الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(المبحث السابع)
استدلالات أهل السفور بالسنة على شبهاتهم
وسأكتفي بذكر أشهر شبهاتهم لأن فيما ذكرته سابقا غنية في رد كثير مما يتوهمونه أدلة على السفور، أو لأن ما سنذكره بعد قليل مشابه لشبهاتهم الأخرى والله ولي التوفيق.
أولاً: حديث الفضل بن عباس ومخالفتهم لفهم السلف له:
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: (أردف صلى الله عليه وسلم الفضل بن عباس يوم النحر خلفه على عجز راحلته وكان الفضل رجلا وضيئاً فوقف النبي صلى الله عليه وسلم للناس يفتيهم وأقبلت امرأة من خثعم وضيئة تستفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفق الفضل ينظر إليها وأعجبه حسنها فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم والفضل ينظر إليها فأخلف بيده فأخذ بذقن الفضل فعدل وجهه عن النظر إليها فقالت: يا رسول الله إن فريضة الله في الحج على عباده أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستوي على الراحلة فهل يقضي عنه أن أحج عنه. قال: نعم) أخرجه البخاري وغيره.
الوجه الأول: في رد هذه الشبهة وهي عدم وجود ما ادعوه أصلا من كشف الوجه في الحديث:
أ- وهذه حقيقة ظاهرة فليس في الحديث ما يدل على دعواهم من أنها كانت كاشفة عن وجهها حتى يستدلوا به، ومجرد نظره لها أو العكس
أو قوله إنها حسناء أو جميلة أو صبيحة لا يدل على ما ادعوه بتاتاً، وهذا تجني واستدلال ظاهر البطلان سطحي الدلالة، فقد يجد المرء إحدى النساء المنقبات ويلحظ عليها علامات الجمال والحسن والقوام فتستهوي قلبه وهي في كامل الستر وهذا معلوم ومفهوم ألم تسمع قول القائل:
طافت أمامه بالركبان آونة
…
يا حسنها من قوام ما ومنتقبا
فهو قال إنها حسناء فهل نحكم بمجرد قوله هذا أنها كانت كاشفة عن وجهها؟ أم أنه يقصد قوامها وما يبدو له من خلف نقابها؟ أم أن قولهم هذا لأن النقاب ليس هو ما يعرفه الناس أنه يستر الوجه أم ماذا؟ ! .
وقول الآخر:
قل للمليحة في الخمار الأسود
…
أفسدت نسك أخي التقى المترهب
نور الخمار ونور وجهك تحته
…
عجبا لوجهك كيف لم يتلهب
وبالتالي فليس لهم حجة في هذا الحديث ولا بأي كلمة، في كون الخثعمية أو غيرها كانت كاشفة عن وجهها بتاتاً حتى يأتوا بالدليل المقنع للناس، وعليهم أن ينقبوا على شبهات غيرها، وبخاصة أن الكل يعلم أن نفوس البشر تتوق للنظر إلى النساء ولو من خلف العباءات والجلابيب، بل وحتى في النساء السافرات لشعورهن تجد إحداهن إذا رآها أحدهم من خلفها حكم عليها بأنها جميلة، فإذا تلفتت بوجهها لم
تكن كذلك، وبالتالي بطل استدلالهم من أساسه ومن كل وجه لعدم ورود ما ادعوه واحتجوا به أصلاً.
ويمكن إلى هنا أن نغلق الباب بخصوص هذه الشبهة، ونقول اتقوا الله في شرعه فهل جاء ما تقولونه من عموم السفور وبلا سبب عن أحد من السلف قبلكم؟ فحتى من قال من بعض المتقدمين إن الخثعمية كانت كاشفة عن وجهها لم يفهموا منه ما فهمتموه من السفور، وإنما استنتجوا منه على فرض كونها كانت كاشفة أمورا شرعية مباحة كجواز كشف المسلمات وجوههن عند الحاجة والفرق بينهن وبين حجاب أمهات المؤمنين اللاتي لا يجوز لهن الكشف لشهادة ونحوها، ولم يأتي عنهم بتاتاً أن في الحديث دليل على أن النساء كن في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرجن سافرات الوجوه.
ومع ذلك فلا بأس أن نورد بقية الاحتمالات القوية لتعلم مدى وهن وضعف ما استدلوا به من كل وجه من الوجوه، حتى لم يجدوا في شِرعتهم لفظة واحدة تدل على مذهبهم الباطل.
ب- ومما يدل على أن الخثعمية لم تكن كاشفة عن وجهها روايات الحديث العديدة من أن الفضل كان يلحظ النساء وينظر إليهن، وبالتالي لم يكن نظره مقتصرا عليها، بدليل أن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان الفضل بن عباس رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة، قال: فجعل الفتى يلحظ النساء وينظر إليهن، قال وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرف وجهه بيده من خلفه مرارا، قال وجعل الفتى يلاحظ إليهن، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ابن أخي أن هذا يوم من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه
غفر له) (1). فإذا عجزوا عن إثبات كون الخثعمية كانت كاشفة مع قربها من الفضل ورسول الله صلى الله عليه وسلم وسؤالها له ومع ذلك لم يقل أحد من رواة الحديث مع كثرة طرقه ورواياته المختلفة إنها كانت كاشفة فكيف بهم ليثبتوا أن غيرها من النساء كن كاشفات أمام الرجال؟ .
مع ما هو معروف ومفطور به الرجال بنص القران والسنة من الفتنة بحب النساء والميل لهن، وقد تكلم في ذلك أهل اللغة والشعر، وهذا وهن مستترات كما مر معنا بعض نصوصهم، ولهذا ذهب جمع من أهل العلم بالقول:(حَرُم النظر إلى المنقبة التي لا يبين منها غير عينيها ومحاجرها، أي ما دار بهما كما بحثه الأذرعي لا سيَّما إذا كانت جميلة)(2)، وكيف عرف أنها جميلة وهو يقول منقبة؟ ! لتعلم أن ما قصدوه من كون الخثعمية (حسناء) و (وضيئة) ونحو ذلك، هو كمثل هذا الفهم وهو ما يظهر على المرأة من دلائل الجمال في القوام والعيون من خلف النقاب والهيئة والشباب ونحو ذلك.
وهذا كاف لرد شبهاتهم ونسفها من أساسها، وسواء كانت هناك امرأة خثعمية أو أخرى غير الخثعمية أو هي نفسها أو ألف غيرها فكل ذلك
(1) قال محقق مسند أبي يعلى حسين سليم أسد: إسناده صحيح. وقال شعيب الأرناؤوط: في تعليقه على المسند إسناده ضعيف، وقال في إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة للبوصيري رواه أبو داود الطيالسي وابن خزيمة والطبراني والبيهقي وأبو يعلى وأحمد بن حنبل بإسناد صحيح.
(2)
فتح العلام بشرح مرشد الأنام (1/ 41) ونحوه في مغني المحتاج (3/ 129).