الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"كتاب النكاح": (لأن المخالفين لَنَا هَهُنَا بِأَهْوَائِهِمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أنهُ لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلى زِينَةِ شَعْرِ الْعَجُوزِ السَّوْدَاءِ الْحُرَّةِ وَلَعَلَّ النَّظَرَ إليها يَقْذِي الْعَيْنَ وَيُمِيتَ تَهْيِيجَ النَّفْسِ، وَيُجِيزُونَ النَّظَرَ لِغَيْرِ لَذَّةٍ (1) إلى وَجْهِ الْجَارِيَةِ الْجَمِيلَةِ الْفَتَاةِ وَيَدَيْهَا) انتهى.
ولهذا فنقلهم كلام ابن حزم السابق عليهم لا لهم لو كانوا يعقلون وليس في صالحهم نقله لو كانوا يعلمون، وما مثلهم في نقل كلام أهل العلم إلا كحاطب ليل فقد يجمع ما يضره، وهم يدعون إلى تبرج وسفور النساء وابن حزم يدعو حتى لتستر الإماء، فلماذا هذا الخلط والعجن والكلام فيما لا يحسنونه من أقوال أهل العلم ومناهجهم ألا يتقون الله ويتثبتون مما ينقلونه فيفسدوا كلام العلماء بمثل هذا البتر والإيهام، وقد مر معنا الكثير مما لحق كلام المتقدمين من تحريف وتبديل وتصحيف.
معنى الجلابيب عند الإمام ابن حزم موافق لإجماع أهل العلم:
والمفيد هنا أن نعلم معنى الجلابيب عند ابن حزم لنعرف هل يقصد منها أنها تستر الجسم كله إلا الوجه والكفين كما يقوله أهل السفور اليوم؟ أم أنها تعنى عنده سترها لجميع الجسم بلا استثناء كما هو عليه إجماع الصحابة والمفسرين وأهل العلم؟ وأترك الجواب له رحمه الله تعالى حيث يقول في المحلى من "كتاب الصلاة": (قال علي: وهذا أمر
(1) وقوله (لِغَيْرِ لَذَّة) لأنهم متفقون على تحريم النظر بلذة ولو للجارية. وبعضهم قال ولو لحاجة.
بِلُبْسِهِنَّ الجلابيب لِلصَّلَاةِ وَالْجِلْبَابُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ التي خَاطَبْنَا بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ مَا غَطَّى جَمِيعَ الْجِسْمِ لَا بَعْضَهُ) انتهى.
ولهذا أتى بعده بأدلة في كشفهن للوجه والكفين وأنهما ليستا بعورة فيجوز استثناؤهما حال الصلاة وعند الخاطب والشاهد وغيرها من الرخص كما قال هو وكما عليه الإجماع في تفسير الآية الكريمة، وبهذا يكون (مخرجاً) كما قال وأراد من كون الجلابيب تستر الجسم كله، فهل دعاة السفور اليوم يقولون في تعريف الجلباب بقوله وأنه يستر الجسم كله؟ وهل فهموا ما فهمه المتقدمون من حديث أسماء والخثعمية؟ .
ولهذا جاء بعد ذلك بحديث الخثعمية وصلاة العيد حين إلقاء النساء صدقاتهن من أكفهن، لأنه ظاهري لا يأخذ بالقياس ليدلل أن الوجه والكفين ليسا بعورة ليخرجهما في غير أحوالها العادية بمعنى يجوز كشفهما في الصلاة وخارج الصلاة عند الضرورة كما قال وبينه مرارا: (وَلَا يَحِلُّ لأحد أن يَنْظُرَ مِنْ أجنبيةٍ لَا يُرِيدُ زَوَاجَهَا أو شِرَاءَهَا إن كانت أمةً لِتَلَذُّذٍ إلا لِضَرُورَةٍ
…
وَأما فِي غَيْرِ ذَلِكَ، فَالْوَجْهُ وَالكفان كَمَا قَدَّمْنَا آنفا عِنْدَ الشَّهَادَةِ عَلَيْهَا أو لَهَا أو مِنْهَا
…
فَذَكَرَ اللَّهُ عز وجل فِي هَذِهِ الآية: زِينَتَهُنَّ زِينَةً ظَاهِرَةً تُبْدَى لِكُلِّ أحد وَهِيَ الْوَجْهُ وَالكفان عَلَى مَا بَيَّنَّا فَقَطْ) والذي بينه فقط (وَأما فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَالْوَجْهُ وَالكفان كَمَا قَدَّمْنَا آنفا عِنْدَ الشَّهَادَةِ عَلَيْهَا أو لَهَا أو مِنْهَا) وقوله: (إلا أنهُ لَا يَحِلُّ لأحد أن يَتَعَمَّدَ النَّظَرَ إلى شَيْءٍ مِنْ امرأة لَا يَحِلُّ لَهُ: لَا الْوَجْهَ وَلَا غَيْرَهُ، إلا لِقِصَّةٍ تَدْعُو إلى ذَلِكَ، لَا يُقْصَدُ مِنْهَا مُنْكَرٌ بِقَلْبٍ أو بِعَيْنٍ)
