الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وممن قال أيضاً بالخصوصية من نوع تغليظ الحجاب على أمهات المؤمنين
13 -
الإمام القرطبي عند قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قال: (الثانية: روى الترمذِي عن نَبْهان مولى أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها ولميمونة وقد دخل عليها ابن أم مَكْتُوم: (احتجِبا) فقالتا: إنه أعمى، قال:«أفَعَمْيَاوان أنتما ألستما تُبصرانه؟ » فإن قيل: هذا الحديث لا يصحُّ عند أهل النقل لأن راويه عن أم سلمة نبهان مولاها وهو ممن لا يحتج بحديثه، وعلى تقدير صحته فإن ذلك منه عليه السلام تغليظ على أزواجه لحرمتهن كما غلظ عليهن أمر الحجاب؛ كما أشار إليه أبو داود وغيره من الأئمة) انتهى كلام القرطبي.
وقوله: (تغليظ على أزواجه لحرمتهن)، ومنه قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً {28} وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً {29} يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً {30} [الأحزاب].
وقوله: (كما غلظ عليهن أمر الحجاب) وهو حجابهن عن الرجال وهن في حكم الأمهات لهم، وكما في حديث المكاتب الذي مر معنا، وعدم ظهور شخوصهن، وغير ذلك مما قاله بعض أهل العلم.
وقصده: (كما أشار إليه أبو داود وغيره من الأئمة).
14 -
حيث قال أبو داود عند تخريجه للحديث: (هذا لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم خاصة ألا ترى إلى اعتداد فاطمة بنت قيس عند ابن أم مكتوم) انتهى.
فهو يقصد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمح لفاطمة بنت قيس بأن تعتد عند ابن أم مكتوم الأعمى، ولم يسمح لزوجتيه ميمونة وأم سلمة بمجرد النظر إليه.
15 -
قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: كان حديث نبهان لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم خاصة وحديث فاطمة لسائر الناس؟ قال: نعم) (1).
16 -
وقال الإمام السيوطي في الخصائص الكبرى:
"باب اختصاصه صلى الله عليه وسلم بوجوب جلوس أزواجه من بعده في بيوتهن وتحريم خروجهن ولو لحج أو عمرة في أحد القولين":
(قال الله تعالى: {وقرن في بيوتكن} أخرج ابن سعد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لنسائه في حجة الوداع: «هذه الحجة ثم ظهور الحُصر» قال: وكن يحججن كلهن إلا سودة وزينب قالتا: لا تحركنا والله دابة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخرج ابن سعد عن ابن سيرين قال: قالت سودة: حججت واعتمرت فأنا أقعد في بيتي كما أمرني الله وكانت قد أخذت بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم عام قال: «هذه الحجة ثم ظهور الحُصر» فلم تحج حتى توفيت، وأخرج ابن سعد عن عطاء بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأزواجه: «أيتكن اتقت الله ولم تأتِ بفاحشة مبينة ولزمت ظهر
(1) نقله ابن قدامة صاحب المغني في "كتاب النكاح" فصل: (نظر المرأة إلى الرجل).
حصيرها فهي زوجتي في الآخرة» وأخرج ابن سعد من طريق ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن أبي جعفر أن عمر بن الخطاب منع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم الحج والعمرة، وأخرج ابن سعد عن عائشة قالت: منعنا عمر الحج والعمرة حتى إذا كان آخر عام أذن لنا فحججنا معه فلما ولي عثمان استأذناه فقال: افعلن ما رأيتن، فحج بنا إلا امرأتين منا زينب وسودة لم تخرج من بيتها بعد النبي صلى الله عليه وسلم وكنا نستتر، وقال: سفيان بن عيينة كان نساء النبي صلى الله عليه وسلم في معنى المعتدات وللمعتدة السكنى فجعل لهن سكنى البيوت ما عشن ولا يملكن رقابها) انتهى من الخصائص.
وقوله: (في أحد القولين) كما مر معنا من وجود خلاف في مسألة حجب شخوصهن، وأنهن كبقية النساء في جواز خروجهن مستترات الوجوه كما رد على هذا الحافظ ابن حجر وغيره، ولعل ما روي عن أم المؤمنين سودة وزينب رضي الله عنهما، يمكن أن يكون عن رغبة وورع منهما، والله أعلم.
17 -
وقال في تفسير معالم التنزيل للإمام البغوي (ت: 516 هـ)
{وَإذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْئَلُوهُنَّ مِن وراء حِجَابٍ} [الأحزاب: 53] أي: من وراء ستر، فبعد آية الحجاب لم يكن لأحد أن ينظر إلى امرأة من نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم متنقبة كانت أو غير متنقبة، {ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} من الريب) انتهى كلامه.
