المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أدلة ونقول أئمة الفقهاء من الأحناف والمالكية وغيرهم وتفسيرهم لقوله تعالى: {إلا ما ظهر منها} بأنها رخصة وتحديدهم القدر المرخص للمرأة أن تبديه بأمور منها بما يظهر في صلاتها - كشف الأسرار عن القول التليد فيما لحق مسألة الحجاب من تحريف وتبديل وتصحيف

[تركي بلحمر]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌(المبحث الأول)سورة الأحزاب وأول ما نزل من الآيات في مسألة الحجاب وما لحق تفسيرها من تحريف وتصحيف وتبديل

- ‌تاريخ نزول أول الآيات في مسألة الحجاب:

- ‌كيف مهد الإسلام لتشريع فريضة الحجاب

- ‌أول ما نزل في شأن الحجاب:

- ‌آية الحجاب وإجماع المفسرين عليها

- ‌التحريف والتبديل والتصحيف المعاصر لما لحق كلام شيخ المفسرين الإمام الطبري في تفسيره لآية الإدناء:

- ‌اختلاف ألفاظ السلف في التفسير غالباً ما يكون اختلاف تنوع:

- ‌الأدلة والنقول على أن (القناع) يأتي بمعني ستر الوجه:

- ‌مخالفة الشيخ الألباني لإجماع المسلمين في تفسيره لقوله تعالى: {يدنين عليهن من جلابيبهن}

- ‌آيات الحجاب لم تنزل مرة واحدةولها تسلسل ووقائع

- ‌(المبحث الثاني)سورة النور وما فيها من أدلة أخرى على أن الحجاب قد فرض قبلها وقبل ما فيها من قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}

- ‌تناقض أهل السفور في مسألة غض البصر:

- ‌التبرج انفلات لا يقف عند حد:

- ‌سورة النور والرخصة بجواز أن تبدي المرأة من زينتها ما تدعو الحاجة والضرورة إليه

- ‌سورة النور فصلت ما أُجمل في سورة الأحزاب:

- ‌مصطلح أمن الشهوة ونحوه عند الفقهاء المتقدمين وما أصابه من التحريف والتبديل والتصحيف:

- ‌بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم جواز نظر الخاطب لمخطوبته نوع من تفسيره للآية:

- ‌(المبحث الثالث)أقوال الصحابة في تفسير قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا مَا ظَهَرَ مِنْها} [النور: 31]

- ‌أقوال الصحابة واختلافهم في تفسير آية: {إلا ما ظهر منها} كان من اختلاف التنوع لا اختلاف التضاد

- ‌الجمع بين أقوال الصحابة في الآية:

- ‌ومن تلكم الحالات:

- ‌حالة المرأة الساترة لوجهها واحتاجت لكشف العينين فقط أو الكفين:

- ‌حالة احتياج المرأة لكشف زينة وجهها أو كفيها:

- ‌مقصد الإمام الطبري عند تفسيره للآية:

- ‌حالة احتياج المرأة لتكشف أكثر من الوجه أو الكفين:

- ‌حالة احتياج المرأة لظهور زينتها المكتسبة كالثياب ونحوها:

- ‌فرض لبس الجلباب عند خروج المسلمات الصالحات:

- ‌حالة ظهور زينة المرأة رغما عنها وبغير قصد منها:

- ‌منهج السلف في التفسير:

- ‌منهج الصحابة والتابعين عند تفسيرهم لآية الرخصة {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منه}

- ‌منهج أئمة التفسير والفقه عند تفسيرهم لآية الرخصة:

- ‌(المبحث الرابع)التحريف والتبديل فيما لحق كلام أئمة المذاهب الأربعة في فريضة الحجاب

- ‌اختلاف المذاهب الأربعة في مسألة الحجاب كان من اختلاف التنوع

- ‌المناهج الفقهية للمذاهب الأربعة:

- ‌فريضة الحجاب عند المذاهب الأربعة:

- ‌(محاورة)حجة القائلين أن الوجه والكفين ليسا من العورة وأن ذلك لم يمنع من قولهم بوجوب ستره لعلة الفتنة والشهوة

- ‌أدلة ونقول أئمة الفقهاء من الأحناف والمالكية وغيرهم وتفسيرهم لقوله تعالى: {إلا ما ظهر منها} بأنها رخصة وتحديدهم القدر المرخص للمرأة أن تبديه بأمور منها بما يظهر في صلاتها

- ‌(باب شروط الصلاة):

- ‌اعتراض الألباني على الأئمة في طريقة استدلالهم لتحديد قدر الرخصة لأنه يظن أنهم يستدلون به للسفور

- ‌قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

- ‌بقية أدلة الأحناف والمالكية وغيرهم في تفسير الآية بأنها رخصة وتحديدهم القدر المرخص لها أن تبديه في الغالب وأن قولهم ليس بعورة لا يعني عدم وجوب ستره

- ‌(محاورة)حجة القائلين أن علة الأمر بستر الوجه والكفين لكونهما من العورة

- ‌قول أتباع كل مذهب بقول المذهب الآخر وتعدد الروايات في المذهب الواحد دليل على أن اختلاف المتقدمين في فريضة الحجاب كان من قبيل اختلاف التنوع

- ‌خطأ الشيخ الألباني رحمه الله في نسبته مذهب السفور للقائلين أن الوجه والكفين ليسا بعورة:

- ‌وبالعكس فمع ذلك قد تجد بعض أئمة الأحناف والمالكية وبعض الشافعية يقول أن المرأة عورة وذلك لأن الأمر واسع كما قلنا ومثاله:

- ‌وهناك قسم آخر من بعض الأئمة أخذوا يفصلون بنوع آخر وهو أن الوجه والكفين من المرأة عورة، ولكنه في حق من جاز نظره إليها لا يكون بالنسبة لهم من العورة لورود الدليل المبيح في ذلك، وهذا يدلك أن الأمر فيه سعة ولا يترتب عليه في أصل المسألة شيء ومثاله:

- ‌خلاصةأقوال أئمة المذاهب الأربعة في مسألة هل الوجه والكفين عورة أم لا

- ‌سبب ذكرنا لتأصيل المذاهب لمسألة الحجاب:

- ‌(المبحث الخامس)إكمال نقل إجماع المفسرين على أن الآية رخصة وليست تشريعاً لفريضة الحجاب

- ‌فائدة في حكمة التكرار في قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ}:

- ‌حكمة عدم التحديد في قوله تعالى: {إلا ما ظهر منها}:

- ‌لو لم تنزل آية الرخصة

- ‌مخالفة الألباني للإجماع في تفسير قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}

- ‌تفسير قوله تعالى: {وليضربن بخمرهن على جيوبهن} وقول الألباني أن الخمار لا يأتي لستر الوجه

- ‌تصحيف الشيخ الألباني لكلام الحافظ ابن حجر

- ‌تفسير قوله تعالى: {وَلَا يَضْرِبْنَ بأرجلهن لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور 31]

- ‌(المبحث السادس)خصوصية أمهات المؤمنين في فرض الحجاب عليهن وما لحقها من التحريف والتصحيف والتبديل

- ‌التمهيد لنزول فريضة الحجاب:

- ‌موقف الصحابة من آيات الحجاب وأمهات المؤمنين:

- ‌طريقة حجاب النساء داخل البيوت والإجماع في ذلك:

- ‌لماذا ذكرت بيوت النبي صلى الله عليه وسلم بالذات

- ‌طريقة حجاب النساء خارج البيوت والإجماع في ذلك:

- ‌معنى الخصوصية في حجاب أمهات المؤمنين عند المتقدمين وما لحقها من التحريف والتبديل والتصحيف

- ‌الخصوصية الأولىالأدلة على أن معنى الخصوصية التي قصدها بعض المتقدمين لأمهات المؤمنين هي في تغليظ حجابهن بعدم جواز ظهور أشخاصهن أو الرخصة لهن في كشف الوجه والكفين كغيرهن

- ‌وممن قال بهذه الخصوصية من نوع التغليظ:

- ‌وممن قال أيضاً بالخصوصية من نوع تغليظ الحجاب على أمهات المؤمنين

- ‌الخصوصية الثانيةالأدلة على أن معنى الخصوصية الثانية والتي عناها المتقدمون لأمهات المؤمنين هي أنهن حجبن عن أبنائهن فكن بذلك مخصوصات عن بقية الأمهات وكن كالأجنبيات

- ‌خلاصة الكلام في خصوصية أمهات المؤمنين

- ‌الأول: أنهن مخصوصات بعدم ظهور شخوصهن فضلا عن عدم جواز ظهور الوجه والكفين منهن ولو عند الحاجة كما هو جائز لغيرهن

- ‌والثاني: أنهن مخصوصات بالحجاب من أبنائهن ومن يحرم النكاح بهم فكن بذلك دون بقية الأمهات ومن يحرم النكاح بهن اللاتي لم يفرض عليهن ذلك

- ‌تناقض أهل السفور واختلافهم في معنى الخصوصية المحدثةوما أوردوه من شبهات بخصوصها

- ‌رد شبهةعن الإمام القاضي عياض

- ‌كشف المُحْرِمَة وجهها في طريقها عند عدم وجود الرجال الناظرين لها وتناقص أهل السفور فيه:

- ‌مذهب القائلين بوجوب ستر المرأة لوجهها لمجرد خروجها:

- ‌الشبهة المثارة من أهل السفور عن مالك في جواز مؤاكلة المرأة للرجل

- ‌قول أهل السفور نتيجة حتمية لما هو الحاصل اليوم:

- ‌منهج الإمام ابن حزم الظاهري في مسالة الحجاب وما لحقه من تحريف وتبديل وتصحيف

- ‌نَقلُ أهل السفور هجوم ابن حزم على من فرق بين الأَمة والحرة في لبسهن للجلابيب في الصلاة وخارجها:

- ‌وقال ابن القيم: - فصل: الفرق بين النظر إلى الحرة والأمة

- ‌معنى الجلابيب عند الإمام ابن حزم موافق لإجماع أهل العلم:

- ‌(المبحث السابع)استدلالات أهل السفور بالسنة على شبهاتهم

- ‌أولاً: حديث الفضل بن عباس ومخالفتهم لفهم السلف له:

- ‌الوجه الأول: في رد هذه الشبهة وهي عدم وجود ما ادعوه أصلا من كشف الوجه في الحديث:

- ‌الوجه الثاني: وهو على فرض كونها كانت كاشفة عن وجهها:

- ‌ثانيا: استدلالهم بحديث سفْعَاء الخدين

- ‌ثالثا: شبهة استدلالهم بحديث أسماء بنت أبي بكر الصديق ومخالفتهم لفهم السلف له

- ‌خطأ الألباني في فهم مراد الإمام البيهقي

- ‌تضعيف البيهقي لحديث أسماء بنت عميس الثاني من طريق ابن لهيعة من"كتاب النكاح

- ‌رابعا: استدلالهم بحديث الواهبة نفسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم وشبهة أهل السفور فيه

- ‌خامسا: ومن أمثلة شبهاتهم الواهية التي ينقلونها:

- ‌ومن أمثلة غرائب استدلالات أهل السفور وشبههم:

- ‌سادساً: استدلالهم لمثل هذا بما جاء في جلباب المرأة للألباني:

- ‌خلاصة شبهات أهل السفور اليوم وبدعة القول أن في تغطية المرأة لوجهها أمام الرجال سنة ومستحب

- ‌مذهب السلف في مسائل الشبهات:

- ‌(المبحث الثامن)الرخصة الثانية في سورة النور وإجماع أهل العلمقال تعالى: {وَالقواعد مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ متبرجات بِزِينَةٍ وَأن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّ

- ‌(المبحث التاسع)الأدلة من السنة والآثار على فريضة ستر المرأة وجهها عن الرجال

- ‌وختاماً:

الفصل: ‌أدلة ونقول أئمة الفقهاء من الأحناف والمالكية وغيرهم وتفسيرهم لقوله تعالى: {إلا ما ظهر منها} بأنها رخصة وتحديدهم القدر المرخص للمرأة أن تبديه بأمور منها بما يظهر في صلاتها

‌أدلة ونقول أئمة الفقهاء من الأحناف والمالكية وغيرهم وتفسيرهم لقوله تعالى: {إلا ما ظهر منها} بأنها رخصة وتحديدهم القدر المرخص للمرأة أن تبديه بأمور منها بما يظهر في صلاتها

1 -

قال الإمام الطحاوي (م: 239 - ت: 321) في شَرْحُ معاني الآثار كِتَابُ النِّكَاحِ: - بَابُ الرَّجُلِ يُرِيدُ تَزَوُّجَ المرأة هَلْ يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ إليها أم لا؟ -.

