الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(محاورة)
حجة القائلين أن الوجه والكفين ليسا من العورة وأن ذلك لم يمنع من قولهم بوجوب ستره لعلة الفتنة والشهوة
فذهب فريق منهم كأبي حنيفة (1)، ومالك (2)، ورواية عند الشافعية (3) وبعض فقهاء الحنابلة، وغيرهم ممن وافقهم إلى أنه وإن فُرض على المرأة ستر وجهها وكفيها، فهذا لا إشكال فيه، إلا أنه لا يلزم منه أن يكون ذلك من العورة.
- فإذا سُئلوا وكيف لا يكون عورة وقد فرض عليها ستره؟
قالوا لأنه ليس كل ما أُمر بستره أو غض البصر عنه يلزم منه أن يكون من العورة.
- فإذا قيل لهم ولماذا عندكم المرأة كلها عورة إلا وجهها وكفيها لم تعدوهما من العورة؟
أجابوا: لم نقل أنهما عورة لعدة اعتبارات شرعية ولوازم تنتج في حال قولنا بذلك ومنها:
أ- أن الوجه والكفين ليسا بعورة عندنا، لأنه بالإجماع يجوز للمرأة أن تكشفهما في الصلاة، ولو قلنا أنهما من العورة، لقيل وكيف جاز لها كشفهما ولم تبطل صلاتها؟ .
(1) الإمام أبو حنيفة ولد سنة 80 هـ وتوفي 150 هـ.
(2)
الإمام مالك ولد سنة 93 هـ وتوفي 179 هـ.
(3)
الإمام الشافعي ولد سنة 150 هـ وتوفي 204 هـ.
ب- أن الوجه والكفين ليسا من العورة عندنا وذلك لأن الشريعة أباحة كشفهما للضرورة وهذا باجماع أهل العلم، حيث تستوجب الضرورة العفو عن كشفهما في كثير من الأحوال والظروف، كالتي ذكرها الفقهاء في كتبهم، مما لا بد لها معه من كشف وجهها أو كفيها، وقد جاءت النصوص العديدة من الكتاب والسنة بجواز ذلك في مثل تلك الضرورات فعلى سبيل العموم كقوله تعالى:{ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} وعلى سبيل الخصوص كالنصوص الواردة في حال الخاطب مع من أراد خطبتها، وإجماع أهل العلم على الجواز في مثل تلك الأحوال كالشهادة والتقاضي وعند التعاقدات في البيوع ونحو ذلك، ومثل ذلك مباح لها، فلا يمكن أن يعد من العورة؛ لأن المرأة تبتلى بكثرة اضطرارها لكشفهما، ولو قيل ذلك لتحرج الناس وامتنعوا منه، وقد حصل قديماً القول بالمنع بحجة (العورة) كمن منعوا الخاطب من رؤية من أراد خطبتها وإن كان رأياً وفهماً ضعيفاً نعلم أنه لا يقوله أغلب القائلين بعلة العورة.
ت- أن الوجه والكفين ليسا من العورة عندنا لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى المحرمة عن لبس القفازين والنقاب) ولو كانا عورة لما حرم سترهما ولأن الحاجة تدعو إلى إبراز الوجه للبيع والشراء وإلى إبراز الكف للأخذ والإعطاء فلم يناسب جعل ذلك كله عورة، وإن قلنا حرام كشفهما لعلة أخرى.
ث- أن الوجه والكفين ليسا من العورة عندنا، لأنه ليس على المرأة سترهما على كل حال كبقية جسدها، وإنما يجب سترهما عند وجود الرجال الأجانب، ممن تتحقق فيهم شروط وتنتفي عنهم موانع فلا يجب عليها الستر من الطفل الصغير ولا من محارمها من الرجال ولا من غير ذوي الإربة من الرجال، فنتفى عندهم كونه عورة.
