الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثالثا: شبهة استدلالهم بحديث أسماء بنت أبي بكر الصديق ومخالفتهم لفهم السلف له
استدلوا بحديث عائشة رضي الله عنها: (أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله وعليها ثياب رِقاق، فأعرض عنها رسول الله، وقال: يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يُرى منها إلا هذا وهذا، وأشار إلى وجهه وكفيه)(1) أخرجه أبو داود وقال هذا مرسل خالد بن دريك لم يدرك عائشة.
والحديث هذا لا يحتج بمثله أبداً لكثرة ما فيه من ضعف ونكارة الواحدة منها تكفي لرده فضلاً عن الاستدلال به:
أ- وذلك لأنه ضعيف جداً، فقد ضعفه بالانقطاع مخرجه أبو داود بنفسه فقال: خالد بن دريك لم يدرك عائشة فهو لم يُعاصرها فكيف يروي عنها، وفي سنده سعيد بن بشير وقد ضعفه جمع من كبار أئمة الحديث، وكذلك هناك عنعنه بعض المدلسين مثل الوليد بن مسلم وقَتادة، حيث لم يصرحوا فيه بالتحديث.
ب- ولا أدل على ضعف الحديث من عدم العمل به عند المتقدمين وعدم فهمهم له على ما فهمه به أهل السفور اليوم، وقد مر معنا بإسهاب من قبل أن المتقدمين لم يأت عن أحد منهم أنه فهم من الحديث دعوة لسفور المرأة عن وجهها أبداً، ولهذا استأنسوا بذكرهم لهذا الحديث فقط في أبواب عورة المرأة في الصلاة وأبواب ما يظهر منها
(1) أخرجه أبو داود في سننه برقم (3636).
عند الضرورة للأجنبي، مع أن الحديث بعيد كل البعد عن موضوع عورة الصلاة ونظر الأجنبي، ومع أن الإجماع على ذلك ولا يحتاج لدليل وهو أن المرأة لا يظهر منها حال صلاتها إلا الوجه والكفان ولكن أحبوا أن يستأنسوا بدليل مع الإجماع على تحديد هذا القدر، لأن أحاديث (تصلى في درع وخمار) ونحوه فيه كلام من جهة وقفه على أم سلمة كما أنه ليس فيه ولا في غيره تحديد القدر بالوجه والكفين تحديدا دقيقا يمنع من ظهور غيرهما، ولهذا استأنسوا بذلك في أبواب الصلاة مع أن الإجماع كاف كما قلنا، وكذلك فعلوا تماما عند تفسيرهم لآية الرخصة {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} فالإجماع على جواز أن تبدي المرأة من زينتها ما تدعو الحاجة والضرورة إليه، ولكن أحبّوا أن يستأنسوا بدليل على تحديد قدر ما يظهر منها حال الرخصة غالباً وهما الوجه والكفان، لأنهما أكثر ما تبتلى المرأة بكشفه عند الحاجة والضرورة كمثل ما قاله الفقهاء عند الشهادة والبيوع والتقاضي والنكاح ونحو ذلك.
ولهذا فلا نعلم أن أحداً من أهل العلم المتقدمين صححه فضلاً عن أن يستشهد به على سفور المرأة فهذا مما لم يرد عنهم بتاتاً.