المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مخالفة الألباني للإجماع في تفسير قوله تعالى: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} - كشف الأسرار عن القول التليد فيما لحق مسألة الحجاب من تحريف وتبديل وتصحيف

[تركي بلحمر]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌(المبحث الأول)سورة الأحزاب وأول ما نزل من الآيات في مسألة الحجاب وما لحق تفسيرها من تحريف وتصحيف وتبديل

- ‌تاريخ نزول أول الآيات في مسألة الحجاب:

- ‌كيف مهد الإسلام لتشريع فريضة الحجاب

- ‌أول ما نزل في شأن الحجاب:

- ‌آية الحجاب وإجماع المفسرين عليها

- ‌التحريف والتبديل والتصحيف المعاصر لما لحق كلام شيخ المفسرين الإمام الطبري في تفسيره لآية الإدناء:

- ‌اختلاف ألفاظ السلف في التفسير غالباً ما يكون اختلاف تنوع:

- ‌الأدلة والنقول على أن (القناع) يأتي بمعني ستر الوجه:

- ‌مخالفة الشيخ الألباني لإجماع المسلمين في تفسيره لقوله تعالى: {يدنين عليهن من جلابيبهن}

- ‌آيات الحجاب لم تنزل مرة واحدةولها تسلسل ووقائع

- ‌(المبحث الثاني)سورة النور وما فيها من أدلة أخرى على أن الحجاب قد فرض قبلها وقبل ما فيها من قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}

- ‌تناقض أهل السفور في مسألة غض البصر:

- ‌التبرج انفلات لا يقف عند حد:

- ‌سورة النور والرخصة بجواز أن تبدي المرأة من زينتها ما تدعو الحاجة والضرورة إليه

- ‌سورة النور فصلت ما أُجمل في سورة الأحزاب:

- ‌مصطلح أمن الشهوة ونحوه عند الفقهاء المتقدمين وما أصابه من التحريف والتبديل والتصحيف:

- ‌بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم جواز نظر الخاطب لمخطوبته نوع من تفسيره للآية:

- ‌(المبحث الثالث)أقوال الصحابة في تفسير قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا مَا ظَهَرَ مِنْها} [النور: 31]

- ‌أقوال الصحابة واختلافهم في تفسير آية: {إلا ما ظهر منها} كان من اختلاف التنوع لا اختلاف التضاد

- ‌الجمع بين أقوال الصحابة في الآية:

- ‌ومن تلكم الحالات:

- ‌حالة المرأة الساترة لوجهها واحتاجت لكشف العينين فقط أو الكفين:

- ‌حالة احتياج المرأة لكشف زينة وجهها أو كفيها:

- ‌مقصد الإمام الطبري عند تفسيره للآية:

- ‌حالة احتياج المرأة لتكشف أكثر من الوجه أو الكفين:

- ‌حالة احتياج المرأة لظهور زينتها المكتسبة كالثياب ونحوها:

- ‌فرض لبس الجلباب عند خروج المسلمات الصالحات:

- ‌حالة ظهور زينة المرأة رغما عنها وبغير قصد منها:

- ‌منهج السلف في التفسير:

- ‌منهج الصحابة والتابعين عند تفسيرهم لآية الرخصة {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منه}

- ‌منهج أئمة التفسير والفقه عند تفسيرهم لآية الرخصة:

- ‌(المبحث الرابع)التحريف والتبديل فيما لحق كلام أئمة المذاهب الأربعة في فريضة الحجاب

- ‌اختلاف المذاهب الأربعة في مسألة الحجاب كان من اختلاف التنوع

- ‌المناهج الفقهية للمذاهب الأربعة:

- ‌فريضة الحجاب عند المذاهب الأربعة:

- ‌(محاورة)حجة القائلين أن الوجه والكفين ليسا من العورة وأن ذلك لم يمنع من قولهم بوجوب ستره لعلة الفتنة والشهوة

- ‌أدلة ونقول أئمة الفقهاء من الأحناف والمالكية وغيرهم وتفسيرهم لقوله تعالى: {إلا ما ظهر منها} بأنها رخصة وتحديدهم القدر المرخص للمرأة أن تبديه بأمور منها بما يظهر في صلاتها

- ‌(باب شروط الصلاة):