فكما لا يجوز كشفها لوجهها إلا للضرورة، فكذلك لا يجب عليها تغطيته على كل حال، كما في بقية عورتها المغلظة ونحوها، فوجوب الستر هو عند وجود الرجال الأجانب فقط، ولهذا فلو كانت سائرة في طريقها، وعلمت خلوه من نظر أحدهم لها لم يجب عليها ستر وجهها عند كثير من أهل العلم وكان في حقها سنة ومستحب كما قاله القاضي عياض وغيره، ومثله لو كانت مع أحد محارمها من زوج أو نحوه في مكان خالٍ لا يراها الرجال فلا يجب عليها تغطية وجهها لمجرد خروجها.
- فإذا قيل لهم إذا لم يكن السبب عندكم فيما فرضه الله على النساء من ستر الوجه والكفين كونهما من العورة، فما هي العلة والمقصد للشارع من طلبه ذلك؟
قالوا: العلة عندنا هي الفتنة والشهوة فإن المرأة مظنة الفتنة والشهوة، ولهذا أمرن بستر وجوههن عن الرجال، وهذا أظهر وأقوى وأسلم من قول من قال العلة كونهما عورة.
وذلك لأمور ولوازم عندنا منها:
1 -
أن الفتنة والشهوة متفق عليها بين أئمة المذاهب الأربعة على خشية الوقوع فيهما، وتحريم كل الوسائل التي تؤدي إليهما تحريماً قطعياً، ولهذا كانا هما الظاهر من مقصد الشارع من فرض ستر الوجه والكفين وما دونهما من سائر زينة النساء، ومن عطرهن وضربهن بأرجلهن وخضوعهن بالقول عند الرجال الأجانب، وفي حالة ما أبيح في الأعذار والرخص لأن تبدي المرأة شيئا من زينتها، فإنه إذا ما خشيت الفتنة أو الشهوة، بقي الحكم على حاله ولم يجز النظر إليهما، ولو لحاجة أو ضرورة، وبهذا يكون قولنا من أن العلة هي الفتنة والشهوة أظهر وأقوى، بعكس من قال لكونهما من العورة ولم يشترط خوف الفتنة أو الشهوة مِن أو على الناظر للمرأة.
2 -
أن الفتنة والشهوة قد جاءت في النصوص العديدة من الكتاب والسنة، بما يدل على عظيم خطرهما، وشدة التحذير منهما، حتى سَمي الله ما يوصل إلى الشرك به فتنة، وفيما يخص النساء ما رواه أسامة بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ) ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء) (1)، وروي مسلم في صحيحه عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إن الدنيا حلوة خَضرة، وإن الله سبحانه مستخفلكم فيها، فينظر كيف تعملون؟ فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء).
وأما قولنا خشية الشهوة فلقوله تعالى: {زين للناس حب الشهوات من
(1) البخاري (5096) ومسلم (2741) وغيرهما.
النساء} فجعلهن من حب الشهوات بل وبدأ بهن قبل بقية الأنواع حتى كاد أن يقع بسبب تلك الفتنة نبي من أنبياء الله {لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ {24} [يوسف].
فقولنا أن خشية الفتنة وخشية الشهوة هي العلة والمقصد من أمر الشارع للنساء لستر الوجه والكفين كان هو الأظهر والأقوى بنصوص الشرع بعكس من قال لكونهما من العورة.
3 -
وأما قولنا أن ذلك أسلم فلما سبق بيانه من عدة اعتبارات شرعية ولوازم تمنع من القول به كظهوره في الصلاة إجماعا وغير ذلك.
وزيادة عما سبق فإن العورة لا يمكن أن تكون ضابطا دوماً في كثير من الأحوال لأنها غير مختصة بالمرأة حيث تختلف من حين لآخر، فعورة البيوت تزول بالاستئذان كما في قوله تعالى:{وَيَسْتأذن فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً} [الأحزاب: 58].
وهناك عورة في بعض الأوقات وتزول بانقضاء وقتها كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتأذنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيات وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النور: 58].
وهناك عورة ثالثة للنساء كما في قوله تعالى: {ولَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ
…
أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء} [النور: 31]، وهذه العورة تزول بنص القران في كِلا الاستثنائين، ففي أحوالها العادية تزول مع من استثناهم الله من البعول والأبناء والآباء ونحوهم ممن ذكروا، وفي أحوالها الضرورية تزول عند تلك الظروف من الضرورات والحاجات.