وهو يناقش هل يجوز نظر الخاطب أم لا؟ وأن في زمنه من منع من ذلك كونه عورة، فكان ذلك أحد الأسباب التي جعلتهم لا يقولون بكونه عورة للضرورة في كشفه، إضافة لما سبق معنا من أسباب لهم. فقال بعد أن ذكر حديث محمد بن سلمة وجابر وأبي هريرة والمغيرة بن شعبة في نظر الخاطب.

: (قَالَ أبو جَعْفَرٍ: فَفِي هَذِهِ الآثار إباحة النَّظَرِ إلى وَجْهِ المرأة، لِمَنْ أراد نِكَاحَهَا، فَذَهَبَ إلى ذَلِكَ قَوْمٌ. وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ آخرونَ فَقَالُوا: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِمَنْ أراد نِكَاحَ المرأة، وَلَا لِغَيْرِ مَنْ أراد نِكَاحَهَا (1)، إلا أن يَكُونَ زَوْجًا لَهَا أو ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا. وَاحتجوا فِي ذَلِكَ بِمَا حدثنا

عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبي طَالِبٍ رضي الله عنه، أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: " يَا عَلِيُّ، إن

(1) كالشاهد والمتعاقد معها ونحوهم.

ص: 163

لَكَ كَنْزًا فِي الْجَنَّةِ، وَإنكَ ذُو قَرْنَيْهَا، فَلَا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ، فإنمَا لَكَ الأولى، وَلَيْسَتْ لَكَ الآخرة ".

قال حدثنا

عَنْ جَرِيرٍ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ نَظْرَةِ الفجأة، قَالَ:" اصْرِفْ بَصَرَكَ " قال حدثنا

عَنِ ابن بُرَيْدَةَ ، عَنْ أبيهِ، رَفَعَهُ مِثْلَهُ. يَعْنِي أن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِعَلِيٍّ:" يَا عَلِيُّ، لَا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ ، فإنمَا لَكَ الأولى، وَلَيْسَتْ لَكَ الثانية " وحدثنا

عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " النَّظْرَةُ الأولى لَكَ، وَالآخرة عَلَيْكَ ". قَالُوا: فَلَمَّا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ النَّظْرَةَ الثانية، لأنهَا تَكُونُ بِاختيار النَّاظِرِ، وَخَالَفَ بَيْنَ حُكْمِهَا وَبَيْنَ حُكْمِ مَا قَبْلَهَا، إذا كانت بِغَيْرِ اختيار مِنَ النَّاظِرِ، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أنهُ لَيْسَ لِأحد أن يَنْظُرَ إلى وَجْهِ المرأة إلا أن يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مِنَ النِّكَاحِ أو الْحُرْمَةِ، مَا لَا يُحَرِّمُ ذَلِكَ عَلَيْهِ مِنْهَا.

فَكان مِنَ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ لِأهل المقالة الأولى (1) ، أن الَّذِي أباحهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الآثار الأول، هُوَ النَّظَرُ لِلْخِطْبَةِ لَا لِغَيْرِ ذَلِكَ، فَذَلِكَ نَظَرٌ بِسَبَبٍ هُوَ حَلَالٌ. ألا ترى أن رَجُلًا لَوْ نَظَرَ إلى وَجْهِ امرأة، لَا نِكَاحَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا لِيَشْهَدَ عَلَيْهَا وَلِيَشْهَدَ لَهَا أن ذَلِكَ جَائِزٌ. فَكَذَلِكَ إذا نَظَرَ إلى وَجْهِهَا لِيَخْطُبَهَا كان ذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ أيضا. فَأما المنهي عَنْهُ فِي

(1) أي حجة القائلين بجواز نظر الخاطب وغيره كالشاهد ونحوهم ممن سيذكرهم آنفا.

ص: 164

حَدِيثِ عَلِيٍّ، وَجَرِيرٍ، وَبُرَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُمْ، فَذَلِكَ لِغَيْرِ الخطبة وَلِغَيْرِ مَا هُوَ حَلَالٌ فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ مُحَرَّمٌ (1).

وَقَدْ رَأينَاهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي نَظَرِ الرَّجُلِ إلى صَدْرِ المرأة الأمة، إذا أراد أن يَبْتَاعَهَا أن ذَلِكَ لَهُ جَائِزٌ حَلَالٌ، لأنهُ أنمَا يَنْظُرُ إلى ذَلِكَ مِنْهَا لِيَبْتَاعَهَا لَا لِغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَوْ نَظَرَ إلى ذَلِكَ مِنْهَا، لَا لِيَبْتَاعَهَا، وَلَكِنْ لِغَيْرِ ذَلِكَ، كان ذَلِكَ عَلَيْهِ حراما.

فَكَذَلِكَ نَظَرُهُ إلى وَجْهِ المرأة إن كان فَعَلَ ذَلِكَ لِمَعْنًى هُوَ حَلَالٌ، فَذَلِكَ غَيْرُ مَكْرُوهٍ لَهُ، وإن كان فَعَلَهُ لِمَعْنًى هُوَ عَلَيْهِ حرام، فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ لَهُ، وَإذا ثَبَتَ أن النَّظَرَ إلى وَجْهِ المرأة لِيَخْطُبَهَا حَلَالٌ، خَرَجَ بِذَلِكَ حُكْمُهُ مِنْ حُكْمِ الْعَوْرَةِ، وَلأنا رَأينَا مَا هُوَ عَوْرَةٌ لَا يُبَاحُ لِمَنْ أراد نِكَاحَهَا النَّظَرُ إليها (2). ألا ترى أن مَنْ أراد نِكَاحَ امرأة، فَحرام عَلَيْهِ النَّظَرُ إلى شَعْرِهَا، وَإلى صَدْرِهَا، وَإلى مَا هُوَ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ فِي بَدَنِهَا، كَمَا يَحْرُمُ ذَلِكَ مِنْهَا، عَلَى مَنْ لَمْ يُرِدْ نِكَاحَهَا. فَلَمَّا ثَبَتَ أن النَّظَرَ إلى وَجْهِهَا حَلَالٌ لِمَنْ أراد نِكَاحَهَا، ثَبَتَ أنهُ حَلَالٌ أيضا لِمَنْ لَمْ يُرِدْ نِكَاحَهَا (3) ، إذا كان لَا يَقْصِدُ بِنَظَرِهِ ذَلِكَ لِمَعْنًى هُوَ عَلَيْهِ حرام.

