الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خطأ الألباني في فهم مراد الإمام البيهقي
(1):
وفي نفس هذا الأمر أخطأ الشيخ الألباني رحمه الله في فهم كلام المتقدمين كما مر معنا سابقا وعندما نقلنا تفسير أهل العلم في قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} فعندما وجدهم يحددون قدر الرخصة بما يظهر من المرأة حال الصلاة وعادة وعبادة ليكون هو القدر الغالب ظهوره عند الضرورة وهما الوجه والكفان ظنهم يتكلمون في الآية المشرعة والواصفة لحجاب المرأة المسلمة في أحوالها العادية ولهذا اعترض عليهم قائلا: (وهذا الترجيح غير قوي عندي لأنه غير متبادر من الآية على الأسلوب القرآني وإنما هو ترجيح بالإلزام الفقهي وهو غير لازم هنا لأن للمخالف أن يقول: جواز كشف المرأة عن وجهها في الصلاة أمر خاص بالصلاة فلا يجوز أن يقاس عليه الكشف خارج الصلاة لوضوح الفرق بين الحالتين). وقوله رحمه الله: (وفي هذا التعقيب نظر أيضا لأنه وإن كان الغالب على الوجه والكفين ظهورهما بحكم العادة فإنما ذلك بقصد من المكلف والآية حسب فهمنا إنما أفادت استثناء ما ظهر دون قصد، فكيف يسوغ حينئذ جعله دليلا شاملا لما ظهر بالقصد؟ ).
والحقيقة أنهم يتكلمون في آية الرخصة وتحديد قدر ما يظهر من زينة المرأة عند الحاجة والضرورة فقدروه بالوجه والكفين لأنهما مما
(1) الإمام البيهقي ولد (384 هـ) وتوفي رحمه الله (458 هـ).
يظهران في صلاتها وعادة وعبادة لأنهما الغالب مما تبتلى به المرأة بكشفه كما في أحوالها التي ذكرها الفقهاء وكان هذا التقدير احتياطاً منهم حتى لا يتوسع الناس في الأخذ بالرخص فيكشفوا ما لا داعي لكشفه، ولهذا قوى البيهقي قول من قال بتحديد هذا القدر بالوجه والكفين كغيره من المتقدمين فظنه الشيخ الألباني أنه يقصد تقوية الحديث حين قال الألباني:(نعم حديث عائشة عند أبي داود دليل واضح على جواز إظهار المرأة الوجه والكفين لولا أن فيه ما بيناه في التعليق إلا أنه من الممكن أن يقال: أنه يقوى بكثرة طرقه وقد قواه البيهقي كما يأتي أدناه فيصلح حينئذ دليلا على الجواز المذكور)(1) انتهى
وأما قوله: (وقد قواه البيهقي
…
فيصلح حينئذ دليلا على الجواز المذكور) فكيف إذا اتضح أن البيهقي لم يقوه وإنما قوى أصل المسألة في تحديد القدر الظاهر من المرأة في الصلاة وعند الحاجة، كغيره من الأئمة المتقدمين، وهذا هو الحق فهذا غلط على البيهقي لأنه قال في السنن الكبرى:"كتاب الصلاة"
ثم ذكر: (باب وجوب ستر العورة للصلاة وغيرها).
ثم ذكر: (باب عورة المرأة الحرة) قال الله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} (أخبرنا) -وساق بسنده- عن ابن عباس قال: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قال: ما في الكف والوجه. (أخبرنا) -وساق بسنده-
(1) جلباب المرأة للألباني.
عن ابن عباس في قوله: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} الآية قال: الكحل والخاتم. وروينا عن أنس بن مالك مثل هذا. (وأخبرنا) - وساق بسنده - عن عائشة رضي الله عنها قالت: {مَا ظَهَرَ مِنْهَا} الوجه والكفان. وروينا عن ابن عمر أنه قال: الزينة الظاهرة الوجه والكفان. وروينا معناه عن عطاء بن أبى رباح وسعيد بن جبير وهو قول الأوزاعي.
(أخبرنا) - وساق بسنده - عن عائشة أن أسماء بنت أبى بكر دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب شامية رقاق فأعرض عنها ثم قال ما هذا يا أسماء؟ إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يُرى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه. لفظ حديث المالينى. قال أبو داود: هذا مرسل. خالد بن دريك لم يدرك عائشة.
قال الشيخ (1) مع هذا المرسل قول من مضى من الصحابة رضي الله تعالى عنهم في بيان ما أباح الله من الزينة الظاهرة فصار القول بذلك قويا وبالله التوفيق) (2) انتهى كلام البيهقي.
فأنت ترى هنا أنه إنما قوى تفسير الزينة الظاهرة بالوجه والكفين في أبواب تحديد عورة المرأة في الصلاة فذكر آية الرخصة وأقوال الصحابة والسلف فيها، فالبيهقي كمن سبق معنا من المفسرين والفقهاء يريد بذكر آية الرخصة وأقوال الصحابة فيها وحديث أسماء تحديد الوجه والكفين لبيان قدر عورة المرأة في الصلاة قياسا بقدر ما يجوز
(1) أي الإمام البيهقي رحمه الله.
(2)
سنن البيهقي (2/ 226).
لها كشفه في الغالب عند الأجنبي، ولهذا استشهدوا بهما أيضا في "كتاب النكاح" مرة أخرى لتحديد قدر الرخصة للخاطب ونحوه قياسا بما يظهر منها حال الصلاة، فالأدلة هنا يستخدمونها هناك والأدلة هناك يستخدمونها هنا، وهذا غاية ما فهمه السلف من الآية وأقوال الصحابة فيها وحديث أسماء، وهكذا فعل الإمام ابن حزم الظاهري في المحلى من "كتاب الصلاة" و"كتاب النكاح" حيث حدد القدر مما يظهر من المرأة في الصلاة وعند الضرورة للأجنبي بالوجه والكفين، ولكن بحسب منهجه الظاهري في عدم قبوله بالقياس أو الحديث الضعيف، ولهذا استدل بحديث الخثعمية وتصدق النساء بحليهن يوم العيد المخرجين في الصحيحين على تحديد قدر ذلك بالوجه والكفين وأنهما ليسا بعورة فيجوز ظهورهما في الصلاة وعند الضرورة للخاطب والشاهد.
وبالتالي تلاحظ عبارة البيهقي لم يقصد تقوية حديث أسماء بل ضعفه وإنما قصد تقوية مسألة تحديد القدر الظاهر منها في الصلاة وعند الحاجة فقال: (قال: أبو داود هذا مرسل. خالد بن دريك لم يدرك عائشة قال الشيخ: مع هذا المرسل قول من مضى من الصحابة رضي الله تعالى عنهم في بيان ما أباح الله من الزينة الظاهرة فصار القول بذلك قويا وبالله التوفيق) انتهى.
فالبيهقي استشهد لتقوية مسألة تحديد القدر الظاهر من المرأة في الصلاة بحديث أسماء وقول من مضى من الصحابة في الآية (فصار القول بذلك قويا) وليس العكس فلم يستشهد بشيء لتقوية حديث أسماء بل