الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عندهم وفي زمانهم شريعة الله وفريضته في الحجاب كانت سنة ومستحب؟ فضلاً أن يكون عندهم عن أحد من الصحابيات أو التابعيات أو تابعي التابعيات دليل مشتهر في فعلهن أو بيانهن لهذه السُنة المستحبة ولو بدليل وأحد صريح ولو لمرة واحدة، وهذا من أعجب العجب على بطلان قولهم وسبحان الله! .
فلان نعترف ونعتذر للبعض إن أخطأ في فهم الظاهر من كلام السلف والعلماء المتقدمين أسلم لأداء الأمانة التي حملها الإنسان وخير وأولى من رمي الشريعة والصحابة والفقهاء من الأئمة الأربعة والمحدثين بالنزاع واختلاف التضاد في حين لم يرد عنهم في ذلك شيء واحد.
مذهب السلف في مسائل الشبهات:
ولهذا فمذهب السلف في مسائل الشبهات معروف كما هو مقرر من قول عدد من أئمة الإسلام:
قال الإمام الشاطبي رحمه الله: (إذا ثبتت قاعدة عامة أو مطلقة فلا تؤثر فيها معارضة قضايا الأعيان ولا حكايات الأحوال، والدليل على ذلك أمور
…
- ثم ذكرها - إلى أن قال: وهذا الموضع كثير الفائدة عظيم النفع بالنسبة إلى المتمسك بالكليات إذا عارضتها الجزئيات وقضايا الأعيان، فإنه إذا تمسك بالكلي كان له الخيرة في الجزئي في حمله على وجوه كثيرة، فإن تمسك بالجزئي لم يمكنه مع التمسك الخيرة في الكلي؛ فثبت في حقه المعارضة ورمت به أيدي الإشكالات في مهاوٍ
بعيدة، وهذا هو أصل الزيغ والضلال في الدين؛ لأنه اتباع للمتشابهات وتشكك في القواطع المحكمات) (1) انتهى.
وقال أيضاً في كتابه "الاعتصام":
(فصل: ومنها انحرافهم عن الأصول الواضحة إلى اتباع المتشابهات التي للعقول فيها مواقف وطلب الأخذ بها تأويلا.
كما أخبر الله تعالى في كتابه إشارة إلى النصارى في قولهم بالثالوثي بقوله: {فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله} وقد علم العلماء أن كل دليل فيه اشتباه وإشكال ليس بدليل في الحقيقة حتى يتبين معناه ويظهر المراد منه ويشترط في ذلك
أن لا يعارضه أصل قطعي فإذا لم يظهر معناه لإجمال أو اشتراك أو عارضه قطعي كظهور تشبيه فليس بدليل لأن حقيقة الدليل أن يكون ظاهرا في نفسه ودالا على غيره وإلا احتيج إلى دليل فإن دل الدليل على عدم صحته فأحرى أن لا يكون دليلا.
ولا يمكن أن تعارض الفروع الجزئية الأصول الكلية لأن الفروع الجزئية إن لم تقتض عملا فهي في محل التوقف وإن اقتضت عملا فالرجوع إلى الأصول هو الصراط المستقيم ويتناول الجزئيات حتى إلى الكليات فمن عكس الأمر حاول شططا ودخل في حكم الذم لأن متبع الشبهات مذموم فكيف يعتد بالمتشابهات دليلا؟ أو يبنى عليها حكم من
(1) الموافقات (3/ 260) للإمام أبي إسحاق الشاطبي المتوفى سنة (790 هـ).
الأحكام؟ وإذا لم تكن دليلا في نفس الأمر فجعلها بدعة محدثة هو الحق.
ومن الأمثلة أيضا أن جماعة زعموا أن القرآن مخلوق تعلقا بالمتشابه والمتشابه الذي تعلقوا به على وجهين: عقلي في زعمهم وسمعي.
…
ومدار الغلط في هذا الفصل إنما هو على حرف واحد وهو الجهل بمقاصد الشرع وعدم ضم أطرافه بعضها لبعض فإن مأخذ الأدلة عند الأئمة الراسخين إنما هو على أن تؤخذ الشريعة كالصورة الواحدة بحسب ما ثبت من كلياتها وجزئياتها المرتبة عليها وعامها المرتب على خاصها ومطلقها المحمول على مقيدها ومجملها المفسر بينهما إلى ما سوى ذلك من مناحيها فإذا حصل للناظر من جملتها حكم من الأحكام فلذلك الذي نظمت به حين استنبطت.
وما مثلها إلا مثل الإنسان الصحيح السوي فكما أن الإنسان لا يكون إنسانا حتى يستنطق فلا ينطق باليد وحدها ولا بالرجل وحدها ولا بالرأس وحده ولا باللسان وحده بل بجملته التي سمي بها إنسانا كذلك الشريعة لا يطلب منها الحكم على حقيقة الاستنباط إلا بجملتها لا من دليل منها أي دليل كان نطق ذلك الدليل فإنما هو توهمي لا حقيقي كاليد إذا استنطقت فإنما تنطق توهما لا حقيقة من حيث علمت أنها يد إنسان لا من حيث هي إنسان لأنه محال.
فشأن الراسخين: تصور الشريعة صورة واحدة يخدم بعضها بعضاً كأعضاء الإنسان إذا صورت صورة مثمرة وشأن متبعي المتشابهات أخذ دليل ما أي دليل كان عفوا وأخذاً أولياً وإن كان ثَمَّ ما يعارضه
من كلي أو جزئي فكان العضو الواحد لا يعطى في مفهوم أحكام الشريعة حكما حقيقيا فمتبعه متبع متشابه ولا يتبعه إلا من في قلبه زيغ كما شهد الله به: {ومن أصدق من الله قيلا} وذلك أن التعارض إذا ظهر لبادي الرأي في المقولات الشرعية فإما أن لا يمكن الجمع بينهما أصلا وإما أن يمكن فإن لم يمكن فهذا الفرض بين قطعي وظني أو بين ظنيين فأما بين قطعيين فلا يقع في الشريعة ولا يمكن وقوعه لأن تعارض القطعيين محال فإن وقع بين قطعي وظني بطل الظني وإن وقع بين ظنيين فهاهنا للعلماء فيه الترجيح والعمل بالأرجح متعين وإن أمكن الجمع فقد اتفق النظار على إعمال وجه الجمع وإن كان وجه الجمع ضعيفا فإن الجمع أولى عندهم وإعمال الأدلة أولى من إهمال بعضها فهؤلاء المبتدعة لم يرفعوا بهذا الأصل رأسا إما جهلا به أو عنادا) (1) انتهى من كتاب "الاعتصام".
فلا نشك أنهم أرادوا الحق ولكن لم يصيبوه، كما قال شيخ الإسلام بن تيمية:(فقد يخفى على بعض العلماء بعض معاني القرآن كما خفي عليه بعض السنة فيقع خطأ المجتهدين من هذا الباب. والله أعلم)(2)
بعكس أهل الزيغ والفساد فلا كلام لنا معهم، لأنهم لا يريدون طاعة الله ورسوله وإنما طاعة أهوائهم، ولكن نسأل الله لنا ولهم ولجميع المسلمين الهداية والله العالم بما نعلن ونسر.
(1) الاعتصام للشاطبي (1/ 181).
(2)
مجموع الفتاوى (13/ 381) من مقدمة التفسير.
(المبحث الثامن)
الرخصة الثانية في سورة النور وإجماع أهل العلم قال تعالى: {وَالقواعد مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ متبرجات بِزِينَةٍ وَأن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [النور: 60].