(1) لاحظ قوله: (لَوْ نَظَرَ إلى وَجْهِ امرأة) (فَأما المنهي عَنْهُ

فَذَلِكَ لِغَيْرِ الخطبة، وَلِغَيْرِ مَا هُوَ حَلَالٌ، فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ مُحَرَّمٌ)، والحلال سبق وأن مثل له بقوله:(لِيَشْهَدَ عَلَيْهَا وَلِيَشْهَدَ لَهَا أن ذَلِكَ جَائِزٌ).

(2)

وهذا هو مذهب ومنهج القائلين بعدم اعتبار الوجه والكفين من العورة للضرورة في كشفهما والتي أباحتها الشريعة ولهذا رجحوا عدم العورة، ومع ذلك لم يمنعهم ذلك من القول بتحريم كشفهما بدون سبب مبيح.

(3)

يقصد مثل الشاهد والقاضي والمتبايعين معها ونحوهم ممن كان له سبب مبيح لنظره إليها.

ص: 165

وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} : أن ذَلِكَ المستثنى هُوَ الْوَجْهُ وَالكفان، فَقَدْ وَافَقَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَذَا التَّأويلَ (1). وَمِمَّنْ ذَهَبَ إلى هَذَا التَّأويلِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ. كَمَا حَدَّثَنَا سليمان بْنُ شُعَيْبٍ بِذَلِكَ، عَنْ أبيهِ، عَنْ مُحَمَّدٍ. وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أبي حَنِيفَةَ (2) ، وَأبي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ، رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ) انتهى الطحاوي.

قوله: (النَّظَرُ لِلْخِطْبَةِ لَا لِغَيْرِ ذَلِكَ، فَذَلِكَ نَظَرٌ بِسَبَبٍ هُوَ حَلَالٌ) أرأيت الطحاوي كيف علل النظر بشرط سبب مباح، وهو النكاح ولم يقل أن الأصل جواز أن تكشف المرأة عن وجهها لأن الوجه عندنا ليس بعورة، ولدليل الخثعمية وسفعاء الخدين وغير ذلك مما يقوله أهل السفور اليوم، لتعرف أن عبارة ليسا بعورة لا تعني عندهم جواز كشفهما على كل حال وبدون سبب مبيح، وتأمل كيف ناقش المحرمين لنظر الخاطب لمن أراد تزوجها، وهذا في زمنهم ثم يقال أن أبا حنيفة كان قبلهم يقول بجواز أن تخرج المرأة كاشفة عن وجهها للعموم الناس، هل تصدق مثل هذا الكلام ثم لا يوجد من أولئك أحد يرد عليه؟ وهم في الخاطب عقدوا له كل هذه المناظرة والمناقشة لبيان أنه إنما

(1) يقصد ما ذكره من أحاديث الباب في جواز نظر الخاطب، وأنظر كيف أنه وبعد كلامه السابق استشهد بالآية الكريمه في جواز تحديد النظر للوجه والكفين عند وجود السبب المبيح وليس على كل حال.

(2)

وهذا ما يبين لك قول الإمام أبي حنيفة النعمان.

ص: 166

كان لسبب مبيح مع أن الأحاديث نص في الجواز، فكيف بمن يريدون تكشفها لعموم الناس أجمعين؟ .

لماذا لم يذكر الطحاوي أدلة أبي حنيفة في جواز السفور؟ وللأسف ينقل أهل السفور كلاماً مبتورا من نصوص الإمام الطحاوي يستدلون به وكأنه يقول بمذهب السفور ومن ذلك قوله: (أبيح للناس أن ينظروا إلى ما ليس بمحرّم عليهم من النساء إلى وجوههن وأكفهن وحرم ذلك عليهم من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى)(1) انتهى. وهو يقصد ما قاله البعض من خصوصية أمهات المؤمنين في عدم جواز النظر إلى شخوصهن ولو كن مستترات، ولا لوجوههن ولو لحاجة من شهادة ونحوها كما هو جائز لغيرهن من النساء، كما سيأتي معنا مفصلا في مبحث الخصوصية.

2 -

وكذلك ذكر القرطبي (ت: 671 هـ) المالكي نفس الأمر وهو كراهة البعض النظر للمخطوبة وذلك عند قوله تعالى: {لايحل لك النساء ولا أن تبدل بهن} [الأحزاب 52].

فقال: (في هذه الآية دليل على جواز أن ينظر الرجل إلى من يريد زواجها. وقد أراد المغيرة بن شعبة زواج امرأة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"انظر إليها فإنه أجدر أن يؤدم بينكما". وقال عليه السلام لآخر: "انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئا" أخرجه الصحيح. قال الحميدي وأبو

(1) شرح معاني الآثار (2/ 392) انظر: الرد المفحم (ص 34).

ص: 167

الفرج الجوزي. يعني صفراء أو زرقاء. وقيل رمصاء. الأمر بالنظر إلى المخطوبة إنما هو على جهة الإرشاد إلى المصلحة، فإنه إذا نظر إليها فلعله يرى منها ما يرغبه في نكاحها، ومما يدل على أن الأمر على جهة الإرشاد ما ذكره أبو داود من حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل» . فقوله: «فإن استطاع فليفعل» لا يقال مثله في الواجب (1). وبهذا قال جمهور الفقهاء مالك والشافعي والكوفيون وغيرهم وأهل الظاهر. وقد كره ذلك قوم لا مبالاة بقولهم، للأحاديث الصحيحة) انتهى كلام القرطبي.