- ‌اعتراض الألباني على الأئمة في طريقة استدلالهم لتحديد قدر الرخصة لأنه يظن أنهم يستدلون به للسفور

- ‌قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

- ‌بقية أدلة الأحناف والمالكية وغيرهم في تفسير الآية بأنها رخصة وتحديدهم القدر المرخص لها أن تبديه في الغالب وأن قولهم ليس بعورة لا يعني عدم وجوب ستره

- ‌(محاورة)حجة القائلين أن علة الأمر بستر الوجه والكفين لكونهما من العورة

- ‌قول أتباع كل مذهب بقول المذهب الآخر وتعدد الروايات في المذهب الواحد دليل على أن اختلاف المتقدمين في فريضة الحجاب كان من قبيل اختلاف التنوع

- ‌خطأ الشيخ الألباني رحمه الله في نسبته مذهب السفور للقائلين أن الوجه والكفين ليسا بعورة:

- ‌وبالعكس فمع ذلك قد تجد بعض أئمة الأحناف والمالكية وبعض الشافعية يقول أن المرأة عورة وذلك لأن الأمر واسع كما قلنا ومثاله:

- ‌وهناك قسم آخر من بعض الأئمة أخذوا يفصلون بنوع آخر وهو أن الوجه والكفين من المرأة عورة، ولكنه في حق من جاز نظره إليها لا يكون بالنسبة لهم من العورة لورود الدليل المبيح في ذلك، وهذا يدلك أن الأمر فيه سعة ولا يترتب عليه في أصل المسألة شيء ومثاله:

- ‌خلاصةأقوال أئمة المذاهب الأربعة في مسألة هل الوجه والكفين عورة أم لا

- ‌سبب ذكرنا لتأصيل المذاهب لمسألة الحجاب:

- ‌(المبحث الخامس)إكمال نقل إجماع المفسرين على أن الآية رخصة وليست تشريعاً لفريضة الحجاب

- ‌فائدة في حكمة التكرار في قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ}:

- ‌حكمة عدم التحديد في قوله تعالى: {إلا ما ظهر منها}:

- ‌لو لم تنزل آية الرخصة

- ‌مخالفة الألباني للإجماع في تفسير قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}

- ‌تفسير قوله تعالى: {وليضربن بخمرهن على جيوبهن} وقول الألباني أن الخمار لا يأتي لستر الوجه

- ‌تصحيف الشيخ الألباني لكلام الحافظ ابن حجر

- ‌تفسير قوله تعالى: {وَلَا يَضْرِبْنَ بأرجلهن لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور 31]

- ‌(المبحث السادس)خصوصية أمهات المؤمنين في فرض الحجاب عليهن وما لحقها من التحريف والتصحيف والتبديل

- ‌التمهيد لنزول فريضة الحجاب:

- ‌موقف الصحابة من آيات الحجاب وأمهات المؤمنين:

- ‌طريقة حجاب النساء داخل البيوت والإجماع في ذلك:

- ‌لماذا ذكرت بيوت النبي صلى الله عليه وسلم بالذات

- ‌طريقة حجاب النساء خارج البيوت والإجماع في ذلك:

- ‌معنى الخصوصية في حجاب أمهات المؤمنين عند المتقدمين وما لحقها من التحريف والتبديل والتصحيف

- ‌الخصوصية الأولىالأدلة على أن معنى الخصوصية التي قصدها بعض المتقدمين لأمهات المؤمنين هي في تغليظ حجابهن بعدم جواز ظهور أشخاصهن أو الرخصة لهن في كشف الوجه والكفين كغيرهن

- ‌وممن قال بهذه الخصوصية من نوع التغليظ:

- ‌وممن قال أيضاً بالخصوصية من نوع تغليظ الحجاب على أمهات المؤمنين

- ‌الخصوصية الثانيةالأدلة على أن معنى الخصوصية الثانية والتي عناها المتقدمون لأمهات المؤمنين هي أنهن حجبن عن أبنائهن فكن بذلك مخصوصات عن بقية الأمهات وكن كالأجنبيات

- ‌خلاصة الكلام في خصوصية أمهات المؤمنين

- ‌الأول: أنهن مخصوصات بعدم ظهور شخوصهن فضلا عن عدم جواز ظهور الوجه والكفين منهن ولو عند الحاجة كما هو جائز لغيرهن

