنقبة، كما قال:

(1) فتح العلام بشرح مرشد الأنام (1/ 41) ونحوه في مغني المحتاج (3/ 129).

ص: 419

(وحيث قيل بالتحريم وهو الراجح حرم النظر إلى المنقبة التي لا يبين منها غير عينيها ومحاجرها) فالتحريم حتى في النظر للمنقبة، ولا يلزم منه ما فهمه القاضي عياض لكيفية حصول نظرة الفجأة حتى يقال بجواز خروجهن مكشوفات الوجوه عند خلو الطريق من الرجال.

15 -

قال في مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج من "كتاب النكاح": (وَيَحْرُمُ نَظَرُ فَحْلٍ بَالِغٍ إلى عَوْرَةِ حُرَّةٍ كَبِيرَةٍ أجنبيةٍ وَكَذَا وَجْهُهَا وَكَفَّيْهَا عِنْدَ خَوْفِ فِتْنَةٍ وَكَذَا عَنْدَ الأمن عَلَى الصَّحِيحِ)(1) قال الشارح: (عَلَى الصَّحِيحِ) وَوَجَّهَهُ الإمام بِاتِّفَاقِ المسلمين عَلَى مَنْعِ النِّسَاءِ مِنْ الخروج سافرات الْوُجُوهِ، وَبِأن النَّظَرَ مَظِنَّةٌ لِلْفِتْنَةِ وَمُحَرِّكٌ لِلشَّهْوَةِ

وَظَاهِرُ كلام الشَّيْخَيْنِ (2) أن السِّتْرَ وَاجِبٌ لِذَاتِهِ فَلا يَتَأَتَّى هَذَا الْجَمْعُ وَكلام الْقَاضِي ضَعِيفٌ، وَحَيْثُ قِيلَ بِالْجَوَازِ كُرِهَ وَقِيلَ: خِلَافُ الأولى، وَحَيْثُ قِيلَ بِالتَّحْرِيمِ وَهُوَ الرَّاجِحُ هَلْ يَحْرُمُ النَّظَرُ إلى المنتقبة التي لا يَتَبَيَّنُ مِنْهَا غَيْرُ عَيْنَيْهَا وَمَحَاجِرِهَا أو لا؟ .

قَالَ الأذرَعِيُّ: لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَالظَّاهِرُ أنهُ لا فَرْقَ (3)، لا سِيَّمَا إذا كانت جَمِيلَةً فَكَمْ فِي المحاجر مِنْ خَنَاجِر) انتهى.

16 -

وقال الشيخ يوسف بن عبد الهادي المقدسي الحنبلي: (ولا يجوز للرجل النظر إلى أجنبية إلا العجوز الكبيرة التي لا تشتهى

(1) وقد ذهب لتحريم النظر للمرأة ولو عند الأمن من الفتنة ولو لحاجة كثير من الأئمة مر معنا كلامهم في مبحث نقل اقوال الفقهاء.

(2)

يعني النووي والرافعي.

(3)

أي لا فرق في تحريم النظر للمرأة سواءً كانت كاشفة لشيء من زينتها أو مستترة منقبة.

ص: 420

مثلها والصغيرة التي ليست محلًا للشهوة ويجب عليه صرف نظره عنها، ويجب عليها ستر وجهها إذا برزت) (1) انتهى.

وقوله: (ويجب عليه صرف نظره عنها) هو تماماً نفس كلام القاضي:

(ويجب على الرجل غض البصر عنها في جميع الأحوال إلا لغرض شرعي) أي سواء خرجت كاشفة معتقدة خلو الطريق من نظر الرجال إليها أو كانت مستترة فلا يجوز أيضا النظر إليها وتأملها من خلف جلبابها ولو بدون شهوة، كما قاله الكثيرون من أهل العلم، أما مع الشهوة يتأملها من خلف حجابها فهذا باتفاق عندهم حرام.

ومع ذلك قال هنا بعده: (ويجب عليها ستر وجهها إذا برزت) ولتعلم أن مقصد القاضي هو نفسه ما قاله غيره في سير المرأة في طريقها حيث لا يوجد رجال ولا فتنة ولا شهوة ومثله:

17 -

قال في البحر الرائق شرح كنز الدقائق - حنفي- في المحرمه (والمراد بكشف الوجه عدم مماسة شيء له فلذا يكره لها أن تلبس البرقع لأن ذلك يماس وجهها، كذا في المبسوط، ولو أرخت شيئا على وجهها وجافته لا بأس به، كذا ذكر الأسبيجابي، لكن في فتح القدير أنه يستحب وقد جعلوا لذلك أعوادا كالقبة توضع على الوجه وتستدل من فوقها الثوب، وفي فتاوى قاضي خان، ودلت المسألة على أنها لا تكشف وجهها للأجانب من غير ضرورة. ا. هـ. وهو يدل على أن هذا الإرخاء عند الإمكان ووجود الأجانب واجب عليها إن كان المراد لا يحل أن تكشف فمحمل الاستحباب عند عدمهم وعلى أنه عند عدم

(1) مغني ذوي الأفهام عن الكتب الكثيرة في الأحكام (صـ 120).

