الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يدبر منها أم ماذا يفعل؟ هل هذا ما عنيته الشريعة الغراء؟ لهذا لو قالوا بكشف المرأة لوجهها وأعرضوا عن كلام الفقهاء إذ لم يفهموا معناه لكان أسلم لهم ولدينهم.
ألا يكفي ما أصاب الإسلام من سفور وتبرج كتبرج الجاهلية الأولي بسبب قولهم بجواز كشف المرأة لوجهها، فكيف لو أننا أيضاً حملنا كلام الفقهاء المتقدمين على مثل ما فهموه وقالوه ليستدلوا به على جواز سفور المرأة لوجهها، بمعاني لا تعقل ولا تتصور؟ ولكان في ذلك من التسفيه للشريعة الغراء، والإعراض عن الكتاب المبين والذكر الحكيم، والاستدراك على كلام الفقهاء ونبذ كتبهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله وسيأتي مزيد بيان لذلك في حينه عند الكلام عن التحريف والتبديل والتصحيف فيما لحق كلام الفقهاء في مسألة الحجاب.
بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم جواز نظر الخاطب لمخطوبته نوع من تفسيره للآية:
وكذلك من الأحوال والحاجات التي تدخل في الآية الكريمة ويرخص فيها للمرأة أن تكشف عن وجهها هو عند قدوم الخاطب لها، وهذا ما يفسر لنا سر ورود الأحاديث الكثيرة، لعدد من الصحابة يحثهم فيها النبي الكريم ويدعوهم للنظر للمخطوبة بل وكان يسألهم (أنظرتَ إليها؟ ) ولو كانت النساء يخرجن مكشوفات في العهد النبوي كما ادعاه البعض لما دعاهم لذلك ولا حثهم عليه ولا ظن عكسه ولا أكثر السؤال فيه، لأن الغالب أن الرجال يمكنهم رؤية النساء إذا خرجن وهن
مكشوفات الوجوه، والدواعي للخروج كثيرة في كل زمان ومكان، ولو كان الأمر كذلك لكان في حثه وسؤاله وإرشاده لهم بأهمية النظر للمخطوبة تحصيل حاصل بلا فائدة وحاشاه بأبي وأمي صلى الله عليه وسلم فهو لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحي، ولهذا فعلم عليه الصلاة والسلام أن صحابته سيتحرجون من النظر للنساء وسيجدون في سبيل ذلك حواجب وموانع بعد أن نزل أمر الحجاب، ولو كان ستر الوجه ليس مفروضاً عليهن وإنما هو سنة ومستحب كما يقوله البعض لكان أعلم الناس بذلك صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقاموا من أنفسهم وطلبوا من النساء ما أباح الله لهن كشفه، ولما احتاجوا أن يتلمس رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجتهم، أو أن يُبين لهم أمراً هو في أصله مباح بل بلَغ من سترهم وحجابهم أن أحدهم كان يخطب المرأة ولما يراها، فيتدخل نبي الأمة ليشفع لأحد صحابته عند ولي المخطوبة حتى يسمح له أن ينظر لموليته (1) بل ولما احتاج أن يخبرهم بجواز أن ينظر الخاطب لمن أراد خطبتها بأي وسيلة ما دام مقصده وغرضه صحيحا، حتى كان يختبئ أحدهم بين الأشجار والأستار لينظر إليها، فينكر عليه البعض فيخبرهم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فهل هذا كله على أمرٍ سنة ومستحب؟ أم أن هذا مما يدل على ما كان عليه مجتمعهم من تحريم وتعظيم أمر كشف النساء لوجوههن بدون سبب مبيح، وهذا ما يصور لك الأوضاع الاجتماعية لحياة الصحابة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لم يجرؤ أحد على طلب النظرة
(1) سنأتي لهذه الأحاديث وتخريجها بمشيئة الله في مبحث الأدلة من السنة (صـ 538 - 540) ..
الشرعية من أولياء النساء، ظناً من الجميع في بادئ الأمر عدم جواز ذلك، وأن من هو في مثل حال الخاطب لا يُعَدُ حالهُ من الحاجات والضروريات التي يباح لها كشف المرأة لوجهها، لإمكان الاستعاضة عنه بأن تنعت المرأة المرأة، وقد كان ذلك معروفاً عندهم ولهذا قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه:(لا تُباشِرُ المرأة المرأة فَتنعَتها لِزَوجِها كأنه ينظُرُ إليها) متفق عليه، وقد بوب له الإمام النووي في رياض الصالحين (باب النهي عن وصف محاسن المرأة لرجل إلا أن يحتاج إلى ذلك لغرض شرعي كنكاحها ونحوه) وهذا موجود أيضا في كتب الفقه حيث ذكروا في مسألة نظر الخاطب وأنه يجوز في حال أن وُصفت له ولو لم يرها، بل وكان مثل ذلك موجودا من عهد قريب يتزوج الرجل مكتفياً بوصف أهله وقرابته، فكيف بمن كانوا قريبي العهد بنزول الآيات، فكان في بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم بجواز ذلك في أكثر من مناسبة ولأكثر من صحابي، وبأكثر من طريقة ما يفسر لهم أن كشف المرأة لوجهها عند خطبتها مسموح به وداخل فيما نصت عليه الآية الكريمة {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} .
وهذا نوع وشكل من أشكال التفسير الذي كان يفسر به رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن لصحابته، حيث كان يفسره بالمثال والواقع من حياتهم، وهم عندما فسروه لمن بعدهم فسروه كما تعلموه من رسول الله صلى الله عليه وسلم بذكر الأمثال والأحوال من واقع الناس، واكتفوا في تعليم الناس المراد من الآيات في كتاب الله بمثل ذلك، وتهيباً من أن يفسروا القرآن على سبيل الإملاء والإنشاء بعبارات من عند أنفسهم.
وهذا في غاية الأهمية لمن يقرأ في كتب التفسير بالمأثور حتى يفهم أقوالهم، فتنبه له جيداً حيث سنحتاجه عند النظر في المأثور عنهم فيما يَعنينا من قوله تعالى:{ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} فكان في هذه الآية الكريمة من الرخصة والرحمة بالعباد ما يستوجب منهم شكره لا كفره، لما فيها من مصالح عديدة لا يمكن حصرها من حفظ الحقوق ومن استتباب الأمن ومن مراعاة حاجة المرأة كعلاجها ومصالحها وتعاملاتها ونحو ذلك كثير مما هو داخل فيما عنته الآية الكريمة. فأين الرخصة لمثل هذه الأمور وغيرها إن لم تكن في هذه الآية؟ .
(المبحث الثالث)
أقوال الصحابة واختلافهم في تفسير قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا مَا ظَهَرَ مِنْها} [النور: 31]
كان من اختلاف التنوع لا اختلاف التضاد