وبهذه الأدلة التي ذكرها كحديث الخثعمية وصلاة العيد وجد (مخرجاً) للوجه والكفين عن معنى الجلابيب التي تستر كامل الجسم في الصلاة وخارجها عند الضرورة من نظر شاهد أو خاطب أو نحوه كما قال، فهل لو كان يرى في دين الله خروج المرأة سافرة عن وجهها سيقول مثل هذا الكلام ويدلل بما قاله ليجد (مخرجاً) لعورة المرأة لأن تكشف وجهها وكفيها في الصلاة وعند الضرورة من شهادة ونكاح؟ لتعلم أن السبب من إيراده الحديث عن الجلابيب في "كتاب الصلاة" عند باب ستر عورة المرأة في الصلآة، وكذلك في "كتاب النكاح" عند نظر الخاطب، إنما ليبين أن الوجه والكفين ليسا بعورة فيجوز ظهورهما في الصلاة وخارجها عند الضرورة، ومن هنا بين عورة الأمة وأنها كعورة الحرة فعليها لبس الجلباب في الصلاة وخارجها خلافا لقول عامة أهل العلم.
فسبحان الله! ابن حزم يغضب ويشتد خلافه في مسألة جزئية ومعينة لا علاقة لها بموضوعنا وهي فيمن ميز بين الحرائر والإماء عند كلامهم على آية الإدناء فخالفهم، لأنه يوجب على الإماء بذلك ما أوجبه غيره على الحرائر من لبس الجلابيب في الصلاة وخارجها، فيأتي هؤلاء عن جهل أو عمد ويوهمون الناس أن ابن حزم يرد ويهجم على القائلين بستر المرأة لوجهها، فالمتقدمون عندما حددوا القدر الظاهر من المرأة في الصلاة والرخصة كما في قوله تعالى:{إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} بالوجه والكفين قياساً (لأنه هو ما يظهر في صلاتها إجماعاً) ولأنه (ما يظهر عادة وعبادة) ولأنهما (ليسا بعورة) ولحديث أسماء الذي هو قياس
أيضا، لأنه لا علاقة له بالصلاة، ولأن ابن حزم ظاهري لا يقبل بالقياس ولا بالحديث الضعيف أو البعيد عن معنى الباب لهذا استدل بحديث الخثعمية وبحديث صلاة العيد الصحيحين فقط، وقال أن فيهما كشف للوجه والكفين ليكونا (مخرجاً) كما قال من معنى الجلابيب التي هي لستر الجسم كله، فإن جاز له ذلك للاستدلال به على أمر جائز إجماعا وهو ظهور الوجه والكفين في الصلاة وعند الشهادة والخاطب والحاجة لنزع الحُلي من أكفهن للتصدق بها فهذا يمكن وهو على فرض أن كان ذلك أمام أحد من الرجال، والخثعمية كان معلوماً عندهم على فرض أنها كانت كاشفة عن وجهها أيضاً أن ذلك كان لسبب مبيح وهو عرضها من أبيها لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجاء أن يتزوجها كما قاله جمع من أهل العلم المتقدمين كما سبق معنا وسيأتي أيضاً، ولكن أن يفهموا منها ما يناقض ويخالف قوله الصريح الآخر ثم لا يبالون في الجمع بينهما.
قال صاحب كتاب "حراسة الفضيلة" الشيخ بكر أبو زيد عليه رحمه الله: (وإن من الخيانة في النقل نسبةَ هذا القول إلى قائل به مطلقاً غير مقيد لتقوية الدعوة إلى سفور النساء عن وجوههن في هذا العصر مع ما هو مشاهد من رقة الدين والفساد الذي غَشِيَ بلاد المسلمين) انتهى.
فمن البعيد أو قل من المستحيل أن لا يُنقل لنا طوال القرون الغابرة من الإسلام كتابٌ أو كلام أو سطر أو إشارة أو عبارة فضلاً عن مناظرة أو استدلال أو ترجيح أو مؤلف أو رد وبخاصة من ابن حزم الظاهري أو غيره من أئمة المذاهب الأربعة تدل على نزاع بينهم أو إنكار لمنكر أو تعريف بسنة ومستحب.
(المبحث السابع)
استدلالاتهم بالسنة على شبهاتهم