ولهذا فإننا بهذا الضابط نستفيد أنه وفي بعض الحالات قد لا تكون هناك عورة، كما لو خُشي الفتنة أو الشهوة من قريب للمرأة، أو من النظر إلى الأمرد الحسن الفاتن ونحو ذلك، أفلا ترى أن الجميع يوافقنا في التحريم ووجوب الستر وغض البصر بخشية الفتنة وخشية الشهوة؟ فظهر أنه هو الأصل في أمر الشارع بفريضة الحجاب على النساء لمنع كل الوسائل المفضية إلى الفتنة والشهوة المحرمة، ألم ترَ أنه حرم الخلوة والاختلاط وتعطر النساء عند الرجال الأجانب، ولم يكن شيء من ذلك عورة باتفاق المسلمين؟ .
فخشية الفتنة والشهوة وقولنا: (إذا أمنت الفتنة أو الشهوة) و (إذا لم يكن هناك فتنة)(وفي زمننا المنع فيه أوجب للفتنة) ونحو ذلك من عبارات فقهائنا، إنما هو ضابط لناظر معين ممن جاز نظره للمرأة عند الضرورة، نشترط شرطاً زائداً على الضرورة وهي أمن الفتنة والشهوة منه أو عليه، كمن كان معروفاً بالفسق وقلة الورع، أو يعلم من نفسه
أنه يَشتهي ويتأثر، فيُمنع من النظر للمرأة ولو لحاجة، وهذا المعنى هو الأكثر عند إطلاقهم لتلك العبارات، ومثله لو كثر الفساد في الناس أو في زمن من الأزمان، وقل الورعون مُنع من كشفها ولو للضرورة، ومرة يعنون بها التقعيد اختصارا للآية التي استثنت المذكورين ممن يجوز أن تبدي لهم المرأة زينتها ويؤمن من جانبهم الفتنة والشهوة {إلا لبعولتهن أو
…
}، أو في حق الكبيرة من القواعد من النساء أو الصغيرة التي لا تُشتهى، أي بمعنى من توفرت فيهم الشروط وانتفت عنهم الموانع كما سبق بيانه، ومرة نطلقه ونعني به عدم وجود الرجال كما لو خرجت المرأة ولم يكن هناك في طريقها أو مكان جلوسها من يمكنه النظر إليها، فهنا لها أن تكشف وجهها للأمن من الفتنة ولعدم وجود من يُخشى عليهم أو منهم الفتنة بعكس لو قيل أنه عورة للزم منه وجوب ستره بمجرد خروجها، فكان تقعيداً لنا مختصراً من ذلك كله.
وبهذا يظهر أن قولنا بتحريم كشف المرأة لوجهها وكفيها لعلة الفتنة والشهوة، لهو أقوى وأظهر وأسلم من قول من قال أنه بسبب العورة، فكيف يقال أننا نجوز كشف المرأة لوجهها ونصوصنا في كتب المتقدمين من أئمتنا شاهدة على خلاف ذلك، حتى أننا نقول بالعورة لكل ما لم يكن في ظهوره من المرأة حاجة وضرورة، فقال بعضنا أن باطن الكفين ليس بعورة وظاهرهما عورة، لأنها تحتاج لإظهار الباطن للأخذ والإعطاء ونحو ذلك بعكس ظاهر الكف، واختلفنا في القول المشهور عن إمام مذهبنا أبي حنيفة النعمان رحمه الله هل القدمين منها عورة أو
ليسا بعورة لعدم الضرورة في كشفهما، واختلفنا في مذهبنا في صوتها فمن قائل أن قواعد المذهب على كونه عورة ومن قائل على خلاف ذلك، وقلنا كما عند أئمة الشافعية: كلُّ ما بان وانفصل من المرأة مما لا يجوز للأجنبي النظر إليه في حال اتصاله بها كشعرها ونحوه، هو عورة ولو عند انفصاله.