- ‌والثاني: أنهن مخصوصات بالحجاب من أبنائهن ومن يحرم النكاح بهم فكن بذلك دون بقية الأمهات ومن يحرم النكاح بهن اللاتي لم يفرض عليهن ذلك

- ‌تناقض أهل السفور واختلافهم في معنى الخصوصية المحدثةوما أوردوه من شبهات بخصوصها

- ‌رد شبهةعن الإمام القاضي عياض

- ‌كشف المُحْرِمَة وجهها في طريقها عند عدم وجود الرجال الناظرين لها وتناقص أهل السفور فيه:

- ‌مذهب القائلين بوجوب ستر المرأة لوجهها لمجرد خروجها:

- ‌الشبهة المثارة من أهل السفور عن مالك في جواز مؤاكلة المرأة للرجل

- ‌قول أهل السفور نتيجة حتمية لما هو الحاصل اليوم:

- ‌منهج الإمام ابن حزم الظاهري في مسالة الحجاب وما لحقه من تحريف وتبديل وتصحيف

- ‌نَقلُ أهل السفور هجوم ابن حزم على من فرق بين الأَمة والحرة في لبسهن للجلابيب في الصلاة وخارجها:

- ‌وقال ابن القيم: - فصل: الفرق بين النظر إلى الحرة والأمة

- ‌معنى الجلابيب عند الإمام ابن حزم موافق لإجماع أهل العلم:

- ‌(المبحث السابع)استدلالات أهل السفور بالسنة على شبهاتهم

- ‌أولاً: حديث الفضل بن عباس ومخالفتهم لفهم السلف له:

- ‌الوجه الأول: في رد هذه الشبهة وهي عدم وجود ما ادعوه أصلا من كشف الوجه في الحديث:

- ‌الوجه الثاني: وهو على فرض كونها كانت كاشفة عن وجهها:

- ‌ثانيا: استدلالهم بحديث سفْعَاء الخدين

- ‌ثالثا: شبهة استدلالهم بحديث أسماء بنت أبي بكر الصديق ومخالفتهم لفهم السلف له

- ‌خطأ الألباني في فهم مراد الإمام البيهقي

- ‌تضعيف البيهقي لحديث أسماء بنت عميس الثاني من طريق ابن لهيعة من"كتاب النكاح

- ‌رابعا: استدلالهم بحديث الواهبة نفسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم وشبهة أهل السفور فيه

- ‌خامسا: ومن أمثلة شبهاتهم الواهية التي ينقلونها:

- ‌ومن أمثلة غرائب استدلالات أهل السفور وشبههم:

- ‌سادساً: استدلالهم لمثل هذا بما جاء في جلباب المرأة للألباني:

- ‌خلاصة شبهات أهل السفور اليوم وبدعة القول أن في تغطية المرأة لوجهها أمام الرجال سنة ومستحب

- ‌مذهب السلف في مسائل الشبهات:

- ‌(المبحث الثامن)الرخصة الثانية في سورة النور وإجماع أهل العلمقال تعالى: {وَالقواعد مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ متبرجات بِزِينَةٍ وَأن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّ

- ‌(المبحث التاسع)الأدلة من السنة والآثار على فريضة ستر المرأة وجهها عن الرجال

- ‌وختاماً:

الفصل: ‌مخالفة الألباني للإجماع في تفسير قوله تعالى: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها}

‌مخالفة الألباني للإجماع في تفسير قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}

قال: الشيخ محمد الألباني رحمه الله في كتابه حجاب المرأة صفحة (57): (ويلاحظ القراء الكرام أن هذا البحث القيم الذي وقفت عليه بفضل الله من كلام هذا الحافظ ابن القطان يوافق تمام الموافقة ما كنت ذكرته اجتهاداً مني وتوفيقاً بين الأدلة: أن الآية مطلقة كما ستراه مصرحاً به (ص 87) فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات).