18 -
قال في مواهب الجليل في شرح مختصر الشيخ خليل:
("فوائد الأولى" قال: الشيخ جلال الدين الأسيوطي في حاشية البخاري في كتاب الوضوء في "باب خروج النساء إلى البراز" ذكر القاضي عياض وغيره أن من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم تحريم رؤية أشخاص أزواجه ولو في الأزر تكريماً له ولذا لم يكن يصلي على أمهات المؤمنين إذا ماتت الواحدة منهن إلا محارمها؛ لئلا يرى شخصها في الكفن حتى اتخذت القبة على التابوت. ا. هـ. والظاهر أن هذا ليس متفقاً عليه فقد حكى القرطبي في كون نسائه عليه السلام كالأمهات في الحرمة وإباحة النظر، أو في الحرمة فقط، قولين ولكن الظاهر منهما الثاني والله أعلم)(1) انتهى.
بالله عليكم انظروا لما يقوله هذا الإمام لترَوا العجب العجاب ومدى التحريف الحاصل اليوم في مسألة خصوصية الحجاب لأمهات المؤمنين، ولهذا فلو قال أهل السفور بخصوصية أمهات المؤمنين بأنه يجوز النظر إليهن، وأن لهن أن يكشفن وجوههن بعكس بقية النساء فيجب عليهن أن يسترن وجوههن لكان هذا وجيها، ولهم سلف كما ذكره المصنف هنا:(كالأمهات في الحرمة وإباحة النظر) وذلك لحرمتهن كونهن امهاتهم وممن يحرم النكاح بهن، وهذا وإن كان ضعيفا كما قال المصنف لمخالفته لنصوص الشرع، ولهذا أيد القول الثاني، لأن الله لم يستثنِ من فرض الحجاب أمهات المؤمنين، لكن مع
(1) مواهب الجليل في شرح مختصر الشيخ خليل (10/ 50)
ذلك يمكن القول به، أما أن يفهموا الخصوصية بأن تحتجب الأمهات ومن يحرم النكاح بهن عن الأبناء ولا تحتجب النساء الأجنبيات عن الأجانب، فهذا والله العكس تماماً لمعنى الخصوصية الحقيقية التي إمامنا وهي أنهن خصصن عن غيرهن من الأمهات بالتحجب من أبنائهن، أو عن تلك الخصوصية التي فهمها السلف وتكلموا عنها من التشديد والتغليظ عليهن أكثر من غيرهن من النساء، فلا يدخل في عقل أحد سليم الفطرة صافي الطوية جليل التعظيم لبيت النبوة أن يقول مثل هذا، أو أن الله يُنْزِل الآيات في ستر الوجه خاصة لزمن محدود جداً، بعمر حياة أمهات المؤمنين فقط، ألا جعلهم لو صدقوا كبقية نساء المسلمين؟ وهن أولى وأحرى والفتنة منهن وإليهن أبعد، ولو سكتوا لكان أولى بهم من هذا التخريف والتحريف والتبديل والتصحيف لمراد الله ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم ومراد أهل العلم، فأهل العلم يتكلمون في شيء وهم يفهمونه في شيء آخر.
وقوله: (والظاهر أن هذا ليس متفقاً عليه فقد حكى القرطبي في كون نسائه عليه السلام كالأمهات في الحرمة وإباحة النظر أو في الحرمة فقط قولين ولكن الظاهر منهما الثاني) وأيد الثاني وهو حرمة أمهات المؤمنين مع عدم إباحة النظر إليهن فهن كبقية نساء العالمين مع كونهن في حكم الأمهات أي في معنى دون معنى، وهذا بإجماع أهل العلم كما ترى هنا، وسيأتي المزيد عند كلامنا على الخصوصية الثانية المتفق عليها بمشيئة الله تعالى.
والحافظ ابن حجر في الفتح وغيره لم يردوا على القاضي عياض أو ابن بطال وغيرهم ممن قالوا بخصوصية حجب شخوص أمهات المؤمنين على أنهم دعاة سفور، بل ردوا عليهم فيما فهموا منهم من مسألة خصوصيتهن في عدم ظهور شخوصهن ولو كن مستترات الوجوه، وهذا ما فهمه الحافظ ابن حجر من كلام القاضي عياض وغيره أيضا. وليس فيه بتاتا ما يقوله اليوم دعاة السفور، فاستنتجوا من خلاف الحافظ ابن حجر ورده على أولئك فهما مغلوطاً، وهو أن بينهم خلافا في أصل المسألة وذلك بسبب ما عشعش في عقولهم من أن كل خلاف بين المتقدمين، هو خلاف في أصل فريضة الحجاب؛ فابتدعوا قولاً لم يقل به أحد من السابقين.
فبالله عليكم قوم يقولون: (تحريم رؤية أشخاص أزواجه ولو في الأزر) يعني ولو مستترات في ثيابهن، ويريدون منهن أن يقرن في بيوتهن كحكم المعتدات، وإذا خرجن أحطن بالخيام أو الهوادج ونحوها، وهذه درجة كبيرة جداً من الستر، فهل يمكن أن يتساهلوا لدرجة القول بخروج غيرهن من النساء سافرات الوجوه؟ هذا قياس يبعد القول به بل أقوالهم هنا تدل على أن غيرهن من النسوة يخرجن بشخوصهن ويكشفن عند الضرورة كالشهادة ونحو ذلك، فكان في موضع ما ادعاه أهل السفور من الباطل رد على باطلهم لو يعلمون.