قوله: (وقد كره ذلك قوم لا مبالاة بقولهم) وصدق رحمه الله لا مبالاة بقولهم لأنها مصادمة لنصوص القرآن والسنة في جواز أن ينظر الخاطب لمن أراد خطبتها، ولكن أليس الغريب أن ينقل لنا قول من لا مبالاة بقولهم ممن كرهوا نظر الخاطب للمخطوبة ولا ينقل لنا قول أبي حنيفة ومالك ورواية عن الشافعي وأحمد في جواز خروج النساء مكشوفات الوجوه بلا سبب من خاطب ولا غيره، وكما ينسبه إليهم دعاة السفور؟ فلو كانت النساء يخرجن مكشوفات في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يقول الألباني غفر الله لنا وله، لو كان الأمر كذلك هل سيتطرق في ذهن من بعدهم من أولئك المانعين أن نظر الخاطب يعد مكروها

(1) معناه لو أراد الزواج من غير أن ينظر للمرأة كما أرشده الشارع فله ذلك، فليس أمر الشارع بالنظر للمخطوبة واجب لقوله:«فإن استطاع فليفعل» وهذا إرشاد صارف الأمر عن الوجوب والحتم.

ص: 168

أصلاً وهل كان أبو حنيفة وغيره ممن يقولون أن الوجه ليس بعورة سيسكتون عنهم أم أنهم سيؤلفون (الرد المفحم) و (جلباب المرأة المسلمة)(1)، وغير ذلك لبيان السنة والمستحب، ومن كشفت من فضليات الصحابيات؟ وهل الطحاوي وهو من المتقدمين جداً ومن أئمة الأحناف الكبار والقرطبي المالكي أو أي أحد غيرهم من الذين ذكروا من (لا مبالاة بقولهم)، غاب عنهم أن يذكروا سنة ومستحب المصطفى صلى الله عليه وسلم وقول الإمامين الجليلين أبو حنيفة ومالك ومن وافقهم؟ والنساء كما زعم الشيخ سافرات كما فهمه من حديث الخثعمية وسفعاء الخدين وغيرهما، فكيف نصدق هذه الشبه؟ ورسول الله يقول:(فإن استطاع فليفعل)(انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئا)(انظر إليها فإنه أجدر أن يؤدم بينكما)(أنظرت لها؟ فَقُلْت: لا).

القوم يريدون أن يتزوجوا ويدخلوا على نساء لم يرونهن أبداً، أما كان في النساء كاشفات غيرهن؟ أم أن الجميع جهلوا أن ستر الوجه ليس واجب وإنما هو سنة ومستحب؟ ألهذه الدرجة كانوا متشددين (2)، ولم يعلموا بمثل تلك العبارات الرنانة من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وأقواله والقرآن الذي نزل عليه ثم يقول لهم:(فإن استطاع فليفعل)(انظر إليها)(أنظرت لها فَقُلْت: لا)، اللهم رحماك بنا.

(1)(الرد المفحم) و (جلباب المرأة المسلمة) كتابان من تأليف الشيخ الألباني رحمه الله.

(2)

وهذا عنوان لكتاب الشيخ الألباني أسماه (الرد المفحم على من خالف العلماء وتشدد وتعصب وألزم المرأة بستر وجهها وكفيها وأوجب، ولم يقتنع بقولهم: أنه سنة ومستحب).

ص: 169

3 -

وقال النووي رحمه الله معقباً على ما ساقه مسلم من أحاديث النظر إلى المخطوبة -: (وفيه استحباب النظر إلى وجه من يريد تزوجها وهو مذهبنا ومذهب مالك وأبي حنيفة وسائر الكوفيين وأحمد وجماهير العلماء. وحكى القاضي عن قوم كراهته، وهذا خطأ مخالف لصريح هذا الحديث ومخالف لإجماع الأمة على جواز النظر للحاجة عند البيع والشراء والشهادة ونحوها)(1).

وأنظر لقوله: (لإجماع الأمة على جواز النظر للحاجة) فلا تعرف الأمة على أختلاف مذاهبها النظر للنساء بلا حاجة من سبب مبيح، وإلا لما ذكروا أمثلة (عند البيع والشراء والشهادة ونحوها).

ولهذا تفهم أن قول بعضهم أن الوجه ليس بعورة إنما هو عندهم للتدليل على جواز كشفه عند الضرورة والحاجة وردا على من منعه بحجة كونه عورة.

5 -

قال الوزير بن هبيرة (ت: 560 هـ) رحمه الله: (واتفقوا على أن من أراد تزوج امرأة فله أن ينظر منها ما ليس بعورة)(2).

أي الوجه والكفان وأما غيرهما ففيه خلاف مشهور ومعروف ولو كان مكشوفا للخاطب هل سيتفقون على (أن ينظر منها ما ليس بعورة).

(1) انظر: صحيح مسلم بشرح النووي (9/ 210).

(2)

الإفصاح عن معاني الصحاح في الفقه على المذاهب الأربعة لابن هبيرة (2/ 111).

ص: 170

6 -

المنتقى شرح الموطأ للإمام مالك - مالكي - في كلامه عن العيوب في المرأة والشهادة عليها:

(فَصْلٌ): (وإن كان مِمَّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ كَالْعُيُوبِ تَكُونُ فِي جَسَدِ المرأة أو أحد فَرْجَيْهَا، فإن كان فِي جَسَدِهَا فَقَدْ اختلف فِيهِ فَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أن مَا تَحْتَ الثِّيَابِ مِنْ الْعُيُوبِ يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ امرأتين، وَقَالَ سَحْنُونٌ: مَا كان فِي الْجَسَدِ بُقِرَ عَنْهُ فَنَظَرَ إليه الرِّجَالُ وَمَا كان فِي أحد الْفَرْجَيْنِ شَهِدَ فِيهِ النِّسَاءُ وَجْهُ الْقَوْلِ الأول أنهُ مَوْضِعٌ مُنِعَ الرِّجَالُ مِنْ النَّظَرِ إليه فَجَازَ أن تُقْبَلَ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ كَالْفَرْجَيْنِ، وَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٌ أن الْجَسَدَ وإن كان عَوْرَةً فَهِيَ عَوْرَةٌ مُخَفَّفَةٌ فَجَازَ أن يَنْظُرَ إليها الرِّجَالُ لِلضَّرُورَةِ كَمَا يَنْظُرُونَ إلى وَجْهِهَا لِلضَّرُورَةِ) انتهى.