ثم قال هناك في صفحة (87): (هذا ولا دلالة في الآية على أن وجه المرأة عورة يجب عليها ستره بل غاية ما فيها الأمر بإدناء الجلباب عليها وهذا كما ترى أمر مطلق فيحتمل أن يكون الإدناء على الزينة ومواضعها التي لا يجوز لها إظهارها حسبما صرحت به الآية الأولى وحينئذ تنتفي الدلالة المذكورة ويحتمل أن يكون أعم من ذلك فعليه يشمل الوجه. وقد ذهب إلى كل من التأويلين جماعة من العلماء المتقدمين وساق أقوالهم في ذلك ابن جرير في (تفسيره) والسيوطي في (الدر المنثور) ولا نرى فائدة كبرى بنقلها هنا فنكتفي بالإشارة إليها ومن شاء الوقوف عليهما فليرجع إليهما، ونحن نرى أن القول الأول أشبه بالصواب لأمور:

ص: 307

الأول: أن القرآن يفسر بعضه بعضا. وقد تبين من آية النور المتقدمة أن الوجه لا يجب ستره فوجب تقييد الإدناء هنا بما عدا الوجه توفيقاً بين الآيتين

) انتهى كلام الألباني من كتابه جلباب المرأة.

وسبق لنا بيان أن آية النور متأخرة وليست متقدمة، فالشيخ غفر الله لنا وله أخذ من آية الرخص والاستثناءات، ما جعله حكماً لفريضة الحجاب، كمن يأخذ بأدلة الفطر للمسافر والمريض، ويقول الفطر في رمضان سنة ومستحب، وبناء على فهمه لاختلاف أقوال الصحابة والسلف في الآية، وكذلك كلام أهل العلم المتقدمين على لفظة العورة فظنه منهم أنه اختلاف تضاد بينهم، بل ولتقدير أكثرهم للزينة المرخص إظهارها من الآية بالوجه والكفين كونهما الغالب مما يظهر من المرأة عادة وعبادة، وفي صلاتها، فظنهم يتكلمون في الآية المشرعة للحجاب وجواز كشف المرأة للوجه والكفين في أحوالها العادية، واختلط عليه الأمر رحمه الله، ولا شك أنها شذوذ منه وزلة العالم غفر الله لنا وله، وجمعنا به في مستقر رحمته.

كما وأنه سبق لنا بيان فهم الإمام ابن جرير وغيره لكلام وأقوال الصحابة والسلف على الآية وهذه من النسب المغلوطة والمتسرعة، والمعتمدة على موضع واحد ولا يدل بصراحة على رأيه في المسألة، من بقية أقوالهم الصريحة، وكذلك فقد سبق لنا نقل أقوال الإمام السيوطي في أكثر من موضع من كتابنا هذا فلتراجع.

ولولا الخشية من التطويل لذكرت بقية أقوال أهل العلم من المفسرين والفقهاء التي تبين أنهم مجمعون على أن الآية رخصة لأن تبدي المرأة

ص: 308

من زينتها ما تدعو الحاجة والضرورة إليه، كإجماعهم في آية الإدناء التي سبقت في سورة الأحزاب على أنها أول ما أنزل في شأن الحجاب وأنها الواصفة والمشرعة لفريضته وشكله وطريقة لبسه كما جاءت بذلك الآثار عن السلف.

فهذه الآية من قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31]، استشهد بها اليوم القائلون بسفور وجه المرأة وكأنها هي الأصل في مسألة الحجاب وكأنها أول ما أنزل فيه، وبالتالي فسروها على ظاهرها وبدون معرفة التسلسل التاريخي لنزولها، وهي أنها متأخرة على فريضة الحجاب والغوص في معانيها ومعرفة مراد الصحابة من تفسيرها كما فهموه وأخذوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي أنها رخصة وتوسعة من الله لعباده المؤمنين والمؤمنات في أن تظهر المرأة زينتها عند الحاجة والضرورة بقدرها، كما فهموه من رسول الله من جواز نظر الخاطب وغيره، وكما جاء في نفس السورة بعدها الرخصة للعجائز وللقواعد من النساء أن يضعن ثيابهن، فهذه الاستثناءات جاءت بعد الأصل السابق والعام في فرض الحجاب والذي نزل متقدماً في سورة الأحزاب في السنة الخامسة للهجرة كما مر معنا وقبل سورة النور والتي كانت بعد غزوة بني المصطلق وحادثة الإفك في السنة السادسة من الهجرة، فكان بينهما ما يقارب السنة تقريباً.