- فإن قيل لهم ولماذا عندما فسر علماؤكم قوله تعالى: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} حدده البعض منهم بما يَظْهَر حال صلاتها فما دخل ذلك بالصلاة؟ وبعضهم حدده بما جاء في حديث أسماء وعائشة مع أنه ليس في موضوع باب عورة المرأة في الصلاة، وقد أوجد ذلك شبهة أخرى أنكم تقولون بجواز كشف المرأة لوجهها؟
أجابوا: نحن في فهمنا للآية على فهم سلف الأمة وإجماع أهل التفسير من أنها رخصة لأن تبدي المرأة من زينتها ما تدعو الحاجة إليه، ونصوصنا ظاهرة على أنه لا يجوز كشف المرأة لوجهها بدون ضرورة، ولكن لما خشينا أن يستجيز الناس بفهمهم للرخصة التساهل في أن يبدو من المرأة ما زاد عن قدر الحاجة، وذلك كون الآية لم تحدد الزينة، {إلا ما ظهر منها} نظرنا لغالب أحوال المرأة مما ذكره الفقهاء فوجدناها تحتاج في مثل تلك الأحوال للوجه والكفين كمثل حال الخطبة أو الشهادة أو عند التقاضي، فقلنا ويؤيد هذا التحديد أمور:
أولها: ما في مذهبنا من عدم اعتبار الوجه والكفين من العورة للضرورة.
الثاني: لأن هذا مما يظهر من المرأة في عبادتها كصلاتها وحجها.
والثالث: لأنه مما يظهر منها عادة وعبادة.
والرابع: بعض أقوال الصحابة والتابعين عند تفسيرهم للآية.
فكان القول بالوجه والكفين هو القدر الأولى بالصواب من مجموع أقوال الصحابة والتابعين في تفسيرهم للآية كونه الغالب فيما تبديه المرأة من زينتها عند الضرورة، واستأنسوا للاستدلال بهذا القدر ولتحديد الضابط فيما يظهر منها غالبا بما سبق، ألم ترَ كثيرا من الفقهاء والأئمة الذين استدلوا بحديث أسماء وعائشة على تحديد ما يظهر من المرأة عند كلامهم في أبواب عورتها في صلاتها وعند الخاطب ونحو ذلك، ولم ينكر عليهم ذلك أحد مع عدم حجيته عندهم، وبعده عن موضوع ما يظهر منها في الصلاة، ولكن استئناسا بالحديث الضعيف لتحديد ذلك القدر الذي يظهر في صلاتها إذا لم يوجد في الباب الذي يتكلمون فيه غيره، ولو كان خارجا عن موضوعهم فما دخل عورتها في الصلاة وما تظهره للخاطب والشاهد بحديث أسماء، والعكس حصل حيث ذكر كثير من الفقهاء قوله تعالى:{ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} في أبواب عورة المرأة في الصلاة ولنفس الغرض ليستشهدوا به على تحديد الوجه والكفين فقط في الصلاة وعدم جواز ظهور غيرهما، حيث رأى كثير من الأئمة عدم كفاية حديث:(تصلي في درع وخمار) ونحوه، لأنه ليس فيه تحديد الوجه والكفين تحديداً دقيقاً كما عليه الإجماع مع أن الإجماع حجة كافية.
وهكذا هنا وجدنا عدم ذكر للوجه والكفين فيما يبدو عند الرخصة {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} فاحتطنا في تفسير الرخصة بهذا القدر لما يظهر غالبا منها على مسائل الفقه، مع أن الإجماع على جواز ذلك أيضاً، واستدللنا لمن طالبنا بالدليل على تحديد هذا القدر حال الرخصة بالقياس بأنه هو الذي يظهر في صلاتها، وبأنه مما يظهر عادة وعبادة، وبأنه ليس عورة على قواعدنا ولأنه هو القدر الغالب الذي تحتاج لكشفه في تلك الأحوال الضرورية التي مثل لها الفقهاء في كتبهم كالشهادة والتقاضي وتوثيق التعاملات لمعرفة شخصها وللرجوع عليها أو لها ونحو ذلك، وبعضنا استأنس بأثر أسماء وعائشة لأنه ذكر فيه تحديد الوجه والكفين وهو أيضا من قبيل القياس أو أن المتقدمين كانوا يحملونه على ما يظهر من المرأة حال الرخصة وفي صلاتها.