ص: 421

الإمكان فالواجب من الأجانب غض البصر، لكن قال النووي في شرح مسلم قبيل كتاب السلام في قوله:«سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فأمرني أن أصرف بصري» قال العلماء وفي هذا حجة أنه لا يجب على المرأة أن تستر وجهها في طريقها، وإنما ذلك سنة مستحبة لها ويجب على الرجال غض البصر عنها إلا لغرض شرعي. ا. هـ. وظاهره نقل الإجماع فيكون معنى ما في الفتاوى لا ينبغي كشفها، وإنما لا تجهر بالتلبية لما أن صوتها يؤدي إلى الفتنة على الصحيح أو عورة على ما قيل كما حققناه في شروط الصلاة) (1) انتهى.

وانظر لقول الإمام من أتباع أبي حنيفة النعمان - عليهم رحمة الله - حيث قال: (وهو يدل على أن هذا الإرخاء عند الإمكان ووجود الأجانب واجب عليها) فدل على ما سبق وقلناه من أن قول من قال أن الوجه ليس بعورة لا يلزم منه عندهم عدم وجوب ستره، وكذلك يدل على أن الإجماع على ستر المحرمة لوجهها عند وجود الأجانب أوجب من إجماعهم على كشفه للإحرام وهذا باتفاقهم جميعا.

18 -

وقال في المنتقى شرح الموطأ للإمام الباجي المالكي: (مسألة: إذا ثبت ذلك فعلى المرأة أن لا تلبس مواضع الإحرام منها مخيطا يختص به والذي يختص بالوجه من المخيط النقاب والبرقع والذي يختص بالكفين القفازان فوجب على المرأة أن تعريهما من ذلك ويستحب لها أن تعريهما من غير ذلك من اللباس فإن أدخلت يديها في قميصها فلا شيء عليها؛ لأن ذلك لا يختص بها ولا سبيل إلى

(1) البحر الرائق شرح كنز الدقائق (فصل لم يدخل مكة ووقف بعرفة).

ص: 422

الاحتراز منه وبالله التوفيق. قولها: كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات تريد أنهن كن يسترن وجوههن بغير النقاب على معنى التستر؛ لأن الذي يُمنع النقاب أو ما يجري مجراه على ما ذكرناه، وإضافة ذلك إلى كونهن مع أسماء بنت أبي بكر؛ لأنها من أهل العلم والدين والفضل وأنها لا تقرهن إلا على ما تراه جائزا عندها ففي ذلك إخبار بجوازه عندها وهي ممن يجب لهن الاقتداء بها وإنما يجوز أن يخمرن وجوههن على ما ذكرنا بأن تسدل ثوبا على وجهها تريد الستر ولا يجوز أن تسدله لحر ولا لبرد فإن فعلت ذلك فعليها الفدية) انتهى.

والمقصد مما تقدم هو التنبيه فيما يختلفون وحديث عائشة وأسماء وفاطمة بنت المنذر وغيرها دليل على كشفهن في الطريق ولا رجال وهو كافٍ لبيان مقصد ومراد الأئمة كالقاضي عياض وغيره ودليل لمن ذهب لمثل هذا القول من جواز كشف المرأة لوجهها حيث لا رجال يرونها وهو أيضا رد لشبهة أهل السفور ولم يقل أحد من المتقدمين أن حديث جرير أو عائشة أو كلام القاضي عياض يدل على عدم وجوب ستر المرأة لوجهها أو أن سترها لوجهها عند الرجل سنة ومستحب، وإنما قالوا في طريقها.

أو كما قال ابن مفلح للأجنبيات كنحو إماء الغير أو الأجنبيات من الكافرات، فتنبه للفرق الشاسع بين ما يختلفون فيه وبين ما يقوله وينسبه لهم دعاة السفور اليوم، حيث أنهم لو قصدوا وأرادو النساء المسلمات الحرائر لما صعب عليهم ذلك ولما أستدل ابن مفلح بمثل ما استدلوا به من إنكار عمر بن الخطاب رضي الله عنه على الإماء التستر والتشبه بالحرائر أو استدلالهم في المسألة بحديث المكاتب ونحو ذلك، مما هو

ص: 423

بعيد جداً عن استدلالات أهل السفور اليوم، ولصرحوا به أبلغ تصريح كما صرحوا في آية الإدناء وغيرها بأنها الأمر للنساء الحرائر بستر وجوههن وهذا غاية ما عند أهل السفور من الأدلة لينصروا مذهبهم بأدنى الاحتمالات والأوهام والشبه، أليس في أقوال المتقدمين قول صريح لما يريدونه حتى لووا أعناق الأدلة وأقوال أهل العلم لتوافق أهوائَهم، ولو أدى ذلك لتحريفها وتبديلها وتصحيفها من غير أن يشعروا.

ويكفيك أن تعلم أن كل ما قالوه وفهموه وفسروه على أنها أدلة من الكتاب والسنة على سفور وجه المرأة المسلمة لم يكن لهم في ذلك القول والفهم والتفسير سلف.

ولم تُثَرْ هذه البلبلة والشبه إلا حديثا، فليس في أقوال المتقدمين ما يخالف وجوب ستر المرأة لوجهها بل العكس كما هي النقول عنهم هنا عن أجلة الأعلام فمن بقي لهم؟ فكان في موضع ما ادعاه القوم رد على باطلهم لو يعلمون.

ص: 424