فإن كانت هذه الآية أول ما نزل فكيف يصح عدم البيان وتحديده من أصله، وبخاصة في معرض البيان لفريضة إلهية أول مرة نزلت كما

ص: 309

يدعون من قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} فلماذا لم يبينها الله حتى لا يختلط الأمر على الناس؟ والحق أنه لم يحددها لحكمة منه سبحانه وتعالى أراد منها عدم التحديد المطلق لأنها رخصة فتركه استثناء مفتوحاً جعل تقديره للظروف والاحتياجات التي تواجه العباد حتى لا تقع المرأة والرجال في مشقة وعنت وحيرة من أمرهم.

كما قال تعالى: {إلا ما اضطررتم إليه} [الأنعام: 119]، ولم يحدد المستثنى الذي يأكلونه مما حرم عليهم، لأنه قصد هنا أحوال الضرورات وهي غير ثابتة بشئ وغير مستدامة، فما يجدونه ويحتاجونه مما حرم عليهم وقت الضرورة فمرخص لهم أكله.

فمن استشهدوا بها وكأنها أول ما نزل من مسائل الحجاب وكأنها المشرعة لفريضته الواصفة لشكله وحدوده، كان لقولهم ذلك أبلغ الأثر في خلط الأمور وتحريف وتبديل مسألة الحجاب حتى بدت أحكامه غريبة، وظهر فيها من التناقضات والاختلافات بين نصوصه من الكتاب والسنة وأقوال السلف الشيء الكثير، بل وبين أقوالهم أنفسهم؛ فوقعوا في كثير من التناقضات والإشكالات والتجاوزات أنتجت آراء غير معقولة وغير منطقية وغير واقعية، وغير مسبوقة ومخالفة للإجماع، ولهذا لم يزرع حجابهم - تغطية الرأس- في نفوس الآخذات به أي فضيلة أو حبا للسنة، وهذا في حال غالبيتهن كما هو شاهد الحال، فتبعه التبرج والسفور والانحلال، وإلى الله المشتكى.

ص: 310

ولو جمعت أقوال الصحابة والتابعين وأئمة التفسير حسب مدارسهم الفقهية وحللت ونظر لها بنوع من التتبع والاستقراء الفقهي لفهمت حسب مقاصدهم التي نص عليها أهل العلم السابقين في كل مذهب ولتبين لنا بلا شك ولا ريب أنها لمعنى واحد ومقصد متحد ولو كان بعضهم يقول بالعورة وبعضهم لا يقول بها ولعلمنا أن جميعهم يقولون بالتحريم إما بسبب العورة أو بسبب الفتنة والشهوة، ولما احتجنا لترجيح أو طرح قول على قول، ولما تطرق لدينا الاضطراب والتناقض والاختلاف الذي وقع فيه البعض فنسبوه للصحابة وأئمة المذاهب الأربعة وأهل التفسير ليبرروا اختيارهم من بين أقوالهم.

ولهذا فمن أمانة أهل العلم اليوم والمجامع الفقهية وولاة أمور المسلمين بيان كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وأهل العلم كما أرادوه وقصدوه ونفي التحريف والتبديل والتصحيف الواقع على كلامهم ونصوصهم من المتأخرين.

وبخاصة في فريضة من فرائض الإسلام، وشعيرة ظاهرة جلية بين الأنام يتساءل أحدنا كيف لم ينقل لنا خلاف السلف والمتقدمين فيها أو نزاع المذاهب الأربعة عليها؟ .

والسبب لأنه لم يكن بينهم خلاف أصلا في وجوب ستر النساء لوجوههن، وإنما كان خلافهم على علة الأمر وهو من قبيل خلاف التنوع لا خلاف التضاد.