ولهذا لن تجدوا في كتبنا ولا كتب أئمة المذاهب الأربعة من استدل به أو بغيره من أدلة أهل السفور اليوم وقال أنها أدلة لجواز أن تسفر المرأة عن وجهها بدون سبب مبيح، بالعكس كان فهمنا وفهم السلف والأئمة المتقدمين منا لهذه الأدلة هو فقط في أبواب عورة المراة في الصلاة، والرخص من أبواب النكاح ورؤية الخاطب والشاهد ونحوها، وعلى فرض وجود بعض الأدلة وكون النساء فيها كن كاشفات عن وجوههن، فكانوا يفهمون منها ويستدلون بها على أن الوجه والكفين ليسا بعورة فيجوز ظهورهما عند الضرورة ونحو ذلك، وهذا مغاير تماماً لاستدلالات المتأخرين من أهل السفور فهذه كتب الفقهاء وشراح
الصحاح والسنن لو فيها كلمة واحدة تعني السفور مما يقوله أو ينسبه لنا اليوم اهل السفور.
فكيف يُفهم كلامنا في الحيطة والحذر بتحديد القدر بالوجه والكفين عند الأخذ بالرخص ليقال عنا أننا دعاة لمذهب السفور؟ وأننا نقول بخروج النساء سافرات أمام الرجال الأجانب، هذه جناية علينا وعلى ما سطره أئمة الإسلام، بل وفي بعض النصوص والمعاني المحرفة والمبدلة عن مقصد أئمتنا قدح في استدلالاتهم وكأنهم يقولون مالا يمكن تصوره ولا تطبيقه.
- فإذا قيل لهم ولكن قولكم المرأة كلها عورة إلا وجهها وكفيها وتفسيركم الآية بما يظهر عند الضرورة ثم تحديد القدر الظاهر منها بما يظهر في صلاتها وبحديث أسماء وغيره، هذان الأمران من أعظم ما أوجد الإشكال عند المتأخرين ففهموه على غير مقصدكم ومرادكم وبأنكم تقولون بالسفور؟ .
أجابوا: إن الله لم يضمن الحفظ إلا لكتابة وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ولهذا كانا هما الحجة على الخلق، ومع هذا فإنه قد يقع غلط الغالطين في المعنى والمراد من كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، فكيف بكلام أئمة الإسلام كإمامنا أبي حنيفة ومالك وكبار أئمة المذاهب، فقد يَنقل شراح المذاهب من المتأخرين ما يغير مقصود ومراد بعض المتقدمين من أئمة المذاهب وكم من اختلاف حدث بين أتباع المذهب الواحد في أن قول الإمام الصحيح في المسألة الفلانية كذا وقال آخرون بل الصحيح عنه كذا، فكيف لا نتصور أن يحصل ممن بعدهم شيء من الإنحراف والتغيير؟
ولكن من رجع لنصوصنا وكلام أئمتنا وبخاصة المتقدمين علم أنهم وإن قالوا المرأة عورة إلا وجهها وكفيها فهذا لا يعني أننا نقول بجواز كشفهما على كل حال وإنما هو إعلان عن اعتراضنا على لفظة كلها عورة لأنه يستلزم منها لوازم نرى معارضتها لكثير من المسائل الشرعية كما سبق بيانه.
فكان الأولي والأقوى والأسلم أن العلة في تحريم كشف المرأة لوجهها وكفيها هي التي عندنا وهي الفتنة والشهوة.
- فإذا قلنا لهم أعطونا من نصوصكم أيها الأحناف والمالكية وبعض الشافعية ومن يوافقكم ما يفيد قولكم هذا وبخاصة في تفسير الآية التي نحن بصددها، ونؤجل بقية الأقوال لموضع آخر؟ .
قالوا نعم.