قوله: (كَمَا يَنْظُرُونَ إلى وَجْهِهَا لِلضَّرُورَة) ومثله لا يحتاج لتعليق.

7 -

أحكام القرآن للجصاص من أعمدة متقدمي الأحناف وإمام الحنفية في بغداد (ت: 370 هـ).

قال عند تفسيره لآية الرخصة:

(قَوْله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] إنمَا أراد بِهِ الأجنبيين دُونَ الزَّوْجِ وَذَوِي المحارم؛ لأنهُ قَدْ بَيَّنَ فِي نَسَقِ التلاوة حُكْمَ ذَوِي المحارم فِي ذَلِكَ (1). وَقَالَ أصحابنا: المراد الْوَجْهُ وَالكفان؛ لأن الْكُحْلَ زِينَةُ الْوَجْهِ وَالخضاب وَالخاتم زِينَةُ الْكَفِّ، فَإذ قَدْ أباح النَّظَرَ إلى

(1) يقصد فيما جاء بعدها في النهي الثاني: {ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو

} [النور: 31].

ص: 171

زِينَةِ الْوَجْهِ وَالْكَفِّ فَقَدْ اقْتَضَى ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ إباحة النَّظَرِ إلى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ (1). وَيَدُلُّ عَلَى أن الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ مِنْ المرأة لَيْسَا بِعَوْرَةٍ أيضا أنهَا تُصَلِّي مَكْشُوفَةَ الْوَجْهِ وَاليدَيْنِ، فَلَوْ كانا عَوْرَةً (2)، لَكان عَلَيْهَا سَتْرُهُمَا كَمَا عَلَيْهَا سَتْرُ مَا هُوَ عَوْرَةٌ (3)؛ وَإذا كان كَذَلِكَ جَازَ لِلْأجنبي أن يَنْظُرَ مِنْ المرأة إلى وَجْهِهَا وَيَدَيْهَا بِغَيْرِ شَهْوَةٍ، فإن كان يَشْتَهِيهَا إذا نَظَرَ إليها جَازَ أن يَنْظُرَ لِعُذْرٍ مِثْلَ أن يُرِيدَ تَزْوِيجَهَا أو الشَّهَادَةَ عَلَيْهَا أو حَاكِمٌ يُرِيدُ أن يَسْمَعَ إقْرَارَهَا.

وَيَدُلُّ عَلَى أنهُ لَا يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ إلى الْوَجْهِ لِشَهْوَةٍ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم لِعَلِيٍّ: «لا تُتْبِعْ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فإن لَك الأولى وَلَيْسَ لَك الآخرة» وَسَأَلَ جَرِيرٌ رَسُولَ صلى الله عليه وسلم عَنْ نَظْرَةِ الْفُجَاءَةِ فَقَالَ: «اصْرِفْ بَصَرَك» وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْوَجْهِ وَغَيْرِهِ، فَدَلَّ عَلَى أنهُ أراد النَّظْرَةَ بِشَهْوَةٍ؛ وإنما قَالَ:«لَك الأولى» ؛ لأنهَا ضَرُورَةٌ «وَلَيْسَ لَك الآخرة» ؛ لأنهَا اختيار. وإنما أباحوا النَّظَرَ إلى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وَإن خَافَ أن يَشْتَهِيَ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الأعذار لِلاثار الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ، مِنْهَا: مَا رَوَى أبو هُرَيْرَةَ «أن رَجُلا أراد أن يَتَزَوَّجَ امرأة مِنْ الأنصار، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: انظر إليها فإن فِي أعين الأنصار شَيْئًا يَعْنِي الصِّغَرَ» .

(1) وهذا ما ذكرناه سابقا (صـ 124) عند بيان تفسير الصحابة أنه في حالة جاز نظر الأجنبي للوجه والكفين، فمن باب أولي جاز ما فيهما من زينة في ذلك الوقت كالكحل والخضاب لأنه يشق نزع الزينة المكتسبة عن زينتها الخلقية.

(2)

أي خارج الصلاة، ولهذا كان أحد الأسباب في أنهم لم يعدونهما من العورة. لأنهم يقولون كيف يكون عورة وتكشفه في صلاتها ولا تبطل بكشفه.

(3)

أي في الصلاة.

ص: 172

وَرَوَى جَابِرٌ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «إذا خَطَبَ أحدكُمْ فَقَدِرَ عَلَى أن يَرَى مِنْهَا مَا يُعْجِبُهُ وَيَدْعُوهُ إليها فَلْيَفْعَلْ) وَرَوَى مُوسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أبي حُمَيْدٍ وَقَدْ رأى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إذا خَطَبَ أحدكُمْ المرأة فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أن يَنْظُرَ إليها إذا كان إنمَا يَنْظُرُ إليها لِلْخِطْبَةِ» (1) وَرَوَى سليمان بْنُ أبي حَثْمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ.

وَرَوَى عَاصِمُ الأحْوَلُ عَنْ بُكَيْر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ المغيرة بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: «خَطَبْنَا امرأة فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: نَظَرْت إليها؟ فَقُلْت: لا، فَقَالَ: انظر فإنه لَأَجْدَرُ أن يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا» .

فَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ النَّظَرِ إلى وَجْهِهَا وَكَفِّهَا بِشَهْوَةٍ إذا أراد أن يَتَزَوَّجَهَا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أيضا قَوْلُهُ:{لَا يَحِلُّ لَك النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَك حُسْنُهُنَّ} وَلا يُعْجِبُهُ حُسْنُهُنَّ إلا بَعْدَ رُؤْيَةِ وُجُوهِهِنَّ. وَيَدُلُّ عَلَى أن النَّظَرَ إلى وَجْهِهَا بِشَهْوَةٍ مَحْظُورٌ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «العينان تزنيان وَاليدان تزنيان والرجلان تزنيان وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ الْفَرْجُ أو يُكَذِّبُهُ» . وَقَوْلُ ابن مَسْعُودٍ فِي أن مَا ظَهَرَ مِنْهَا هُوَ الثِّيَابُ لا مَعْنَى لَهُ لأنهُ مَعْلُومٌ أنهُ ذَكَرَ الزِّينَةَ وَالمراد الْعُضْوُ الَّذِي عَلَيْهِ الزِّينَةُ، ألا ترى أن سَائِرَ مَا تَتَزَيَّنُ بِهِ مِنْ الْحُلِيِّ وَالْقُلْبِ وَالخلخال وَالْقِلَادَةِ يَجُوزُ أن تُظْهِرَهَا لِلرِّجَالِ إذا لَمْ تَكُنْ هِيَ لابِسَتُهَا؟ فَعَلِمْنَا أن المراد مَوْضِعُ الزِّينَةِ كَمَا قَالَ فِي نَسَقِ التلاوة بَعْدَ هَذَا:{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا لِبُعُولَتِهِنَّ} وَالمراد مَوْضِعُ الزِّينَةِ، فَتَأويلُهَا عَلَى الثِّيَابِ لَا مَعْنَى لَهُ؛ إذ كان مَا يَرَى الثِّيَابَ

(1) قوله: (فلا جناح .. لِلْخِطْبَةِ) فلو بدون خطبة ولا سبب مبيح فهو جنحة.

ص: 173

عَلَيْهَا دُونَ شَيْءٍ مِنْ بَدَنِهَا كَمَا يَرَاهَا إذا لَمْ تَكُنْ لابِسَتَهَا) انتهى كلام الإمام الجصاص.

قوله: (فَإذ قَدْ أباح النَّظَرَ إلى زِينَةِ الْوَجْهِ وَالْكَفِّ)(جَازَ لِلاجنبي)(لا يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ إلى الْوَجْهِ لِشَهْوَةٍ)(فَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ النَّظَرِ إلى وَجْهِهَا وَكَفِّهَا بِشَهْوَةٍ إذا أراد أن يَتَزَوَّجَهَا)(وَيَدُلُّ عَلَى أن النَّظَرَ إلى وَجْهِهَا بِشَهْوَةٍ مَحْظُورٌ) وعباراته في كلامه كلها تدل على أن الأصل ستر الوجه والكفين، وإلا ما الفائدة بقوله أباح وعدم الجواز ومَحْظُور والوجه مكشوف أصلا، فالآية دلت على الرخصة في الإباحة والجواز وتقيده (إذا أراد أن يَتَزَوَّجَهَا) وانظر صيغة المفرد (للأجنبي) ولم يأت بأدلة السفور اليوم لأنه لا يدري ما سفور؟ وإنما هو يتكلم في آية الرخصة المجمع عليها كما سيأتي معنا بمشيئة الله تعالى، ثم أراد تحديد ما يظهر منها للأجنبي الذي جاز نظره لها وهو (الوجه والكفان) غالبا، فاستدل بالقياس على ذلك القدر الذي يظهر للخاطب وللأجنبي بما يظهر من المرأة في صلاتها، ولأنه ليس بعورة عندهم فجاز بسبب تعامل أو تعاقد أو شهادة، أن ينظر لهذا القدر فقط، وبشرط بغير شهوة، أما لو اشتهى وأمكن نظر غيره لم يجوزوا نظره بشهوة، إلا لعذر أقوى.

لأنه لو ترك النظر في مثل بعض تلك الأحوال كونه يَشتهى لتعطلت مصالح وأحوال، فمثل الراغب للزواج كيف سيقبل بالمخطوبة إن لم يشتهيها ويعجب بها، وكذلك القاضي أو الشاهد لو تركوا النظر بتلك الحجج التي لا يسلم منها أحد لتعطلت مصالح وأحوال وحقوق، ولهذا فرقوا بين الشاهد يشهد تحملا للشهادة أي ابتداء أو يشهد أداء لما سبق

ص: 174

وتحمله من شهادة، فالأول الراجح عندهم المنع لأنه بالإمكان شهادة غيره ممن لا يشتهي، بعكس الثاني رجحوا جواز نظره ولو اشتهى لعدم الإمكان أن ينوب عنه أحد، ولهذا بين المصنف ذلك فتأمله، وسيأتي معنا الكثير من أقوال غيره.

ومثل هذه الأقوال استدل بها دعاة السفور فأخذوا أقوال الأئمة في جواز نظر الأجنبي أو الشاهد أو الخاطب بشرط (عدم خشية الفتنة والشهوة) حال الرخصة والحاجة، أو قول بعضهم الوجه ليس بعورة وقالوا هذه أدلتهم على السفور.

ولأن الجصاص من المتقدمين جدا ولم يكن في باله أنه سيأتي من يحرف ويبدل في مثل هذه الفريضة العظيمة من ستر النساء لوجوههن لهذا اكتفوا قديما بتفسير آيات الرخصة في مكانها بقدر حاجتهم ومعرفتهم لمعناها ولمعرفتهم بأسباب النزول والمتقدم من المتأخر من الآيات.

ولكن قد يكون لدي البعض شيء من الشك في ما نقلناه عنه، ولهذا سننقل لكم كلامه في ثلاثة مواضع أخرى كمثال واحد فقط حتى لا نطيل ولكي تعرفوا مقصده وخطر بتر كلام العلماء.