ص: 311

وهنا كان نقلنا الطويل والمسهب لتفسير قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31]، من كتب أهل التفسير وأهل الفقه من المذاهب الأربعة لنبين أنه لم يأت أو ينقل عن أحد من السلف أو أئمة التفسير والفقه قاطبة على مر عصورهم لما يقارب الأربعة عشر قرنا أن قال فيها أحد منهم - أي أحد - أنها بيان لتشريع فريضة الحجاب وبيان شكله وطريقته وما يظهر من المرأة في أحوالها العادية كما قال بذلك الألباني وبعض متأخري هذا العصر غفر الله لنا ولهم، فضلاً أن يقال أنها دليل لجواز كشف النساء لوجوههن عند الرجال الأجانب بلا سبب مبيح، وإنما هو مبني على فهم مغلوط لمقصد ومراد أولئك المتقدمين عند تقعيدهم وتأصيلهم للمسائل ولهذا لم يقل به أحد منهم كما رأينا فهو يخالف قول الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وصحابته وتابعيهم ومن تبعهم بإحسان من أئمة أهل العلم وأعلام الإسلام الذين امتلأت كتبهم ومؤلفاتهم ببيانه ونقله وشرحه على مر عصورهم.

قال الشيخ ابن باز رحمه الله مبينا الإجماع في ذلك:

(والتبرج ليس تحرراً من الحجاب فقط بل هو والعياذ بالله تحرر من الالتزام بشرع الله وخروج على تعاليمه ودعوة للرذيلة، والحكمة الأساسية في حجاب المرأة هي درء الفتنة، فإن مباشرة أسباب الفتنة ودواعيها وكل وسيلة توقع فيها من المحرمات الشرعية ومعلوم أن

ص: 312

تغطية المرأة لوجهها ومفاتنها أمر واجب دل على وجوبه الكتاب والسنة وإجماع السلف الصالح) (1).

أفبعد هذا يقال خالف في المسألة بعد القرون المفضلة ومن بعدهم وإلى القرون المتأخرة واحد أو اثنان فلا إجماع، هذه هرطقة، ولو جازت هذه، لما كان هناك معنى ولا فائدة لقوله صلى الله عليه وسلم وحاشاه-:(من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) ولو أُخذ بشذوذ وزلة كل عالم متأخر لما سلم لنا من الدين شيء، ولحق للعلمانيين والعصرانيين الذين يتكلمون في ثوابت الدين بتفسيرات من عند أنفسهم، ثم يقولون نحن رجال كما أولئك رجال.

ولهذا فلا عبرة بمن خالف الإجماع هذا فيمن كانوا بعد عصر الصحابة والتابعين فكيف بمن بعدهم؟ .

قال شيخ الإسلام: (وفي الجملة من عدل عن مذاهب الصحابة والتابعين وتفسيرهم إلى ما يخالف ذلك كان مخطئاً في ذلك بل مبتدعاً وإن كان مجتهداً مغفوراً له خطؤه)(2).

وقال أيضاً: (فمن اتبع السابقين الأولين كان منهم وهم خير الناس بعد الأنبياء فإن أمة محمد خير أمة أخرجت للناس وأولئك خير أمة محمد كما ثبت في الصحاح من غير وجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خير القرون القرن الذي بعثت فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» ولهذا كان معرفة أقوالهم في العلم والدين وأعمالهم خيراً وأنفع من معرفة أقوال

(1) مجموع فتاوى ومقالات العلامة ابن باز، الجزء الخامس (مشروعية الحجاب).

(2)

مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام بن تيمية (ج 13/ 361).

ص: 313

المتأخرين وأعمالهم في جميع علوم الدين وأعماله كالتفسير وأصول الدين وفروعه والزهد والعبادة والأخلاق والجهاد وغير ذلك; فإنهم أفضل ممن بعدهم كما دل عليه الكتاب والسنة فالاقتداء بهم خير من الاقتداء بمن بعدهم ومعرفة إجماعهم ونزاعهم في العلم والدين خير وأنفع من معرفة ما يذكر من إجماع غيرهم ونزاعهم؛ وذلك أن إجماعهم لا يكون إلا معصوماً وإذا تنازعوا فالحق لا يخرج عنهم فيمكن طلب الحق في بعض أقاويلهم ولا يحكم بخطأ قول من أقوالهم حتى يعرف دلالة الكتاب والسنة على خلافه، قال تعالى:{أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا} .

وأما المتأخرون الذين لم يتحروا متابعتهم وسلوك سبيلهم ولا لهم خبرة بأقوالهم وأفعالهم بل هم في كثير مما يتكلمون به في العلم ويعملون به لا يعرفون طريق الصحابة والتابعين في ذلك من أهل الكلام والرأي والزهد والتصوف.

فهؤلاء تجد عمدتهم في كثير من الأمور المهمة في الدين إنما هو عما يظنونه من الإجماع وهم لا يعرفون في ذلك أقوال السلف البتة أو عرفوا بعضها ولم يعرفوا سائرها فتارة يحكون الإجماع ولا يعلمون إلا قولهم وقول من ينازعهم من الطوائف المتأخرين ; طائفة أو طائفتين أو ثلاثا وتارة عرفوا أقوال بعض السلف والأول كثير في "مسائل أصول الدين وفروعه".

ص: 314

كما تجد كتب أهل الكلام مشحونة بذلك يحكون إجماعاً ونزاعاً ولا يعرفون ما قال السلف في ذلك البتة; بل قد يكون قول السلف خارجاً عن أقوالهم كما تجد ذلك في مسائل أقوال الله وأفعاله وصفاته; مثل مسألة القرآن والرؤية والقدر وغير ذلك. وهم إذا ذكروا إجماع المسلمين لم يكن لهم علم بهذا الإجماع فإنه لو أمكن العلم بإجماع المسلمين لم يكن هؤلاء من أهل العلم به; لعدم علمهم بأقوال السلف فكيف إذا كان المسلمون يتعذر القطع بإجماعهم في مسائل النزاع بخلاف السلف فإنه يمكن العلم بإجماعهم كثيراً.

وإذا ذكروا نزاع المتأخرين لم يكن بمجرد ذلك أن يجعل هذه من مسائل الاجتهاد التي يكون كل قول من تلك الأقوال سائغاً لم يخالف إجماعاً; لأن كثيراً من أصول المتأخرين محدث مبتدع في الإسلام مسبوق بإجماع السلف على خلافه والنزاع الحادث بعد إجماع السلف خطأ قطعا كخلاف الخوارج والرافضة والقدرية والمرجئة ممن قد اشتهرت لهم أقوال خالفوا فيها النصوص المستفيضة المعلومة.

وإجماع الصحابة بخلاف ما يعرف من نزاع السلف فإنه لا يمكن أن يقال: أنه خلاف الإجماع وإنما يرد بالنص وإذا قيل: قد أجمع التابعون على أحد قوليهم فارتفع النزاع. فمثل هذا مبني على مقدمتين:

إحداهما: العلم بأنه لم يبق في الأمة من يقول بقول الآخر وهذا متعذر

الثانية: أن مثل هذا هل يرفع النزاع مشهور، فنزاع السلف يمكن القول به إذا كان معه حجة; إذ على خلافه، ونزاع المتأخرين لا يمكن لأن

ص: 315

كثيراً منه قد تقدم الإجماع على خلافه كما دلت النصوص على خلافه ومخالفة إجماع السلف خطأ قطعاً.

وأيضاً فلم يبق مسألة في الدين إلا وقد تكلم فيها السلف فلا بد أن يكون لهم قول يخالف ذلك القول أو يوافقه وقد بسطنا في غير هذا الموضع أن الصواب في أقوالهم أكثر وأحسن وأن خطأهم أخف من خطأ المتأخرين وأن المتأخرين أكثر خطأ وأفحش وهذا في جميع علوم الدين ولهذا أمثلة كثيرة يضيق هذا الموضع عن استقصائها والله سبحانه أعلم) (1) انتهى.

وقال شيخ الإسلام بن تيمية في موضع آخر: (الصحابة أخذوا عن الرسول لفظ القرآن ومعناه كما أخذوا عنه السنة وإن كان من الناس من غير السنة فمن الناس من غير بعض معاني القرآن; إذ لم يتمكن من تغيير لفظه وأيضا: فقد يخفى على بعض العلماء بعض معاني القرآن كما خفي عليه بعض السنة; فيقع خطأ المجتهدين من هذا الباب. والله أعلم)(2) انتهى.

ومن فطن لما قلناه كفاه وانتظم له عقد المسألة وأصلها وفرعها فنظر لكلام المفسرين والفقهاء على مر عصورهم واختلاف مذاهبهم بعين الفاهم الناقد البصير.

(1) مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام بن تيمية (ج 13/ 23).

(2)

مجموع الفتاوى من مقدمة التفسير (13/ 381).

ص: 316