8 -

فقال الجصاص - الحنفي - عند قوله تعالى: {وَالقواعد مِنْ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا

} [النور: 60]. (قَالَ أبو بَكْرٍ: لا خِلَافَ فِي أن شَعْرَ الْعَجُوزِ عَوْرَةٌ لا يَجُوزُ لِلأجنبي النَّظَرُ إليه كَشَعْرِ الشَّابَّةِ وَأنهَا إن صَلَّتْ مَكْشُوفَةَ الرأس كانت كَالشَّابَّةِ فِي فَسَادِ صَلَاتِهَا، فَغَيْرُ جَائِزٍ أن

ص: 175

يَكُونَ المراد وَضْعَ الخمار بِحَضْرَةِ الأجنبي. فإن قِيلَ: إنمَا أباح اللَّهُ تعالى لَهَا بِهَذِهِ الآية أن تَضَعَ خِمَارَهَا فِي الخلوة بِحَيْثُ لا يَرَاهَا أحد. قِيلَ لَهُ: فَإذا لا مَعْنَى لِتَخْصِيصِ القواعد بِذَلِكَ؛ إذ كان لِلشَّابَّةِ أن تَفْعَلَ ذَلِكَ فِي خَلْوَةٍ، وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أنهُ إنمَا أباح لِلْعَجُوزِ وَضْعَ رِدَائِهَا بَيْنَ يَدَيْ الرِّجَالِ بَعْدَ أن تَكُونَ مُغَطَّاةَ الرأس، وَأباح لَهَا بِذَلِكَ كَشْفَ وَجْهِهَا وَيَدِهَا؛ لأنهَا لا تُشْتَهَى، وَقَالَ تعالى: } أن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ} فَأباح لَهَا وَضْعَ الْجِلْبَابِ وَأخبر أن الاسْتِعْفَافَ بألا تَضَعَ ثِيَابَهَا أيضا بَيْنَ يَدَيْ الرِّجَالِ خَيْرٌ لَهَا) انتهى كلام الجصاص.

قوله (للأجنبي)(وَأباح) لاحظ الجصاص بنفس العبارة والأسلوب السابق للإمام الطحاوي عندما تكلم في تفسير قوله تعالى: {إلا ما ظهر منها} لأن تلك رخصة وهذه رخصة، وهما حنفيان يتكلمان بنفس المنهج والتأصيل المذهبي.

قوله (صَلَّتْ مَكْشُوفَةَ الرأس) تأمل كيف استدل لرخصة العجوز فيما يجوز أن تكشفه للأجنبي بما يظهر في صلاتها وهذا هو التقعيد عندهم في ما هو عورة لا يجوز كشفه وهو ما سوى الوجه والكفين، ولهذا رد بأن شعرها عورة لأنه لا يظهر في الصلاة، وهو نفس القياس لتحديد قدر الزينة في الرخصة للشابة عند كلامهم على قوله تعالى:{إلا ما ظهر منها} لتعلم أنهم يتكلمون في آيات متأخرة جاءت تفصيلا بعد إجمال

ص: 176

ورخصة لما يظهر عند الأجنبي سواء للشابات أو العجائز فأرادوا تحديد ما يظهر حتى لا يتساهل الناس في الأخذ بالرخص الغالبة.

قوله: (وَأباح لَهَا بِذَلِكَ كَشْفَ وَجْهِهَا وَيَدِهَا لأنهَا لا تُشْتَهَى) وكلامه واضح في أن غير القواعد لا يباح لهن كشف الوجه واليدين لأنه بطبع الخلقة يُشتهين، وهذا والجصاص من أئمة الأحناف القائلين أن الوجه والكفين ليسا بعورة. ولنا هنا تساؤلات هل هؤلاء يتكلمون في الآيات المشرعة للحجاب المبينة لوصفه كما يدعيه أهل السفور اليوم؟ فإذا كان هذا في رخصة العجوز تغطي رأسها كما يريده أهل السفور للنساء الشابات اليوم، فما هو الأصل للشابة والرخصة للعجوز؟ ! أليس ستر الوجه؟ الجواب ظاهر كالشمس قوله:(أباح لها بذلك كشف وجهها ويديها لأنها لا تشتهى) فما معناه عند الأحناف بالنسبة للشابات أليس أنه في الأصل مُغطى، غيرُ مكشوفٍ وأبيح كشفه للعجوز؟ .

ولتتأكد أكثر قبل نسبة شيء لإمام من الأئمة انظر كلامه في موضع آخر. ففي أول الآيات نزولاً في شأن الحجاب وعند قوله تعالى: {وَإذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وراء حِجَابٍ} [الأحزاب: 53].

9 -

قال الإمام الجصاص: (تضمن حَظْرَ رؤية أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وبيَّن به أن ذلك أطهر لقلوبهم وقلوبهن؛ لأن نَظَرَ بعضهم إلى بعض ربما حدث عنه الميل والشهوة، فقطع الله بالحجاب الذي أوجبه هذا السبب (1).

(1) وهذه هي علة الأمر بالحجاب والحظر عند من لم يقل بالعورة وهي الفتنة والشهوة.

ص: 177

قوله تعالى: {وَمَا كان لَكُمْ أن تُؤْذُوا رَسُولَ الله} يعني ما بيَّن في هذه الآية من إيجاب الاستئذان وتَرْكِ الإطالة للحديث عنده والحجاب بينهم وبين نسائه. وهذا الحكم وإن نزل خاصّاً في النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه فالمعنى عام فيه وفي غيره، إذ كنّا مأمورين باتباعه والاقتداء به إلا ما خصه الله به دون أمته) انتهى.

ولتتأكد أكثر انظر قوله في الآية بعدها.

10 -

قال الإمام الجصَّاص عند آية الإدناء:

(قال أبو بكر: في هذه الآية دلالة على أن المرأة الشابة مأمورة بسَتْرِ وجهها عن الأجنبيين وإظهار الستر والعفاف عند الخروج لئلا يطمع أهل الريب فيهن. وفيها دلالة على أن الأمة ليس عليها سَتْرُ وجهها وشعرها؛ لأن قوله تعالى: {وَنِسَاءِ المؤمنين} ظاهره أنه أراد الحرائر، وكذا رُوي في التفسير، لئلا يكنَّ مثل الإماء اللاتي هنّ غير مأمورات بستر الرأس والوجه، فجعل الستر فرقاً يعرف به الحرائر من الإماء. وقد رُوي عن عمر أنه كان يضرب الإماء ويقول: اكشفن رؤوسكنّ ولا تَشَبَّهْنَ بالحرائر) انتهى كلام الجصاص.

أليس هو من قال في السابق: (وَيَدُلُّ عَلَى أن الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ مِنْ المرأة لَيْسَا بِعَوْرَةٍ أيضا أنهَا تُصَلِّي مَكْشُوفَةَ الْوَجْهِ وَاليدين).

فهل قولهم بأن الوجه والكفين ليسا من العورة منعهم من أن يقولوا بالأمر بوجوب سترهما عن الرجال الأجانب؟ .

ص: 178